سمكة الزَّنجور.. قصة قصيرة

ترجمة: ادريسية بلفقيه

للكاتب: جاك ستيرنبرك (بلجيكا)

 كنت قد حصلت عليها منذ أسبوع.

 كنتُ قد وضعتها في مكعب زجاجي فسيح، على المدخنة.

حجمها يصدم قليلاً عندما يُرى منشوراً بالكامل، مُسمّراً في الجدار الكبير لهذه الغرفة.

في المساء، كُلُّ ليلةٍ أمدّ كُرسياً، أجلسُ قُبالة حُوَيْض الأسماك، أنظر إليها.

كانت سمكة الزنجور دائماً تتموضع أمام الحويض، كانت تتحرك ببطء، ببطء شديد جداً، حتى الجدار الزُّجاجي، ثم تتوقف وتنظر إليَّ.

مِن سمكة الزنجور لم أكنْ أرى سوى شدق كبير فقط، زاويتاه تتدليان برخاوة، ومُمدّدتان في نوبة غريبة من الاشمئزاز أو الازدراء، ثم تلك العيون دون نظر، دون لون؛ هذه القدرة على الشلل الكلي أو رفرفة الزعانف بطريقة ضعيفة جِدّاً تُلامس ما لا يمكن تصوره.

يُمكنني البقاءُ لساعات أراقبها، وأنا أتساءل عن ما الذي يمكن أن يدور في رأسها؛ لأنه .. شيئاً فشيئاً، كُنت قد اقتنعت بأنها تنتظر شيئاً ما.. لا أعرفُ ماذا، فرصة دون شك، فرصةٌ مواتية مفاجِئة... لم أكُنْ أعْرفُ عنها شيئاً، ومن خلال أي حركة يمكن أن تُلقي بنفسها؛ لكن يبدو أنها كانت تعرف... كان ذلك يبدو لي شبه مُؤكد عندما كنت أنظر إلى وجهها الباهت من الأشياء المُستترة، هذا الشَّيء لم يكن سوى فَكٍّ لا يُرى منه سوى ابتسامة فقط، لكنها تخفي... كنت أعرف ما الذي كانت تخفيه سمكة الزنجور، ذات ليلة كانت قد كشفت لي وراء الكواليس: أسناناً مثل الشفرات، وأيضاً الصَّلابة التي زُرعت فيها مثل هذه الأسنان.

كُلُّ هذا كان يقلقني، لكن هذا القلق كان يغويني كما أنه كان السبب الحقيقي في ارتباطي بهذه السمكة. ما كنت لأحبها بشغف دون قليل من هذا الذعر لو لم أكن أعلم أنها خطرة ومضلِّلةٌ، من جهة أخرى، كنت سأتخلص منها بالتأكيد لو كنت أومن ببعض الخطر من ناحيتها.

ما الَّذِي كُنتُ أخشاه؟ ما الذي كنت أخشاه فيها؟

ذات مساء فقط، فهمت.

 كنت قد خلدت للنوم.. لا خوف محتمل، لا وضوح غير مخطط له، لاشيء غير طبيعي من حولي، ومع ذلك كان هناك شيء ما يحدث، حدس غير معتادٍ كانَ بداخلي، شكليٌّ، أكْثرَ فأكْثرَ مؤثراً.

استيقظتُ فجأةً، اعتدلتُ في جلستي، أضأت المصباحَ.

ودون تردد صوّبت نظري نحو حويض الأسماك .. كانَ فَارغاً.

وحدها الأعشابُ البحرية كانت تطفو في الماء.. يبدو أنَّها كانت تتأرجح على نفسها، ثملة قليلاً.

عشرةُ أفكارٍ عَبثيَّةٍ عبرت رؤيتي في ثانية.

 رَميتُ بنفسي خارجَ سريري، أمسكتُ بزجاجة فارغة، وذهبت للوقوف قرب الباب؛ وفي غضون ذلك تمَّ القضاءُ على الأسئلةِ الأكثرَ صعوبةً بواسطة أجوبةٍ أقلَّ دمويةً.

لكنها كَانتْ خاطئةً كلها، الأسئلة والأجوبة معاً، وكانَ الواقعُ يتجاوز بكثير العبث.

سَمكةُ الزَّنجور رَأيتُهَا فجأةً.. كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ أنْ أراهَا منذ الثَّانية الأولَى، لكنها كانتْ رؤيةً غيرَ قَابِلَةٍ للتَّصديقِ لدرجةِ أنَّني لَم أعترفْ بذلك. كانت السَّمكَةُ في رُكنٍ من الغُرفةِ جَامدةً، على قيد الحياة تماماً.. كانت ترفرف بزعانفها.. تتقدم ببطء كما اعتادت أن تتقدم في الماء، وبعناء تتوجه نحوي، وشدقها مفتوح، وعيناها مثلَ الخشب الجامد.


Story by: Jacques Sternberg
 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها