من قَرضِ الشّعر إلى سرد الرواية

صلاح حسن: اخترت اللغة السردية لأنقل الأحداث

حاوره: خضير الزيدي

صلاح حسن شاعر أثبت مكانته بين جيل الثمانينيات بعد أن استقر في هولندا، وتحقق له إصدار العديد من المجامع الشعرية، وأيضاً كتب عشرات النصوص المسرحية داخل العراق وأوروبا، وفاز بأكثر من جائزة عالمية، وحديثاً صدرت روايته "ابنة نوح"، وهي توثق لأحداث داعش في العراق، وما آلت إليه من تهجير للأقليات والديانات غير الإسلامية، يدور الحديث هنا عن مضمون الرواية، وطبيعة شخوصها.. وهذا نص الحوار.

 

ألا تبدو كتابة الرواية نوعاً من المغامرة لشاعر يصر على تجديد الخطاب الشعري؟

بالفعل مغامرة خطيرة إذا تخلى الشاعر عن نسقه الشعري في الرواية. لكن جربت التخلي عن أية شعرية في هذه الرواية؛ لكي أثبت لنفسي أولا وللآخرين ثانياً بأن الرواية يمكن كتابتها بلغة عادية ويمكن أن تنجح، فاللغة الشعرية وحدها ليست كل شيء في كتابة الرواية، فالحدث الذي تعلنه الرواية ليس حدثاً عادياً، بل هو حدث معقد وفيه الكثير من الإسرار والعقد، ويتطلب مهارة خاصة في تناوله .. لهذا السبب اخترت اللغة السردية البسيطة الخالية من إي تعقيد، من أجل أن أنقل الحدث وتفاصيله لكي يصل إلى الجميع بسهولة وصدق.
 

ما السمات البنائية في رواية ابنة نوح؟

بناء الرواية اعتمد على شكل خاص هو استخدام تكنلوجيا الانترنيت وتقنياته، وأسراره التي لا يعرفها الكثير منا حتى اليوم؛ من أجل تجنب تقنية الفلاش باك التقليدية، وكما رأيت أن الرسائل المتبادلة بين فاتن وباسم بطلي الرواية تمت عبر تقنية خاصة، يمتلكها باسم دون أن تمتلكها أو تعرفها فاتن، فكانت تنصاع إلى التقنية التي يستخدمها باسم دون أن تغير شيئاً. هذه التقنية ساعدتني على التخلص من الفلاش باك والكثير من تقنيات الرواية التقليدية.

تؤرخ في روايتك ابنة نوح لمأساة الأقليات العراقية من النساء، هل هذا تأكيد لكتابة سيرة الوجع العراقي في مرحلة داعش؟

في الواقع أنا لا أؤرخ لمأساة الأقليات العراقية بقدر ما أحاول تحليل ما جرى خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق؛ ولأن ما حصل كان في مدينة الموصل التي تحفل بالكثير من القوميات والديانات، فإنه من الطبيعي أن نتذكر ما حصل للمسيحيين واليزيديين؛ لأنهم كانوا الهدف الذي رصده داعش. إذا لم يستهدف المسلمين السنة في هذه المناطق، بل استهدف الأقليات غير المسلمة، ولكن الغريب في الأمر، والذي لم يتطرق إليه الإعلام أن داعش استهدف الكثير من التركمان الشيعة، واغتصب نساءهم وتاجر بهن.

ألا تجد أن كتابة هذه الرواية هي بمثابة سيرة للنساء المضطهدات تحديداً؟

يمكنك أن تقول ذلك، نعم فالمرأة مضطهدة قبل هذا التاريخ بكثير، ولكن ما حدث سلط أضواء قوية على هذا الاضطهاد المستمر، لدرجة أنه حول المرأة إلى سلعة تشترى وتباع في سوق النخاسة. لم تشعر المرأة بالاضطهاد في كل التاريخ العربي والإسلامي مثلما شعرت به أثناء وجود داعش، حتى في ما يسمى بالجاهلية لم يحدث مثل هذا الاضطهاد. هذا الانهيار الأخلاقي الذي كانت عليه داعش لم يمارس في أية حضارة سابقة ليومنا هذا.

لقد غابت لغتك الشعرية التي نعرفها عن نصك الروائي، وسادت لغة تقريرية هل تحرر النص الروائي من التبعات الشعرية؟

لقد قصدت أن تكون هذه الرواية خالية من الشعرية، ومن الخيال والفنتازيا، وبدلاً من ذلك استخدمت الشكل السردي للتعويض عن الشعرية والفلاش باك. أردت أن تكون الرواية شفوية بمعنى من المعاني، مثلما يجلس سارد أو راو ويحدث مجموعة من الناس عن أحداث جرت له، أو لعائلته بلغة تصويرية أو سينمائية بسيطة، وبلغة مفهومة للجميع بعيدة عن التعقيد والفذلكة. الأحداث التي تدور في الرواية لا تقبل الشرح والوصف والكنايات، بل الذهاب مباشرة إلى الأحداث وشرحها للقراء بشكل مباشر وصريح. التخلي عن الشعرية عملية صعبة في كثير من الأحيان في كتابة الرواية.

انتهت الرواية بطابع الانتقام فهل هي إشارة لثقافة المكان الشرقي؟

في الواقع لم تنته الرواية بالانتقام بقدر ما انتهت بالشعور بالذنب والفشل، من قبل الشخصية الأولى في الرواية "باسم"، لو أعدت قراءة الصفحات الأخيرة من الرواية ستكتشف أن باسم قام بالانتحار، حين ابتلع كمية كبيرة من الحبوب مع جرعة الويسكي، التي تناولها قبل أن يذهب إلى غرفة نوم فاتن. لقد شعر بعبث مشروعه المجنون.

أليس الشعور بالذنب عودة للضمير، وبالنتيجة هناك خطأ في حسابات تصور الانتقام وطريقته؟ وأيضاً نجد البطلة قد هيأت أداة القتل لباسم وبالنهاية فكرة الانتقام موجودة؟

فكرة الانتقام موجودة بطبيعة الحال، والبطلة فاتن عملت عليها طيلة الوقت؛ لأنها نتاج مجتمع شرقي يؤمن بالانتقام، لكنني أردت أن أمنح القاتل فرصة لتغيير مصيره عن طريق الانتحار، فهو في المشهد الأخير من الرواية يشعر بالذنب، ويقرر الانتحار عن طريق تناول الحبوب القاتلة مع جرعة الويسكي، قبل الذهاب إلى غرفة نوم فاتن، لقد انتحر لأنه شعر بالذنب إلى درجة كبيرة.

إلى أي مدى يمكن القول إنك استندت إلى وجود ملفات حساسة في كتابة هذه الرواية، بحيث تداخل فيها التوثيق مع الخيال؟

استندت في هذه الرواية على ما كان ينشر من معلومات في الصحف والفضائيات، وما كان ينشره أهالي الموصل على الفيس بوك، وبعض التسريبات التي كانت تصلني من أناس مجهولين، مع الكثير من الخيال الذي يعتمد على معرفة مسبقة بالمدينة وسكانها، وطبيعتهم المدنية، وعملهم في مجالات مختلفة. ولا تنس أننا في العراق لدينا حس أمني شديد، ونستطيع أن نحدس بما يحصل قبل وقوعه، بسبب تجاربنا الكثيرة مع أجهزة النظام السابق، فكان من المنطقي أن أتخيل ماذا سيحصل لفاتن بطلة الرواية، وكيف سيتصرف باسم ضابط الأمن السابق والأمير في داعش.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها