شاعر يرفض "استنساخ" تجربة الكتابة الغربية

درويش الأسيوطي: أنا ابن "الشفاهية"

حاوره: ‬أحمد‭ ‬اللاوندي

- يصف الشاعر درويش الأسيوطي نفسه، بأنه «ابن الشفاهية»، إذ تعلّم من نساء قريته وفلاحيها وشعرائها ومدّاحيها، على الرغم من أنهم لم يتعلموا في مدرسة. ويؤكد الشاعر أن المرأة معلمته الأولى، فحفظ من نساء الصعيد كثيراً من الحكايا والأغنيات والأمثال الشعبية.

- يرفض الأسيوطي ما سمّاه «استنساخ التجربة الغربية» في «قصيدة النثر»، مشيراً إلى غياب المعايير النقدية في هذا الشأن.

- في الحوار يتحدث درويش الأسيوطي عن مرجعياته الشعرية خصوصاً، والثقافية عموماً، كما يتحدث عن أثر البيئة الصعيدية والتراث في تكوينه الثقافي.

 

***

 

تجاوزت السبعين من عمرك.. كيف تنظر الآن إلى تجربتك وإلى كتاباتك؟

• لا أصدق أنني تجاوزت السبعين، فما زلت أخدع كالأطفال، ولديَّ الكثير من الأفكار والمشروعات الإبداعية. وحينما أنظر خلفي أشعر ببعض الرضا، فعلى الأقل لم أكتب إلا ما آمنت به، وأحياناً أقرأ قصيدة لي أو عملاً مسرحيّاً فأشعر بأنه يقول ما أريد أن أقوله الآن.

 

أعمالك الشعرية كثيرة ومتعددة واحتفى بها كثير من النقاد.. إلى أي مدى تشعر بأنك مقروء؟

• أظن أن أعمالي استطاعت جذب اهتمام شريحة مهمة من مثقفي الوطن العربي، نعم لست من نجوم «الميديا»، ولا أكره أن أكون كذلك، لكن ظروف معيشتي في أسيوط واهتمامي بأسرتي وعائلتي، وبسبب أمراض عامة أصابت أجهزة الإعلام، بل وجهاز الثقافة والمثقفين والنقاد على وجه الخصوص، كل ذلك جعل من أنصاف الموهوبين «نجوماً». وهذا لا يحزنني فقد رأيت على صفحات الصحف والمجلات «نجوماً» ملء السمع والبصر، لكنها دخلت وأعمالها النسيان، بينما يظل أمل دنقل مثلاً متحدياً التجاهل الرسمي.

 

ما هي أهم الروافد الأساسية التي ساهمت في تشكيل وجدانك؟

• أقول دائماً إنني ابن الشفاهية الشعبية والثقافة الشعبية، فالتراث الشعبي أهم الروافد التي ساعدت وشاركت في نمو ثقافتي، وأذكر أنني وحتى دخولي المرحلة الإعدادية من التعليم لم يكن في بيتنا من كتاب غير القرآن الكريم والكتب المدرسية، لكنني تعلمت الكثير من نساء قريتي وفلاحيها وشعرائها ومداحيها، بل وشحاذيها أيضاً، ثم تأتي القراءات في الأدب العالمي المترجم لتشكل الرافد التالي في الأهمية، لقد قرأت كل ما وقع في يدي من المعلقات إلى الهندسة الوراثية وما زلت أتعلم.

 

وماذا عن رؤيتك للمشهد الشعري العربي بوجه عام والمصري بوجه خاص؟ 

• المشهد الشعري يبدو أمام عيني سديماً من الغبار، حيث تبرق فيه نجوم حقيقية بعضها توقف عن الكتابة وربما عن الحياة، لكنه ما زال يتوهج، وبعضها يحاول أن يصل إلينا بما في قلبه من دفء، لكن الكثير من الغبار يكاد يحجب الرؤية.

 

علمت أنك ضد قصيدة النثر، لماذا؟

• لقد أبديت إعجابي بما كتبه الماغوط مثلاً، لكني لا أعترف بما يسمى «قصيدة النثر» من القصيد، فما استقر في وجداني أن القصيدة قالب من قوالب الإبداع القولي، لكن الشعر أمر آخر، فقد يوجد الشعر في اللوحة التشكيلية، والقطعة الموسيقية، والرواية، والقصة، والمسرحية، بل إن أرسطو سمّى كتابه عن المسرح «كتاب الشعر».

إنني لا أنكر على فنون النثر الملمح الشعري، لكنها تظل فنوناً نثرية، ما أنا ضده بالفعل هو محاولة استنساخ التجربة الفرنسية وفرضها على الواقع الثقافي العربي، ما يسمى قصيدة النثر تواجد على الساحة المصرية منذ أربعينيات القرن العشرين، ولكنه لم يفرز كتجربة قواعده التي يمكن أن نتحاكم إليها وتفرق بين الغث والجيد من تلك الكتابات، فصار من السهل على الأدعياء الولوج إلى المشهد الشعري بلا علم وبلا موهبة.

 

تأثرت ببيئتك الصعيدية في كتاباتك فمن جدتك لأمك كنت تستمع إلى قصص وحكم ومواعظ وحكايات من التراث الشعبي.. حدثنا عن دور المرأة في حياة درويش الأسيوطي. 

• المرأة هي معلمي الأول، وكل من نشأ في قُرانا يعرف جيداً دور المرأة في التنشئة وفي التثقيف، بالنسبة لي كان التأثير أعمق، فربما من حسن حظي أنني نشأت يتيماً وكفلني جدي لأمي وضمنا أنا وإخوتي وأمي إلى أخوالي، وله أولاده الشباب، فلم يكن في حاجة إلى الاستعانة بي في أعمال الحقول، أو قل لم يكن لديه رغبة في إرهاق ذلك اليتيم، لكن لم يمنعني هذا من مصاحبته والتعلم منه، لكن كان تواجدي مع أمي بين نساء البوابة الكبيرة «باب على بيوت العائلة» فرصة لم أضيعها فحفظت عنهن الحكايا والأغنيات والأمثال، وفي المواسم كانت القرى تتفرغ لاحتفالاتها بالحصاد والزواج والختان والموالد، وكان هذا ما أحببته ووعيته مبكراً، لم تكن نساء البوابة الكبيرة على معرفة بالقراءة، لكن كنَّ على معرفة بالفنون والآداب الموروثة والعلاجات الشعبية وغيرها، وكنت منجذباً منذ البدء للتعلم منهن.

 

لماذا يتميز الصعيد عن غيره بوجود الشعراء والمداحين والمنشدين والزجالين والمفسـرين لمفردات التراث الشعبي؟ 

• الصعيد هو حاضنة الثقافة المصرية بروافدها المتعددة لأنه كان أبعد عن تيارات التأثير الثقافي الوافد من الغرب والشرق إبان فترات الاستعمار الفارسي والرومي والفرنسي والإنجليزي، وقد ظل حارساً على الموروث الثقافي المصري، والشعراء والمداحون والمنشدون والزجالون وغيرهم هم حملة هذا الموروث، فلا وجه للعجب، ولأن هذا الموروث الشفاهي صيغ بلهجة أهل المنطقة كانوا هم أقدر على سبر معاني النصوص التراثية.

 

مـا الذي دفعك إلـى تأليف معجم مفردات التراث الشعبي؟ 

• منذ سنوات ليست بالبعيدة نشرت الهيئة المصرية العامة للكتاب ترجمة لكتاب الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو والمسمى «الأغاني الشعبية في صعيد مصر»، وقد هالني كم الأخطاء التي وقع فيها المترجم، وجُل تلك الأخطاء كان في تفسير المفردات والألفاظ التي تنتمي إلى لهجتنا في الصعيد، ما جعلني أهتم بإصدار ما أصدرت من كتب التراث الشعبي «لعب العيال - من أهازيج المهد - أشكال العديد - الأفراح الشعبية - وغناء الفلاحين»، وتحت الطبع: «أشكال الموال الشعبي ولعب الرجال»، وكلما تعمقت في دراسة التراث الشعبي تأكدت من ضرورة وجود معجم للألفاظ التي استخدمت في صياغة ذلك التراث، حتى يمكن لنا التعرف إلى الدلالات الحقيقية لما بين أيدينا، ولتسهيل المهمة على الباحثين للتنقيب في هذا الموروث عملت بجدية لمدة لا تقل عن عشر سنوات لإنجاز «معجم الأسيوطي للألفاظ الشعبية في صعيد مصر الأوسط».

 

 

نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 247 (صفحة 12)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها