الكتابة العبثية

حسن جمعة الرئيسي


القلم كأي سلاح يمكن استخدامه للدفاع عن الحق والخير أو استخدامه للباطل، وأداة عبثية للتحريف والتزوير والافتراء، ويكاد لا يخلو فن من فنون الكتابة من العبثية، ولا نقصد بالعبثية تلك الكتابات التي يكتبها مَن مستواهم الكتابي ضعيف، ولا يجيدون استخدام أدوات الذكاء الكتابي، وتكون كتاباتهم كشخبطة الأطفال الذين يعبثون بالقلم والورقة.
 

ولا يمكن الاتفاق على تصنيف الكتابات العبثية لاختلاف الرؤى والثقافات، فالبعض قد يبرر لمؤلف الرواية عندما يتأزم في مرحلة من مراحلها أن يعبث بروايته، ليبقى بطل روايته النزيه الحكيم الشجاع مستمراً في دوره المثالي، ويتم تقييم كاتب الرواية على مقدار العبث الذي أحدثه ليبقى البطل مستمراً في أداء دوره في الرواية بعد أن أشارت كل المعطيات لهلاكه، أو فقده لمقومات البطولة قبل أن تنتهي فصول الرواية.

وإذا دقّقنا في الكتابات العبثية؛ فإنها تطال كل شيء فمن يسوق لنفسه لتحقيق مصالحه الخاصة يعبث بكتابة سيرته الذاتية، بحيث يوهم قارئها بإن جميع الصفات المطلوبة للحصول على امتيازات وظيفية، أو اجتماعية، أو أدبية تتوفر فيه رغم أن الحقيقة ليست كذلك، والكتابات العبثية قد تصيب أقدس الكتابات كالأحكام القضائية التي هي ترجمة للعدالة، عندما يصيغها قاض لم يعط ملف القضية حقّهُ من القراءة الكافية، فيحكم حكماً مخالفاً لحقائق ومستندات القضية، أو تنتابه لحظات ضعف فيعمد أن يعبث في الحكم فيكتب حكماً عبثياً.

ومن الكتابات العبثية أن يتمكّن كاتب قديم من أن يعبث بتفكير وقناعات الكثيرين ومنهم الكاتب العبثي الجديد، وبهذا تكون كتابات هذا النوع من الكُتّاب العبثيين ما هي إلا ترويجاً وامتداداً لكتابات عبثية سابقة، وبعض هؤلاء الكتاب يكتشف بأنه كان ضحية لكاتب عبثي أثبتت الأيام والشواهد والتطورات العلمية كذب افتراءاته، أو آرائه أو استنباطاته، ورغم ذلك يستمر في كتاباته العبثية؛ لأنه يرى بأن التخلي عن الاستمرار في كتاباته العبثية سيغلق عليه مصدر دخل مادي، وسيفقد بريقه ويُقلّل من عدد المُطبّلين له.

ومن الكتابات العبثية خلط السم بالعسل وليس دسه؛ لأن الشخص أحيانًا يقرأ مقالة أو كتاباً أو قصيدة، أو تحليلاً إخبارياً أو تقريراً إعلامياً، أو أي شيء يُقْرَأ ويرى أن كاتبها عبث بعسل الحقيقة، وأضاف له سم مكتوب بوضوح، فيكون القارئ المنصف في حيرة من أمره عندما يريد أن يكون أميناً في نقله أو اقتباسه؛ لأن أية تجزئة أو بترٍ للكتابة العبثية سيشوّهُ الحقيقة، ذلك أن الكاتب العبثي سخّر ذكاءه الكتابي لاصطياد من يعانون من الغباء القرائي.

ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الكتابات العبثية جزءاً لا يتجزّأ لمن يريدون أن يمرروا أجندات مختلفة، وذلك لسهولة عملية القص واللصق، وكذلك لوجود فئات على وسائل التواصل الاجتماعي تتطوع وتتبرع من تلقاء نفسها، وتكبس على زر إرسال أية رسالة ترد لها، دون أن يكون لديها ثقافة (رُبّ زر قال لصاحبه دعني).
 


 

قولٌ على قول

كتب/ المحرر الثقافي

ممّا لا جدال فيه أنّ -العبث- بالمعنى الواسع للكلمة ليس إلا شكلاً من أشكال المخاتلة التي تدّعي صلتها بالحقيقة، وهي أبعد ما تكون عن ذلك.. ويتخذ العبث أشكالاً مختلفة، ويتوازى مع أنماط تعبيرية متباينة، لكنّ القاسم المشترك الأعلى في أنواع العبث الكتابي، أو التعبيري يكمن في صلته البارزة بالمخاتلة. ونحن بهذا التوصيف نقترب من معنى المخاتلة باعتباره -إبداعاً- من نوع خاص.. فكما يكون اللّصُ المحترف قادراً على إثارة النّقعِ أثناء سيره في دروب الضلالة.. وهكذا هو العابث المخاتل، يستطيع التخفي وراء غلالات الأوهام واللّا معنى، مُدّعياً أنه المجدد الحداثي الرائي لما وراء الآكام والهضاب.  

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها