لأنكِ دجلة وأنا الفرات.. قصة قصيرة

بسام الطعان

 لأنكِ دجلة وأنا الفرات ستأخذنا التضاريس إلى التلاقي؛ ولأنكِ المتميزة بين مثيلاتكِ، ما زلتُ أبحثُ عنكِ في مخيّلتي وأحلامي، وقد لا تدرين أن الفرح بكِ كبير، وأنكِ أنشودة أيامي.
لكِ نقاء الملاك وجماله، وفي وجهكِ براءة طفلة وليدة، فكيف لا أحن إليكِ وأنتِ دافئة العواطف وزمرة دمكِ عنب إيجابي، وما زلتُ أتذكر حين كنتِ تسرين الهوينا على ضفة النهر، في تلك اللحظة تأكدت من أن موطنكِ ليس إلا القمر، وقد جاء بكِ نيزك وأنا شكرتُ القدر؛ لأنكِ جئتِ مثل الندى مثل أغاني المطر، حينها رأيتُ الجمال يرتسم أمام عينيَّ، فارتسمت أمامي قصائد من غيم بنفسجي.
يخيّل إليَّ أنكِ خُلقتِ في ليلة مليئة بالنداوة، ولا تسأليني لمَ أحببتكِ، أحببتكِ لأنكِ قمر سينثر الحنان يوم تلاقينا، وما زلتُ أتذكر حين رأتكِ الأسماك قمراً يعانق النهر، حينها رقصت من شدة فرحها فوق الماء وغنى لكِ الصفصاف.
منذ أن منحتيني ابتسامة في لحظة وداع، والبلاد لم تعد كالبلاد وأنا ناء لا ينام، أتدرين يا أريج الزنابق، منذ أن صافحتُ دفء كفيكِ، لا تغادرني الفراشات ولا يفارقني الربيع.
قولي لي أيتها الأقمار متى ستزينين خصر الدجى بالبروق، وها أنذا أسألكِ من خلف أسوار اللوعة والحنين، متى ستعطرّيني بأهازيج الدفء، تدثريني برموش عينيكِ، تعزفي حنانكِ في دمي، كي أبوح لكِ بأسرار عشقي ولهفة حنيني، وأنقشكِ قبلة فوق وجنة الروح.
كلما يأتي الليل، يخيّل إليَّ أنني سمع همساتكِ الشبيهة بهديل الحمام فأطير عالياً حتى أعانق نجمة الصباح، وأظل أهمس: "سلاماً يا أسمى من سمو السماء، هل أنتِ صفاء السواقي أم نسيم الصباح أم حكايات المساء، تعالي وامنحيني خيرات كفيكِ، فأنتِ المحبة والغيمة والمطر، تعالي نختبئ في ثنايا الروح وفوق موجات الدفء نغيب في وهج العناق". وحين لا أسمع منكِ صوتاً، أعاتبكِ ألف مرة وبعدها أمنحكِ ألف ألف حض وحضن.
آه لو تدرين كم أشتاقكِ، وكم أحلم بإغفاءة فوق أرخبيلات عينيكِ.
آه لو ينفيني الزمان إليكِ، وهناك أمنحكِ دفء الأصابع وأنتِ تمنحينني حديث العيون.
أمتلكُ قلباً بحجم الكون، ولكنه لا يتسع إلا لكِ وأنا أرسم صورتكِ مرة على بياض الورق، ومرة فوق وميض القمر، ومرة فوق تلألؤات النجوم، وفي كل مرة أظل محتفظاً بكِ في ثنايا الروح، والآن لهفي إليكِ أنقى من ثلج السفوح ولو جئتِ يا روح الروح سنكون أنتِ وأنا أغنية البلاد.
أراكِ سرباً من الضوء يغمر المدى ووجهكِ الشفيف كمآقي الزهور يمتلئ بالصور المباركة، فأرسمكِ فوق شرفة الليل، فيغار منكِ القمر، ولكنه يكتبكِ أغنية، وتمنحكِ النجوم وسام الكمال، وها هي ابتسامتكِ تنبعث أمامي مثل توهجات أزهار الكرز، فتسقسق في روحي سواقي وجد، وفجأة تصدح مواويلي، أحلّق مع غمائم الأفق وأبعثر تعبي نثاراً للريح.
يا قمراً يبوح بأنغام الأغاني ولا يفارق وميضه الروح، يربطني بكِ ألف وريد ووريد، أحبكِ بحجم هذي المسافات، كما تحب النوارس شواطئ البحار، ومهما أخذكِ الغياب دائماً أنجذب إليكِ، وأنا لي صبر أيوب ولا أمّل من انتظار المطر، وسأخبركِ بسر، تم الحب منذ زمن وبقي التلاقي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها