اللغتان العربية والكاتالانية .. العلاقة حاضراً ومستقبلاً

ترجمة: محمد القاضي

تُرجِم عن: ميكيل‭ ‬دي‭ ‬إبالثا


داخل العالم المسمى الإسباني المتكون من إسبانيا أو شبه الجزيرة الإيبيرية من الرومانيين، الأندلس من العرب، لا توجد فقط اللغة القشتالية أو الإسبانية والبرازيلية أو البرتغالية، مع اللهجات المتنوعة والمتغيرة التابعة لها. وإنما هناك لغة ثالثة وهي اللاتينية الجديدة أو (القشتالية الخاصة) وهي اللغة الكاتالانية التي يتحدث بها ستة ملايين من السكان تقريباً، كالجماعات ذات الحكم الذاتي بكاتالونيا، بالنسيا وجزر البليار، وإمارة أندوره، حيث تعتبر اللغة المحلية الرسمية، وكذلك المناطق الشرقية لأراغون، والقسم الشرقي من جبال البرانس، في فرنسا، وفي منطقة الغيرو Alghero، في جزيرة سردينيا الإيطالية، إنها لغة الحوار والتخاطب والثقافة، موحدة رغم تنوع لهجاتها، والتي صنفها اللغويون في لهجات الشرق:
(كاتالا CATALA، مايوركي MALLORQUI، مينوركي MINORQUI، الأيبيسينك EIVISSENC، والروسييونيس ROSSELLONES...) والغربية (بالنسيا VALENCIA، تورتوسي TORTOSI، جيدينا LEIDETA...).
لقد اكتسبت هذه اللغة ازدهاراً أدبياً في القرنين الثالث عشر والخامس عشر وخلال عصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي ظاهرة لها ما يقابلها في النهضة العربية، وتعرف حالياً نشاطاً جديراً بالذكر.

***

 

الاتجاهات الحالية للعلاقات بين العربية والكاتالانية

إن الواقع الاجتماعي اللساني للغة الكاتالانية يسمح بالتوقعات انطلاقاً من الاتجاهات الحالية نحو علاقات مستقبلية للغتين، في العقود القادمة.
ففي المقام الأول، هناك قطاع علمي، وخصوصاً الجامعي، ولكن أيضاً يوجد مؤرخون محليون يهتمون بالبحث في التاريخ العربي المحلي أو العام. تلك القطاعات، التي واجهت بعض الصعوبات في التعبير والنشر باللغة الكاتالانية، والتي تجاوزوها حالياً. فكتب التاريخ والمجلات العلمية المتخصصة تقبل وبشكل متزايد نشر دراسات بالكاتالانية حول المواضيع العربية. كما أن بعض المؤتمرات العلمية المختصة تقبل هي الأخرى التواصل والتحاور بها وتنشرها بعد ذلك في وثائقها. إنه حقل محدود وممتاز للمنشورات الاستعرابية باللغة الكاتالانية، بالمقارنة مع الأعمال التي تنجز بمثيلاتها من اللغات المحلية بشبه الجزيرة الإيبيرية.
وفي المقام الثاني، يوجد قطاع يتعلق بشيوع الثقافة والتاريخ المدعمين حالياً من طرف السلطات الإقليمية والبلدية المستقلة، والتي تهتم بالتاريخ المحلي والإقليمي، ويهمها بالخصوص معرفة أكثر جلاء للمرحلة التاريخية العربية، ولهذا فإنها تعمل على تشجيع ودعم هذا الإشعاع، حيث يحتل كل ما هو عربي مكانة هامة، لكونه غير معروف معرفة جيدة، ولكونه كذلك يشكل مقدمة أو إرهاصاً للثقافة الكاتالانية في العصور الوسطى (مقدمة على الأقل من الناحية التاريخية) وفوق كل شيء، فهو عالم مختلف عن العالم المسيحي –الأوروبي- الرومانثي السابق عن الحالي. يستلزم ذلك من المثقفين الحاليين انفتاحاً جديداً وكسراً لحواجز التاريخ التقليدي، كما يستلزم أيضاً الانفتاح على دول البحر الأبيض المتوسط في العصور الوسطى واليوم.
المقام الثالث متعلق بميدان النشر والإشعاع الثقافي السالف الذكر، وتجدر الإشارة هنا إلى المجال الأدبي الإبداعي، خاصة في الإقليم البلنسي (نسبة إلى بالنسيا)، الذي يبحث في التاريخ العربي عن عالم جديد للإبداع، أو على الأقل عن إطار غريب وخاص وقديم للإلهام القصصي أو الشعري، هذا الحب للأدب العربي يتجلى بشكل واضح في الشعر (يحاكون، يشرحون يترجمون للشعراء العرب البالنسيين)، وفي مجال الرواية (في نطاق التركيز على فترة السيادة العربية في هذه المنطقة أو في فترة إجلاء الموريسكيين وإلى غاية العصر الحاضر في المغرب العربي الحالي). وكذلك في ميدان السينما التجارية أو المتلفزة (الأفلام المطولة لكارلوس ميرا Carlos Mira أو القصيرة لأدولفو ثيلدران Adolfo Celdrán، وأشرطة أخرى).
هذا المظهر يرجى منه خير، لأنه يسمح بالتفكير في أن سعة الاطلاع لدى المؤرخين سوف تكون جانباً من الميثولوجيا الأدبية للمبدعين، وبعد ذلك، للإبداعات الشعبية. وإنه القطاع الذي يمكنه التطور أكثر كذلك نحو الأشكال الطارئة والمستعارة من المواضيع العربية.
وفي المقام الرابع يوجد نوع من الإبداع مختلف نوعاً ما عمّا سبق، نعني بذلك الإبداعات الخاصة بالأعياد بصفة عامة، وذلك في إطار أعياد المسلمين والمسيحيين التي تتميز بمظاهر عدة، فهي أساطير من الأصل عن: (كيف تشكل الشعب المسيحي، من وضعية سابقة على العروبة والإسلام؟) وإنها فرصة كذلك للخيال الخلّاق (في الألبسة والأطعمة) والذيوع التاريخي (المؤتمرات، المقالات المنشورة في المجلات الخاصة بالاحتفالات) وحتى للإخاء الموسيقي (جلب الفرق الموسيقية من المغرب العربي في الأعياد، وهي مبادرة تتكرر مرات ومرات). هذه المبادرات (المحبة للمسلمين) والمطبوعة بطابع الاحتفالات تساهم كل مرة في التعريف بالماضي والحاضر العربي، ويستفاد منها أكثر مما يستفاد من القطاعات الأخرى (كالبحث العلمي، والنشر، والإبداع، والصحافة) والتي هي على اتصال باللغة والثقافة العربية. 
وفي المقام الخامس، يجب التركيز على القطاع الإعلامي، أو وسائل الاتصال الاجتماعية، باللغة الإسبانية. ومن حين لآخر باللغة الكاتالانية كذلك (التلفزيون، المجلات التاريخية، الثقافة، نشرات الأخبار، صحيفة أو صفحة منها باللغة الكاتالانية)، دون إهمال التاريخ العربي، وفوق كل شيء الاهتمام بالأخبار الدولية عن العالم العربي الإسلامي والذي يهم وسائل الاتصال الاجتماعية، الأمر الذي لا نجده في هذا القطاع بشكل مباشر عن المصدر العربي، وإنما يعتمد في ذلك مصادر لغوية أخرى: الإسبانية، الإنجليزية، أو الفرنسية...)
كل هذه المجالات والتي تعبّر أكثر بالكاتالانية، لا تتطلب فقط معرفة أكثر بالحقائق العربية الإسلامية، وإنما كذلك بدورات لسانية لما يمكن استعارته من اللغة العربية للغة الكاتالانية، والحاجة تدعو إلى أن يكون الإحساس أكثر للقواعد الخاصة للغة الكاتالانية لاستيعاب الكلمات والأسماء من أصل عربي، وهذا ما نطلق عليه، كما هو الشأن في جميع الميادين، القياس الحضاري أو العودة إلى الحالة الطبيعية للنصوص أو الأسماء ذات الجذر العربي في الكاتالانية.
 

اجتماع تقني حول الدراسات العربية بالكاتالانية

إن الازدهار المتزايد للمطبوعات باللغة الكاتالانية حول المواضيع العربية راجع إلى أساتذة اللغة العربية في جامعة اليكانتي الذين اجتمعوا من جديد بالقسم الجامعي المحدث مؤخراً لعلوم اللغة العربية والكطلانية والفرنسية، وذلك لإحداث مجموعة من الخبراء للعمل على البحث، في الأصول اللسنية للكلمات العربية في اللغة الكاتالانية، شاركهم في ذلك عدد من الدكاترة والأساتذة الذين تخرجوا حديثاً من جامعة اليكانطي. وقد ترأس هذه المجموعة الدكتور ميكيل دي إبالثا، وساهم إلى جانبه الدكاترة سولا Sola، وفيرناندو إي ميراييس F.Y.MIRALLES، وهم متخصصون في اللغة الكاتالانية بجامعة برشلونة وبالنسيا وجزر البليار بالتتالي، إضافة إلى الدكتورين كوريينتي وروبييرا المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية من جامعتي مدريد واليكانتي، وغيرهم من الباحثين والمهتمين بالدراسات اللغوية والدراسات العربية والإسلامية.

وانطلاقاً من ملف ضخم يتضمن مجموعة من المجلات والاقتراحات التي تمت مراجعتها، أمكن الوصول إلى بعض الاقتراحات نختصرها فيما يلي:
أ- الاستنساخ: وذلك طبقاً للمنهج العالمي للغة العربية المسمى (ISO(R233 إلى اللغة الكاتالانية، مع الاحتفاظ بالعلاقات المميزة اللازمة في منهج النسخ الحرفي، ولكن أيضاً قُدّم منهج مبسط للنسخ أو الصوتي، بالأبجدية الكاتالانية فقط، دون التوصل إلى اتّفاق حول منهج صوتي ثالث، من مميزاته الرئيسية حذف حرف h (الغريب في الكاتالانية) واستيعاب جميع الحروف (المكررة) وهي غريبة كذلك في اللغة الكاتالانية.
ب - اتفاق الحروف الساكنة وأداة التعريف: التحكم الممنهج لنسخ الحروف الساكنة، خاصة المضاعفة، وضبط نسخ أدوات التعريف، باستيعاب الحروف (الشمسية) ودمج (الـ) مع الكلمة الموالية، في عملية النسخ المبسطة.
ت- حركة النبر والجمع: مراعاة حركة المد في الحروف حسب نطقها حسب قواعد اللغة الكاتالانية حتى يسهل على المتكلم الكاتالاني استعمالها ببساطة أثناء النطق باللغة العربية. كما تم إصلاح طبيعة بعض الجموع العربية، وطرحت مشكلة النعوت العربية والمنتهية بحرف (I).
ث- أسماء الأعلام: تدارست اللجنة مشاكل عدة تتعلق بالأسماء العامة، والأسماء المحلية بالخصوص، وعلم الاشتقاق للكلمة العربية الدخيلة في اللغة الإسبانية، وتقرر الالتزام بالتقليد في هذه الكلمات، لكن مع الميل إلى تطبيق قواعد طريقة الاستنساخ المختصرة أو الصوتية.
وتم الإلحاح بشكل خاص على استيعاب تعريف الاسم الذي يلي ووضع عارضة (وهي الأكثر استعمالاً في اللغة الكاتالانية من الإسبانية) بين عناصر الكلمات المفصولة عن بعضها، والتي يستطيع القارئ الكاتالاني التعرف إليها دون فهم معناها والتي يمكن فصلها هي نفسها مثل عبد الإله Abd-Al.Lah وسيف الدولة Saif-Addawla.
هذه التوصيات أو المقترحات يمكن أن ترقى إلى ملتمسات تطرح في معهد الدراسات الكاتالانية في برشلونة، الذي يتوفر على شعبة علم اللغة، حيث تراقب عمليات تطبيع اللغة الكاتالانية من جديد، وعندما يتم قبول تلك المقترحات، فستعمل على نشرها بين مراكز النشر باللغة الكاتالانية، وتوزيعها على 1200 مشترك من الجمعية الدولية للغة والثقافة الكاتالانية عبر العالم كله.
هناك اجتماعات أخرى مرتقبة، لمحاولة حل المشاكل المعلقة بنسخ الكلمات العربية في اللغة الكاتالانية، ودراسة العلاقة بين اللغتين العربية والكاتالانية على المستوى المعجمي، وأسماء الأعلام، والمستوى الأدبي، إضافة إلى مظاهر أخرى، ثقافية وهي ذات صبغة تاريخية مشتركة.

إن الأوج الذي وصلته اللغتان والثقافتان في أيامنا هذه، يخلق جواً سياسياً ممتازاً في مجال التبادل المشترك.

 

 

نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 248 (صفحة 48)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها