«ميتشيو كاكو».. نحو التأطيـر الزمنـي للمستقبل

د. حفيظ اسليماني

كتاب (رؤى مستقبلية)، لعالم الفيزياء الأمريكي الشهير «ميتشيو كاكو Michio Kaku» إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، عالم المعرفة، العدد 270، يونيو 2001. عدد الصفحات 466 صفحة، وقد قسمه صاحبه إلى خمسة عشر فصلاً. في هذه القراءة سيكون التركيز على النقاط الأكثر أهمية في الأعم الأغلب، لنتمكن من رسم صورة عامة لموضوع العلم ودوره في تغيير حياتنا في مستقبل الأيام والسنوات المقبلة.
 

 

يدور الكتاب حول المستقبل غير المحدود للعلم والتكنولوجيا، حيث يركز على مئة عام مقبلة وما بعدها، ويدافع ميتشيو عن كتابه بالقول: «إن كتاباً بمجال مناسب وعمق ودقة لازمين لتلخيص التقدم العلمي السريع والمثير لا يمكن أن يكتب دون حكمة وفراسة العلماء الذي يجعلون هذا المستقبل ممكناً. وبالطبع لا يمكن لشخص واحد أن يبتكر هذا المستقبل، فهناك ببساطة معرفة متراكمة كثيرة، وهناك أيضاً إمكانات عدة واختصاصات متنوعة جداً. والحقيقة أن معظم التنبؤات عن المستقبل قد خابت، لأنها عكست وجهة النظر الضيقة والشاذة لشخص واحد فقط، ولا يصدق هذا الشيء على كتاب «رؤى مستقبلية». فقد أتيحت لي خلال كتابة كتب ومقالات وتعليقات علمية عديدة ميزة نادرة في مقابلة أكثر من 150 عالماً باختصاصات مختلفة على مدى 10 سنوات». وهذه الميزة التي امتاز بها هذا الكتاب ستعكس مدى أهمية المضمون الذي يخبرنا بتنبؤات مستقبلية.

 

الأطر الزمنية للمستقبل

حصر ميتشيو الأطر الزمنية للتنبؤات في ثلاث فئات: التكنولوجيا والاكتشافات الكبرى التي ستتطور بين الوقت الذي نحن فيه والعام 2020، وتلك التي ستتطور بين 0202 و2050، وتلك التي ستظهر بين 2050 ونهاية القرن الحادي والعشرين. 

 

حتى العام 2020

في هذه الفترة يتنبأ العلماء بانفجار لم يسبق له مثيل في النشاط العلمي، يقول ميتشيو: «سنرى صناعات بأكملها تصعد وتهبط إلى أساس تطورات علمية أخّاذة ومنذ الخمسينيات تطورت قدرة الكمبيوتر بعامل يقارب 10 بلايين. الحقيقة أنه بما أن قدرة الكمبيوتر وتسلسل «د.ن.أ» يتضاعفان مرة كل عامين تقريباً، فيمكن للمرء أن يحسب الإطار الزمني التقريبي الذي ستحدث خلاله اكتشافات علمية عدة، ويعني هذا أن التنبؤات حول مستقبل الكمبيوتر والتكنولوجيا الحيوية يمكن حسابها كمياً بمدّة إحصائية معقولة عام 2020». مضيفاً أن منحنى التكنولوجيا الحيوية سيكون مدهشاً في هذه الفترة، «وفي البحث البيوجزئي فإن إدخال الكمبيوتر والإنسان الآلي لأتمتة عملية تسلسل الـ «د.ن.أ» كانت وراء القدرة الملحوظة على حل شيفرة الحياة، وتستمر هذه العملية دون توقف حتى عام 2020 تقريباً حتى يكشف عن شيفرة «د.ن.أ» للآلاف من الكائنات الحية بالكامل»، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أنه بحلول ذلك الوقت قد يكون من الممكن لأي شخص على سطح الأرض أن يخزن شيفرة الـ «د.ن.أ» الخاصة به على قرص مدمج CD.

 

من 2020 حتى 2050

صحيح أنه ستكون هناك عقبات وصعوبات تكنولوجية، لكن من الأكيد سيتم حلها وإذا أمكن ذلك سنكون أمام وضع آخر أكثر تطوراً، يقول ميتشيو: «إذا أمكن التغلب على هذه الصعوبات فقد تؤشر الفترة من 2020 وحتى 2050 إلى الدخول إلى سوق لتكنولوجيا من نوع مختلف تماماً، مبنية على تحكم لإنسان آلي حقيقي يفهم لغة البشر ويدرك الأجسام في بيئته ويتحكم فيها ويتعلم من أخطائه ويتمتع بنوع من الحس السليم والتمييز. ومن المحتمل أن يغير هذا التطور علاقاتنا بالآلات إلى الأبد».

 

من  2050 حتى  2100 وما بعدها

خلال هذه الفترة ومراكمة للفترات السابقة سيكون من المتاح نسخ النماذج العصبية للدماغ على كمبيوتر، بل سيفكر العلماء في مد فترة الحياة عن طريق تربية أجسام وأعضاء جديدة بواسطة التحكم في تشكيلتنا الجينية، أو حتى في النهاية بالاندماج مع مخلوقاتنا الجديدة.

 

ثورة الكمبيوتر

يتحدث ميتشيو عن ثورة الكمبيوتر، متوقفاً عند الكثير من القضايا التي تصبح حقيقة؛ كالغرفة الذكية بشتى الأجهزة التكنولوجية، والتي سيتم من خلالها معرفة مزاج الشخص عن طريق وجهه، يقول ميتشيو: «لقد وجد العلماء أن من الممكن التعرف إلى العواطف بواسطة أجهزة الكمبيوتر، نتيجة لحركات الانبساط التي تحدثها في الوجه، فالابتسامة مثلاً تؤدي إلى انبساط عريض لعضلات فمنا، وتعمل الدهشة على رفع الحواجب، ويقود الغضب إلى تقطيب الجبين، ويخلق الامتعاض أو القرف حركة على كامل الوجه. ولذا فعندما ركز الكمبيوتر على أجزاء الوجه التي هي في حالة حركة، فقد استطاع في الاختبارات، أن يتعرف بشكل صحيح إلى الحالة العاطفية للشخص حوالي 98 في المئة من المرات». قد يبدو هذا من الغرابة إلا أن المستقبل كفيل بأن يبين لها الحقيقة كما هي. ويذكر ميتشيو بعض الأمثلة على سبيل المثال التي يمكن دراستها بالكمبيوتر:

 

الأجسام الغريبة في الفضاء

سيتم الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر في تحليل النجوم الملتهبة والنجوم النيوترونية والثقوب السوداء، وينقل ميتشيو عن روس فرايكسي، من وكالة الفضاء الأمريكية ناسا: «إن المحاكاة بالكمبيوتر هي أملنا الوحيد في تحويل علم الفلك إلى علم تجريبي».

 

كشف تركيب البروتين

يقول ميتشيو: «عندما لا نتمكن من تحويل البروتين إلى بلورات لا يمكننا أن نستخدم التصوير بأشعة إكس لتحديد بنيته، ويضطر العلماء عند ذلك إلى استخدام نظرية الكم والكهرباء الإستاتيكية لتحديد بنية البروتين، ولا يمكن حل المعادلات المعقدة، التي تحدد بنية أو تركيب هذه البروتينات إلا باستخدام الكمبيوتر، وقد يكون الحاسب هو الطريقة الوحيدة الممكنة لحساب بنية فئة كبيرة من البروتينات، وبالتالي معرفة خواصها».

 

اختبار المواد

يمكن حساب الإجهاد والشد للمواد الصناعية بشكل أفضل باستخدام الكمبيوتر مما يؤدي إلى توفير مليارات الدولارات في اختبارات غير ضرورية. إذن سيكون المستقبل عصر الآلة الجد متطورة تكنولوجياً.

 

الآلات التي تفكر

ينقل لنا ميتشيو صورة حافلة بالمفاجآت من زيارته لمختبر الذكاء الاصطناعي المشهور في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وينقل لنا تلك المشاهد بقوله: «هي زيارة حافلة بالأمور المدهشة والمفاجآت السارة...ما إن يفتح المرء الباب حتى يرى منظراً غريباً: أغلى مصنع ألعاب في العالم، وهو علبة ألعاب ميكانيكية مفصلة لمهندسين لامعين... وخلال التجول يرى المرء في أرجاء المختبر عرضاً لوحوش يمكنه أن يجعل عيني أي طفل تلمعان بشغف، فهناك ساحات معارك من الألعاب توجد فيها نماذج مصغرة تبدو حقيقية من الدبابات والديناصورات...». هذا الوصف يبين لنا أن التنبؤ بالمستقبل لم يأت من فراغ وإنما ثمرة دراسات وأبحاث وتجارب علمية، والنتائج بدأت تظهر من حين إلى آخر. وهنا يقول ميتشيو: «وبما أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في البداية، فقد يمر 25 عاماً أو أكثر قبل أن نرى أياً من ابتكارات مختبر معهد ماساشوستس للتكنولوجيا للذكاء الاصطناعي قد طرح في السوق، وبدلاً من ذلك سيزداد تدريجياً من الآن وحتى 2020 قبول أجهزة الإنسان الآلي الصناعية متطورة البرمجة، أو التي يتم التحكم بها من بعد في الأسواق. ومن المحتمل أن ندخل الفترة من 2020 وحتى 2050... حيث تبدأ أجهزة الإنسان الآلي «الروبوت» الذكية في المشي على سطح الأرض، وبعد عام 2050 من وبعد عام 2050 من المحتمل أن نشهد بدايات ظهور أجهزة الإنسان الآلي ذات الوعي والإدراك الذاتي». إن العلماء لا يعرفون المستحيل، فمراكز البحث تشتغل لتطرح مرة تلوى الأخرى اختراعاً جديداً ومثيراً.

إضافة إلى ما سبق يؤكد راي كيرزويل Ray Kurzweil - العالم المخترع الذي اعتبرته مجلة فوربس «ألمع عقل مفكر» – أن الكمبيوترات تخطت الذكاء الإنساني في مجموعة متنوعة من مجالات الذكاء التي ما زالت محدودة مثل لعب الشطرنج، وتشخيص بعض الحالات الطبية، وشراء الأسهم وبيعها، وتوجيه صواريخ كروز. يقول: «ويظل الذكاء الإنساني بصورة عامة أكثر طواعية ومرونة بكثير. ولا تزال الكمبيوترات عاجزة عن وصف الأشياء على مائدة مطبخ مزدحمة أو عن كتابة ملخص فيلم أو ربط الأحذية أو تحديد الفوارق بين الكلب والقطة (مع أنني أعتقد أن هذه المهارة أصبحت ممكنة حالياً بواسطة الشبكات العصبية الحديثة، وهي النسخة الكمبيوترية من الخلايا العصبية البشرية) أو إدراك الفكاهة، أو القيام بالمهام الدقيقة التي يتفوق فيها مبدعها الإنساني». ويرى كيرزويل أن هناك عدداً هائلاً من السيناريوهات التي يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى الذكاء البشري في الآلات، يقول: «سيكون بوسعنا إنشاء وتدريب نظام يجمع بين الشبكات العصبية المتوازية وغيرها من النماذج الأخرى على فهم اللغة وتوصيف اللغة، بما في ذلك القدرة على قراءة وفهم الوثائق المكتوبة...في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ستكون الكمبيوترات قادرة على القراءة بنفسها وفهم وتوصيف ما تقرؤه...»(1). نكون إذن أمام واقع ومستقبل آتٍ سيتجاوز فيه الكمبيوتر الذكاء البشري.

 

جينات لشكل الجسم

هناك تقدم وتنبؤ آخر يتعلق بجينات الجسم، فقد أكد ميتشيو أن العلماء الآن يقتربون من اكتشاف الجينات القليلة التي تتحكم في وزن الجسم، والتي تدعى «جينات البدانة» وقد تم العثور على خمسة من هذه الجينات في الفئران، كما تم إيجاد مماثلاتها في البشر. يقول ميتشيو: «ويعتقد العلماء أنها تتحكم في وزن أجسامنا أيضاً، ومن المتوقع العثور على جينات منفردة عديدة أخرى في العقد القادم. على الرغم من أن العلماء لن يمتلكوا وصفاً كاملاً لكيفية تفاعل هذا العدد المختلف من الجينات، من أجل التحكم في عمليات الأيض لدينا، وشكل أجسامنا حتى 2020. ويمكن أن تكون للسيطرة على حفنة الجينات، التي تتحكم في أجسامنا نتائج مهمة». وبالتأكيد سيتم التوصل إلى ذلك في مستقبل الأيام، يقول الدكتور عبد الحسن صالح أستاذ علم الكائنات الدقيقة بجامعة الإسكندرية: «إن ما حققه العلماء الآن، وما سيحققونه مستقبلاً قد يؤدي إلى إنتاج سلالات بشرية جديدة تدخل في تركيبها الوراثي بعض الصفات النباتية المرغوبة، وعلى رأسها عملية التمثيل الضوئي التي تميز بها النبات عن الحيوان والإنسان، ويعني هذا ببساطة أن الإنسان الحالي قد يتحول مستقبلاً إلى مخلوق أخضر يستفيد من الطاقة الشمسية أو الضوئية استفادة مباشرة، ويكون بها غذاؤه، ويصبح ذاتي التغذية كالنباتات تماماً!»(2). 

كما ذهب آلفين توفلر المفكر الأمريكي والعالم في مجال دراسات المستقبل، إلى الحديث عن إمكانية تصميم الإنسان يقول في ذلك: «إن الجسم البشري، مثله في ذلك مثل الجغرافيا، كان يمثل حتى الآن نقطة ثابتة في التجربة الإنسانية...أما اليوم فإننا نقترب بسرعة من ذلك اليوم الذي سيعتبر فيه الجسم البشري شيئاً غير ثابت بأي حال من الأحوال. إن الإنسان سوف يصبح قادراً خلال فترة معقولة من الزمن، لا على إعادة تصميم أجسام أفراد البشر فحسب، بل الجنس البشري بأكمله»(3). إن المستقبل إذن سيجعلنا أكثر ذهولاً، إذ ستظهر أشياء قد تبدو غير منطقية، لكن في الأصل هي حقيقة علمية.

 

مـا بعد 2100 مكاننا بين النجوم

يرى ميتشيو أن مصير البشرية يكمن في النهاية في النجوم، مؤكداً بالقول: «ليس هذا تفكيراً خيالياً من مستقبليين بلا أمل، بل إنه أمر تحتمه قوانين فيزياء الكم، فالفيزياء تخبرنا بأن الأرض لا بد أن تموت في النهاية. وبما أنه من المحتم أن تدمر الأرض في وقت ما في المستقبل، فإن برامج الفضاء قد يكون في النهاية خلاصنا الوحيد كجنس. وفي وقت ما في المستقبل البعيد، إما أن نبقى على الكوكب ونموت معه. وإما نتركه ونهاجر إلى النجوم». لكن في النهاية سيموت الكون وستموت معه الحياة، يقول: «مثل هذه النهاية تبدو كأقصى ما يمكن من العبث الوجودي. فالحياة العاقلة التي جاهدت عبر ملايين السنين كي تنهض من الوحل وتصل إلى النجوم، فقط ستنتهي عندما يموت الكون نفسه».

أخيراً وليس آخراً، فإن خير ما ننهي حديثنا، هو قصة أهل الكهف ذات الصلة المباشرة بما تطرقنا إليه، جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ سورة الكهف 25. وعندما بعثوا من رقادهم الطويل، وذهب أحدهم إلى المدينة ليشتري الطعام، وجد كل شيء تغير، فكذلك اليوم في عصرنا، فالتكنولوجيا جاءت بالشيء الكثير، وفي انتظار تحقق تلك الرؤى المستقبلية ستكون الصدمة الدهشة كما حدث لأهل الكهف.


الهوامش:
1) عصر الآلات الروحية: عندما تتخطى الكمبيوترات الذكاء البشري، راي كيرزويل، ترجمة: عزت عامر، كلمات عربية للترجمة والنشر، ط1، 2010، ص: 17- 18.
2) التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان، عبد الحسن صالح، سلسلة عالم المعرفة العدد 48، ديسمبر 1981، ص: 71.
3) صدمة المستقبل: المتغيرات في عالم الغد، آلفين توفلر، ترجمة محمد علي ناصف، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، ط2، 1990، ص: 203.

 

 

نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 244 (صفحة 15)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها