حوار مع القاص والفنان المسرحي حسن شوتام

حاوره: حيدر زكي عبد الكريم




متى كانت بداياتكم مع الثقافة والأدب وحُب المسرح؟

جزيل الشكر لكم على هذه الفرصة الجميلة. انجذابي للجمال والفن عموماً كان في مرحلة مبكرة. لم أنشغل كثيراً باللعب كباقي الأقران. انصرفت إلى مشاهدة الأفلام والإنتاجات الدرامية المصرية، بالإضافة إلى الاستماع للموسيقى والأغاني الكلاسيكية العربية. شكّلت هذه الخلفية الفنية ذائقتي الجمالية ووجّهت اختياراتي في ما بعد، بل وضعتني في ورطة أمام طرق واختيارات بيداغوجية تعليمية تؤمن بالنموذج والنمط. فصّلت تلك الخبرة الأليمة في إحدى قصصي التي كانت عنوان مجموعتي القصصية الأولى "السبت الحزين"(2001). كانت صرخة في وجه سلطة المدرس الذي يقتل فيك حرية الاختيار؛ اختيار القصة التي ستستعيرها من المكتبة المدرسية، وكان ثمن رفضي لقصة مصوّرة من اختياره حرماني من استعارة القصص طيلة السنة. حيث لا يمكنك أن تختار لا يمكنك أن تكون!

 خلال فترة المراهقة تنوّعت قراءاتي الأدبية، وبدأت أولى محاولات الكتابة النثرية إبّان المرحلة الثانوية، بالنشر في إحدى الصحف الأسبوعية المغربية. أما المسرح فكان لقائي بمحيطه الممتد الفريد من خلال قصيدة نثرية (مجنون الحرية)، ألقيتها في إحدى الأمسيات الثقافية بدار الشباب، وكأنها لحظة ولادة جديدة... اكتشفت طبيعة شخصيتي على الركح بعد انخراطي في ناد ثقافي بمدينة الريش البسيطة... كانت صالة عرض متواضعة احتضنت أحلامنا الكبيرة أواخر التسعينات. لم أتوقع، وأنا الخجول المنطوي ركوب تجربة التشخيص ضمن فرقة هواة. قطعاً قوة هذا الفن المغيّرة جعلتني أتوجّه إلى مطالعة النصوص والكتب المسرحية في خزانة البلدية، أو أشاهد بعضها على أشرطة فيديو في المنزل، بدل قاعات عرض مناسبة قادرة على تأمين فرجة مسرحية على أصولها. وهنا تحضرني محنة "مارون النقاش"، زمن التأسيس لهذا الفن الراقي وخوفه من المغامرة بعرضه، وسط الناس وفي الساحات مكتفياً بتقديمه في المنازل!
 

من هي الشخصية التي تأثرتم بها على المستوى الشخصي والأدبي ولماذا؟

تتشكل أولى ملامح شخصية الفرد وميزاتها داخل بوتقة أسرية، نستقبل الصالح والطالح من هذا وذاك، كما نستجيب لها ونتفاعل معها إيجاباً أو سلباً بدرجات متفاوتة. والدتي كان لها النصيب الأوفر من هذا التأثير خاصة من الناحية الإبداعية، فالحكايات التي كانت ترويها لنا والمستوحاة من التراث الأمازيغي أثْرت خيالي، وربما ألقت في تربته الخصبة العطشى تباشير من الحس المسرحي بأسلوبها وطريقتها في الحكي، الذي يعتمد على التشخيص والمحاكاة والتشويق. من الناحية الأدبية يصعب عليّ التعيين، كنت ومازلت أقرأ للعديد من الأسماء لكن، لابأس من ذكر كتب لأدباء تركوا بصمة خاصة في ذاكرتي النّصية الإبداعية مُستحضراً ما يدعوه (د.أ.ت بيرسونDr.A.T.Person )، «القانون الأولي لذكر الأشياء»: رواية "مجدولين" تعريب الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، رواية "المرأة والوردة" لمحمد زفزاف، رواية "الأرض الطيبة" لبيرل باك.

 شكّلت هذه الروايات وعيي بوظيفة الأدب وقدرته على تصوير الحياة بأبعادها التاريخية والاجتماعية والنفسية، بل وقدرته على تجاوزها واستشراف المستقبل والسعي الدائم لتحقيق الأفضل. من يطالع نصوصي القصصية والمسرحية سيلاحظ مزيجاً من الرومانسية والواقعية، وقد يكون هذا امتداداً خفيّاً وتطوراً لاحقاً لحقيقة تأثري بتلك الإبداعات الأدبية العظيمة... هذا ما قصدته ب«القانون الأولي لذكر الأشياء».
 

ما رأيكم بعبارة "تكلم عن أخطائك أولاً"؟

«لماذا تلاحظ القشة في عين أخيك، ولكنك لا تتنبّه إلى الخشبة الكبيرة التي في عينك»؟ تتطابق كلمات السيد المسيح هاته مع العبارة التي أوردتها في سؤالك. نميل بطبيعتنا للتركيز على عيوب الآخرين، ونعتقد أن كل المشاكل والصعوبات التي تعترضنا تأتي من الآخر بالدرجة الأولى، وبالتالي نعيش في جو من عدم الأمان وعدم الإحساس بالثقة. نعيش حالة من التردي الأخلاقي والقيمي تستلزم وقفة صارمة مع الذات، ومواجهتها أمام مرآة صافية تكشف مواطن ضعفنا. في نفس الآن علينا أن نكون أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتوجيه والنقد البناء. قال الحكيم سليمان: "أمينة هي جروح المُحبّ، وخادعة هي قبلات العدو".
 

كيف تنظرون إلى واقع المسرح في القطر المغربي الشقيق؟

أتساءل أحياناً: هل تؤمن المؤسسة الثقافية الرسمية بأهمية المسرح وما يقدمه من خبرة جمالية للإنسان؟ أم تتهيّب تعزيزه داخل النسق الثقافي للمجتمع، لما يحويه من عناصر القلق، واستدعائه للتأمل الفكري والجدل؟ أعتقد أن زمن التهيئة كان أفضل بما لايقاس، كان هناك حديث عن المفاهيم والمصطلحات والاتجاهات، التي ميّزت الإبداعات المسرحية المغربية بعد الاستقلال، وخلال عقدي الستينات والسبعينات ظهر مسرح ذو أصول وتداعيات فلسفية، وفي فترة الثمانينات صدرت عدّة بيانات حاولت التنظير للمسرح المغربي. صحيح أن بعض المبادرات كانت تلقائية عاشقة غير مُقعّدة نظرياً لكن على الأقل كان هناك نقاش وكانت هناك محاولات. الآن، ماذا تبقى من تاريخ البدايات والتأسيس؟ أين هي فرق مسرح الهواة، والمسرح الجامعي، التي كانت مُختبراً مسرحياً للتجريب والفعل الحرّ المُستقل؟ واقع المسرح المغربي قاتم لأسباب كثيرة، ويزداد الوضع قتامة مع هيمنة وسائط رقمية أخرى توفّر للمتلقي فضاء لانهائياً، لتحقيق متعة سهلة ومباشرة لا تروي عطشه إلى المعرفة والعاطفة النبيلة كما يفعل المسرح، باعتباره فضاء مناسباً للتواصل الإنساني وبوابة -حميمة بحق- للاطلاع على تجارب الآخرين.
 

المسرحيات الكوميدية الهادفة.. للأسف لازال الكثير من الجمهور العربي وبدون تعميم، ينظر إليها على أنها وسيلة للترفيه أو التسلية، وليست وسيلة هادفة ذات مضامين. ما قولكم في ذلك؟

في الأدبيات المسرحية، لا تكتمل عناصر العرض المسرحي دون جمهور. الظاهرة المسرحية خلق جماعي بامتياز، يساهم فيه المؤلف والمخرج، وعوامل إنتاج ومتفرجين وغيرهم. سؤالكم يدفعنا للحديث عن عملية التلقي المسرحي، التي لا يمكن تبسيطها في الخطاطة النموذجية الأفقية المعروفة: المُرسِل -الرسالة- المرسَل إليه. الخطاطة التواصلية المسرحية تتضمن شبكة مركّبة، لا تكتفي بالإرسال فحسب أو الاستقبال؛ بل تستثير عواطفك وتقحمك في لعبة إيهام مقصود ومُغلّف بعناصر درامية، تؤثث الفضاء لتترك لك المجال لاحقاً للتأويل والحكم أيضاً، الذي يضطر فريق العمل إلى أخذه بعين الاعتبار خلال العروض اللاحقة. لا يمكنك أن تحجر على ذوق المتلقي، إنه في النهاية من يُقرر ويختار طبيعة المسرحية التي تناسب احتياجه، لكن أن يُفرض اللون الواحد فقط على صالات العرض الأولى، وتُخصّص مهرجانات ضخمة باعتمادات مالية كبيرة لفائدة الكوميديا الرخيصة، فهذا يتطلب شجباً وتنديداً وفضحاً.

الجمهور العربي ذكي ولا تُعوزه آليات التفكير المنطقي والتحليل الرزين. الكوميديا الهادفة لها جمهور عريض، لكن المؤسسات الرسمية بما تملكه من قوة وتحكم في وسائل الإعلام تحاول الإبقاء على العروض نفسها، التي تُكرّس بنية ذهنية ساهمت لعقود طويلة في تربيتها، بل مسخ ذائقتها الفنية. وما أحوجنا أن نتذكر هنا قول «فرانك هوايتنج»، في كتابه (مقدمة إلى المسرح): «هل المسرح مجرد ترفيه؟ إن الإجابة على مثل هذا التساؤل تبدو صعبة. إلا أن هدف المسرح الجيد هو أبعد من الترفيه. ففي عصور عظمته وازدهاره كان كتابه وممثلوه ومخرجوه ومصمموه يبحثون عن معنى الوجود وجماله، بنفس الحماس ونفس الاهتمام، الذي اتسمت به أعمال الكبار من العلماء والفلاسفة ورجال الدين؛ لأن جوهر الفن المسرحي يقوم على أساس عام من المعرفة الشاملة: أي على قدرة الإنسان في الاستكشاف، والتعجب، والتأمل».
 

في المسرحيات التي تتبنى الكوميديا السوداء، هل هناك فرق بين المهازل والمساخر التي تعالجها هذه الكوميديا؟

الكوميديا السوداء من الأشكال المسرحية المتفرعة عن الشكل الأساس: الكوميديا، حيث يمكن للكاتب المسرحي أن يصوغ فعلا يختاره من الحياة صياغة هزلية مرحة. طبعاً إلى جانب الكوميديا السوداء هناك الكوميديا الراقية، كوميديا الدسائس، الكوميديا الدامعة، الكوميديا الرومنسية، كوميديا الشخصية، كوميديا المواقف، بالإضافة إلى أنواع كثيرة لا يمكن حصرها. الكوميديا السوداء بالغة التأثير في المتلقي ومتغلغلة في اليومي المليء بالمضحك المبكي وخاصة في وطننا العربي. أعتقد لو تمكّن كل مواطن من أدوات الصَّنعة المسرحية لأبدع نصوصاً هزلية ساخرة سوداء لا تكفي مسارح وساحات الدنيا لعرضها. أينما ذهبت؛ في المستشفيات في الإدارات، في أقسام البوليس، في المدارس والجامعات، وغيرها من الأماكن ستجد مواقف تدعو للبكاء والتذمر حدّ الضحك. وعوض أن تشجع المؤسسات الثقافية الرسمية هذا النوع من الكوميديا الحميدة؛ تُعطي مساحة أوفر في عديد من المهرجانات أو من خلال إنتاجات تلفزيونية لكوميديا التهريج الهابط "الذي يتسم بالصخب، والعنف البدني، والخشونة في الحركة واللفظ، واستعمال الأيدي والأرجل في حركات بهلوانية" على حدّ تعريف الدكتور إبراهيم حمادة.
 

هل ممثل المسرح يجب أن تكون لديه عقيدة سياسية أم يكون ناقدا في تمثيله المسرحي، أم يستقل برؤيته وحسبما يمليه عليه دوره المسرحي. ما تفسيركم؟

يصعب إن لم نقل من المستحيل تخيل عرض مسرحي بدون ممثل. إنه الحلقة الرئيسة بين عناصر العمل المسرحي ككل وبين الجمهور. هو الحامل لمعاني النص والمُجسّد والمُمثل لأبعاده النفسية والاجتماعية والتاريخية، ومن هذا المنطلق يشعر الممثل بثقل المسؤولية المنوطة به لأنه يتعامل مع فن له قوة خاصة في التأثير والتوجيه بل والتأطير. ونحن نعلم في منطقتنا العربية التي واجهت شتى صنوف الاستغلال والاستعمار، الدور الذي لعبه المسرح في استنهاض الهمم وإذكاء روح الوطنية الصادقة، والدفاع عن قيم الكرامة والحرية بأساليب مختلفة. تعجبني عبارة للأستاذ عبد الله تغزري المنصوري في كتابه "اتجاهات المسرح المغربي: الممكن والمستحيل" في سياق حديثه عن مرحلة ما بعد الاستقلال وبداية تحرّر المسرح من منظومة الحركة الوطنية خاصة مع تنامي «الوعي بأن إمكانات الإبداع الفني وطموحاته الجمالية، تفوق بشكل أكبر مطالبات وطموحات المشهد السياسي والدولي». المسرح لا يحتمل ولا يُرحّب بالأبواق الدعائية والمصالح الفئوية الضيقة. هو صوت الإنسان الذي يحتفي بخصوصيته وفرادته دون إغفال الواقع العام ونبض الشارع. لا يمكن تخيل ممثل دون عقيدة سياسية، وهناك إنجازات مسرحية مغربية لا يمكن للمتلقي أن يدرك أبعادها مالم يتسلح بالفكر السياسي والنقابي للفترة التاريخية التي شكّلت وَعْيه، ولعلّ خير مثال على ذلك رائد المسرح الاجتماعي المغربي عبد القادر البدوي، والذي إلى جانب عشقه للمسرح، خبر العمل النقابي بالاتحاد المغربي للشغل ممثلا للعمال. لذلك لاغرو أن تأتي إنتاجاته المسرحية مخلصة للطبقة العاملة وفئات من البورجوازية.
 

هل أنتم مع مسرح استثارة الواقع بدلا من نقل الواقع بحيثياته ومحاكاة الحياة في إيقاعها ولماذا؟

يخضع المسرح كغيره من الأشكال التعبيرية الفنية لشروط وعناصر محدّدة لا يمكن الاستغناء عنها لتأمين فرجة مسرحية قابلة للاستيعاب ومُحقّقة لفعل الإيهام المسرحي، الذي هو ثمرة هذا التعاقد العرفي بين العرض ككل والجمهور. فالعرض المسرحي ليس قطعة أو نسخة فوتوغرافية عن الحياة. تخيّل نفسك مثلا تسير في شارع عام تغلّفك مؤثرات صوتية تتماشى مع حالتك النفسية والمزاجية، ألن تأخذك رغبة في الصراخ بصوت عال أو الرقص على مرأى من الكل؟ المسرح يسمح بذلك التأكيد بل ويتعمّده ويبالغ فيه صوتاً ونطقاً وحركة وإيماءة؛ لأنه فن التعبير عن الذات والكشف عن خباياها وكل تناقضاتها. للمسرح طموحات جمالية تجعله يشحذ كل إمكانيات العرض الإخراجية لمضاعفة الحياة أو ربما اختزالها.
 

المسرح الغنائي أو المسرح الاستعراضي، لماذا لا نشهد الآن عروضا مسرحية من هذا النوع كما كانت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ما السبب من وجهة نظركم؟

المسرح الاستعراضي يحتاج إلى جنود أكفاء ومُكرّسين لشهور متتالية زمن الاستعداد، وأيضا إبان الجولات والعروض المختلفة. إنه عملية خلق جماعية بما لا يُقاس. تجارب الرواد من قبيل سيد درويش والرحابنة مع السيدة فيروز مدرسة عظيمة يجب النهل من روافدها التاريخية والجمالية، بما تحويه من قيم أصيلة ودلالات رمزية في الوجدان العربي، بل والإنساني. في تقديري المتواضع، هناك أسباب غيّبت المسرح الغنائي عن الخارطة المسرحية رغم بعض المحاولات الاستثنائية: ضعف التكوين والتأطير النظري في هذا المجال، وأيضا طغيان فكرة "النجم" و"البطولة" وترسخها في المرجعية الأخلاقية والقيمية للمثل. بالإضافة إلى ذلك؛ يحتاج المسرح الاستعراضي إلى دعم مادي كبير يستطيع تغطية تكاليف تصميمات الديكور الضخمة ومُعدّات العرض المعقدة والموارد البشرية، من ممثلين وراقصين ومصممي الملابس، والكثير من التفاصيل التي تتطلب إلماماً وافياً بطبيعة هذه العروض والصبغة الدرامية، التي يجب أن تُميّز أي استخدام للموسيقى وحركات الرقص في التمثيل، وأي عنصر سمعي أو بصري يتطلبه العرض.
 

يوجين أونيل (Eugene Oneill) أشهر روائي مسرحي في أمريكا، منح جائزة نوبل في الأدب سنة 1936، وجائزة بالزر لأحسن رواية أمريكية ثلاث مرات .. سؤالي .. نحن في وطننا العربي لدينا خيرة رجال المسرح، من يرادف هذا المؤلف الأمريكي من رجال المسرح من العرب، برأيكم على سبيل المثال لا الحصر؟

غسان كنفاني؛ الأديب الفلسطيني في تقديري المتواضع، يعدّ علامة بارزة في تاريخ الأدب العربي بل والإنساني. غرز قلمه في شرايين وجعه واختط رؤاه وأحلامه وهواجسه وطموحاته في وقت قصير؛ وكأنه يُحذّرنا من "عامل الزمن" وفاعليته في تقرير مصيرنا الحضاري. قال عنه الناقد والصحفي"بيار أبي صعب": "لم يعش سوى 36 سنة. لكننا إذا نظرنا إلى كتاباته الروائية والقصصية والمسرحية والنقدية، إضافة إلى عمله كباحث وسياسي ومؤرخ وصحافي ورسام، نحسب أننا أمام كتيبة من المؤلفين، وليس كاتباً فرداً. إن غسان كنفاني يترك لنا صورة كاتب واظب على الكتابة طوال حياته، التي كان يستشعر ربّما أنها ستكون قصيرة".
 

قبل فترة من الزمن أعلنت شركة (شل انترناشيونال بترويوم- لندن) عن دعمها تقديم مسلسلات للتلفزيون بعنوان: (من تراثنا العربي)، والفكرة تقوم حسب المصدر: "تعطي فكرة وملامح عن حياة وأعمال عدد كبير من الأدباء والمفكرين العرب، الذين ساهموا مساهمة لا تقدر بثمن من أجل النهوض بالمعرفة والعلم في الدنيا ونالوا احترام وإعجاب العرب والحضارة الغربية، أمثال: ابن رشد، وابن سينا، والإدريسي، والجاحظ، والخوارزمي، والرازي وآخرون غيرهم.

سؤالي: ظهرت مسرحيات تناولت: أبو الريحان البيروني، تأليف: الأستاذ رشاد، دار غوث، وابن سينا، تأليف: الأستاذ حسين إسماعيل مكي، لماذا لا نجد الآن اهتماماً بهذا النوع من المسرحيات الجادة، ماهي الأسباب برأيكم؟

لا يمكنك أن تُحلّق دون تطبيق نظم وقوانين الطيران، وبالمثل لا يمكنك تجاوز قانون الزرع والحصاد. السياسات الحكومية المتوالية والمدبّرة لمنظومات مصيرية في معظم الدول العربية مازالت ممعنة في إنتاج برامج تنموية، تليّن الجروح وتعصب الدمامل دون أن تشفيها بالتمام. لا يمكن تخيّل نهضة ثقافية حقيقية دون تنمية اقتصادية شاملة، تروم المواطن البسيط وتصب في مصلحته. لا يمكن توقع ثورة ثقافية دون منظومة تربوية قوية تستجيب لحاجات الفرد الأساسية وتمنحه فرصاً عديدة للاختيار الواعي الحرّ. طمرنا ينابيع فكر حيّة -بدعوى الحفاظ على الأمن الروحي للأمة- واصطنعنا نافورات تقذفنا دون هوادة بشتى صنوف الرداءة، وتمحو من عقلنا أي أثر للحكمة والمنطق. ربما نحتاج لعقود طويلة من العمل الشاق والمضني على مستوى الكتابة والتأليف والعرض المسرحي؛ لإعادة الاعتبار والاهتمام بهذا النوع من المسرحيات الجادة. وربما نحتاج عملية خلق جديدة أجد لها صدى في عبارة للروائي السوري حيدر حيدر من رواية "الزمن الموحش": «وهذه الأرض لماذا لا يجتاحها طوفان لا ينجو منه إلاّ رجل وامرأة يلدان العربي المعاصر»؟
 

وأخيراً فيما يتعلق بالمسرح، يقول الرائد المسرحي العربي (يوسف وهبي) بعبارته الشهيرة: "ما الدنيا إلا مسرح كبير"، هل من نص مسرحي للقارئ ولنا من قبلكم حتى لو كان مقتبسا.

أقترح عليكم مسرحية "الغزاة" للكاتب التشيلي إيجون وولفEgon Wolff جمع فيها بحرفية، بين عنصري الإمتاع والتشويق، والنقد الصريح للواقع الاجتماعي والسياسي المعيب. وبإجماع النقاد، تعتبر هذه المسرحية من أفضل الأعمال المسرحية التي ظهرت في الفترة الأخيرة في قارة أمريكا اللاتينية. عرضت لأول مرة في عام 1963، على مسرح جامعة تشيلي ثم جابت أنحاء العالم.
 

ولنا وقفة مع دور الأوبرا وأشهرها عربياً (دار الأوبرا المصرية)، كيف تنظرون لأهميتها باعتبارها دارا تتنوع فيها العروض المسرحية، وتضم فرقاً سمفونية كبيرة إلخ ...

"دار الأوبرا المصرية" صرح ثقافي كبير يحتوي على العديد من المراكز الثقافية والترفيهية والمتاحف والأعمال الفنية. هو بالحقيقة مفخرة جمهورية مصر العربية، وكذلك يشعر كل فنان يرتقي منصة إحدى عروضه سواء الموسيقية أو الأوبرالية والغنائية الضخمة. أهمية هذه الدار تكمن في قيمة الأعمال الفنية التي تحتفي بها وتُقاسمها مع جمهور من جنسيات مختلفة. دور الأوبرا فضاء رحب للتواصل الإنساني وذاكرة أمينة للتراث العالمي. نتمنى أن تُشيّد مثل هذه الصروح والعمارات الثقافية في كل العواصم العربية.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها