تُحفةٌ حضاريَّةٌ نادرة

ورقةٌ من المُصحف الأزرق بمتحف الشَّارقة للحَضارة الإسلاميَّة

حسن بن محمد

لَقد تمَّ في الفترة المَاضيَّة عَرضُ وَثِيقَةٍ تَاريخيَّةٍ هامَّةٍ في متحف الشَّارقة للحَضارة الإسلاميَّة، وهي ورَقةٌ منَ المُصحف الأزرق النَّادر، تمَّتْ كِتابتها بواسطةِ خَطٍ كُوفيٍّ مذهب على رَقٍّ مصبوغ ٍباللَّونِ الأزرق، وقد قدَّرَ المُختصون عمرها بأكثرَ من ألفِ سنةٍ.

والرَّق هو أحدُ المواد الرئيسةِ التَّاريخيَّةِ للكتابة عند المُسلمين، ويُؤخذ من جِلد الشَّاة الصَّغيرة، أو الماعز أو الغزال، وكما كانت تستعمل في إعداده وسائل الدباغة التَّقليدية القائمة على النقع في الماء والملح، وذلك بعد إزالة الشعر العالق به ثم ينقع ثانية في سائل ممزوج بالمواد المجففة، ويرقق وذلك بضغطه على خشبة خاصة حتى يرق إلى أقصى حد ممكن، وتُضاف إليه مواد مبيضة أو ملونة، ويشد للتجفيف ثم تقطع منه الصحائف وذلك حسب المواصفات المطلوبة، وعادةً ما يُختار للمصاحف أواسطَ الجُلود حتى يتم استخراجها من دون عيوب.

وإنَّ مجموعة الرقوق القيروانية تُعتبر اليومَ من أشهرِ المجموعات المتبقية، ولقد حافظ عليها مسجد عقبة بن نافع، وهي صفحات من مصاحف تشتمل على كامل النَّص القرآني، ولكنها مجزأة إلى عدة أجزاء وهي اليوم توجد متناثرة ومفككة ولا يوجد مصحف واحد متكامل.

 وقد أكَّدَ المُختصون في مجال التُّراث الإسلامي أنَّ هذه الورقة النَّادرة قد كُتبت في مدينة القيروان في تونس، ومن المعلوم أن هذه المدينة قد اشتهرت في عصور الإسلام الأولى بصناعة هذا النوع من الرق، كما يرجح أن هذه الورقة المفردة من المصحف كانت قد كتبت خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وهي تحتوي على خمسة عشر سطراً.

ولقد أثبتت سجلات جامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان وجودَ المصحف الأزرق المذهب، وقد كتب بخط كُوفي وهو محفوظٌ في مكتبة الجامع منذ القرن الخامس الهجري.


صفحة من «المصحف الأزرق»

وإن اختيارَ اللَّون الأزرق للمصحف من شأنه أن يُعطي للكتاب المقدس روحانيةً كبيرةً، ذلك أنَّ الأزرق يرمز إلى لون السَّماء، كما أنَّ الحروفَ المذهبة تُشير إلى الضوء الإلهي المنتشر في الكون. ويبدو أن هذه التقنية قد وقع استعمالها والحفاظ عليها في بلاد المغرب، وذلك إلى حدود القرن الخامس عشر الميلادي.

والخَطُّ الكُوفيُّ المُستعمل في المَصاحف هو خطٌ غير منقطٍ، ويتميَّزُ بإمالة في الألفات واللامات نحو اليمين قليلاً، ولقد كتبت به في هذه الورقة آيات من سورة النِّساء، وتحديداً من الآية: 135 إلى بداية الآية: 137.

ويُعتبرُ الخَط الكُوفي من أقدمِ أنواعِ الخُطوط العربيَّةِ، وهو يتكون من صيغة معدلة من الحروف النبطية القديمة، ولقد نشأ في أواخر القرن السَّابع الميلادي، وهو تاريخ بداية ظهور الإسلام وانتشاره في مدينة الكُوفة، وتم استخدامه في الكتابة اليومية، وكذلك في كتابة المصاحف بشكلٍ خاص.

وَمِنَ المَعلومِ أنَّ جميعَ المصاحف الَّتي تم نسخها قبل القرنِ الرَّابع الهجريِّ، كانت قد كُتبت بالخَط الكُوفيِّ، ولقد برَعَ خطاطو مدينةِ الكُوفة في استعماله وأتقنوا أحكامه. كما انتشر هذا الخط من مدينة الكوفة إلى بقية المدن العراقية، وبمرور الزمن تم استخدام الخط الكوفي في المجال المعماري، وتحديداً في عمليات النَّقش والزخرفة على جدران المساجد، ثم بعد ذلك في القصور والمنازل وتحول إلى أبرز عناصر الزخرفة في العمارة الإسلامية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها