إنسانية الفن التجريدي .. مايير شابيرو Meyer Schapiro

ترجمة: محمد خصيف


1981 Timothy Greenfield-Sanders ©


استهل المترجم الذي لم يذكر اسمه، المقالة بافتتاحية جاء فيها:
(ها نحن بصحبة ناقد فني بارز، يرى مفيداً إثبات أن الفن التجريدي لا يخلو من إنسانية، في حين لا يخلو المشهد الفني من منتقدين يدَّعون أن القيم الإنسانية قد اختفت مع انتكاس الفن التصويري. بدون شك أن نفس الانتقادات وجهت إلى المجتمع التكنولوجي الحديث، وأن أحد طلاب مايير شابيرو Meyer Schapiro، الرسام التعبيري التجريدي روبرت ماذروال Robert Motherwall1 (1915-1991)، سبق له أن ذكر بأن "الفن الحديث يمتح موضوعاته من المجتمع الحديث". في المقالة أدناه، يدحض مايير شابيرو، الأستاذ الفخري في جامعة كولومبيا في نيو يورك، الفيلسوف والمؤرخ الفني، هذه التهمة، التي يقول إنها تعكس ميلاً إلى التقليل من أهمية موارد الخيال(.


المقالة الحالية هي إحدى مختارات المحاضرات والنصوص التي اكتسب بها مايير شابيرو "مكاناً بارزًا بين المثقفين الأمريكيين"، والتي تأسس عليها عمل تأريخي/نقدي رائع، من أربعة مجلدات:
- أوراق مختارة أولى: الفن الروماني SelectedPapersI: Romanesque )Art.1977).
- أوراق مختارة ثانية: الفن الحديث SelectedPapers II: Modern Art. 1978)).
- أوراق مختارة ثالثة: العصور القديمة المتأخرة، المسيحي المبكر وفن القرون الوسطى SelectedPapers III: LateAntique،Early Christian،and Medieval) Art.1979 ).
- "إنسانية الفن التجريدي" منتقاة من مجلد الفن الحديث، الذي حاز به المؤلف على جائزةNational Book Critics Circle Award) وجائزة Mitchell، الخاصة بالمؤلفات الفنية).

 

تعتمد فكرة الإنسانية في الفن على تعريف الإنسان نفسه، الذي تغير مع مرور الزمن. ففي الماضي، بات الفن العظيم يستلهم موضوعاته من الملاحم البطولية والروايات الأسطورية والدينية، فكانت قيمة العمل الفني تقاس بنوعية الموضوعات التي يتناولها.

مع مرور الزمن، أصبح من الواضح أن مشهداً من الحياة اليومية أو منظراً طبيعياً أو طبيعة ميتة، يمكنه أن يشكل لوحة رائعة في مستوى جمالية تكوين تاريخي أو أسطوري. واكتشفنا أيضاً وجود بعض القيم العميقة في لوحة "لا إنسانية" Non–humain، ولا أقصد هنا ما أبلجته موهبة الفنان، الرسام/الملون، من جمال. إن الشعور بالطبيعة والإنسان ورؤاه وجميع ما يرتبط به، يتحقق عبر منظر طبيعي أو طبيعة ميتة، فتمثيل الإنسان تمثيلا عيانيا وواقعياً، لا يعني بالضرورة أن هذا الفن "إنساني" دون غيره. فالإنسان/الموضوع ينجلي من خلال علاقته بمحيطه، وبالأشياء التي يصنعها، والخاصية التعبيرية لجميع العلامات وجميع الآثار التي يخلفها. وقد تكون هذه العلامات نبيلة أو غير مهذبة أو شاذة أو مأساوية أو هادئة أو عاطفية، يمكن للمرء بواسطتها، أن يتصور حالات ذهنية لا يمكن تحديدها، لكنها تجبر المتلقي على قبولها.

 

   

ونحن على عتبة القرن العشرين، نلتقي بفن سيزان 2Cézanne (1839ـ 1906)، فيقنعنا من خلال تصوير أبسط الأشياء المجردة من أي معنى مثالي، أنه يمكن لسلسلة من اللطخات الملونة أن تشكل نموذجاً للكمال، حيث تنجلي الصفات والقوة الموحدة لروح عظيمة. يجد كل الذين يخافون من غموض بعض الأعمال الفنية الحديثة، أن التصوير في عصرنا يفتقر إلى المعنى، ولا يتنهدون الصعداء إلا حين حضورهم أمام فن سهل التفكيك، يمثل شخصيات ومواقف نبيلة. كل الذين يحملون نفس الاعتقاد، يجب عليهم، في ظل الإغراء الذي يمارسه فن سيزان القوي، أن يحاولوا استكناه جوهر ما يعتمد على تمثيل الدراما الإنسانية. ربما بعض الصور الوجهية لسيزان تبدو كاريكاتورية وبدون إنسانية، بالنسبة لجزء كبير من الجمهور الذي يجد راحته في رسامي البورتريهات الكلاسيكيين، وأكثر من ذلك، أنها تبشر باختفاء القيم الإنسانية التي من المفترض أن تُمَيِّز فن القرن العشرين.

إن الفن لا ينفصل عن الفنان كشخص مبدع، ومن العبث تصور حضور الفن فيما يظهره الفنان على قماشته، على الرغم من أن الموضوع الذي يعرضه يمكن أن يوفر له فرصة لعرض فنه بالكامل. إنه النشاط البناء للرسام، وقدرته على أن يؤثر عاطفياً في العمل الفني، وأن يجلب صفات التفكير التي تسقط الإنسانية على القماشة، ولإعطاء شكل لهذه الإنسانية، يتوفر الرسام على مجموعة غير محدودة من التيمات والعناصر الشكلية.

هذا الكلام قيل مرات ومرات، وأعيد في مناسبات كثيرة، وتم قبوله والحسم فيه، ومع ذلك يلزمنا العودة إلى تفاحة سيزان، ونحن نرتاب مبدئياً، في أن الإنجاز الفني العظيم يمكنه أن يتحقق عندما ينفصل الخيال التشكيلي عن تمثيل العالم المرئي.

إن العمارة التي لا تمثل شيئاً عيانياً، نجدها تشكل تحدياً دائماً لهذا الاعتقاد النظري، فإذا ترجم البناءُ قِيَمَ المنزل أو المعبد، فتجليات تلك الترجمة تبدو من خلال روعة الأشكال التي أُبْدِعَتْ بحرية، واعتماداً على المادة والوظيفة، تعد هذه الأشكال تعبيراً وليس تمثيلاً لما هو أُسري أو مقدّس.

إن انتقادنا الموجه للرسم التجريدي بأنه خالٍ من قيم الإنسانية، يدل على أننا لا نرى الأعمال المرتبطة بهذا التيار على حقيقتها، فحقيقتها تخفيها عن أعيننا مفاهيم مُستلَفة من مجالات أخرى. فمصطلح "تجريدي" له دلالة منطقية ودلالة علمية ربما تكون غريبة على الفن الذي يحمل هذا الاسم. ف"تجريد" وصف شقي وتعس، لكن "لاـ تصوير" و "فن لاـ موضوعي" و"تصوير خالص"، كلها مصطلحات سلبية، غير مُرْضِية.

في القرن التاسع عشر، حينما كان كل تصوير يعتبر تمثيلاً، اكتسب مصطلح "تجريدي" في الفنون التشكيلية معان مختلفة: تبسيط الخط، استخدام النمط الزخرفي، إزالة النتوء.


بورتريه ذاتي لـ كوربي: (الرجل اليائس) c. 1843–45

 

بالنسبة لفكر إيجابي وحازم، كالذي يملكه الرسام كوربي3Courbet، المدافع المتحمس للواقعية، كان التجريد يعني كل ما هو خيالي، معارضة مع ما يمكن ملاحظته مباشرة، فاعتبر تصوير اللامرئي كالملائكة أو شخصيات من الماضي، تعاطياً للفن التجريدي.
إن الفن التجريدي المعاصر لا علاقة له بالتجريد المنطقي أو الرياضيات، إنه عياني تماماً، ولا يسعى إلى خلق وهم لعالم من الأشياء أو الأفكار التي ستكون موجودة خارج الإطار. ففي معظم الوقت، ما نشاهده على اللوحة له وجود هنا وليس في مكان آخر. لكن اللوحة التجريدية تستحضر، بحدة، الفنان أثناء عمله، كما تستدعي لمسته، وطاقته ومزاجه، ودراما الاختيار في عملية الإبداع، فيصبح الذاتي موضوعاً ملموساً. في بعض الأساليب، يمكن اعتبار هذه الميزة إدراكاً جذرياً لمطلب طويل الأمد في الفن الغربي، وهو: فورية التجربة والتعبير، مطلب، وجد في الفترات السابقة، مواضيعه الرئيسية في المشهد الطبيعي والطبيعة الميتة، وفي الصورة الوجهية أيضاً.
عندما تُستَخدَم الأشكال الرياضية؛ فإنها تُشكِّل كعلامات مادية، عناصر من نفس ترتيب الواقع، مثل الذي تشكله اللوحة نفسها، وإذا دخل رسام تجريدي غرفة أنجز بها رياضي نظرية على السبورة، فإنه سيُشَد إلى سحر التخطيطات والصيغ الرياضية. قد لا يفهم شيئاً مما تمثله، ولا يهمه أن يكون الاستدلال صحيحاً أو خاطئاً، لكن الأشكال الهندسية والعلامات البيضاء المرسومة على خلفية سوداء تغريه بهيئاتها المذهلة: لقد أبدعتها يد إنسان، وتعلن في أمان وسهولةِ رسْمِها، تمجيدَ الفكر المؤسِّس، فالرسم التخطيطي هو بالنسبة لعالم الرياضيات، مساعد عملي وتمثيل ݣرافيكي للأفكار؛ لا يهم ما إذا كان مرسوماً بطبشورة بيضاء أو صفراء، أو إذا كانت الخطوط رفيعة أم سميكة، مربوطة أم مكسورة تماماً، سواء كان الرسم كله كبيراً أم صغيراً، وُضِع على جانب اللوحة أم وسطها: كل هذا عرضي. فدلالة الرسم تبقى هي نفسها سواء أصبح الجزء العلوي مكان الجزء السفلي، أو حتى إذا ما تم خَطُّهُ بواسطة يد أخرى. لكن بالنسبة للفنان، هذه هي بالضبط الخصائص التي تهمه؛ فالتغييرات الصغيرة التي تطرأ على انحناء خط، يكون لها في نظره، تأثير مماثل لتلك التي قد ينتجها خلال البرهنة، تعديلُ جملةٍ في شرح النظرية.
بالنسبة للفنان، هذه الأشكال الأولية لها مظهرها، هي حية ومعبرة. وكمال الكرة هو مجرد حدس رياضي، نشعر بالمظهر الخفي لما هو منحني، وما هو دائري بإتقان، كاستجابة لحاجتنا إلى الكمال والتركيز والصفاء، هذا هو الإدراك النشط لجودة هذا الشكل الهندسي، الذي ألهم الصيغة بأن الله دائرة لا حصر لها (أو كرة)، مركزها في كل مكان ومحيطها في أي مكان.

لن أأكد بأن الدائرة أو المربع رمز ديني، سري إلى حد ما، مرسوم على اللوحة.

سيكون استنتاجي بالأحرى كالتالي: إذا كان بإمكان هذه الأشكال الهندسية أن تصبح صورة الإلهي، فذلك لأنها تمتلك، أمام العيون الحساسة، صفات حية غالباً ما تكون ذات أهمية بالغة.

إن ارتكاس عين الرسام هو ردة فعل على الخط الذي زعم أنه تجريدي، ويتلقى انطباعاً صافياً وعميقاً يتسلل إلى جميع كيانه. لا يسعني هنا إلا أن أقتبس بضع كلمات كتبتها امرأة أميركية، قبل ظهور الفن الحديث بأزيد من خمسين عاماً، عن حساسية الأشكال غير المُأوَّلَة: "ما الإحساس الذي يوفره الخط المستقيم عند اللمس؟ أعتقد أنه نفس الإحساس الذي يظهر عند الإبصار: الإحساس بالاستقامة - فكرة مملة تمتد إلى أجل غير مسمى. إنها الخطوط غير المنتظمة، أو العديد من الخطوط المستقيمة والمنحنيات مجتمعة، التي تمنح بلاغة أثناء اللمس؛ تظهر وتختفي، تغور أحياناً وتنخسف، وأحياناً أخرى، تطفو بمحاذاة السطح؛ تنقطع أو تتمدد، أو تستدير وتتكور؛ ترتفع وتغرق تحت أصابعي؛ فهي مليئة بالبدايات والتوقفات المفاجئة؛ وتنوعها الرائع لا ينضب".
 


هيلين كيلر Helen Keller


الإحالة على حاسة اللمس، ستجعل بعض القراء يستنتجون، وأنا متأكد، أصل هذه الكلمات. فالمؤلفة كفيفة، إنها هيلين كيلر4. حدة حاستها تخجلنا نحن المبصرون حينما تفشل أعيننا المفتوحة في تمييز هذه الصفات الشكلية.

إن الرسم التجريدي لا يقتصر على أشكال هندسية واضحة وبديهية. فمنذ بدايته، تميز هذا الأسلوب بتنوع ملحوظ، فهو يستدعي عشائر بأكملها من الأشكال غير المنتظمة –العلامة التلقائية، اللطخة، البرك– عناصر تتوافق، بطبيعتها الديناميكية، مع الانهيار، والإحساس، والتي تؤثر علينا بفعل الملمس واللون المختارين. يعد هذا التنوع قاسماً مشتركاً بين اللوحة التجريدية والفن التصويري الحديث، فهي أيضاً تتأسس على مجموعة كبيرة من الأساليب التي وفقاً لترتيب الألوان والأشكال، توحي بالكلاسيكية أو الرومانسية أو الفن الانطباعي.

يُقذَفُ أساتذة الفن التجريدي بنفس الشبهات التي رُمِيَ بها عظماء الفن في القرن التاسع عشر: فيُعتَبَرون جامدين ومثقفين بإفراط، ومتواضعين بغلو، وأنهم يميلون نحو إبراز الجانب الزخرفي في فنهم، وأكثر عاطفية، وحساسية وغير منضبطين. فأولئك الذين يرفضون الرسم التجريدي يرفضون بشكل عام، وللأسباب نفسها، التيارات التصويرية الجديدة.

إن الفن التجريدي يتيح بلا شك تنوعاً كبيراً في التعبير. فقد يمارسه العديد من الفنانين، بأنماط مختلفة، لكل منهم مزاجه الخاص، وهذا يكفي لتقويض فكرة افتقاره المزعوم للإنسانية. نحن ندرك الفرد من خلال الأعمال التجريدية بقدر ما نعترف به من خلال الأعمال التصويرية، وفي بعض الأعمال التجريدية، يكشف الفنان عن أصالة شخصيته بصدق وقوة مدهشتين.

إن عفوية بعض الأعمال الفنية غير الماكرة، تتحدى وتعارض جزءاً من النقد، الذي يتلذذ بمقارنتها بخربشات قرد قابع بحديقة للحيوانات. القرد هو الرفيق الأبدي الحتمي للرسام، فعندما صور هذا الأخير العالم الذي رآه من حوله، قيل إنه كان يقلد الطبيعة تقليد القرود؛ واليوم عندما يختار التجريد، نشبهه بالقرد الذي يخربش ويلطخ. وهكذا، يبدو أن الرسام لا يستطيع الهروب من طبيعته الحيوانية، الحاضرة أبداً مهما اختلفت الأساليب التعبيرية.

على الرغم من أن الفن التجريدي يرفض التصوير ويعارضه، فلا يمكننا التأكيد، بما فيه الكفاية، على أنه يسير في نفس النهج الذي لزِمَه، في رسمهم الطبيعة، الفنانون المتقدمون في نهاية القرن الماضي معتمدين على تشكيل حر وغير تقليدي. في العصور السالفة، كان تمثيل الأشكال معقداً، حيث يعتمد أساس تركيب اللوحة التصويرية على مثلث أو دائرة وهميين. وفي الواقع، أن هذه العادة، المتمثلة في تنظيم العمل وفقاً لشكل هندسي، يرى فيها الكثيرون ضعفَ وتفاهةَ الفن الأكاديمي. في الرسم التجريدي، اختفت تماماً هذه الأنماط الأساسية العظيمة، وحتى لو كانت العناصر تبدو أنها تتمتع بثبات تام، فإن الشبكة الدقيقة المرتبة بصرامة على لوحة موندريان Mondrian5، تشكل كلاً مفتوحاً غير مُتَنبّأ به، حيث يستبعد التماثل والأسطح المتعادلة والقابلة للقياس.

إن الإشكالية التي يطرحها الفن التجريدي، كالتي يطرحها أي أسلوب جديد، تنفلت من قبضة النقد العملي. فلا تهم النظرية، ولا القوانين العامة للفن، بل إنها تتمثل في تمييز ما هو جيد في شكل غير مألوف، دون أن نسمح لأنفسنا بالتأثر بالكتلة المحبِطة والمُعوِّقة التي ترفع راية التقليد الفاقد لكل حساسية والمشوش لإدراكنا. فالقواعد التي تساعد على تمييز الأفضل مما ينتجه هذا المجال الفني تكاد تنعدم. لذلك، يجب أن نتسلح بالصبر لاستكناه ما هو أفضل، عن طريق القيام بفحص مفصل وصياغة حُكم مدروس، مع كل مخاطر الخطأ التي قد تترتب عن ذلك.

إن اقتضاء النظام، الذي بسببه تُدانُ الجدة، يكون في كثير من الأحيان شرطَ ترتيبٍ معينٍ، والذي يعامل باحتقار لانهائية المقتضيات التي أنشأها الرسامون ويداومون على إنشائها.

أنا لا أشير هنا إلى الرغبة في نظام جديد، ولكن إلى الحاجة إلى نظام مألوف ومطَمْئِن.

إذا عدنا إلى الماضي، نتَحسَّر على اللوحة المعاصرة التي ليس لها أفق أوسع، ولا تهتم كفاية بحياتنا. يمكن توجيه النقد نفسه للفن التصويري، والذي، بشكل عام، يُظهر اختراعاً وقناعة أقل من الفن التجريدي. فاليوم يدفع الفن التجريدي الفنان إلى النظر بحرية أكبر إلى الإنسان والطبيعة كما هما، إذ إنَّه نوَّع طرق التصوير ووسع أمام الفنان أفقي الحساسية والإدراك. فالفن التجريدي، بجسارته وجرأته، أثبت اكتشافات الفن الذي سبقه، تلك الاكتشافات التي ما فتئت غير مُسْتَوْعبة.

من مسببات اللوم والعتاب الموجهان للفن التجريدي، لكونه فاقداً للإنسانية، أنه يميل نحو التهوين من أهمية الحياة الباطنية وموارد الخيال. فالذين يطلبون من الفن أن يكون انعكاساً ومبرراً للطبيعة البشرية، سيضطرون مكرهين، لقَبول أعمال أفضل الفنانين المتحولين إلى تيارات جديدة، يرون فيها إثراءً واضحاً وضرورياً لحياتنا.


الهوامش
توضيح للمقال. نشر هذا النص بالفرنسية بمجلة DIALOGUE الصفحة 44ـ46، عدد 50، 4/1980، وهو مأخوذ من مجلد "الفن الحديث، في القرنين التاسع عشر والعشرين"، من تأليف مايير شابيرو. 1960، الأكاديمية الأمريكية ومعهد الفنون والآداب، نيويورك، منشور رقم: 189 – الخطاب الملقى في الاجتماع السنوي، 20 مايو 1959، ونشر لأول مرة في: وقائع الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب والمعهد الوطني للفنون والآداب، السلسلة الثانية، 10، 1960، ص: 316-323.
* كان مايير شابيرو (23 سبتمبر 1904 - 3 مارس 1996) مؤرخًا للفن الأمريكي وهو من أصل ليتواني، والمعروف أنه صاغ منهجيات تاريخية جديدة للفن تتضمن منهجاً متعدد التخصصات لدراسة الأعمال الفنية. خبير في فنون العصر المسيحي والعصور الوسطى والحديثة، استكشف شابيرو الفترات والحركات التاريخية للفن، مع إيلاء اهتمام وثيق للبناء الاجتماعي والسياسي والمادي للأعمال الفنية. يشتهر أسلوب شابيرو الأكاديمي بتغييره جذرياً في مسار تاريخ الفن، وكان ديناميكياً وشارك علماء وفلاسفة وفنانين آخرين. أستاذ نشط، محاضر، كاتب وإنساني، له مراسلات مع الفيلسوف الألماني هيدجر في شأن أحذية فان جوخ. حافظ شابيرو على علاقة مهنية طويلة مع جامعة كولومبيا في نيويورك كطالب ومحاضر وأستاذ.
1. كان روبرت ماذرويل (24 يناير 1915 - 16 يوليو 1991) رساماً أمريكياً وحفاراً وناشراً. وكان واحداً من أصغر طلاب مدرسة نيويورك، والتي تضمنت أيضًاPhilip Guston و Willem KooningوJackson Pollock وMark Rothko. في عام 1940، انتقل مذرويل إلى نيويورك للدراسة في جامعة كولومبيا، حيث شجعه مايير شابيرو على تكريس نفسه للرسم بدلاً من المنح الدراسية. قدم شابيرو الفنان الشاب إلى مجموعة من السرياليين الباريسيين المهاجرين (ماكس إرنست، دوشامب، ماسون)، وطلب من مذرويل أن يدرس مع كورت سيليجمان. كان وقت ماذرويل مع السرياليين مؤثراً في عمليته الفنية. بعد رحلة إلى المكسيك مع روبرتو ماتا في عام 1941 – على متن قارب حيث التقى ماريا، الممثلة وزوجته في المستقبل – قرر ماذرويل جعل الفن مهنته الرئيسية. (ويكيبيديا)
2. بول سيزان Paul Cézanne (1839-1906) رسّام فرنسي. مارس التصوير على غرار زملائه من المدرسة الانطباعية، في الهواء الطلق (مشاهد طبيعية)، إلا أنه قام بنقل أحاسيسه التصويرية، في تراكيب جسمية وكتلية (ملامح بشرية وغيرها). من أهم الموضوعات التي تعرض لها: الطبيعة الصامتة، المناظر الطبيعية، صور شخصية (بورتريهات)، ملامح بشرية (لاعبو الورق)، مشاهد لمجموعات من المستحِمين أو المستحِمات. كان له تأثير كبير على العديد من الحركات الفنية في القرن العشرين (الوحشية، التكعيبية، التجريدية). ويمكن أن نعتبر أن سيزان أبا للفن الحديث، وذلك لأن أسلوبه كان بمثابة المرحلة الانتقالية لتغيير كبير في تاريخ الفن الحديث، حيث انتقل فن التصوير بفضل تجاربه من المدرسة التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر، إلى المدرسة التجريدية الحديثة التي تكونت في القرن العشرين.
3. گوستاڤ كوربيهGustave Courbet  (10يونيو 31-1819 ديسمبر 1877)، هو رسام فرنسي تزعم الحركة الواقعية في الرسم الفرنسي في القرن التاسع عشر. حلت الحركة الواقعية محل الحركة الرومانسية ومدرسة باربيزون والإنطباعيين. شغل كوربيه مكانة مرموقة في الرسم الفرنسي في القرن التاسع عشر، كمبدع وفنان يتقن تجسيد أبرز الأحداث الاجتماعية في أعماله.
4. هيلين كيلر Helen Adams Keller (1880 - 1968)، أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية، وقد عانت هيلين كيلر من المرض في صغرها، وافترض أطباء الأطفال بأنها مصابة بحمى القرمزية، والتي تصنف بمرض التهاب الرأس مما أدى إلى فقدانها السمع والبصر تماماً. وفي تلك السنوات بدأت كيلر حياتها العلمية مع الأطفال المشابهين لحالتها، وعندما بلغت سن السابعة قرر والداها إيجاد معلم خاص لها. بعد أن أنهت كيلر التعليم الثانوى التحقت كيلر بكلية رادكليف، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس. وفي خلال سنوات التعليم أصبحت كيلر إلى مدعمي الاشتراكية، وفي عام 1905 انضمت كيلر إلى الاشتراكي. وقد أصبحت كيلر بعد ذلك ناشطة بارزة وامرأة خيرية، حيث كانت مدعومة من قبل التعليم والتنشئة الاجتماعية للأشخاص من ذوي الإعاقة، وكانت شخصية بارزة ونشطة في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية. وفي عام 1934 منحت كيلر جائزة ليندون جونسون وهو وسام الرئاسة للحرية. بالإضافة إلى ذلك فقد أصبحت كيلر فتاة صاحبة ثقافة شعبية، حيث كانت شعبيتها من خلال مسرحيتها "صانع المعجزات". نشرت هيلين كيلر ثمانية عشر كتاباً، ومن أشهر مؤلفاتها: العالم الذي أعيش فيه، أغنية الجدار الحجري، الخروج من الظلام، الحب والسلام، وهيلن كيلر في اسكتلندا، وترجمت كتبها إلى خمسين لغة. ألفت هيلين كتاب "أضواء في ظلامي" وكتاب "قصة حياتي" في 23 فصلا و132 صفحة في 1902، وكانت وفاتها عام 1968م عن ثمانية وثمانين عاماً .
5. (اللوحة الأولى) ولد بيِّت موندريان Piet Mondrian عام 1872 في أميرسفوورت بهولندا. بدأ بيت دراسة الفن عام 1892 في أكاديمية ريجكاس للفنون في أمستردام. وتابع فيها حتى عام 1897. التقى موندريان 1912 بالفن التكعيبي في باريس و بدأ فوراً (باعتناقه) وممارسته، حيث تأثر باتجاه بابلو بيكاسو وجورج براك، أكثر من اتجاهات فرناند ليجر وروبرت ديلوناي. عاد إلى أمستردام عام 1914 وأنهى عدة أعمال كان إيقاع البحر عاملاً أساسياً فيها. في عام 1916 التقى موندريان مع بارت فان ديرليك وبعد هذا اللقاء بعام أسس الاثنان مع ثيو فان ديوسبورغ مجموعة فنية سميت النمط (de Stijl). رجع موندريان في عام 1919 إلى باريس، حيث أخذ مرسماً وبقي هناك حتى عام 1936. وفي عام 1938 سافر إلى لندن، وبقي هناك حتى رحل ولجأ إلى نيويورك عام 1940، حيث انضم هناك إلى مجموعة من الفنانين التجريديين، ونشر معهم مقالات وأعمالا عن التصميم الجديد (néoplasticisme) كما سمى موندريان اتجاهه التكعيبي. توفي بيت موندريان سنة 1944. في نيويورك بعد إصابته بالتهاب رئوي.

 

اللوحات: www.wikipedia.org ©

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها