صحافة‭ ‬الطفل‭ ‬وصياغة‭ ‬الوجدان .. الشخصيات‭ ‬الثابتة‭

مجدي محمود الفقي

دائماً ما ترتبط قراءات الصغار واهتماماتهم بجريدة أو مجلة ما، بشخصية ثابتة، يحزن إن تعثرت، ويفرح إن انتصرت ودحرت الأعداء، شخصية تملك لباب قلبه وخيوط تفكيره وطموحاته الشخصية يرى فيها نفسه في شقاوته ومرحه وخداعه للزملاء والأصدقاء، شخصية يرتبط حبه للمجلة بها مثل ميكي ماوس مثلاً أو فهمان وخلفان في مجلة «ماجد» وقطر الندى وسرسوعة في مجلة «قطر الندى»، والرائد محروس في مجلة «علاء الدين». وهذه الشخصيات غالباً ما تكون شخصيات «الاستربس» القصص المصورة، لكي تنجح هذه الشخصية وتكون محببة لعامة الأطفال، أحسب أنه يجب أن تتوافر فيها الصفات الآتية:
1- الشقاوة والمرح: يجب أن تجمع الشخصية الكارتونيه في المجلات بين أفعال الشقاوة غير المبررة من الكاتب لكي ترتبط الشخصية بذهن الطفل ويحس بنفسه فيها، أي يحس بأنه هو نفس الشخصية، ولا بد أن تأتي هذه الشخصية بأفعال عفوية تؤدي إلى نتائج مرحة.
2- أن تأتي أفعال فيها الغباء المصطنع غير المبرر الذي يبدو حقيقياً أو نتيجة سوء فهم لكي تنشط ذاكرة التعقل عند الطفل وتدفعه لإلقاء اللوم على الشخصية كمن يحاوره ويتهمه بالغباء.
3- أن تكون شخصية مغامرة تأتي بأفعال غاية في التفكير والذكاء والتدبر لكي يطمح الطفل أن يقلدها مثل شخصية خلفان والرائد محروس في تعقبهما للصوص.
4- ممارسه الشخصية لأفعال قد يأتي بها الصغير من تخريب في المنزل والمدرسة وفراره من العقاب يوجد حميمية بين الطفل والشخصية، ولكننا نرفض هذا السلوك في الشخصية لما له من آثار سلبية على الطفل.
5- قد تكون شخصية تراثية تنقب في سراديب التاريخ وتطرح على الطفل حكايات مثيرة قديمة يقف أمامها الطفل مذهولاً مشدود الفكر والتركيز مثل شخصية علي بابا، ولتوافر هذه الخصائص في الشخصيات الثابتة في كثير من المجلات ارتبطت الشخصيات بأذهان الصغار.
 

الشخصيات البوليسية الثابتة فـي مجلتي (علاء الدين – ماجد)

من المجلات التي نجحت إلى حدّ كبير في جذب أذهان الصغار بمغامرات شخصية بوليسية مجلة «علاء الدين» من خلال باب الرائد محروس مكتشف اللصوص الذي كتب حلقاته في قصص مصورة «المرحوم جمال عساكر» وهي حكايات للمتعة والتفكير، تجمع بين المتعة الحكائية والفكرة التربوية والمتعة البوليسية، وأيضاً البحث العقلي والتفكير، والخطأ الذي وقع فيه المجرم الذي يتم كشفه به، ومن هذه الحلقات يخلص الطفل إلى بناء ملكة التفكير القانوني في عواقب الخطأ مما يؤدي إلى تفتح العقل وبناء ملكة التفكير العقلاني في الأفعال.

النقيب خلفان والمساعد فهمان

على مدار أعداد مجلة ماجد منذ نشأتها، نجد شخصية خلفان ومساعده فهمان واحترافهما تعقب اللصوص وكشفهم، ارتبط قارئ هذه المجلة من الأطفال بهاتين الشخصيتين، وبعد فترة اكتشفت إدارة المجلة أن كاتب الحلقات بناء على رغبة الأطفال في وجود الشخصية المحببة لديهم من الفتيان دون الفتيات، وهذا ما يوجد مأزقاً وإحساساً بالدونية لدى الإناث، فأضاف الكاتب شخصية «الملازم مريم»، وارتبطت هذه الشخصية الجيدة بالأطفال من الفتيات.

ورغم ارتباط الصغار بهذه الشخصيات إلا أنني أرى أنه على مدار ما فحصت من أعداد وجدت الآتي: 
- تطرح الشخصيات مغامرة ممتعة في تعقب اللصوص. 
- مع تكرار الحلقات يتم تغيير المثير لحدثي المغامرة، ولكنها أصبحت مكرورة المسار في ذهن الطفل. 
- مع التطور الحضاري المتلاحق أرى أنه يجب طرح المجلة للتكنولوجيا الحديثة في تعقب الجريمة واللصوص. 
 

أبو الظرفاء وإحياء النوادر العربية

اعتادت مجلات الأطفال - عدا القليل - طرح الشخصية الرئيسية الكرتونية شخصية مهملة كسولة شقية مفسدة انطوائية.. إلى آخر ذلك من صفات السلوك الخاطئ، وذلك لترك المتعة في قلوب الأطفال والبسمة على شفاههم، وهذا يعدّ خرقاً تربوياً خطيراً لا يدركه القائمون على هذه المجلات، فليس من أجل البسمة والفرحة ندمر السلوك ونفسد الذائقة ونهدم القيم وننسف المثل العليا، وبدلاً من طرح شخصية مثالية في الخلق والسلوك تكون للطفل مثلاً أعلى يُحتذى به ويتبع نهجه نطرح شخصية هزلية تقوم بمواقف إفساد بالمنزل والشارع، فمن غير المعقول أن نُربي أطفالنا على ما يخالف تعاليم ديننا الإسلامي السمح الذي يأمرنا بعدم السخرية من الآخرين أو التنابذ بالألقاب، ونطرح ذلك من خلال شخصية رئيسية بالمجلة.
يقوم محمد المنسي قنديل بطرح شخصية أبو الظرفاء، وهي شخصية مازحة تجمع بين الفكاهة والاقتباس من النوادر العربية القديمة في شكلٍ مرح، لا يطرح المنسي قنديل النادرة على عواهنها القديمة، ولكنه يضفي عليها بعض التعديل لتحقق المرح والمتعة للأطفال.
 

زمان فـي قريتي وإحياء القيم والعادات المندثرة:

بعد أن استعرضنا الشخصيات الثابتة من خلال القصص المصورة في بعض المجلات، يجب أن نتطرق إلى الأبواب الثابتة في الأعمال السردية، ونخص بالبحث باباً ارتبط بذهن وعقول أطفال مصر. 
زمان في قريتي «باب سردي» للكاتب فريد معوض أحيا القيم والعادات المندثرة في القرية المصرية على مدار ما يربو على خمسين حلقة تعقب الكاتب فريد معوض العادات والقيم الفاضلة التي كانت تملأ القرية المصرية قبل أن يدهسها قطار التطور الحضاري وأخطبوط المال الذي يؤدي إلى التنافر والتباعد، قديماً كانت القرية كالبيت الواحد، يتقاسمون القمح والزيت وحتى النار التي كانت تسمى بأسماء مهذبة لدواعي تلفظ السعد كما يقولون «الملافظ سعد» فكانوا يسمون النار عندما يستعيرونها من بعضهم بعضاً الحلوة فلا تقول ربة البيت «أعندكم نار» وهكذا تجلب عليهم الخراب وهو فأل غير حسن، فتقول:
- أعندكم حلوة 

ينقل الكاتب للطفل أن القرية المصرية كانت على ودٍّ وترابط، فيرسم له هذه الأجواء، تقول ربة البيت قبل أن تدخل لتستلف حاجاتها منادية: 
- يا أهل الدار فيردون عليه: 
- تقضلي.. الدار دارك

فتقول وهي تدخل، وذلك لدفع الشيطان الوسواس من وجهها ودفع شر الحسد عن خيرات الجيران الملقاة في كل مكان: 
- بسم الله الرحمن الرحيم.. اللهم صلِّ على النبي... أعندكم حلوة. 
*عدد رقم 15/ 114 إبريل سنة 2000.

وأيضاً يطرح الكاتب في بعض الحلقات بعض الأعمال التي كان يؤديها الفلاح في أوقات فراغه، وهي صناعة الطواقي، وهذه تلفت انتباه الطفل إلى استغلال أوقات الفراغ في أعمال نافعة.
وفي العدد (رقم 156) يرسم الكاتب للطفل حياة الفلاح في الحقل وكيف تعلم من العصفور أن يبني عشاً له يجمع معداته ويستظل به ويضع فيه لقمته وشرابه، والآن قتلت براءة القرية وأصبح الفلاح يمكث أمام التلفاز ولا يرافق زرعه. 
وفي العدد رقم 122 لسنة 2000 يطرح لنا الكاتب عادة إسلامية طيبة، حرص الفلاح على الصلاة والعمل، يقوم الفلاحون بعمل مصلى على رأس الحقل أو على حافة الترعة حتى إذا حل وقت الصلاة، ترك العمل وذهب للصلاة على وقتها، وهي عادة تعوّد الطفل على الحرص على أداء الصلاة على وقتها، مهما كانت طبيعة العمل، لا بد من أداء الصلاة على وقتها. 
وفي العدد رقم 103 يطرح الكاتب أيضاً عادة حرص الفلاح على توصيل الأمانات إلى أهلها مهما طال الوقت ولم يظهر صاحب الشيء في الصورة الإبداعية «بطة من تكون؟» وعلى مدار الحلقات يقدم الكاتب للطفل عادة قائمة وعادات مندثرة، لبعث روح الاستحسان لديه وإحياء السلوك الحسن في نفسه الشفافة البريئة، حقّاً كان هذا الباب طاقة نور مشعة في نفس وسلوك أطفالنا، بعثت فيهم العادات الطيبة، وأحيت في سلوكهم الطباع الحسنة، ودعتهم دون مباشرة إلى التمسك بالفضيلة.

 

 

نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 248 (صفحة 70)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها