مطروح.. جمال الطبيعة وسحر المكان

أحمد اللاوندي



مؤخراً؛ قضيتُ خمسة أيام بمدينة مطروح؛ وهي مدينة مصرية معروفة تقع على بعد 240كم غرب الإسكندرية، و222كم شرق السلوم، ويقترب عدد سكانها من نصف مليون نسمة. إنها بالفعل مدينة الشواطئ والتميز والإبداع، ولها سحرها الخاص وجمالها المتفرد الذي لا يشبه أي مدينة أخرى، الناس هناك يُرحِّبون بضيوفهم، وهم غاية في الطيبة والإنسانية، وزيهم التقليدي هو الجلباب الأبيض الضيق بعض الشيء.


تتصف المدينة بعلو مبانيها، وارتفاع طوابقها، أما في الريف والمناطق النائية الصحراوية؛ فتتكون البيوت من طابق واحد فقط، نظراً لتوافر المساحات الخالية، فلا توجد أزمة في الحصول على قطعة أرض فضاء من أجل البناء عليها.

بمنطقة (البوسيت)، وهي تعد من أهم الأماكن الحيوية المطلة على شاطئ البحر مباشرة؛ تتجاور الفنادق الفاخرة بشرفاتها القصيرة المميزة، ويقع (مسجد العوام) بطرازه المعماري الفريد، وهو أشهر مساجد المدينة وأقدمها على الإطلاق، حيث بُني في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. بداخل المسجد من الناحية اليمنى؛ يوجد ضريح مدفون فيه شخص، وقد أطلق عليه أهالي المدينة اسم (العوام)، وقال لي أحد الرجال هناك إنه كان من الأولياء والصالحين وصاحب كرامات. المسجد؛ شهد زيارات متكررة لرؤساء دول، ووزراء، وعلماء، وأدباء، وشعراء، ومثقفين، وباحثين، وشخصيات فنية ورياضية، من مصر وخارجها.

تشتهر مدينة مطروح بزراعة البطيخ، والتين الشوكي، والتين الصحراوي الذي يعتمد عليه معظم السكان في توفير مصدر دخل لهم ولأسرهم، بالإضافة إلى الزيتون؛ ويستخدم في التخليل وصناعة زيت الزيتون، وله قيمة غذائية عالية.

بالمدينة شواطئ كثيرة، رمالها بيضاء وناعمة، منها: (شاطئ الغرام)، ويمتاز بإطلالات خلابة وبطبيعة ساحرة، وهو من أكبر شواطئ المدينة من حيث المساحة، وقد تغنت به الفنانة ليلى مراد، مما أكسبه شهرة عن باقي الشواطئ الأخرى. و(شاطئ الأُبَيِّض)، الذي له خصوصية شديدة بسبب التصميمات الرائعة لكبائن الخُوص فيه. أيضاً؛ (شاطئ عجيبة)، ويسمى بـ"لؤلؤة البحر"، ويقصده السائحون خصِّيصاً؛ لأنه يقع أمام صخرة عملاقة يسير في ظلالها الأشخاص، مستمتعين بالتقاط الصور ورؤية الأمواج الهادئة، والمختلفة عن كل شواطئ العالم، كما تتناثر بعض الصخور على رمال هذا الشاطئ، في منظر بديع، فتبدو وكأنها تابلوهات فنية طبيعية، راحت تنحتها الأمواج والأمطار لسنوات لكي تزيد المكان سحراً ورونقاً وانسجاماً.

وعلى شاطئ (كليوباترا) الذي يوجد على بعد 14 كيلو متراً بالسيارة شمال غرب مرسى مطروح؛ يكتسي البحر بلون فيروزي مميز، حيث يقع حمام كليوباترا، وهو عبارة عن صخرة في البحر على بعد 50 متراً من الشاطئ، إنه حمام سباحة طبيعي، وكان هو مكان استجمام لكليوباترا ومارك أنطونيو. ويوجد ممشى زجاجي إلى داخل الحمام؛ حتى يستمتع الزوار بجمال المَعلم الأثري. إنني رأيت خلال تلك الزيارة؛ شكل المياه الرائع وهو يدخل من فتحة ويخرج من أخرى مقابلة لها في البحر.

شواطئ أخرى هناك، لا تقل تميزاً وجمالاً وأصالة عن الشواطئ السابق ذكرها، ومنها: (النخيل)، (الفيروز)، (الليدو)، (الأوركيد)، و(روميل).

كورنيش مدينة مطروح لوحة غاية في الجمال والإدهاش؛ إذ يبهر كل من يراه. ففي مواجهة فندق ديلمار مباشرة رأيت معارض الشباب للحرف اليدوية والتراثية، وتلك المعارض عبارة عن غرف من القماش المائل إلى البياض، وهي ثابتة طوال فصل الصيف، وفيها حقائب مشغولة من الخيط والخرز. شاهدت المفارش التي توضع على المناضد بأشكالها وألوانها المتعددة، وثمة تحف، وأنتيكات، وشموع، وإكسسوارات، وعطور تمتلئ بها رفوف تلك الغرف. وأعجبني جدّاً التنظيم الجيد والعرض المبهر لهذه المعروضات. إنها مرصوصة ومعلقة بطريقة جميلة، وجذابة، ومُزيَّنة للناظرين.


Mersa Matruh ©Wikipedia

كذلك؛ على الكورنيش، لمحت معرضاً لبيع الملح الصخري، وأخبرني صاحبه أنه يعالج الطاقة السلبية للإنسان، ويساعد على عملية الهضم، ويُحسِّن الدورة الدموية، ويعمل على استقرار ضغط الدم، وفقد الوزن، وتعزيز وظائف الجهاز التنفسي، وعلاج تشنج العضلات، وتقشير خلايا الجلد الميت، ويطهِّر البشرة، ويمنع ظهور الحبوب بها، مما يجعلها أكثر نضارة وتتنفس بسهولة.

كما رأيت هناك لعب الأطفال، وأماكن تأجير دراجاتهم وسياراتهم، والشيء الجميل أن أسعارها مناسبة للجميع.

بطول الكورنيش؛ يتجول الفنانون التشكيليون، والرسامون، والمصورون، وبائعو العوامات وحمص الشام والفيشار والترمس والشاي والحلويات والبطاطا والذرة المشوي والتين الشوكي والبالونات وغزل البنات وغير ذلك.


شارع الإسكندرية؛ هو أشهر الشوارع في مطروح، ويعتبر الشارع الرئيس للمدينة، فعرضه يقارب الـ 20 متراً، وترجع تسميته بهذا الاسم بسبب توافر عدد من المنتجات والملابس من مدينة الإسكندرية فيه، وعن طريقه يمكن الوصول إلى كافة الشواطئ، فضلاً عن وجود المحال التجارية والمعارض التجارية السورية والمصرية، وتباع فيه بضائع المنطقة الحرة والمستوردة والمحلية، وهو مقصد دائم للوافدين والمصطافين. وبالقرب من شارع الإسكندرية هناك السيرك، والذي يقدم استعراضات لنجوم السيرك القومي والسيرك العالمي.

العديد من المناطق الأثرية بمطروح، من بينها: معبد رمسيس الثاني، ومتحف الآثار، ومدينة يوليوس قيصر الغارقة، وقصر كليوباترا السابعة الغارق، وآثار الترسانة البحرية للبطالمة الكائنة غرب الميناء الحديث، والكنيسة القبطية المنشأة في أول العهد القبطي، وبها عدة مغارات ذات نقوش.

في مطروح، شاهدت (الطَّفطف)، وهو وسيلة انتقال ترفيهية على الكورنيش، يزيد من بهجة الحضور والتنزه والاستمتاع بالمصيف، وتبدأ رحلته من ميدان الشراع خلف مبنى المحافظة، وتنتهي عند ميدان المشير أحمد بدوي، ولقد سمعت حين صعدتُ فيه؛ غناء جماعياً للشباب والأُسر، مما جعل الرحلة مبهجة وسعيدة. يتكون (الطَّفطف) من جرار يقطر خلفه أربع عربات مكشوفة الجوانب، ليتمكن الركاب من مشاهدة البحر، ومتابعة حركة الناس، والأماكن على الجانبين، وتنطلق رحلاته يومياً قبل غروب الشمس، وتمتد حتى الفجر وسط إقبال كبير من المصطافين، والأهالي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها