يخطو ببطء في العالم العربي..

أدب الديستوبيا المخيف

ضياء حامد

يعرف هذا النوع من الكتابة بوصفه (أدب المدينة الفاسدة)، الذي يتناول عالم الواقع المرير، ويتعاطى معه كمجتمع خيالي مخيف وغير مرغوب فيه، وتعني (الديستوبيا Dystopia) مجتمعا غير فاضل، تسوده الفوضى، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر، ومن أبرز ملامحه الخراب والقتل والقمع والفقر والمرض؛ فهو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته.. ومعنى الديستوبيا باللغة اليونانية: المكان الخبيث، وهى عكس المكان الفاضل (يوتوبيا).
 

قصص (الديستوبيا Dystopia) تتحدث عن المستقبل، وعلى عكس (اليوتوبيا Utopia) تقدم (الديستوبيا) تصوراً مظلماً سيفقد البشر فيه الكثير من حريتهم ومشاعرهم ومواردهم.. الديستوبيا تهدف لاستشراف المستقبل، لتحذيرنا من ظواهر قائمة بالفعل، قد يؤدى عدم اتخاذ موقف أخلاقى وعملي حيالها، إلى تحولها لتلتهم العالم بأكمله، وعادة ما يتم التفريق بين (الديستوبيا) وبين نوع آخر من أدب الخيال العلمي السوداوي، ألا وهو أدب (نهاية العالم)، الذي يختص بكارثة هائلة مثل الكوارث الطبيعية والبيولوجية، أو الحروب النووية، فالديستوبيا لا تصف نهاية العالم وإنما تصف نهاية الإنسانية.


بداية ظهور الديستوبيا

ظهرت الموجة الأولى من الديستوبيا إبّان الثورة الصناعية في أوروبا، مع رواية الأديب الإنجليزى جوزيف هول (العالم الآخر والعالم ذاته)، والتي نشرت عام 1607م، لكن موجة الكتابة الموسعة عن الديستوبيا بدأت مع الثورة الصناعية في أوروبا، وظهور طبقة العمال الذين يعيشون ويعملون في ظروف سيئة، وكانت البداية مع رواية (آلة الزمن) للكاتب هربرت جورج ويلز، ومن الأعمال الأخرى الشهيرة لهذه الفترة: رواية (باريس في القرن العشرين) لرائد الخيال العلمي الفرنسي جول فيرن، و(جمهورية المستقبل) لآنا باومان، و(العقب الحديدي) لجاك لندن، غير أن الموجة الأهم جاءت مع الحرب العالمية الأولى، وتلَتْها الثانية مع فقدان الأدباء الأمل في مستقبل البشرية، وصاحب هذا يأسٌ مماثلٌ في الفن والأدب والفلسفة، فظهرت النزعات الوجودية والعدمية، وكانت هذه المرحلة هي مرحلة ازدهار الكتابات الديستوبية، وفيها نشرت رواية (عالم جديد شجاع) عام 1932م، لألدوس هكسلي.

شهدت فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، صدور مجموعة من روايات الديستوبيا، التي صوّرت توجُّه بعض الدول نحو استغلال الرغبة في الالتزام بالمعتقدات التقليدية، من أجل محو الفردية، ومنها رواية (أرض تحت إنجلترا)، والتي كتبها جميس أونيل عام 1935م، كما تتبعت كاثرين بيردكين طريقة أونيل في تصوير عقلية الحشود في روايتها (ليلة الصليب المعقوف)، والتي كتبتها عام 1937م، وتركز على مفهوم النوع الاجتماعي، وتقدم الرواية الإمبراطورية الألمانية المقدسة في القرن السابع من عمرها، وتعرض الكاتِبة التلاقي بين الصوفية والوثنية، الذي يؤدي إلى إضفاء طابع ديني على القمع الكامل للنساء، واختزالهن في دور آلات للإنجاب.

كما كتب ألدوس هكسلي Aldous Huxley روايته (عالم جديد رائع) عام 1932م، مدفوعاً لنقده لروايات المدينة الفاضلة التي يكتبها ويلز، خاصة رواية (رجال كالآلهة)، والتي كتبها عام 1923م، إلى جانب التكهنات السائدة في تلك الفترة حول الهندسة الحيوية، فعندما زار هكسلي الولايات المتحدة الأمريكية عام 1926م، تأكد أن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية هو مستقبل العالم، وإلى حد كبير تطرح روايته التي كتبها عام 1932م، تصوراً لأمركة العالم.
ومع حلول عام 1958م، أصبح هكسلي مقيماً في الولايات المتحدة الأمريكية، واختار لدراسته حول الثقافة الأمريكية عنواناً يستدعي روايته الشهيرة، ألا وهو: (عالم جديد رائع من منظور جديد)، حيث يقدم صورةً قاتمةً توضح تحقُّق عدد من النماذج المطروحة عام 1932م، في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين.

كان هكسلي يستشعر وجود تمركُز هائل للسلطة، يهدّد الحرية الفردية، ومن هذا المنطلق حذر قائلاً: (لقد أدت التكنولوجيا الحديثة إلى تمركُز السلطة السياسية والاقتصادية)، وقد أعدَّ كتابه كي ينذر العامة من ممارسات تلك القوى الضخمة المتجردة، ويصرّ على أن تلك الاتجاهات ستصل إلى ذروتها في القرن اللاحق، وهو عصر (حكام العالم) الذي سيشهد التحقق النهائي لما تصوِّره رواية (عالم جديد رائع Brave New World).

وقدم هكسلي في كتابه الصادر عام 1958م، ملخّصاً لعدد من الخصائص الرئيسية التي تميز قصص المدينة الفاسدة في أدب الخيال العلمي الأمريكي، بعد الحرب العالمية الثانية، فعلى سبيل المثال يتناول هاري هاريسون في روايته (أفسح المجال)، والتي كتبها عام 1966م، أخطارَ الزيادة السكَّانية، حيث تظهر مدينة نيويورك عام 1999م، في صورة مدينة مزدحمة تعاني من عجزاً في الغذاء.

وتأتى رواية (في) = V for Vendetta  رمز الثأر، وهى رواية مصوَّرة ألفها الكاتب ألان مور Alan Moore، ونشرها في عام 1988م، وتعد من روائع الأدب الديستوبي، وقد تم تحويلها إلى فيلم أنتج في عام 2005م، تدور أحداثها في الفترة المستقبليّة القريبة لما بعد نهاية العالم في بريطانيا، حيث يسود الفسادُ بعد الحرب النووية التي أدت إلى دمار شامل في العالم، وقد تزامن ذلك مع ظهور حزب فاشيٍّ جديد، قام بإبادة معظم من يعارضه، ما بين قتل وتعذيب في السجون العسكرية، وفي الرواية بطل يدعى (في V)، يرتدي "قناع غاي فوكس"، حتى لا يتم التعرف عليه، وهو رجل ثوري يثير الشغب في البلاد ويتمرد على الحكم السائد، يعمل ما بوسعه لإنهاء العنف الذي يقع على المساجين، ويحاول إسقاط الحكومة وإقناع الشعب بالتمرد.

أما بالنسبة للكاتبات اللاتى تناولن أدب الديستوبيا، فقد تعرضت الكاتبة الكندية مارغريت أتوود Margaret Atwood للنساء واضطهادهنّ وانتهاك حقوقهنّ في رواية (قصة الخادمة The Handmaid's Tale)، التي تحكي عن مجتمع رجعي تحكمه سلطة حديدية، تقلّ فيه حقوق الإنسان، وتنعدم فيه حقوق المرأة، وقدمت الكاتبة الأمريكية الشهيرة لورين أوليفر Lauren Oliver رواية (هذيان Delirium)، وقدمت الكاتبة الأمريكية فيرونيكا روث Veronica Roth رواية (متمرد Divergent)، وأيضاً هناك سلسلة الروايات الأشهر للكاتبة الأمريكية سوزان كولنز Suzanne Collins بعنوان (لعبة الجوع The Hunger Games) ورواية (بيت العقرب The House of the Scorpion) للأمريكية نانسي فارمر Nancy Farmer.
 

الديستوبيا العربية

أدب الديستوبيا في الوطن العربي لايزال يخطو ببطء؛ إلا أن هناك بعض المحاولات لبعض الكتاب، أمثال الكاتب المصري أحمد خالد توفيق، والذي قدم رواية (في ممر الفئران)، وأيضاً كتب الكاتب الأردني إبراهيم نصر الله رواية (حرب الكلب الثانية)،  وتأتي رواية (عطارد) للكاتب المصرى محمد ربيع، وهي رواية تصور مستقبلاً قاتماً يشهده العالم العربي في عام 2025م، وقدم الروائي أحمد الزعتري الأردني روايته (الانحناء على جثة عمان)، وفيها يطرح الكاتب تصوراً كابوسيّاً لمستقبل مدينة عمان، فيما كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج رواية (2084.. حكاية العربي الأخير)، وفيها يقدم الأعرج تصوراً مخيفاً عن العالم العربي بعد 50 عاماً.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها