الأديبة مريم جمعة فرج

سفيرة الإبداع الثقافي نحو عوالم متجددة

سريعة سليم حديد

حين تكون المرأة في زاوية مشرقة فلا بدَّ لنا من الاهتمام بها والاعتراف بما قدَّمته للإنسانية جراء جهودها المتواصلة التي بذلتها، وكان هدفها بناء الإنسان فكرياً وروحياً مستخدمة نبض قلم سيال. وقد أصرت على نفسها بلوغ كل ما تصبو إليه من نجاح وألق.
 

الأديبة مريم جمعة فرج "أيقونة القصة الإماراتية" كما يطلق عليها، فلم تأت التسمية عن عبث بل جاءت نتيجة إثبات وجود مميَّز على الساحة المحلية خاصة والعربية عامة.

خصَّتها مبادرة رواق الأدب والكتاب في "أبو ظبي" بهذا الكتاب الذي بعنوان: "مريم جمعة فرج أيقونة القصة الإماراتية"، "وذلك بقصد دعم الكتَّاب والمؤلفين المبدعين، ودفع عجلة النشر مع الاحتفاء بالإبداع وتكريم التميز الثقافي. وجاء هذا ضمن جهود تطوعية مشتركة ما بين كتَّاب وأدباء الإمارات، ودور النشر الإماراتية من أجل تعزيز الإبداع العربي في الإمارات.

الكتاب من إعداد مجموعة من المؤلفين، برعاية "هدى إبراهيم الخميس"، مؤسس مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون.
تضمنت مقدِّمة الكتاب كلمة مختصرة عن دار نبطي للنشر، جاءت إشارة توضيحية لأهمية الإبداع في الإمارات. وعلى الرغم من أن الأديبة مريم جمعة قد رحلت جسداً إلا أن أثرها الأدبي لا يمكن محوه على الإطلاق. وقد قُسِّم الكتاب إلى ثلاثة فصول هي:



◀ الفصل الأول: "قراءات في النص والسيرة".

وكانت أولى المشاركات للأديب الإماراتي "عبد الله محمد السبب". تحت عنوان: "مريم جمعة فرج: ماء القصة القصيرة وفيروزها".

تكلَّم "السبب" عن ولادة الراحلة "مريم"، فقد ولدت في دبي عام 1956 وقد خاضت شتى أنواع الأدب, فهي شاعرة ومترجمة وقاصة وإعلامية وباحثة. كما تنقلت في دول عربية عدة, ونالت الماجستير من جامعة "وست منستر" بلندن، وكان رحيلها عام 2019.

وقد عملت مع مجموعة من زملائها في تأسيس "اتحاد كتاب وأدباء الإمارات" في عام 1984، بموافقة وزارة تنمية المجتمع "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً".

وأسهمت في نشر مشروع سردي إماراتي من خلال الكتاب القصصي المشترك الذي بعنوان: (كلنا نحبُّ البحر)، وشاركت بقصة واحدة بعنوان: "عبار".

وأولى مجموعاتها القصصية بعنوان: "فيروز" تضمُّ ست عشرة حكاية، منها: فيروز, عبَّار, بدرية, جفول, درويش.. أما مجموعة "ماء" فتتألف من سبع قصص منها: أعداء في بيت واحد, ماء, ظهيرة, أحمد, الغافة.., وتوالت المقالات عنها. فالأديب الدكتور "يوسف حطيني" كتب مقالاً تحت عنوان: تجربة مريم جمعة فرج القصصية "فيروز" أنموذجاً.

فهي تعد واحدة من أهم الكاتبات في الإمارات اللواتي أسهمن في تطوير الأدب النسوي وخاصة في القصة القصيرة, من خلال ما قدَّمته في هذا المجال. فقد كانت مجموعتها القصصية "فيروز" الصادرة عن اتحاد كتاب الإمارات. أنموذجاً حياً لقصصها الاجتماعية التي حيكت بصياغة مميَّزة,, كونها تلامس قضايا المجتمع, وقد جاءت بأسلوب سردي متنوع.

المجموعة تتألف من ست عشرة قصة, منها: شنق, ضوء, ثقوب, صالح المبارك, شعور, من الزوايا المتواضعة, مسافة, القمقم, وجوه, وأشياء صغيرة, الريح.. كما كتب عنها الأستاذ أحمد عزيز الحسين مقالاً تحت عنوان: فيروز: آليات السرد وتشكيل الدلالة.

وكذلك خصَّها الدكتور حمد بن صراي بمقال عن كتابها "الحكاية الشعبية في دولة الإمارات: مقاربة بين المحلية والعالمية"، فتكلَّم عن الكتاب بكثير من الاهتمام, فهو من إصدار مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث بدبي عام 2015.

وفكرة الكتاب تدور حول تركيز الأديبة "مريم" على الحكايات الشعبية الشائعة محلياً، مع مقاربتها مع مثيلاتها على المستويين العربي والعالمي. مما يحقق فكرة التعارف والتواصل والتمازج الثقافي بين الشعوب وعبر الأجيال. وتوالت الدراسات حول كتاباتها عن مجموعة الماء والسرد العالي، وحول مسرحية القصة وشعرية السرد وصورة المرأة في القصة الإماراتية.

◀ الفصل الثاني من الكتاب تناول: "مقولات وقصاصات ومفردات رثاء ووفاء".

كتب عنها الدكتور "حسن مدن" مقالاً تحت عنوان: "حكايا مريم جمعة فرج"، نشر في صحيفة الخليج عدد أربعة ديسمبر 2019، فقد قرأ لها قصة بعنوان: "الظهيرة" فهي تمتاز بتكثيف العبارة, وفيها التقاط لافت للمشاهد المميَّزة, كذلك استخدمت القاصة المفردات المحليَّة باللهجة العامية, وعمدت إلى شرح الغريب منها في الهوامش, مما يسهِّل الفهم على القارئ غير المحلي. وقد استشهد بقولها في إحدى القصص نقتطف:
"وضعت جدَّتي يدها في صحيفة التمر وملأتها به وهرسته، "راقبي النخلة" قالت لي, قلت: لماذا؟ قالت: عندما تموت النخلة تعرف كل شيء" [ص: 83]. هذا المشهد يدلُّ على السعة الفكرية التي تمتلكها القاصة معتمدة على المفردات البسيطة ذات البعد الدلالي الكبير.

وحين بدأت الأديبة "مريم" تكتب في الصحافة, جاءت مقالاتها ممتزجة بروح الإبداع، وظهرت الثقافة الثرة والنظرة المستقبلية الواعية, نقتطف:
"وذات مقال لها, وقفتْ أمام الرأي المشهور المنسوب إلى "جورج لوكاش" حول كون الرواية ابنة المدينة, فكَّرت: لماذا لا تكون المدينة ابنة الرواية؟ قالت "مريم": "تمر بالروايات أمهات المدن من قاهرة نجيب محفوظ، ابنة رواياته, وبصرة محمد خضير ابنة رواياته وقصصه, ولندن تشارلز ديكنز ابنة أعماله الروائية.." [ص: 84].

وتوالت المقالات في الكتابة عن إبداعاتها, منها: القصة الإماراتية تفقد أيقونتها, وكذلك مريم جمعة تترك "فيروز" وحيدة. وقد كُتب عن رحيل مريم جمعة صوت القصة الإماراتية الندي.

◀  الفصل الثالث:  مقالات وحكايات.

تضمَّن عدداً من مقالات للأديبة الراحلة مريم جمعة منشورة في صحيفة البيان الإماراتية, وبعضها في صحيفة الخليج. منها على سبيل المثال: خبز وورد, هل تتراجع الثقافة؟ ومقال اقرأ فيلمك القادم, وزمن عهد التميمي, أضف إلى ذلك عناوين مشوِّقة تدل على مدى سعة أفق الأديبة "مريم" منها مثلاً: لا تضيِّع وقتك في تدريس الإبداع, والحكاية الشعبية سحر الافتتاحية, ودودة كتب ولو إلكترونية. كذلك نجد مقالاً يهتم بالدرجة الأولى بعالم الأطفال, وهو تحت عنوان: القصص المصورة مساحة للتفكير الإيجابي.

فقد تحدَّثت الأديبة عن الاحتفال العالمي للصحة النفسية, وكان تحت شعار: (الشباب والصحة النفسية في عالم يتغير). وعلى الرغم من الاهتمام بشريحة الشباب إلا أنه لم ينس التوجه إلى الأطفال الذين هم بحاجة إلى الرعاية النفسية الكاملة.

وقد جاء هذا الاهتمام عبر توجيه الأطفال نحو قراءة القصص الطفلية المصوَّرة، وأهميتها التي تتصدى لمشكلاتهم النفسية, فهو الأسلوب الأكثر أماناً الذي يساعدهم على اكتشاف مشكلاتهم عن طريق التواصل الذهني في المكان الذي لا يمكن للآخرين الوصول إليه. فقد خصص عدد من كتَّاب الأطفال إصداراتهم للقصص، وهي موجَّهة إلى الأعمار ما بين الثالثة والسابعة.

وقد تكلمت الأديبة عن مبادرة أحد الشباب الذي أكَّد على أهمية التعامل مع مشكلات الأطفال النفسية بدلا من تجاهلها، وضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطفل في إذا كان يعاني من القلق أو الخوف الشديدين.

من هنا جاءت أهمية قراءة القصص للطفل مساء قبل النوم؛ لأنها تعزِّز شخصيته, وتجعله قادراً على مواجهة مشاكله التي يرى نماذج منها في القصص التي يقرؤها, فتشده إليها, وبالتالي تدله على الطريق الصحيح.

ومما يوحي بالأخلاق العالية والطبيعة الإنسانية المتوازنة التي كانت تمتلكها الراحلة "مريم"، ما نقله إلينا الإعلامي "نادر مكانسي": "سألتُها ذات يوم: لماذا هذا الهدوء المفرط في شخصيتها"، فأجابتني "بأن الحياة لا تستحق الانفعال... كانت مريم كاتبة متميِّزة، تمتلك كتلة من المشاعر الإنسانية الراقية، تكتب القصة المحلية بسلاسة تنقل القارئ لمشاهد عديدة فيها وصف دقيق لملامح الشخصية" [ص: 96].

مما تقدَّم نخلص إلى أن الأديبة مريم جمعة فرج تستحق بجدارة أن يطلق عليها "أيقونة القصة الإماراتية"؛ لما تمتلكه من إبداع وتنوُّع في الأجناس الأدبية المختلفة. وما ذكر في الكتاب هو دليل قاطع على أهميتها، وضرورة البحث والمتابعة في رصد ما خفي عنها أيضاً.


 

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها