حوار مع خوسي كارلوس رويث Jose Carlos Ruiz

حول أهمية الفكر النقدي

ترجمة: الحسن أسويق



 

في هذا الحوار القصير، الذي أجرته مجلة EDUCACION 3.0  في عددها الصادر بتاريخ 07 يونيو 2018  بمناسبة صدور كتابه  "فن التفكير" ، يتحدث  الفيلسوف  والمربّي الأسباني الشاب خوسي كارلوس لويث  عن سبل تعليم وتعلّم  التفكير النقدي في الوسط الدراسي منذ  السن المبكرة، من خلال  الاستعانة والاسترشاد بتعاليم  ودروس كبار الفلاسفة، وذلك ليس فقط لتمكين المتعلمين والمتعلمات من الحس النقدي؛ بل لتزويدهم، بما يسميه المؤلف في مقدمة كتابه، "نظام الصحة الذهنية" الذي يعتبر بمثابة أداة لتحصيل السعادة الحقيقية، والتحصّن من آفة "الوصفات الجاهزة للسعادة" التي أصبحت جاهزة للبيع في عالم اليوم.



 

 

في كتابكم "فن التفكير" تؤكدون أن التفكير النقدي يجب أن يُتعلّم منذ الصغر. ما دور الآباء والمعلمين في هذه العملية؟

لا أعتقد أن التفكير النقدي يجب أن يُتعلم؛ لأن هذا التفكير نحمله معنا كلنا بشكل فطري. الأمر بالأحرى يتعلق بحسن استعماله. وذلك ممكن في أية مرحلة عمرية، رغم أن المرحلة المثلى لذلك هو السن المبكرة. بهذا المعنى، فإن المربين -أمهات وآباء ومعلمين-، يعتبرون حلقة جوهرية في هذه العملية، و دورهم  يجب أن يتجسد في تعزيز وتقوية الفضول، الذي يعتبر من الخصائص المميزة للأطفال (وهو فضول يتناقص مع الوقت)، كما في بث روح الاستفسار لديهم والذي يجب أن يكون نابعاً من بنات أفكارهم..

إذا كنا نسعى لأن نجعل الطلاب ينمون فكراً نقدياً جيداً، لا يجب أن نقوم  مقامهم في الإجابة عن الأسئلة؛  بل علينا تحفيزهم على أن يتوصلوا هم إلى الأجوبة، ومحاولة الاستدلال عليها. يجب أن نعلمهم ممارسة الشك ونحفزهم على البحث، بحيث تكون عملية إيلاء الأولوية للأسئلة بدل الأجوبة مسألة جوهرية في أي عملية تعلمية.

 

ما السبيل إلى تطوير هذا التفكير النقدي في الفصول الدراسية؟

ثمة العديد من الطرق التي نستعملها يومياً بطريقة غير مباشرة، حيث يقوم التلاميذ بالتفكير حول أسئلة دون أن تكون مبرمجة مسبقاً. المنهجية التي اشتغلت بها أنا وزملائي في عدة مؤسسات ومعاهد في مدينة قرطبة، تتمحور حول ثلاثة عناصر هي: الملاحظة أو الانتباه، والتساؤل، والتحليل.

عوض لعب دور المعلم الذي يطرح الأسئلة على التلاميذ، يجب أن نقوم بتوجيههم ، بعد منحهم  مهلة للتفكير حول موضوعات مختلفة، نحو طرح وتحليل أسئلتهم المتبادلة في الفصل. وهذا ما يؤدي إلى نشوء عملية تفاعل فيما بينهم من خلال نقاش حول الأسئلة. وأخيراً، يتم استخلاص النتائج عند الاقتضاء. وحتى وإنْ تبنّينا منهجيات أكثر عمومية، لا يجب أن تغيب عن بالنا  مجموعة من العناصر التي يجب على كل معلم أن يستحضرها في باله من أجل تنمية تفكير نقدي مستمر، وهذه العناصر هي: الفضول، التساؤل والشك، و الاستدلال على الإجابات المقدمة.

 

تؤكدون على أنه "لا يمكن أن تكون سعيداً إذا لم تفكر بشكل ملائم".. لماذا؟

السبب الرئيسي هو أن السعادة كما  أفهمها ليست مجرد نزوة عاطفية عابرة؛ بل هي نمط وجود وأسلوب لمواجهة الحياة.  وخلافاً لما قد يُعتقد، فإنك يجب أن تتعلم لأن تكون سعيداً.  للعديد من الأشخاص عادات ذهنية مضرّة  بسعادتهم، وبشكل عرضي، بسعادة الأشخاص المحيطين بهم. ومن ثمة، فإنه من الأهمية بمكان معرفة استعمال مفتاح التفكير النقدي استعمالاً جيداً، وتطوير "نظام صحي وقائي" جيد.  إن القدرة على أن تكون شخصاً قادراً على الوعي بالوضعيات التي توجد فيها بشكل صحيح في كل لحظة، شرط مهم للقدرة على اتخاذ القرارات.

إن السعادة التي لا تكون موضوعاً للتفكير، سعادة سطحية ولحظية عابرة، لا قيمة لها إلا بالنظر إلى  نجاحنا في تخطي الصعوبة التي واجهتنا من أجل بلوغها. إن مشروعاً حياتياً متوازناً مشيّداً خطوة خطوة، ويوماً بعد يوم، والذي ينمو ببطء وإنْ نما بخطى ثابتة، ينتهي بأن يمنح سعادة متجذرة لا شك ستنمو مع الزمن. على العكس من ذلك، فإن السعادة السطحية، التي همّها تعويض الزمن المفقود، بحثاً فقط عن لحظات غبطة لحظية، سعادة تتبخر بالشكل نفسه الذي نتحصّل بها عليها، كما أنها سعادة في غاية الهشاشة وقابلة للفساد.

 

لماذا الاستعانة بالفلسفة لممارسة التفكير النقدي؟

يتعلق الأمر بمراجعة الأسلوب الذي تعاملت به الفلسفة مع المواضيع المتداولة التي لها علاقة بحياتنا، بغض النظر عن الفترة التاريخية. لكن لا يتعلق الأمر بدراسة الفلسفة؛ بل بتعلم التفلسف، أي تعلم التفكير السليم. إن الفلسفة ليست إلا تعلّة تساعدنا وتعيننا على تنظيم جيد لطريقة مواجهة الحياة.  المهم هو دراسة سيرورات التفكير التي نهجها كبار المفكرين وكيف أن هذه السيرورات يمكن تطبيقها بطريقة مربحة ومفيدة على وضعياتنا وسياقات وجودنا كما على وضعيات وسياقات وجود الآخرين.

 

ما هي الدروس التي يمكن أن يتعلمها التلاميذ من كبار الفلاسفة؟

تلزمني محاضرة كاملة لشرح جميع هذه الدروس. بصفة إجمالية، يمكننا تعلم كيف نصير أشخاصاً فضلاء، كأن نستفيد على سبيل المثال، من "الأمر المطلق" ل كانط، الذي يعلمنا أنه قبل الإقدام على فعل أي شيء، يجب أن نفكر إذا كان أشخاص آخرون، في نفس وضعيتنا وظروفنا، سيفعلون نفس الشيء. أومن درس سقراط الذي يعلمنا أن الأشخاص الأذكياء هم أشخاص فضلاء أيضاً وأن الذين يأتون أفعال  الشر، في العمق، يجهلون أنهم يسيئون إلى أنفسهم على المدى الطويل، قبل الإساءة إلى الآخرين. أو من  أفلاطون  الذي يحذرنا من سلطة الصور في "أسطورة الكهف"؛ هذه الصور التي في القرن الواحد والعشرين، أخذت شكل الشاشة (شاشة الهواتف النقالة أو الحواسيب أو أجهزة التلفاز)، أو من أرسطو الذي يركز على أهمية البحث عن تحقيق التوازن في حيواتنا عن طريق البحث عن "الوسط العادل" (الاقتصاد)، إلى غير ذلك من الأمثلة.

 

كيف يمكن تشجيع الفلسفة والترويج لها داخل المدارس؟

أعتقد أنه يجب الذهاب أبعد من تشجيع الفلسفة؛ إذ أن الأهم هو تشجيع التفكير النقدي بشكل سليم. من أجل ذلك، وكما قلت سابقاً، نشتغل بمنهجية جد ملائمة وبسيطة، والتي لا تتطلب تكويناً مسبقاً للمدرس، والتي بالنظر إلى النتائج المحققة، ترفع من القدرة على التحليل، وعلى التساؤل والاستدلال لدى المتعلم.

في بداية السنة الدراسية الجارية، عقدت اجتماعاً مع مجموعة من المعلمين المتطوعين من مختلف المدارس بقرطبة، والذين درسوا بمختلف المستويات الدراسية من أجل أن ننجز دورات للتفكير النقدي خلال الحصص الدراسية. إذا سارت الأمور على ما يرام،  فإننا خلال هذا الصيف سنكون قد استوفينا  كل  شروط العمل التي تمكننا من أن  نتقدم بمقترحات ملموسة في المنتديات التربوية.

في انتظار ذلك، أعتقد أن المعلمين يجب أن يخصصوا الكثير من الوقت لخلق وتشجيع روح البحث لدى التلاميذ ومحاولة تعليمهم "الشك" الذي يعتبر بمثابة الخطوة  الأولى من أجل الشروع في البحث، وإيقاظ ملكة الانتباه لديهم، بموازاة ذلك، يجب علينا التركيز أكثر على جعلهم يخضعون كل شيء للتساؤل. ودفعهم إلى صياغة أسئلة بدلَ تركيزنا كما جرت العادة على الأجوبة. وأخيراً، الاشتغال على البراهين التي يقدمونها  بشكل يجعلهم يحسنون عملية الاستدلال.

 

اسمح لي باختبار قصير في ختام هذه الدردشة:  بماذا توحي لك هذه الكلمات؟

الفلسفة: الفضول

الاعتزاز بالذات: الحب

التفكير: التقدم

التربية: التوازن.
 


 

رابط المقال الأصلي باللغة الاسبانية
https://www.educaciontrespuntocero.com/entrevistas/jose-carlos-ruiz-pensamiento-critico/84092.html

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها