جمال المرأة فـي المتخيل الشعبي المغربي .. المرأة القروية نموذجاً

د‭. ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الصواف

تطرح قضية الموقف الشعبي من المرأة جملة من المفاهيم والقضايا ذات الأبعاد المتعددة والمتداخلة، الصعبة والعصية عن التفكيك. كيف لا، ونحن بصدد محاولة لفهم سلوك إنساني معقد بطبعه ينبني على متخيل جمعي متنوع المنابع، ينطلق من تحديد الأسباب والمسببات بمساءلة المظاهر من جهة، والنبش في حفريات الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي من جهة أخرى.

 

معايير تحدّد الموقف

إن الضمير الجمعي خلق عدداً من المعايير القيمية لصياغة الموقف من المرأة، صاغها في شكل قواعد عامة، قد يمثل لها بشكل من الأشكال البسيطة، وتبدو جلية أكثر من خلال تمظهرات سلوكية واجتماعية. من هذه المعايير رأينا أن ثمة ثلاثة معايير أساسية تعيننا على تشفير هذه المواقف الشعبية من المرأة وهي:
• الشرف     
• الجمال  
• الكيد

إن القيم والتصورات وتمثلات الفرد حول مسألة الجمال تتحدد بالبنية الثقافية العامة وبالانتماء الرمزي للإنسان، هذا الانتماء الذي يتحدد بدوره - خاصة في المجتمع القروي - بمجموعة من الأساطير والمعتقدات الراسخة في المتخيل الشعبي، وعلى هذا الأساس، لا يمكن فهم قيم وتمثلات الجمال في المجتمع القروي بمعزل عن السياق الثقافي لهذا المجتمع، وبمعزل أيضاً عن مفاهيم «الشرف» و«الأصل» باعتبارها قيم مشتركة داخل بنية ثقافية محددة توجه وتحدد تصورات الأفراد. غير أن هذه القيم الجمالية يتحكم فيها من جهة أخرى - إضافة إلى السياق الثقافي - السياق الاجتماعي البيئي والوظيفي، حين يصبح الجمال، جمالاً وظيفياً. في هذا الطرح يقول الباحث بول سوريو في دراسته عن المجتمعات التقليدية بأن المرأة الجميلة في المجتمع القروي بشكل عام، هي تلك المرأة القوية والقادرة على القيام بمجموعة من الوظائف (كتربية المواشي وجمع الحطب وزراعة الحقول...)، وبالتالي فمفهوم الجمال كما يحدده هذا الباحث هو ذاك التكيف الكامل للموضوع مع وظيفته.
في نفس السياق، أشار «جان بودريار» إلى أنه في المجتمع التقليدي، لدى الفلاح القروي مثلاً، لا يوجد استثمار نرجسي أو إدراك حسي تضخيمي لجسد المرأة، أي جسد المرأة الجميل في المتخيل الشعبي للفلاح هو ذلك الجسد القادر على أداء وظائف معينة، أو بتعبير بودريار، هو ذلك الجسد القادر على ربط علاقة مباشرة مع الطبيعة(1).


خصوصيات وتمايزات

وقد يبدو حديثنا في هذا التقديم عن جمال المرأة في المتخيل الشعبي داخل المجتمع القروي المغربي ضرباً من التعميم، لأن واقع الحال أن كل منطقة لها قيمها الخاصة، إلا أنه من الواضح أن هذه الخصوصيات الضيقة وتلك التمايزات العميقة ترتد في نهاية المطاف إلى شكل ثقافي عام ومشترك هو «الثقافة القروية»، لذلك تم اختيار المرأة القروية بشكل عام كنموذج داخل هذا الشكل الثقافي المشترك.
انطلاقاً من هذا التبرير الموضوعي، وانسجاماً مع الاعتبارات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية السابقة، يمكن طرح مجموعة من التساؤلات:
- ما هي مواصفات المرأة الجميلة في المتخيل الشعبي القروي؟ أو بعبارة مغايرة، ما هي معايير الجمال القروي؟
- هل الرغبات الجمالية في الوسط القروي أصبحت موجهة أم نابعة من موقف شعبي جماعي مرتبط بالبيئة المحلية؟ أو بصيغة أخرى، هل يمكن الحديث عن عولمة الجمال في العالم القروي؟
يمكن حصر المواصفات الجمالية للمرأة القروية وفقاً لمعايير الجمال القروي وانسجاماً مع السياقات الثقافية والوظيفية للمجتمع القروي، في: الجسد البدين والقوي ترى الباحثة «أورسولا كينغسميل هارت» في كتابها الحياة اليومية للنساء الريفيات، ترجمة عبدالله الجرموني، أن المرأة البدينة والقوية هي المرأة الجميلة في المتخيل الشعبي الذكوري، بحيث تكون قادرة على العمل وتحمل المشاق ولأداء مجموعة من الوظائف الصعبة التي قد تكون حكراً فقط على الرجال(2). 
وخلص المختار الهراس في دراسة له حول «الاسم الشخصي والتسمية واللقب والتفاعل فرد - جماعة، حالة المجتمع الجبلي بأنجرة نموذجاً»، إلى أن المرأة التي تحتل مكانة متميزة في الوسط القروي، والتي تتميز بحضورها الفعلي والفاعل داخل الأسرة وخارجها، والتي تتميز أيضاً بمواصفات الجمال القروي، هي تلك المرأة التي تنهض بأغلب المهام في الحياة الأسرية(3). 
وإضافة إلى الجسد البدين والقوي نجد طول الشعر: حيث ترى الباحثة المغربية مريم أحرضان في كتابها «فن اللباس»، أن الرجال في المجتمع القروي يفضلون المرأة ذات الشعر الطويل والمطروز، لارتباطه في المتخيل الشعبي الذكوري بالحشمة والوقار والشرف(4).
إلى غير ذلك من المواصفات التي قد تختلف من منطقة إلى أخرى، باختلاف السياقات والبنى الاجتماعية والثقافية. لكن وبالرغم من كون المتخيل الشعبي الذكوري يحدد مقاييس معينة لجمال المرأة، خاصة المرأة القروية، فإن هذه الأخيرة تسعى للبحث عن مظاهر جمالية أخرى لإثارة الدهشة والإعجاب وسط المجتمع الذكوري، أي أنها تسعى بالمنطق الفلسفي إلى التقديم الجميل لذاتها.
لذلك نجد المرأة في الوسط القروي، تستعمل مجموعة من المواد التجميلية البسيطة والتقليدية كالكحل لتجميل العينين، والحناء لتجميل اليدين، هذا فضلاً عن الوشم على الجبين باعتباره مظهراً من مظاهر التزين والجمال، غير أن هذا المظهر صار شبه منقرض في المجتمع القروي، وذلك يعزى في رأي عبد الكبير الخطيبي في كتابه «الاسم العربي الجريح»، إلى التحريم المسلط على الوشم من قبل الأديان التوحيدية(5)، لذلك أصبحنا نلاحظ انقراض هذا المظهر الجمالي المتمثل في الوشم بشكل تدريجي مع مرور الزمن.


تحولات في بنية القيم الجمالية

لكن هذا الاهتمام الجمالي للمرأة القروية، وكذلك المعايير الجمالية التي يحددها المتخيل الشعبي للرجل القروي، أصبحت الآن تعرف عدة تحولات بفعل تأثير التغيرات الاجتماعية والثقافية، وفي ظل هيمنة وسائل الإعلام التي عملت وساهمت في عولمة الجمال، أضف إلى ذلك تأثير الهجرة والمدرسة وغيرها من الوسائط التي ساهمت في تحول بنية المجتمع القروي، وبالتالي تغير بنية القيم الجمالية المتعارف عليها في هذا المجتمع.
وبناء على ذلك، يمكن القول إنه في ظل هذه التحولات، أصبحت الرغبات الجمالية موجهة وليست نابعة من البيئة والوسط القروي كما كانت سابقاً. وأصبح كذلك الموقف الشعبي للرجل القروي اتجاه جمال المرأة متغيراً بتغير الظروف، فتغير القيم والمعايير بسبب العولمة والتحولات الاجتماعية والثقافية ساهم بدرجة كبيرة في تغير الأذواق والمواقف.

وبدأت المرأة القروية الآن  تسعى إلى تقليد الموضة السائدة وتتخلى عن مجموعة من المظاهر الجمالية سواء تلك المتعلقة باللباس أو الحلي أو الوشم..الخ.

وكخلاصة، يمكن القول إن المجتمع القروي هو مجتمع انتقالي، يشهد خلخلة في بناه التقليدية وفي متخيله الشعبي، بسبب بروز مظاهر تحديثية على كافة المستويات، إنه مجتمع يعيش تحولات كمية وكيفية لا يمكن فهمها إلا بالإسناد إلى مرجعية تاريخية، لأن هذه التحولات ليست وليدة الآن، وإنما هي نتاج لمسلسل يؤرخ لمسار طويل ابتدأ على الأقل مع الظاهرة الكولونيالية. لهذا فمن الوهم أن نتصور المجتمع القروي التقليدي ثابتاً ساكناً، ومن الوهم أيضاً أن نتحدث عن مواصفات ثابتة لا تتغير حول جمال المرأة القروية في المتخيل الشعبي.
وحتى نفهم بدقة موقف الرجل القروي من المرأة الجميلة، وحتى نفهم أيضاً مواصفات ومقاييس الجمال القروي، لا بد أولاً من فهم التمفصلات الحاصلة على مستوى البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والوظيفية، أي أن نفهم كيف ينتج التمثل الجديد لجمال المرأة في الوسط القروي عن التمثل القديم؟ وكيف ينسج ذلك القديم هذا الجديد؟ ثم كيف يتحدد الاتصال والانفصال؟ وكيف ينتظم الرفض والقبول حول المرأة الجميلة والمرأة القبيحة في المتخيل الشعبي القروي؟


الهوامـش
1 - جان بودريار، الطبيعة والثقافة، دفاتر فلسفية، ترجمة محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الطبعة الثالثة 2005، ص 49.
2 - أورسولا كينغسميل هارت، الحياة اليومية للنساء الريفيات، مكتبة مليلية 1998، ص76.
3 - المختار الهراس، التحولات الاجتماعية والثقافية في البوادي المغربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 102، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2002، ص 186.
4 - Mariam aherdan.timarssa.art du costume; revue tifinagh, n 5 - 6, mai 1995, p 198.
5 - عبد الكبير الخطيبي، الاسم العربي الجريح، ترجمة محمد بنيس، منشورات عكاظ، ص 62.

 

 

نشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 248 (صفحة 61)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها