نحـو فهم للدراسات الثقافية فـي تاريـخ المعـارف

ترجمة: يونس لشهب

تُرجِم عن: اصطيفان فان دام


في‭ ‬البدء‭ ‬كانت‭ ‬فكرة‭ ‬هذه‭ ‬المائدة‭ ‬المستديرة‭ ‬تنظيمَ‭ ‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الحالية‭ ‬للتاريخ‭ ‬الثقافي‭ ‬الأنجلوساكسوني،‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬شبيه‭ ‬بالسجالات‭ ‬الحديثة،‭ ‬التي‭ ‬انخرطت‭ ‬فيها‭ ‬مجلة‭ (‬جمعية‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭). ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬انصرف،‭ ‬ولعله‭ ‬انصراف‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬العجلة،‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬أحد‭ ‬الأقطاب‭ ‬التي‭ ‬اندمجت‭ ‬فيها‭ ‬تخصصات‭ ‬شتى،‭ (‬الإناسة‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتاريخ‭ ‬ودراسات‭ ‬النوع‭ ‬وتاريخ‭ ‬الفن،‭ ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬وتقاطعت‭ ‬فيها‭ ‬مقاربات‭ ‬متعددة‭ ‬تنكبّ‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬الثقافية‭. ‬ويحدوه،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬أمل‭ ‬تحديد‭ ‬موضوع‭ ‬للدراسة‭ ‬أكثر‭ ‬دقة،‭ ‬وإيجاد‭ ‬مدخل‭ ‬إشكالي‭ ‬لهذا‭ ‬الميدان‭.‬
وفضلاً‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬حجة‭ ‬اقتصاد‭ ‬درجات‭ ‬الاندماج،‭ ‬المحسومِ‭ ‬أمره،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬فقدت‭ ‬من‭ ‬مصداقيتها،‭ ‬فإن‭ ‬اختيار‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬عدول‭ ‬مزدوج‭:‬
ففي‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬تجعل‭ ‬صبغتها‭ ‬المتعددة‭ ‬التخصصات‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬الدراسات‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتقتضي‭ ‬أن‭ ‬يتبنى‭ ‬التحليل‭ ‬منهجاً‭ ‬مختلفاً‭. ‬ولقد‭ ‬اخترت‭ ‬الصدور‭ ‬عن‭ ‬مقاربة‭ ‬تاريخ‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬التاريخ‭ ‬الثقافي‭ ‬للمعارف،‭ ‬محاولاً‭ ‬فهم‭ ‬الامتداد‭ ‬المرجعي‭ ‬لهذه‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬فيما‭ ‬يتجاوز‭ ‬كل‭ ‬انسجام‭ ‬تخصصي‭ ‬أو‭ ‬تخاصّيّ (interdisciplinaire).

وفي‭ ‬المقام‭ ‬الثاني،‭ ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬الاختيار‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬جغرافية‭ ‬جامعية‭ ‬معولَمة،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬جغرافية‭ ‬أمريكية‭ ‬أو‭ ‬بريطانية‭ ‬فقط‭.‬

وعندنا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بفهم‭ ‬ظاهرة،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هاته،‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الاتساع،‭ ‬وتستوعب‭ ‬طبيعتها‭ ‬المعقدة‭ ‬ممارسات‭ ‬فكرية‭ ‬يقل‭ ‬اعتبارها‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬ممارسات‭ ‬دخيلة،‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬يتطور‭ ‬تدويل‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬إن‭ ‬إنشاء‭ ‬تجمعات‭ ‬تخصصية‭ ‬تنصب‭ ‬على‭ ‬المواضيع‭-‬الحدود‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬أكاديمي‭ ‬وفكري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تدل‭ ‬عليه‭ ‬الدراسات، (في‭ ‬عبارة‭: ‬الدراسات‭ ‬الثقافية)‭ ‬، ليس‭ ‬باباً‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬التندر،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬سيرورة‭ ‬عميقة‭ ‬مؤثرة،‭ ‬تقلّب‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬المعارف‭ ‬واستقرارها‭ ‬ونقلها‭ ‬داخل‭ ‬عالم‭ ‬جامعة‭ ‬الجماهير، (بظهور‭ ‬رف‭ ‬المكتبة،‭ ‬بل،‭ ‬وكذلك،‭ ‬صيغة‭ ‬القراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬المرتبطة‭ ‬باجتراح‭ ‬مفهوم‭ ‬نوع‭ ‬القارئ‭(.‬
نربأ‭ ‬بجمعنا‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جلسة‭ ‬لإرضاء‭ ‬الذات‭ ‬النقدية،‭ ‬نستطيع‭ ‬فيها‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بفضائل‭ ‬الحصار‭ ‬العالمي‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬متفرعات‭ ‬الاتجاه‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬ذي‭ ‬النزعة‭ ‬الجماعية،‭ ‬عند‭ ‬جميع‭ ‬‮«‬أصحاب‭ ‬النزعة‭ ‬الاختزالية‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬كما‭ ‬عند‭ ‬باقي‭ ‬أنصار‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬عبارة‭ ‬مارشال‭ ‬صاهلينز Marshal Sahlins. ‬ونرجو‭ ‬أخذ‭ ‬هذه‭ ‬الحركيات‭ ‬العابرة‭ ‬للتخصصات‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬وإدراكها‭ ‬داخل‭ ‬سياقها‭.‬


- 1 - ‬مسارات‭ ‬وتوترات‭ ‬بين‭ ‬التخصصات

تقتضي‭ ‬الخطة‭ ‬المنهجية‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬بإعادة‭ ‬رسم‭ ‬مسار‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬موجزاً،‭ ‬أوجز‭ ‬مما‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬كتابين‭ ‬حديثين،‭ ‬تكفلا‭ ‬برصد‭ ‬ذلك‭ ‬المسار‭.‬
لقد‭ ‬اقترح‭ ‬أرموند‭ ‬ماتلار‭ (‬Armand Mattelart‭) ‬وإريك‭ ‬نوفو‭ (‬Erik Neveu‭)‬،‭ ‬مؤخراً،‭ ‬قصة‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬مشيرين‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬ثلاثة‭:‬
- ‬أولاها‭ ‬مرحلة‭ ‬نشأة‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬بمعناها‭ ‬الدقيق،‭ ‬سنة‭ ‬1964،‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بيرمنغهام‭ (‬Birmingham‭)‬، ‬بتأثير‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬آباء‭ ‬مؤسسين‭: ‬ريشارد‭ ‬هوكارت‭ (‬Richard Hoggart‭) ‬ورايموند‭ ‬ويليامز‭ (‬Raymond Williams‭) ‬وإدوارد‭ ‬تومبسون‭ (‬Edward Thompson‭). ‬ويندرج‭ ‬هؤلاء‭ ‬المؤلفون‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬نهضة‭ ‬التحليلات‭ ‬الماركسية،‭ ‬وهم‭ ‬قريبون‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬السياسي‭ ‬لليسار‭ ‬الجديد‭. ‬وكان‭ ‬المشترك‭ ‬بينهم‭ ‬سد‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬سكوت‭ ‬ماركس‭ ‬عن‭ ‬تحليل‭ ‬‮«‬منظومات‭ ‬القيم‮»‬،‭ (‬تومبسون‭). ‬واقترحوا‭ ‬تركيز‭ ‬مقاربتهم‭ ‬ثقافةَ‭ ‬الجماهير‭ (‬culture de masse‭) ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬اجتماعي‭ ‬ضارب‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬مكبين‭ ‬على‭ ‬الممارسات‭ ‬المقاوِمة‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية،‭ ‬وعلى‭ ‬الصراعات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهتهم‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬تجاوز‭ ‬الحتمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬التي‭ ‬وسمت‭ ‬التحليلات‭ ‬التقليدية‭ ‬للفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الثقافية،‭ ‬محاولين‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أشكال‭ ‬مخصوصة‭ ‬للحركة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬المشروع‭ ‬الفكري‭ ‬على‭ ‬هوامش‭ ‬الحدود‭ ‬المؤسسية‭ ‬والتخصصية؛‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬رافقت‭ ‬إنشاء‭ ‬مراكز‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬المعاصرة‭ ‬بجامعة‭ ‬بيرمنغهام،‭ ‬سنة‭ ‬1964،‭ ‬استراتيجية‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحيز‭ ‬الجغرافي‭ ‬المحلي‭ ‬عند‭ ‬اختيار‭ ‬مقارّ‭ ‬المنشآت‭ ‬الجامعية‭ ‬المستنبتة،‭ ‬فجرى‭ ‬تفضيل‭ ‬المؤسسات‭ ‬النوعية،‭ (‬كالجامعة‭ ‬المفتوحة‭ ‬ومعهد‭ ‬التقنيات‭ ‬المتعددة‭)‬،‭ ‬والجامعات‭ ‬الصغرى،‭ ‬مثل‭ ‬جامعة‭ ‬وارويك‭ (‬Warwick‭)‬،‭ ‬مستقرّ‭ ‬تومبسون‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬تحاشي‭ ‬المراكز‭ ‬الجامعية‭ ‬الكبرى‭ ‬هاته،‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬تهميش‭ ‬أكاديمي،‭ ‬فعُوضت‭ ‬بإصدار‭ ‬مجلات‭ ‬فاعلة،‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الماضي‭ ‬والحاضر‮»‬‭ ‬و»محترف‭ ‬التاريخ‮»‬‭.‬
يكمن‭ ‬مشروع‭ ‬هوكارت‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬أدوات‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬منتوجات‭ ‬ثقافة‭ ‬الجماهير‭. ‬وظهرت،‭ ‬بين‭ ‬1964‭ ‬و1980،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬نظمت‭ ‬برامج‭ ‬البحث،‭ ‬التي‭ ‬طورها‭ ‬باحثو‭ ‬هذا‭ ‬المركز،‭ ‬ومنها‭: ‬دراسة‭ ‬المظاهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العمالية،‭ ‬والثقافات‭ ‬الفرعية‭ ‬والهامشية،‭ (‬مثل‭ ‬الروك‭ ‬والبانك‭)‬،‭ ‬وبيئات‭ ‬المهاجرين،‭ ‬والممارسات‭ ‬الثقافية‭ ‬اليومية،‭ ‬وتأثير‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ (‬médias‭) ‬الجديدة،‭ ‬وأخيراً،‭ ‬تطور‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬النّوع‭ ‬والعِرق‭. ‬وأفضت‭ ‬الإشكاليات،‭ ‬حينئذ،‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬مفهوم‭ ‬الإيديولوجيا،‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تعقيد‭ ‬النموذج‭: ‬مهيمِن‭/‬مهيمَن‭ ‬عليهم،‭ ‬جاعلين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬استهلاكاً‭ ‬فعّالاً‭. ‬وولت‭ ‬مناهج‭ ‬البحث،‭ ‬أيضاً،‭ ‬وجهها‭ ‬بجرأة‭ ‬نحو‭ ‬الإثنوغرافيا‭ ‬والتاريخ‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ونحو‭ ‬كشف‭ ‬أرشيف‭ ‬المهيمَن‭ ‬عليهم‭. ‬وأخيراً،‭ ‬تميزت‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الأولى‭ ‬ببحث‭ ‬مستمر‭ ‬عن‭ ‬أدوات‭ ‬نظرية‭ ‬جديدة،‭ ‬وتأثرت‭ ‬تأثراً‭ ‬شديداً‭ ‬بالنزعة‭ ‬التفاعلية‭ ‬لمدرسة‭ ‬شيكاغو‭ (‬Chicago‭)‬،‭ ‬ومدارها‭ ‬هوارد‭ ‬بيكر‭ (‬Howard Becker‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الخارجون‮»‬‭ ‬مرجعاً‭ ‬ثابتاً‭.‬
- وابتداء‭ ‬من‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ابتدأت‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬منعطف‭ ‬إثنوغرافي‮»‬،‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬موضوعات‭ ‬بحث‭ ‬جديدة،‭ ‬انضافت‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬والاستهلاك‭ ‬الثقافي،‭ ‬وهي‭: ‬ممارسات‭ ‬الهويات‭ ‬ونشوء‭ ‬البنى‭ ‬الجمعية‭. ‬لقد‭ ‬استقطبت‭ ‬موضوعات‭ ‬كثيرة‭ ‬الانتباه‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭. ‬ابتداء،‭ ‬طفا‭ ‬مشكل‭ ‬‮«‬العولمة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬دراسة‭ ‬الثقافات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأعاد‭ ‬اتهام‭ ‬تمثلات‭ ‬الدولة‭-‬الأمة‭. ‬وبرز‭ ‬جدل‭ ‬حول‭ ‬النزعات‭ ‬القومية‭ ‬و«الجماعات‭ ‬المتخيَّلة‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬خضمه‭ ‬تفتقت‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬شعارات‭ ‬الأمة‭ ‬واستهلاك‭ ‬الهوية،‭ ‬وأزهرت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬الفضاءات‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬نهاية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك،‭ ‬أسفر‭ ‬تصدع‭ ‬التعاضديات‭ ‬العمالية‭ ‬والتحول‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬المرحلة‭ ‬الصناعية‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬تحليل‭ ‬المجموعات‭ ‬الدنيا‭ ‬والمسارات‭ ‬الفردية‭. ‬وأخيراً،‭ ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬من‭ ‬1980‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬1990،‭ ‬ازداد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالهجرات‭ ‬وسهولة‭ ‬الانتقال‭ ‬وبالدراسات‭ ‬العابرة‭ ‬للقوميات،‭ ‬فصارت‭ ‬جميعاً‭ ‬الموضوعات‭ ‬الكبرى‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية‭.‬
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬فرنسا،‭ ‬كبلدان‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى،‭ ‬ظلت‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬تلقي‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬عولمة‮»‬‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنما‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬صك‭ ‬الإجازة‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فكشفت‭ ‬عن‭ ‬شبكة‭ ‬كثيفة‭ ‬من‭ ‬الجامعات،‭ ‬الأنجلوساكسونية‭ ‬بالأساس،‭ ‬وكذلك‭ ‬عن‭ ‬ترجمات‭ ‬وتعديلات‭ ‬للنموذج‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وفي‭ ‬الهند‭.‬

- ‬وكانت‭ ‬المؤثرات‭ ‬الثلاثة‭ ‬المذكورة‭ ‬أصل‭ ‬التوترات‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬انشقاق،‭ ‬نهاية‭ ‬سنوات‭ ‬1980،‭ ‬حين‭ ‬دخول‭ ‬أطروحات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬النزعة‭ ‬الاستعمارية‭. ‬فكان‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬نقد‭ ‬النظرة‭ ‬التراتبية‭ ‬لتاريخ‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬الاستعماري،‭ ‬ومن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتفاعلات‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬والثقافية‭ ‬بين‭ ‬النخبة‭ ‬والطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬غمرة‭ ‬‮«‬مقاومتها‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬أكثر‭ ‬جذرية‭ ‬للحداثة‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الحداثة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬التاريخ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬ولكنها‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي،‭ ‬متخذة‭ ‬شكل‭ ‬استقطاب‭ ‬نحو‭ ‬الخطاب‭ ‬و«النصية‮»‬‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وبذلك‭ ‬نُزع‭ ‬الطابع‭ ‬المادي‭ ‬عن‭ ‬حمولة‭ ‬أول‭ ‬حركة‭ ‬تاريخية‭ ‬ثانوية‭ ‬بديلة‭.‬
ولقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬العالمي‭ ‬لإطار‭ ‬بحث‭ ‬مرن‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬تتابعت‭ ‬محاولات‭ ‬دورية‭ ‬لتحديد‭ ‬مجموع‭ ‬التخصصات‭ ‬المنخرطة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬ووضع‭ ‬خريطة‭ ‬لها‭. ‬ونسوق،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الناشر‭ ‬الإنجليزي‭ ‬بلاكويل‭ (‬Blackwell‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬منذ‭ ‬1999‭ ‬بوابة‭ ‬على‭ ‬الشابكة،‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬مصادر‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‮»‬،‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬التمكين‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬من‭ ‬البحث،‭ ‬وعلى‭ ‬المجلات،‭ ‬والمواقع‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬ودور‭ ‬النشر‭ ‬المهتمة‭ ‬بالدراسات‭ ‬الثقافية‭. ‬وتقترح‭ ‬مقدمة‭ ‬الموقع،‭ ‬التي‭ ‬حررها‭ ‬مدرسان‭ ‬بشعبة‭ ‬دراسات‭ ‬السينما،‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬تعريفاً‭ ‬أولياً‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية‭. ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطريقة‭ ‬‮«‬التي‭ ‬جرى‭ ‬وفقها‭ ‬قولبة‭ ‬الذوات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬يختبرون‭ ‬وفقها‭ ‬حيواتهم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ثقافي‭ ‬واجتماعي‭ ‬معين‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مناهج‭ ‬‮«‬الاقتصاد،‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬والدراسات‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬ووسائطه،‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬والأدب،‭ ‬والتربية،‭ ‬والقانون،‭ ‬والدراسات‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والتقانة،‭ ‬والإناسة،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬مع‭ ‬اهتمام‭ ‬خاص‭ ‬بالنوع،‭ ‬والأعراق،‭ ‬والطبقات،‭ ‬والجنسية‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬وتعرض‭ ‬بمصطلحات‭ ‬واضحة‭ ‬التوليف‭ ‬بين‭ ‬النظريات‭ ‬النصية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وهو‭ ‬التوليف‭ ‬الكامن‭ ‬خلف‭ ‬علامة‭ (‬signe‭) ‬الالتزام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وتتجاوز‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬مجرد‭ ‬كونها‭ ‬نظرة‭ ‬محدودة‭ ‬إلى‭ ‬المصنفات‭ ‬الأمهات‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والتاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬للدول‭ ‬والمعطيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الكمية،‭ ‬وتتجه‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الثقافات‭ ‬الصغرى،‭ ‬ووسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬الشعبية،‭ ‬والموسيقى،‭ ‬واللباس،‭ ‬والرياضة‭. ‬إن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهي‭ ‬تبحث‭ ‬كيف‭ ‬تستخدم‭ ‬مجموعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬‮«‬عادية‮»‬‭ ‬و«هامشية‮»‬‭ ‬الثقافة‭ ‬وكيف‭ ‬تحوّلها،‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المجموعات‭ ‬بوصفها‭ ‬مستهلكة،‭ ‬ولكن‭ ‬بوصفها‭ ‬منتجة‭ ‬بالقوة‭ ‬لقيم‭ ‬ولغات‭ ‬ثقافية‭ ‬جديدة‭. ‬وهذا‭ ‬التشديد‭ ‬على‭ ‬علاقتي‭ ‬إنتاج‭ ‬المنافع‭ ‬وتداولها‭ ‬اجتماعياً‭ ‬لمما‭ ‬يبوّئ‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬والمركزي‮»‬‭.‬
وتضم‭ ‬فضاءات‭ ‬البحث‭ ‬بالبوابة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬عناوين‭ ‬ستة‭:‬
- الفن‭ ‬والعمارة‭ ‬والموسيقى‭ ‬والثقافة‭ ‬والمتحف؛
- ‭‬السياسة‭ ‬الثقافية؛
- ‭‬الدراسات‭ ‬العلمية؛
- ‭‬النوع‭ ‬والعرق‭ ‬والجنوسة‭ (‬sexuality‭)‬؛
- العمل،‭ ‬والطبقة‭ ‬والحركة‭ ‬الاجتماعيتين؛
- وسائط‭ ‬التواصل‭.‬

لا‭ ‬تخطئ‭ ‬العين‭ ‬نتائج‭ ‬ظاهرة‭ ‬الانتشار‭ ‬الجغرافي‭ ‬والموضوعاتي،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬مستمرة‭ ‬للحدود‭ ‬والمواضيع‭ ‬التي‭ ‬تغطيها‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬ومرد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأخيرة‭ ‬تعرّف‭ ‬نفسها‭ ‬بوصفها،‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬‮«‬تخصصاً‭ ‬مضاداً‮»‬‭. ‬وتفسر‭ ‬حركيةُ‭ ‬التوسع‭ ‬والتجمع‭ ‬قوة‭ ‬الجذب،‭ ‬التي‭ ‬تسم‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وتؤثر،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الابتكار‭ ‬العلمي،‭ ‬فتنشأ‭ ‬مراكز‭ ‬البحث،‭ ‬وفي‭ ‬سوق‭ ‬النشر،‭ ‬فتضع‭ ‬حدود‭ ‬العرض‭ ‬التربوي‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬نموذج‭ ‬الانتشار‭ ‬ليس‭ ‬عمودياً،‭ ‬يتجه‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭. ‬وبالمقابل،‭ ‬يدلل‭ ‬إيلاف‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ [‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭]‬،‭ ‬بمسمّى‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الأمريكية‭ ‬اللاتينية،‭ ‬في‭ ‬شُعب‭ ‬الأدب‭ ‬الإيبيري‭ ‬الأمريكي،‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الاستثناءات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭. ‬وأخيراً،‭ ‬يشير‭ ‬تغيير‭ ‬المجلات‭ ‬أسماءها،‭ ‬إلى‭ ‬انتقال‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬تخصصي‭ ‬نوعي‭ ‬إلى‭ ‬تصور‭ ‬أكثر‭ ‬شمولية‭. ‬وهكذا،‭ ‬وجدنا‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬لغات‭ ‬إفريقيا‭ ‬وثقافاتها‮»‬،‭ ‬سنة‭ ‬1988،‭ ‬وتصدرها‭ ‬شعبة‭ ‬اللغات‭ ‬والثقافة‭ ‬الإفريقية‭ ‬بمدرسة‭ ‬الدراسات‭ ‬الإفريقية‭ ‬والشرقية‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬تقدم،‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬‮«‬صحيفة‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الإفريقية‮»‬‭ ‬عنواناً‭ ‬لها‭.‬
بعد‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬الوصفية،‭ ‬ينبغي‭ ‬الاحتراس‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬إغرائية‭ ‬كثيرة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬تشييء‭ ‬وتجميد‭ ‬اقتسام‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬التيارين‭ ‬البريطاني‭ ‬والأمريكي‭ ‬فقط،‭ ‬وكذلك،‭ ‬وبصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬النزوع‭ ‬إلى‭ ‬التشبث‭ ‬برؤية‭ ‬أنجلوساكسونية‭ ‬محضة‭. ‬وإنما‭ ‬المطلوب،‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬التمسك‭ ‬باستعادة‭ ‬تعددية‭ ‬المواريث‭ ‬ومحاولات‭ ‬التوفيق،‭ ‬التي‭ ‬يتسع‭ ‬نطاقها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭.‬
 

- 2 - ‬المآزق‭ ‬والأزمات‭ ‬والتحولات‭: ‬تعميم‭ ‬النقد

لم‭ ‬يكن‭ ‬مسار‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬المذكور،‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬سلف،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬فتح‭ ‬لا‭ ‬يقاوَم‭ ‬لبلد‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬منذ‭ ‬بداياتها‭ ‬الأولى،‭ ‬ووجهت‭ ‬بالنقد‭. ‬وتطرح‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهي‭ ‬وريثة‭ ‬مجال‭ ‬بحث‭ ‬تتخطى‭ ‬تعدديته‭ ‬كل‭ ‬تعريف‭ ‬أو‭ ‬تحديد‭ ‬مسبق،‭ ‬قضية‭ ‬التحديد،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬توسيع‭ ‬مجال‭ ‬المرجعيات،‭ ‬الذي‭ ‬شجعت‭ ‬عليه‭ ‬حركية‭ ‬الاكتشاف‭. ‬إننا‭ ‬بإزاء‭ ‬معرفة‭ ‬تظل‭ ‬هويتها‭ ‬قيد‭ ‬التشكيل،‭ ‬لأن‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمناهج‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬ذات‭ ‬استقلالية‭ ‬ضعيفة،‭ ‬وتمثل،‭ ‬بالأحرى،‭ ‬‮«‬نُوى،‭ ‬أو‭ ‬ملتقيات‭ ‬بين‭ ‬فضاءات‭ ‬متنافرة‮»‬‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مأتى‭ ‬الانطباع‭ ‬بأن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تبدو‭ ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬وكذلك‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬تناسل‭ ‬الخلافات‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية،‭ ‬الساعية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنتج،‭ ‬إنتاجاً‭ ‬بعديّاً،‭ ‬عقلنة‭ ‬لهذه‭ ‬المعرفة،‭ ‬وإلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الموضوعات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مثار‭ ‬النقاش‭. ‬وعليه،‭ ‬يمكن‭ ‬التمييز‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الموجه‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬صورتين‭.‬

(1)-2 ‬النقد‭ ‬الخارجي‭: ‬إدانة‭ ‬‮«‬النزعة‭ ‬الثقافية‮»‬

بداية،‭ ‬تتميز‭ ‬جهود‭ ‬تيار‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬عام،‭ ‬بالإعراض‭ ‬التدريجي‭ ‬عن‭ ‬المقاربات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬حددت‭ ‬جملة‭ ‬قضايا‭ ‬أثارها‭ ‬الرواد‭ ‬البريطانيون‭. ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬مبحث‭ ‬‮«‬المقاومة‮»‬‭ ‬الثقافية‭ ‬يتجانف‭ ‬عن‭ ‬التعريف‭ ‬بالثقافات‭ ‬الفرعية‭ ‬تعريفاً‭ ‬شاملاً،‭ ‬فيعمد‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مأساوية،‭ ‬تغالي‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬جوانب‭ ‬البؤس‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬اقتصاد‭ ‬المنافع‭ ‬الثقافية‭ ‬ألفى‭ ‬نفسه،‭ ‬رويداً‭ ‬رويداً،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المشروع،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬البحوث‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬المادية،‭ ‬التي‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تومبسون‭. ‬لقد‭ ‬قاد‭ ‬رفض‭ ‬‮«‬النزعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الاختزالية‮»‬‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬صيغة‭ ‬تتمتع‭ ‬الموضوعات‭ ‬الثقافية‭ ‬بموجبها‭ ‬بالاستقلال‭ ‬الذاتي،‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬سياق‭ ‬إنتاجها‭ ‬وتداولها‭. ‬وهكذا،‭ ‬انصبت‭ ‬أحد‭ ‬الانتقادات‭ ‬التقليدية‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬أخذ‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬للعالم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للمنتجين،‭ ‬وكذلك‭ ‬للصناعات‭ ‬الثقافية‭. ‬ومن‭ ‬نظر‭ ‬ثالث،‭ ‬تزحزحت‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬1980،‭ ‬عن‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتحقت،‭ ‬تدريجياً،‭ ‬بشعب‭ ‬الأدب،‭ ‬فاستتبع‭ ‬ذلك‭ ‬تقليصَ‭ ‬نطاق‭ ‬البحوث‭ ‬الثقافية،‭ (‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجالات‭ ‬والأرشيفات‭ ‬المدروسة‭)‬،‭ ‬لفائدة‭ ‬ممارسات‭ ‬تناولت‭ ‬بالتفسير‭ ‬النصوص‭ ‬الأمهات،‭ ‬وبذلك‭ ‬جرى‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬‮«‬نصّية‮»‬‭ ‬المعرفة،‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭. ‬فصار‭ ‬النص،‭ ‬إذن،‭ ‬موضوع‭ ‬هاته‭ ‬الدراسة‭ ‬وسندها‭. ‬وأدى‭ ‬غياب‭ ‬هوية‭ ‬تخصصية‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬التنازع‭ ‬في‭ ‬نسبتها‭ ‬وتوظيفها‭ ‬تنازعاً‭ ‬كثيراً‭. ‬وينطوي‭ [‬الغياب‭ ‬المذكور‭] ‬على‭ ‬لغة‭ ‬ونسق‭ ‬مرجعي‭ ‬فكري‭ ‬مشترك‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬النمو،‭ ‬ولكنهما‭ ‬ليسا‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬الانتقادات‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬أُنكرَ‭ ‬على‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تقديس‭ ‬بعض‭ ‬المراجع‭ ‬النظرية،‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬أُدينَ‭ ‬استخدامها‭ ‬لغة‭ ‬خاصة‭. ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬قراء‭ ‬ماركس‭ (‬Marx‭) ‬وفيبر‭ (‬Weber‭)‬،‭ ‬الحاضرين‭ ‬حضوراً‭ ‬قوياً‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأولى،‭ ‬قد‭ ‬خلف‭ ‬من‭ ‬بعدهم‭ ‬واضعو‭ ‬النظرية‭ ‬الفرنسية‭. ‬وأفضت‭ ‬النزعة‭ ‬الفلسفية‭ ‬والأدبية‭ ‬إلى‭ ‬تعتيم‭ ‬أكبر‭ ‬ألقى‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬السجالات‭ ‬بصدد‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬فحكمها،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬نقاش‭ ‬دائم‭ ‬حول‭ ‬الحجج‭ ‬الفلسفية‭ ‬وحول‭ ‬إنتاج‭ ‬معجم‭ ‬نظري‭ ‬مشترك‭. ‬وبهذا‭ ‬الشأن،‭ ‬أيضاً،‭ ‬ينبغي‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬مركزية‭ ‬النموذج‭ ‬الأمريكي‭. ‬لقد‭ ‬سمحت‭ ‬عولمة‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬أيضاً،‭ ‬بالاعتراف‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭ ‬بمقاربات‭ ‬بعض‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬الآسيوية‭ ‬والأمريكية‭ ‬الجنوبية‭. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬مبعث‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الإرث‭ ‬البريطاني،‭ ‬إرث‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الأولى،‭ ‬فيما‭ ‬يتجاوز‭ ‬المعاقل‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتداوله‭ ‬بالنقل‭ ‬والمناقشة‭.‬
ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬أخيرة،‭ ‬جرّها‭ ‬اتساع‭ ‬البيئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفكرية‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية‭. ‬ويبدو،‭ ‬في‭ ‬ظاهر‭ ‬الأمر،‭ ‬أن‭ ‬انخراط‭ ‬المؤرخين‭ ‬والمتخصصين‭ ‬الأوائل‭ ‬قد‭ ‬مكّن‭ ‬من‭ ‬تداول‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬الكبير‭ ‬تداولاً‭ ‬واسعاً‭. ‬والشاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬كبريات‭ ‬المكتبات‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬أتت‭ ‬دائرة‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬على‭ ‬صنوف‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإناسي‭ ‬والدراسات‭ ‬في‭ ‬النوع‭. ‬فبدا‭ ‬أن‭ ‬تكاثر‭ ‬تداول‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تداولاً‭ ‬ثانياً،‭ ‬بل‭ ‬وثالثاً،‭ ‬كان‭ ‬أمراً‭ ‬بدهياً‭.‬
ونستطيع،‭ ‬هنا،‭ ‬أن‭ ‬نمثّل‭ ‬لذلك‭ ‬بتداول،‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬سحرياً،‭ ‬لمفهومي‭ ‬‮«‬الجذمور‮»‬‭ (‬rhizome‭) ‬و«الآلات‮»‬،‭ ‬المقتبسين‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬دولوز‭ (‬J‭. ‬Deleuze‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬تداول‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الكائن‭ ‬السيبرينطيقي‮»‬‭ (‬cyborg‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬نحتته،‭ ‬سنة‭ ‬1985،‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬العلوم‭ ‬دونا‭ ‬هاراواي‭ (‬Donna Haraway‭)‬،‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬الإنشاءات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للطبيعة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مفهوم‭ ‬الرئيسات‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الحياة،‭ ‬إبان‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬وتتمتع‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم،‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬اليوم‭ ‬إعادة‭ ‬استخدامها‭ ‬استخدامات‭ ‬مختلفة،‭ ‬إنْ‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التخييلية،‭ ‬باستقلال‭ ‬ذاتي‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالنظريات‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭. ‬وعلى‭ ‬هذا،‭ ‬تصير‭ ‬الأداة‭ ‬النظرية‭ ‬موضوعاً‭ ‬ثقافياً‭ ‬مستقلاً‭ ‬تمام‭ ‬الاستقلال،‭ ‬بل‭ ‬يصير‭ ‬شعار‭ ‬ثقافة‭ ‬فرعية‭ ‬جديدة‭. ‬إنّ‭ ‬سمة‭ ‬التشتت،‭ ‬المميزة‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التندر‭ ‬أو‭ ‬السخرية،‭ ‬ولكنها،‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬تدلنا‭ ‬على‭ ‬اتجاهين‭ ‬واضحين‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬بإزاء‭ ‬جمهور‭ ‬واسع،‭ ‬أولهما‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الارتباط‭ ‬بالممارسات‭ ‬الفنية‭ ‬والمقاوِمة،‭ ‬والثاني‭ ‬بلورة‭ ‬ميدان‭ ‬للتجريب‭ ‬والاختبار‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭: ‬هل‭ ‬يخدم‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬الواسع‭ ‬المعرفة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مباشر؟‭ ‬والحال‭ ‬أنه‭ ‬يغلب‭ ‬على‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬مجرى‭ ‬إحالة‭ ‬تصويرية،‭ ‬منبتة‭ ‬عن‭ ‬البحث‭ (‬العلمي‭).‬

(2)-2 ‬الخلافات‭ ‬الداخلية‭: ‬التحالفات‭ ‬الجديدة

ينبغي،‭ ‬ابتداء،‭ ‬التحلل‭ ‬من‭ ‬تمثل‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬وكأنها‭ ‬حقل‭ ‬تخاصّي‭ (‬interdisciplinaire‭) ‬غفل،‭ ‬مستباح‭ ‬لكل‭ ‬التجاوزات،‭ ‬وتسرح‭ ‬فيه‭ ‬وتمرح‭ ‬رقابة‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭. ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬إذ‭ ‬الفضاء‭ ‬العموميّ‭ ‬للدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬مجال‭ ‬تَعاورُه‭ ‬قُوى‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويعتمل‭ ‬فيه‭ ‬غليان‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬تناقش‭ ‬المفاهيم‭ ‬ويعاد‭ ‬تعريفها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬دوري‭. ‬وسأضرب‭ ‬لذلك‭ ‬الواقع‭ ‬أمثلة‭ ‬ثلاثة‭.‬
نشرت‭ ‬دونا‭ ‬هاراواي،‭ ‬سنة‭ ‬2004،‭ ‬مجموعة‭ ‬نصوص‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬النصوص‭ ‬تداولاً‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬الواسع‭ ‬والمجموعات‭ ‬النسوية‭ (‬féministes‭)‬،‭ ‬مؤكدة،‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬حدود‭ ‬هذه‭ ‬التأويلات‭ ‬ومعناها،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬بعض‭ ‬أنماط‭ ‬التداول‭ ‬غير‭ ‬المراقبة‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬نجد‭ ‬جورج‭ ‬إ‭. ‬ماركوس‭ (‬Georges E‭. ‬Marcus‭)‬،‭ ‬أحد‭ ‬أنصار‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الإناسة‭ ‬الثقافية،‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إجراء‭ ‬تمييز‭ ‬صارم‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المقاربات،‭ ‬ونحن‭ ‬نعيد‭ ‬التحليلات‭ ‬الإناسية‭ ‬إلى‭ ‬مهدها‭ ‬الأمريكي‭. ‬ويمضي‭ ‬شيري‭ ‬أونر‭ (‬Sherry Orner‭)‬،‭ ‬الإناسي‭ ‬المختص‭ ‬في‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل،‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬سابقه،‭ ‬فنلفيه‭ ‬يُدين‭ ‬وَهمَ‭ ‬المنهج‭ ‬الإثنوغرافي‭ ‬المزعوم‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وفي‭ ‬دراسات‭ ‬وسائط‭ ‬الاتصال،‭ ‬التي‭ ‬جعلتنا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬فهمَ‭ ‬التمثيلات‭ ‬الثقافية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬بمجرد‭ ‬المزاوجة‭ ‬بين‭ ‬تأويل‭ ‬التمثيلات‭ ‬وتفكيكها‭.‬

وأخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬الإناسي‭ ‬جيمس‭ ‬كليفوردJames Clifford‭ ‬، ‬الذي‭ ‬يقدَّم،‭ ‬دائماً،‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بوصفه‭ ‬أحد‭ ‬ممثلي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬والنزعة‭ ‬العابرة‭ ‬للقوميات،‭ ‬يعبّر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬سُبل‮»‬‭ ‬عن‭ ‬قلقه‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬النزّاعة‭ ‬إلى‭ ‬تجميل‭ ‬المقاربات‭ ‬الثقافية،‭ ‬والتي‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬تفضيل‭ ‬القيمة‭ ‬والتراتبية‭ ‬والاستمرارية‭ ‬التاريخية،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬السيرورات‭ ‬الهجينة‭ ‬وغير‭ ‬المضبوطة‭ ‬للابتكارات‭ ‬الجمعيّة‭. ‬وفي‭ ‬تقديري،‭ ‬تدل‭ ‬هيمنة‭ ‬الإناسة‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬الجدلي‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬محور‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬تعريف‭ ‬أكثر‭ ‬تاريخية‭ ‬إلى‭ ‬تصور‭ ‬أكثر‭ ‬إناسية‭. ‬ويفضي‭ ‬تغير‭ ‬صورة‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭  ‬نتيجة‭ ‬الجمع‭ ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬تخصصات‭ ‬مختلفة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬شتى،‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬التحالفات‭ ‬القديمة‭ ‬وفي‭ ‬آليات‭ ‬الاستفادة‭ ‬المشتركة‭. ‬ويبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬اهتمام‭ ‬المؤرخين،‭ ‬اليوم،‭ ‬يسجل‭ ‬حضوراً‭ ‬أقل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السجالات،‭ ‬باستثناء‭ ‬تاريخ‭ ‬العلوم،‭ ‬حيث‭ ‬تعيد‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الانشقاقات‭ ‬والحدود‭ ‬الداخلية‭.‬
نصل،‭ ‬هنا،‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الآثار‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬النظريات‭- ‬الحدود‮»‬‭ ‬هاته،‭ ‬التي‭ ‬تسمح،‭ ‬في‭ ‬مقام‭ ‬أول،‭ ‬بتشجيع‭ ‬تداول‭ ‬المعارف‭ ‬والمراجع،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحدد‭ ‬فيه‭ ‬مواضع‭ ‬تتبلور‭ ‬فيها‭ ‬التفاعلات‭ ‬بين‭ ‬رجال‭ ‬العلوم‭ ‬وبين‭ ‬شركائهم‭. ‬وتحرز‭ ‬النظريات‭ ‬الحدودية‭ ‬فضيلتين،‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭: ‬اجتماعية‭ ‬ومعرفية؛‭ ‬الفضيلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لأنها‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬المصالح‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الخاصة،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬متعددة‭ ‬ومتضاربة،‭ ‬بين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬والتجمعات‭ ‬السياسية،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الجامعية،‭ ‬ودور‭ ‬النشر،‭ ‬والجمهور‭ ‬العريض‭. ‬والفضيلة‭ ‬المعرفية‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬النظريات‭- ‬الحدود‮»‬‭ ‬تؤالف‭ ‬بين‭ ‬إشكاليات‭ ‬ومقاربات‭ ‬متضاربة،‭ ‬وتخلق‭ ‬فضاء‭ ‬نوعياً‭ ‬جديداً‭ ‬للتفكير،‭ ‬إذ‭ ‬تسمح‭ ‬لمختلف‭ ‬الفاعلين،‭ (‬من‭ ‬مؤرخين‭ ‬وإناسيين‭ ‬وعلماء‭ ‬اجتماع‭ ‬ولسانيين،‭ ‬وغيرهم‭)‬،‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬قدراتهم‭. ‬وعند‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تمثل‭ ‬تياراً‭ ‬فنياً،‭ ‬أو‭ ‬موضوعاً‭ ‬للتسلية،‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬مقاوِمة‭. ‬بينما‭ ‬تشكل‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬مجالاً‭ ‬جديداً‭ ‬للمعرفة‭. ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬مفارق،‭ ‬فإن‭ ‬ضعف‭ ‬تجانس‭ ‬‮«‬النظريات‭- ‬الحدود‮»‬‭ ‬تلك،‭ ‬وضبابيتها‭ ‬وغموضها،‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬عامل‭ ‬قوة،‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تقارب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬والمعارف،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضطر‭ ‬الفاعلون‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬معارفهم‭ ‬الخاصة‭.‬
وصفوة‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬البعد‭ ‬السجالي،‭ ‬الذي‭ ‬يطال‭ ‬تعميم‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬لمما‭ ‬يلزم‭ ‬أخذه‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬بوصفه‭ ‬أحد‭ ‬تحديات‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬هويتها‭. ‬وإلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬البعد‭ ‬السجالي‭ ‬نفسه،‭ ‬وإلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬ما،‭ ‬يخلع‭ ‬على‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬تعريفاً‭ ‬أدنى،‭ ‬بكونها‭ ‬حقلاً‭ ‬جدلياً‭ ‬سجالياً‭.‬

- 3 - هل‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬للمؤرخ؟

نستطيع،‭ ‬فيما‭ ‬يتجاوز‭ ‬الانتقادات‭ ‬الغزيرة‭ ‬السابقة،‭ ‬أن‭ ‬نقترح‭ ‬بعض‭ ‬العناصر‭ ‬الإيجابية‭ ‬حول‭ ‬تطور‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬من‭ ‬البحث،‭ ‬أي‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭. ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬الموضوعات،‭ ‬فإن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬سمحت،‭ ‬منذ‭ ‬أربعين‭ ‬سنة،‭ ‬بتجديد‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأسئلة‭ ‬بخصوص‭ ‬تحليل‭ ‬الممارسات‭ ‬الثقافية،‭ ‬ونستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتبين‭ ‬ذلك‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬السجالات‭ ‬التي‭ ‬حركت‭ ‬التاريخ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الثقافي‭ ‬ووجهته‭ ‬نحو‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬والاستهلاك‭ ‬والمثقفين‭ ‬العضويين‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬سلّمت‭ ‬برفض‭ ‬النزعة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتخصصات‭ ‬الجامعية،‭ ‬وسمحت‭ ‬بضرب‭ ‬من‭ ‬الانعتاق‭ ‬والتحرر‭. ‬ويصدق‭ ‬هذا،‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬على‭ ‬البحوث‭ ‬الإناسية،‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬اتهام‭ ‬أسس‭ ‬علم‭ ‬الإناسة،‭ ‬وأخضعتها‭ ‬للنقاش،‭ (‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬نقد‭ ‬نشوء‭ ‬الملكيات‭ ‬الفردية،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالطابع‭ ‬المحلي‭ ‬الخاص،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يناقض‭ ‬المنهج‭ ‬البنيوي،‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬واقع‭ ‬الكتابة‭ ‬والبلاغة‭ ‬في‭ ‬الإناسة‭ ‬التقليدية‭). ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تقاطع‭ ‬تخصصات‭ ‬مثل‭ ‬اللسانيات‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والإناسة‭ ‬والتاريخ‭ ‬قد‭ ‬خوّل‭ ‬إعادة‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لمواضيع‭ ‬بحث‭ ‬كانت‭ ‬مرهونة‭ ‬للتهميش‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬التخصصات‭.‬
وينصرف‭ ‬الذهن‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬إلى‭ ‬التحليلات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشتات‭ ‬ومجموعات‭ ‬الرحل،‭ ‬التي‭ ‬دُرست،‭ ‬من‭ ‬قبلُ،‭ ‬دراسة‭ ‬موازية‭ ‬وتابعة‭ ‬للتاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬والإحصائية‭ ‬البشرية‭ ‬التاريخية،‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬أفضل‭. ‬وكان‭ ‬بالإمكان‭ ‬الاسترسال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجرد،‭ ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬تسجيل‭ ‬قرب‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬موضوعات‭ ‬صاغت،‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬العشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬بنية‭ ‬السجالات‭ ‬حول‭ ‬التاريخ‭ ‬الرسمي‭.‬
وهكذا،‭ ‬وباقتراح‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬نقل‭ ‬السؤال‭ ‬من‭ ‬الوصف‭ ‬الأحادي‭ ‬الموضوع‭ ‬لمواقع‭ ‬فردية‭ ‬وسياقات‭ ‬محلية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحليل‭ ‬التداولات‭ ‬الثقافية‭ ‬للموضوعات‭ ‬والمعارف‭ ‬والاستعارات‭ ‬والمجموعات‭ ‬والهويات،‭ ‬فإنها‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬أسهمت،‭ ‬أيضاً،‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬‮«‬أنموذج‭ ‬الحركية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬اليومَ‭ ‬قد‭ ‬اكتسح‭ ‬مجموع‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وتبعاً‭ ‬لهذا‭ ‬المنظور،‭ ‬رفعت‭ ‬الدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬المنهجية‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬العوالم‭ ‬الاجتماعية‮»‬،‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬مكاني،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬التتبع‭ ‬واقتفاء‭ ‬الأثر‭.‬
وتبدو‭ ‬الهويات‭ ‬والمجموعات،‭ ‬اليوم،‭ ‬دائمة‭ ‬الحركة‭ ‬والفعل‭. ‬وعليه،‭ ‬حدد‭ ‬جورج‭ ‬ماركوس‭ (‬Georges Marcus‭) ‬أربع‭ ‬تقنيات‭ ‬للتتبع‭. ‬تقوم‭ ‬أولاها‭ ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬أشخاص،‭ ‬هم‭ ‬كذلك،‭ ‬يتحركون،‭ (‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال،‭ ‬مثلاً،‭ ‬في‭ ‬الحج،‭ ‬ورحلة‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬والمواطَنة‭ ‬العالمية،‭ ‬والشتات‭). ‬ويريد‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬الإثنوغرافي،‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬ثانٍ،‭ ‬تتبع‭ ‬الأشياء،‭ (‬مثل‭: ‬الآلات،‭ ‬ومضخات‭ ‬الهواء،‭ ‬والجراثيم‭). ‬ويؤكد‭ ‬ماركوس،‭ ‬أيضاً،‭ ‬أهمية‭ ‬الخطابات،‭ ‬مقترحاً‭ ‬تتبع‭ ‬الاستعارات‭.‬

وختاماً،‭ ‬تعدّ‭ ‬دراسة‭ ‬الصراعات‭ ‬دراسة‭ ‬طولية،‭ ‬أو‭ ‬طولانية،‭ ‬تقنية‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬البحث،‭ ‬تُعملها‭ ‬هذه‭ ‬المقاربات‭ ‬‮«‬المتعددة‭ ‬المواقع‮»‬،‭ ‬بغية‭ ‬فهم‭ ‬الحركية‭ ‬الجماعية‭ ‬وآثار‭ ‬تجزيء‭ ‬الفضاءات‭ ‬العمومية،‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعاصرة‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬كلها،‭ ‬تناط‭ ‬الأهمية‭ ‬بالمادية‭ ‬والإنتاج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للأثر‭ ‬والسلالم‭ ‬وزمنية‭ ‬الفعل‭ ‬والخطاب‭ ‬وتأويلات‭ ‬الفاعلين‭ ‬الاجتماعيين،‭ ‬المدرَكةِ‭ ‬بوصفها‭ ‬ممارسات‭ ‬محلية‭ ‬موضعية،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬وصف‭ ‬أفقي‭ ‬للعالم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ينظم‭ ‬في‭ ‬سلكه‭ ‬الباحثَ‭ ‬وموضوعَ‭ ‬البحث‭. ‬وتبدو‭ ‬لي‭ ‬مناهج‭ ‬البحث‭ ‬الجديدة‭ ‬هاته‭ ‬جديرة‭ ‬بالنقاش‭ ‬داخل‭ ‬مشهد‭ ‬الدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬الحالية،‭ ‬ما‭ ‬دامت،‭ ‬أيضاً،‭ ‬تعيد‭ ‬صياغة‭ ‬مقاربتنا‭ ‬للموضوع‭ ‬الاجتماعي‭.‬


• المقالة هي نص كلمة الأستاذ المبرز في التاريخ، وأستاذ تاريخ العلوم والمعارف بالمعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، الدكتور اصطيفان فان دام Stéphane Van Damme، افتتح بها أشغال مائدة مستديرة نظمتها جمعية التاريخ الحديث والمعاصر، (SHMC)، يوم 15 مايو 2004، ونشرتها الجمعية في مجلتها بعنوان:
Comprendre les Cultural Studies : une approche d'histoire des savoirs, Revue d'histoire moderne et contemporaine, tome 5-1, n°4 Bis, Année 2004, pp: 48-58

 

نشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 244 (صفحة 8)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها