كانت كتبه الأكثر مبيعًا...

إسماعيل ولي الدين  

السيد زرد


إسماعيل ولي الدين يعد واحدًا من أبرز الكُتَّاب أصحاب الأعمال "الأكثر مبيعًا" في مصر، بزغ نجمه مبكرًا من قبل أن تتعرف الساحة الثقافية والأدبية على مصطلح "الأكثر مبيعاً" بدلالته الإيجابية والسلبية، التي صارت تُؤرق الكثيرين خشيةً من ناحية، وطمعًا من ناحية أخرى.
 

ومحاولة حصر ما نشره إسماعيل ولي الدين من روايات أمر تكتنفه صعوبات جمة، على رأسها غزارة إنتاج هذا الكاتب، بالإضافة إلى أن بعض الروايات لم تصدر منفردة؛ وإنما نُشرت ضمن كتب ضمت أكثر من عمل، كما أنه في بعض ما نشر من كتب دوّن في ختامها بياناً بما سبق ونشره من أعمال، وأسقط من هذا البيان –لا ندري عمداً أو سهواً- بعض الأعمال التي سبق له أن نشرها بالفعل. لكن فلنحاول أن نحصي ما أمكننا حصره، فبعد أن أصدر مجموعتين قصصيتين: (بقع في الشمس) 1968، و(الطيور الشاحبة) 1969، صدرت له الروايات التالية:

(حمام الملاطيلي) 1971، (الأقمر) 1972، (حب تحت الحراسة) وتضم معها (نزوة طارئة) و(حياة مكشوفة) 1972، (حمص أخضر) 1973، (أيام من أكتوبر) 1973، (تجربة حب) 1974، (طائر اسمه الحب) 1976، (السلخانة) 1976، (دار التفاح) 1977، (الموت خلف الفندق) 1977، (الحب تحت الأشجار) 1978، (رحلة الشقاء والحب) 1978، (الباطنية) 1979، (العاشقان) 1980، (أحزان سقارة) 1980، (زقاق العسكر) 1980، (منزل العائلة المسمومة) 1980، (الكلاب والبحر) 1981، (درب الهوي) وتضم معها (أسوار المدابغ) 1982، (النجوم تبكي أيضاً) وتضم معها (الكلاب والبحر) 1982، (بيت القاضي) 1984، (فتاة برجوان) وتضم معها (الهروب من الموت) 1985، (درب الرهبة) وتضم معها (المجهول في باريس) 1986، (الرجل والمرأة والجنون) وتضم معها (امرأة تلبس الحداد) و(أبناء الليل) 1989، (يوم للحياة ويوم للموت) وتضم معها (الماضي يعربد) و(حديقة الشياطين) 1990.. إلى جانب روايات: (الشارع الأزرق)، (غرفة فوق السطح)، (عشاق الدموع)، (القتل وسط النهار)، (وادي السلطان)، (القاتل والمقتول)، (الأستاذ)، (جحيم نصف الليل)، (العايقة والدريسة)، (شجرة العائلة).

منذ العام 1973 أخذت مصر تتهيأ لمرحلة جديدة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تجلت في السينما من خلال ما عُرف بأفلام المقاولات، ووجد صُناع هذه السينما ضالتهم فيما يكتبه إسماعيل ولي الدين، فآنست إليه، ومن جانبه لم يُخيّب ولي الدين رجاءها، فتماهى معها. وحشدت السينما المصرية ممثلات الإغراء البازغات وقتذاك: نادية الجندي، ونبيلة عبيد، وسهير رمزي، وشمس البارودي، وهياتم، وسهير رمزي، ومديحة كامل .. ليشاركن في بطولة سبعة عشر فيلماً سينمائياً مأخوذاً عن روايات ولي الدين:

(حمام الملاطيلي) إنتاج 1973، (الأقمر) 1978، (الباطنية) 1980، (السلخانة) 1982، (رحلة الشقاء والحب) 1982، (درب الهوى) 1983، (أسوار المدابغ) 1983، (بيت القاضي) 1984، (العايقة والدريسة) 1984، (منزل العائلة المسمومة) 1986، (أبناء وقتلة) 1987، (الوحوش الصغيرة) 1989، (حارة برجوان) 1989، (درب الرهبة) 1990، (رجل له ماض) 2000، (الباطنية) 2009 .. إلى جانب فيلم (جنون الحياة) إنتاج 2000 عن رواية لم تنشر، بالإضافة إلى المسلسلات التليفزيونية: (حب تحت الحراسة) 1998، (حارة برجوان) 1999، (حديقة الشر) 2000، (يوم للحياة ويوم للموت) 2000، (الباطنية) 2009.

وقد حقق فيلم (الباطنية) إيرادات هائلة ويعد، وفقاً لقيمة العملة، من أكثر الأفلام إيرادًا في تاريخ السينما المصرية. فقد توافرت لهذا الفيلم، الذي أخرجه حسام الدين مصطفى، وقامت ببطولته نادية الجندي، وأنتجه زوجها، كل عناصر النجاح التجاري، بيَّنها الناقد سمير فريد في كتابه (مخرجون واتجاهات في السينما المصرية): "حوار فيلم الباطنية وأغانيه ورقصاته تفيض بالبذاءة على نحو لم يحدث من قبل في السينما المصرية، وهذا الحوار مع تلك الأغاني والرقصات، وجلسات الحشيش الصاخبة طوال الفيلم هي ما يجعلنا نقول إن السينما يمكن أن تتحول بالفعل إلى غرزة حشيش". أما فيلم (درب الهوى) فقد منعت الرقابة عرضه من الأساس.

ويغلب على كتابات إسماعيل ولي الدين القصر والاختزال الشديدين، مما يصعب معه وصف أعماله بأنها "روايات"، ولا حتى "روايات قصيرة"، إذ لا تعدوا أن تكون هذه الكتابات مجرد "هياكل" أو ملخصات لحكايات، وبالأكثر "معالجات درامية" مما يستخدمه السينمائيون.

فرواية (الماضي يعربد) بلغ عدد صفحاتها 19 صفحة، وجاءت رواية (المجهول في باريس) في 31 صفحة، وزادت عنها رواية (نزوة طارئة) بصفحتين، وتراوحت صفحات (النجوم تبكي أيضاً)، و(الهروب من الموت)، و(الرجل والمرأة الجنون)، و(أبناء الليل)، و(درب الهوى)، و(درب الرهبة) بين 40 و49 صفحة. وجاءت روايات (حديقة الشياطين)، و(أسوار المدابغ)، و(حياة مكشوفة)، و(لكلاب والبحر) ما بين 52 و54 صفحة.

وبالرغم من الكم الكبير من الأعمال الروائية التي نُشرت لإسماعيل ولي الدين، وظهور هذه الروايات على شاشات السينما والتليفزيون مصحوبة بدعاية كثيفة، ومن ثم نالت انتشارًا وشهرةً عريضين بين قطاعات واسعة من الجمهور، إلا أنه يكاد لا يتذكر أحد من قراء الأدب الآن أي عمل من أعمال ولي الدين، ولا يأتي أحد من المعنيين بالشأن الثقافي على ذكرها. فالخفة التي تعامل بها ولي الدين مع الأدب، والاستهانة الشديدة التي أفرز بها أعماله، والتي افتقدت كل الأبعاد الجمالية والفنية الحقيقية، لقيت –بعد سنوات قليلة- ما تستأهله من اندثار وغياب.

كاتب –ما أن تجاوز مرحلة البدايات– حتى راح يكتب وفق معايير سوق الدراما المصرية اللاهثة وراء الربح، وتغييب وعي المتلقين .. راح يكتب تحت إلحاح الطلب المتزايد على التوليفة التي سرعان ما أتقنها؛ كثير من الجرائم والعنف والمطاردات والجنس بكل صنوفه، مع قليل من زخرف الأماكن التاريخية.. كاتب كانت كاميرات السينما تبدأ في الدوران لتصوير أعماله قبل أن ينتهي منها، فلا تتاح له –عند طبعها في كتب– فسحة لمراجعتها .. أفليس التجاهل والنسيان جزاءً وفاقًا على ما اقترفه؟!

مع دفعة التشجيع التي حظي بها ولي الدين عقب صدور روايته الأولى (حمام الملاطيلي) راح يستنسخ نفسه حرفيًا في عمله التالي (الأقمر). في (حمام الملاطيلي) ثلاثة شبان يترددون على الحمام الشعبي، أحدهم وهو كمال يتحول إلى قاتل يسفك دم ثري شاذ جنسيًا، كانت تربطه به علاقة شائنة، وهذه الشخصيات الثلاث تنتقل كما هي -مع بعض التعديلات المحدودة– إلى رواية (الأقمر)، والشخصية الرئيسة في (الأقمر) تحمل ذات اسم الشخصية النظيرة في (حمام الملاطيلي)، بل ويقوم أيضاً بطل (الأقمر) بارتكاب جريمة قتل!

ما يقطع بأن إسماعيل ولي الدين كان في عجلة من أمره، ولم يكن يُراجع كتاباته، ما وقع فيه من أخطاء سياقية وتناقضات فاضحة في هذه الأعمال، والتي رصد منها د. السيد نعيم شريف في دراسة أكاديمية له نشرتها مجلة كلية دار العلوم ما يلي:

في صفحة 35 من رواية (الأقمر): "قالت أحلام لكمال وهما يتجهان ناحية الأزبكية إلى حديقة هناك". ثم نسي الكاتب أن يذكر ما قالته أحلام، فأتبع هذه الجملة بوصف الحديقة "لها أضواء هادئة ونضد متفرقة..."، ثم أورد بعد وصف الحديقة "لا يرد كمال". على ماذا يرد، ولم تقل أحلام شيئًا؟.. ثم يتذكر المؤلف أن هناك قولاً لأحلام، فيكتب بعد ذلك: "وتقول أحلام في حدة: لن يتم زفافي به...". وهذا القول كان يجب أن يأتي قبل أن يشير إلى تجاهل كمال لقولها.

وفي (فتاة برجوان) تناقض الكاتب فعرض شخصية مقرئ المسجد مرة باسم "الشيخ سلطان"، ومرة باسم "الشيخ صالح" (ص: 8)، ثم أسماه مرة ثالثة باسم "الشيخ عاشور" (ص: 17). وفي ذات الرواية يقدم إحدى الشخصيات الرئيسة مرة باسم "زينات" (ص: 8)، ومرة باسم "سناء" (ص: 10).

في (أسوار المدابغ) يشير الراوي إلى أن توفيق أكبر أبناء خليل جلابو "بعد العزاء بدأ توفيق تجميع أشتات هذه الفضيحة بالاتصال بسامية التي قابلته في بيتها..." (ص: 69). لكن الراوي يعود ليقرر ما يخالف ذلك: "بعد ثلاثة شهور من وفاة المعلم خليل جلابو ذهب توفيق الابن الأكبر للمتوفى إلى سامية زوجة أبيه..." (ص: 79).

في (المجهول في باريس) إشارة إلى أن ممدوح لم يكمل الرابعة والعشرين من عمره (ص: 82)، بعد أن سبق وقرر الكاتب مرتين أن ممدوح هاجر إلى فرنسا من عشر سنوات (ص: 56، 59)، وأن عمره وقت أن هاجر كان ثماني عشرة سنة (ص: 60)، وبالتالي كان يجب أن يكون عمره ثمان وعشرين سنة، وليس أربعاً وعشرين سنة.

في (الرجل والمرأة والجنون) يقول الراوي عن إحدى بنات إبراهيم العظم: "ثناء الطالبة في كلية الإعلام" (ص: 6)، ثم ينسى ذلك ليقول تالياً: "ثناء والتي تحاول الحصول على مدرسة السكرتارية التي دخلتها بعد الثانوية، والمجموع الضئيل الذي حصلت عليه يومها" (ص: 31).

بل إن الكاتب يقع في تناقضات في ذات الصفحة الواحدة، ففي رواية (يوم للحياة يوم للموت) أشار الراوي إلى أن مريم رجعت من الكويت، وخرجت من المطار "ولم يكن معها حقائب كثيرة" (ص: 53)، ثم وبعد أقل من سطرين يقرر أنها استقلت سيارة، وأن السائق الشاب "كان مهذباً، وهو يرتب الحقائب الكثيرة وأربطة الهدايا فوق العربة وداخلها"!

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها