بين الخُرافة والأسطورة

حِكـايـاتٌ مـن الفن الشّعبيّ

سمير محمد غانم العزي

قديماً قالوا: إنّ الحاجة أم الاختراع؛ ذلك قول لا مراء فيه ولا خِلاف عليه. فهذه الحاجة دعت الإنسان الأول إلى أن يعمل فعمل ليعيش. ثم دعته إلى اتخاد وسائل لراحته فسعى إليها وتسلى بِها وقضى بعضاً من الوقت في مرح وسرور، ثم دعته حاجته إلى أن يقيم التّجارِب والاختبارات على وسائل حياته الأخرى وما أحاط بحياته ومجتمعه، فكانت المعتقدات وكانت العادات والتقاليد التي سيّر بِها نظام حياته، وبذلك تمكن من تطوير عمله باستمرار. وفي ختام مراحله التطبيقية في العمل وأوقات الراحة دعته الحاجة إلى أن يفسر الأشياء والأمور من حوله، ففكر ودبّر وواصل وعيه في تطور مستمر. وقد كان من ثمار هذا النتاج الفكري أن أصدر الأمثال والحكم وسارت على ألسن الناس، وتداولتها الأجيال اللاحقة حتى وصلت إلينا بكل سماتها ومضامينها.

لقد استطاع الإنسان القديم التعبير عما أراد باللفظ الموجز والكلمة الدالة، وليس فقط بمجرد الأحاسيس الناتجة عن الانفعالات والانعكاسات الطبيعية، ولكن بالكلمة والمثال. فكانت الحكايات التي تحدث عنها بفهم ودراية وشرح فيها ما كان يراه ويشاهده خلال مغامراته في عمله ولقاءاته بالحيوانات والوحوش، وفي معتقداته وتخوفه من ظواهر الطبيعة ومظاهر من وضعهم آلهة له يعبدها فيتجنب أخطارها ويتلمس منها العون ضد من يخيفه في مجالات عمله الأخرى. وكل هذه المشاهد كان يفسرها ويشرحها في أوقات فراغه مع سائر أفراد أسرته أو جماعته، فكان يحكي لهم عما كان يعانيه في تلك المغامرات. فحكاياته العريقة تلك كانت تصدر عنه للآخرين من أفراد جماعته ومن ثم تنتقل منهم إلى آخرين بحرية الانتقال وحلاوة المسامرة، بحيث كانوا يضيفون إليها من عندياتهم أو يحذفون منها ما لا يرغبون فيه، وبذلك اتسمت تلك الحكايات العريقة بالمرونة القابلة للزيادة والنقصان والتداول السريع.

وأول ما كان يحكيه الإنسان من ثمار نتاجاته الفكرية كان خلاصة معتقداته مما كان يخيفه أو يتهيب منه ويختار منه رمزاً يجعل منه آلهة للتقرب أكثر من التخوف. فكان نتاجه الفكري ذاك مفسراً لأفعال الآلهة أو معظماً لتهويلات للظواهر الطبيعية، وخالقاً من الحيوانات الشرسة والمفترسة صوراً أعظم منه امتزجت بصور الجن وأفعال الشياطين، وبذلك نشأت "الأساطير Myths" و"الخوارق Legends"، ومنها: أساطير الصينيين أمثال (فوهسي Fu Hsi و شينونج Shénnóng وهوانج تيHuang Ti )، وهؤلاء حكماء وحكام قدموا قرابينهم في جيل (تاي شان Taishan)، الذي عاش في ظله البطل (كونفوشيوس Confucius) كما جاء في دائرة المعارف البريطانية، ومنها: أساطير الهنود المذكورة في (المهابهاراتا –Mahabharata) أو (رامايانا Ramayana)، وهي ملحمة الهند العظمى وتحوي أكثر من مائة ألف منظومة شعرية (أي أطول من 'الأِلياذة والأُوديسة' اليونانيين مجتمعين بعشر مرات).
وكل هذه الأساطير تعود إلى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد. ومن الأساطير الثور الفردوسي الذي تمثله الأسطورة القديمة حاملاً العالم على أحد قرنيه، وكذلك الحوت الذي تصفه بأنه مستقر على الماء لا يتحرك. والأمثلة كثيرة وردت متفرقة في الكتاب المقدس وأوردها ابن إياس في كتابه بعنوان: (بدائع الزهور)، وكذا المسعودي في كتابه (مروج الذهب).

ولما انتهى من الإنسان القديم خوفه من الآلهة وعرف أنها تنفعه ولا تضره، ولما انتهى أيضاً تخوفه من شراسة الحيوانات المفترسة وأصبح بإمكانه هو نفسه افتراسها بالوسائل التي فكر فيها ثم اخترعها، لم يعد يلجأ إلى التعبير عن تلك المخاوف، وبذلك انتهت مرحلة الأساطير والخوارق. ولكن النتاج الفكري للإنسان القديم ظل مستمراً وتواصل تفكيره وتحول إلى الأشياء والحيوانات التي ألفها ولم يعد يتخوفها. فلجأ إلى أن يحاكيها في أقواله حين سمراته، فكان يسلي نفسه وأصحابه بالحكايات عن تلك الأشياء والحيوانات، وهذا ماجعلهُ يرفه عن نفسه فيعوضها عما كان يعانيه في عمله الجاد وينير الطريق لنفسه، في نفس الوقت، للتفكير المتواصل لحياة أفضل وأكثر رفاهية مما مضى.

فالأسطورة والخارقة كانتا في الحقيقة مظهراً من مظاهر خوف الإنسان. فهما صورتان من صور الخوف والفزع والضراعة والابتهال التي كان الإنسان القديم يلجأ إليها في غمار حياته اليومية. ولما زالت تلك المرحلة من الإنسان بحكم تطور حياته عما سبق، وبحكم تعرفه على واقعه نتيجة تفسيره للأشياء والأمور لجأ إلى الحكايات (Tales)، وتوقف نهائياً عن خلق المزيد من الأساطير والخوارق التي ظلت الأجيال المتعاقبة تتوارثها للترفيه والتسلية والتفكير في تلك الحياة القديمة والتمعن في تجنب الوقوع في أهوالها. وما تجددت بعد تلك المرحلة القديمة من أساطير حتى يومنا هذا في بعض المجتمعات، حتى المتحضرة منها، فإنما تقع على غرار الأساطير العتيقة ناتجة عن خوف الإنسان أمام الظواهر التي تسبب ذلك الخوف وتلك الأساطير. وما دامت هذه الظواهر المسببة للخوف مع تشكيل الأشكال والأنماط والنماذج موجودة، فلا بد أن يلجأ الإنسان إلى ما يُعبر بِه عن هذه المخاوف والأساطير الحديثة التي جاءت على شكل المخترعات الهدامة من نوويات وكيماويات وغيرها، فعبر عنها المبدعون بأسلوب الأسطورة المتطورة مزيجاً بالرمز والرومانسية والواقعية.

إنّ الحكايات التي لجأ إليها الإنسان قديماً ليبدل بِها أساطير الخوف والفزع كان الدافع لها أساساً التعرف على الأشياء والأمور المحيطة بالإنسان، ثم الترفيه والتسلية لقضاء أوقات فراغه، ثم التفكر بنتائجها لمستقبل أفضل وحياة أكثر سعادة. فالحكايات التي جاءت نتيجة زيادة وعي الإنسان القديم وتطور فكره، ولم يعد يخاف من الأشياء والأمور كما كان يعكسها في الأساطير والخوارق والحكايات كانت مرآة عاكسة لحياة الإنسان القديم الأكثر اطمئناناً، خلافاً لغيرها. هذه الحكايات، وهي المرآة الجديدة، كان الإنسان القديم يستهدف منها الترفيه والتسلية، وكانت تعينه على التفكير وتفسير الأشياء والأمور من حوله، ومن ثم التعرف عليها. فكانت عاملاً في زيادة معارفه وتثبيت قيمه الإنسانية وعلاقاته بمن حوله وما حوله، وسارت تلك الحكايات سير الزمن بتداولها عبر الأجيال وعرفت بالحكايات الشعبية التي يرنو الإنسان في كل العصور في مختلف المجتمعات إلى سماعها والتمتع بها.

ومن الحكايات الشعبية المعروفة قديماً كانت حكايات الجن (Fairy tales)، وحكايات الحيوانات (Animal tales)، التي عرفتها لنا آداب الهندوكيين والعبريين في التوراة والعرب واليونانيين. فكانت حكايات (كلية ودمنة) التي نقلها لنا ابن المقفع وأصلها من الأدب السنسكريتي (وهي لغة الهندوكيين القديمة). وكذلك كانت حكايات إيسوب الأغريغية وغيرها كثير. وكان منها حكايات السحرة (Fables) ويعود منشؤها إلى المصريين، ومنها حكاية (سنوحي والبحار الغريق وغيرهما). كما كانت للعرب، وفي مقدمتهم اليمنيين، حكاية كانت تجري حوادثها في البحر والبر على سواء كما ذكر ذلك الدكتور شوقي ضيف في كتابه (عجائب وأساطير).

فالحكايات بمعناها الإخباري كان العرب يرددونها منذ عهد بعيد في الأسمار وهم يتحدثون عن بطولات الأسبقين وملامحهم وسيرهم، ولم يكن ذلك التعبير خوفاً من البطولات، بل كان تعبيراً عن إعجابهم بها واتخاذها سبيلاً للحركة والنشاط عن طريق التقليد والعمل بالمثل. وكان هناك الإخباريون وهم كثيرون حتى صاروا جماعة كبيرة لها فروع ونظم ومصنفات عديدة. وعرف السمّار الذين كان الناس يتجمعون حولهم في العصر الجاهلي يتباهون بأخبار البطولات. وفي فجر الإسلام كان الناس يتجمعون حول أولئك في المساجد وخارجها.
وقد استعان سيدنا محمد ﷺ بالقاص تميم الداري وكان أول قاص في مسجد النبي بمكة يروي تلك الحكايات والبطولات للناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يحب الاستماع إليه، ولذلك رأى عليه الصلاة والسلام أن الحكايات تلك والقصص كان لها تأثير على المستمع. كما اشتهر مع تميم الداري القاص مسلم بن جندب الهذلي في مسجد النبي بالمدينة، وجعفر بن الحسن كأول من قص في مسجد البصرة، وكذلك كان في كل مدينة إسلامية قصاص لهم مكانتهم ومنزلتهم يرددون الحكايات والقصص شفاها على الناس. وكان أول من قص من الصحابة هو الأسود بن سريع، وأول من قص من التابعين بمكة هو عبيد بن عمير الليثي وقد أمرته عائشة أم المؤمنين ولم تنكر عليه. وكانت أول امرأة قصت في الإسلام هي أم الحسن البصري، وكان حسن البصري آخر كبار القصاص من التابعين.

كان لجوء الناس للاستماع إلى الحكايات تبعاً للاعتبارات التالية:
1. معرفة أحوال من سبق من البشر وأساطيرهم وبطولاتهم وملاحمهم.
2. التأثر بحكايات وقصص وسير الأنبياء والمرسلين، وربطها بما ورد في الكتب السماوية وخاصة التوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
3. المتعة والتسلية وهم يستمعون لذلك داخل المساجد أو خارجها.
4. التأثر ببطولات السابقين والقيام ببطولات مشابهة، والعمل على الانتصار في أية معركة يقومون بها أو يطلبون إليها.

ومنذ القرن الأول الهجري ارتفعت مكانة القصاص الذين كانوا يروون الحكايات للناس، واستعان بهم الحكام والقادة. فاستعان الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بالقاص اليمني عبيد بن شريه الجرهمي وجعله من جلسائه الدائمين، وكان يجلس إليه للاستماع إلى حكاياته متى انتهى من صلاة الفجر. وكان القادة (يقدمون القصاص في بعض الحروب للمحاربين ليعرفوا أخبار الشهداء وفضائلهم وما وعدوا به في الجنة؛ وليحمسوهم بذلك قبل مباشرة القتال حتى لا تحجزهم رهبة ولا يملكهم فزع ولا ترد وجوههم آمال الحياة، وهو وجه في الحيطة وحسن النظر والتدبير). ومن أشهر القادة المسلمين في أول العصر العباسي الذي استعان دواماً بالقصاص هو أبو مسلم الخرساني، وكان قاصه المعروف والملازم له هو القاسم بن مجاشع التميمي.

ولقد كان لليمن حظ كبير في المساهمة بهذا النتاج الفكري للإنسان وخاصة في مجال الحكايات الشعبية، وأكثرها شملت عجائب وغرائب البحار ورددتها الأجيال وما زالت ترددها حتى اليوم. وبعضها دون في كتب حفظت لنا منها كتاب (التيجان في ملوك حمير) لوهب بن منبه الصنعاني، ولد بمدينة ذمار قرب صنعاء وكان من كبار التابعين وتوفي عام 104ه بصنعاء. وكتاب (أخبار الملوك) لعبيد بن شريه الجرهمي الصنعاني، واشتهر كقاص البلاط الخليفي أي بلاط الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان.

لقد كانت للحكايات الشعبية أهمية كبرى ومكانة عظمى في مجال تراثنا الشعبي من حيث إنها كانت تصف لنا حياة الإنسان والمجتمعات البشرية في وقتها. فقيمتها الأدبية في زمانها ومكانها كانت عظيمة ولا يمكن مقارنتها بلغة اليوم، فمنها نفهم كثيراً من جوانب حياة الإنسان وما أحاط به، معروفة أو مجهولة، بأسلوب إما شعري أو نثري طوره الرواة بما عرف فيما بعد بأسلوب المقامات التي شرع بها بديع الزمان الهمذاني والحريري. وفي القرن التاسع عشر الميلادي تطورت هذه الحكايات الشعبية والمقامات إلى القصة الحديثة التي اتخذت أساليبها من الغرب. وعلى الرغم من ذلك بقيت الحكايات الشعبية متوارثة ولها لذتها وأهميتها لدى دراسي العلوم الإنسانية.

لقد كان للإنسان اليمني منذ القديم نصيب وافر من هذه الأساطير والخوارق والحكايات الشعبية، رواها لنا البحارة اليمنيون الذين كانوا يمخرون عباب البحر ينقلون البضائع ويجابهون المتاعب والموت. كما رواها لنا التجار اليمنيون وهم ينقلون البضائع براً عبر قوافل الجمال ويقطعون بها الصحارى الشاسعة والفيافي ويجابهون الجن والوحوش في تلك القفار البعيدة منذ الممالك العريقة في الجنوب العربي وماقبل الإسلام بآلاف السنين. وكان إرثنا الثقافي من نتاجات فكر الإنسان اليمني القديم أساطير مذهلة وخوارق محيرة وحكايات شعبية جذابة سحرت ألبابنا ونحن نستمع لها ترددها لنا الألسن من مكان إلى آخر من أجزاء بلدنا الكبير. وفي عصرنا الحالي سجل لنا تلك الأساطير والخوارق والحكايات الكتاب المحدثون بأسلوب مشوق، أمثال: الأديب علي محمد عبده في كتابه المعروف (حكايات وأساطير يمنية)، والأديب المرحوم محمد أحمد شهاب في كتابه (حكايات شعبية)، والأستاذ حمزة علي لقمان وغيرهم.

واشتهرت جداتنا وعرف شيوخنا برواية هذه الحكايات الشعبية للأطفال باستمرار، وهم بذلك يوصلون الماضي بالحاضر ويرفهون عن أنفسهم كثيراً ويتسلون بترديد تلك الروايات من الحكايات الشعبية التي يحفظونها. ثم إنهم يعلمونها الأطفال الصغار الذين يرغبون في دوام الاستماع إلى تلك الحكايات الشعبية، التي يكون الرواة قد حققوا من ورائها أهدافاً نفسية وتربوية واجتماعية وأخلاقية.

والحكاية الشعبية اختلفت تسمياتها من بلد إلى آخر فهي (المحزاية أو الحزاية) في اليمن، وهي (الحدوتة) في مصر والشام، وهي السوالف في الكويت والبحرين، وهي (الخريفة) في العراق. والأخيرة كلمة مشتقه من الخرافة.

فالحكاية الشعبية تروي الأحداث في زمن مضى بغير مكان أو زمان محددين وبدون شخصيات معروفة، وإن عرفت الشخصيات فهي تاريخية صبغت الخيال الواسع وجعلت منها شخصية أسطورية لا تصل إلى شخصية حقيقة إلا من حيث المعلومات التاريخية فقط، مثل: سيرة سيف بن ذي يزن، وهي شخصية تاريخية معروفة، ومن الحكام الحميريين في الجنوب العربي اشتهرت بالعداء الشديد والقتال العنيف مع الأحباش والحروب ضد الفساد في البلاد. وقد طليت هذه الشخصية التاريخية الجبارة للخيال الواسع وجعل منها أسطورة انتقلت بخوارقها إلى خارج بلدان الجنوب العربي، ومنها مصر والشام وغيرها. ومن سيرة هذه الشخصية الأسطورية عرفنا كثيراً من الجوانب المجهولة في الاعتقادات السحرية القديمة.

وملحمة بني هلال هي المثل الآخر، فشخصياتها لها حقيقة تاريخية ولكنها أيضاً طليت بالخيال الشديد فجعلت منها أساطير تحولت بخوارقها وأفعالها الجبارة من الجنوب العربي إلى شمال أفريقيا، ومنها أيضاً عرفنا كثيراً من الجوانب المجهولة في فتح أفريقيا. وبنو هلال ورئيسهم أبو زيد الهلالي هم من (هجر أبو زيد)، وهجر هنا تعني قرية أو مدينة، وكانت تعتبر حرماً مقدساً وموضع عبادة في (ذات الجار)، وهي منطقة زراعية قرب وادي (مرخة) في محافظة شبوة، كما ذكرت ذلك الدكتورة جاكلين برين. ثم انتقل بعض بني هلال فسكنوا شبام حضرموت والحذية وهينن والهجرين، وكان منهم أبو زيد الهلالي نفسه وكان سلطانهم هناك حسن بن سرحان، وله من الولد مرعي وموسى ويونس هاجروا مع أبي زيد الهلالي تحت ظروف قاهرة في بلادهم مع آخرين إلى برقة بتونس، ومنها انتشروا إلى سائر بلدان المغرب العربي في شمال أفريقيا، وكان منهم بنو مرة. أما الباقون فبقوا في الأرض اليمنية ومنهم آل بن ماضي في وادي عمد بحضرموت (قرب شام)، وآل ضباب وآل يوسف وآل سريع وهم في جردان بمحافظة شبوة، وآل خليفة في الحواضن بعتق وآل النسيين في مرخة في المحافظة نفسها. ويروى عن أبي زيد الهلالي أنه قال في النسيين وهي أطلال بني هلال ما يلي:
وسرنا وخلفنا النسيين صربة
         طوال القنا يلقون طعن العباير
وسرنا وخلفنا النسيين عذبة
         بالقار الذي قد قال مانا بساير

وقد كتب عن بني هلال من الباحثين الأجانب السيد لاندبرج في كتابه المسمى ((ARABICA عام 1897م، والسيد روبرت سارجنت وغيرهما من الغربيين. وذكروا في كتاب (أنساب الساكنين بحضرموت) للعلامة السيد أحمد حسن العطاس مولى حريضة، وهو من علماء دوعن فأشار إلى القبائل التي تنتمي إلى بني هلال ومنها آل باحكيم بدوعن. ومن أشهر الرواة لملحمة بني هلال وحكاياتهم في اليمن وحفاظ شعرهم هو الشاعر الشعبي (بوعامر)، ويعتبر شاعر بني هلال، وكذلك الشاعر الشعبي عمر محمد باعطوة التي تدعي عائلته أنها من بني هلال، وولد وعاش في شبام حضرموت في نهاية القرن الثالث عشر الهجري، ومن الرواة المعاصرين لحكايات بني هلال الشيخ عامر بن سالم بن عبد العزيز صاحب قارة عبد العزيز قرب شام حضرموت، وعمير بن سعيد في الحوطة وعبيد مردوف حم وأخوه عبود مردوف حم من شبام، وعيضة العادة من قرية (خباية) قرب قارة عبد العزيز ناحية شبام حضرموت.
وحيث إنّ الحكاية الشعبية لا زمن لها ولا مكان فتبدأ عندنا بعبارة (كان يا ما كان، في قديم الزمان)، وهي دلالة لزمان ومكان مجهولين للحكاية. أما نهايتها فتكون بعبارة (كنا معهم الله لا ردهم). و(كنا معهم) هذه تعني (أثناء رواية الحكاية) لا غير ذلك. أما عبارة (لا ردهم) أي ما رجعوا منذ ذلك الوقت، وهي دلالة على انتهائهم في الماضي المجهول زمانه ومكانه. والحكايات الشعبية تفرعت إلى فروع مختلفة فنشأت منها الخرافة (Fables) وحكايات النوادر، ويكثر فيها المرح والضحك والتندر بالآخرين. وحكايات الألغاز ومنها: حكايات الأمثال أي الحكاية التي تنتهي بمثل شعبي أو التي ينبني عليها مثل شعبي كالمثل القائل: (مشمشي يا مشمشي، يا كاشف كل شي)، فترتبت على هذا المثال الشعبي حكاية ترمز إلى كشف الأحوال من بؤس وشقاء ويتم وعوز إلى آخره.

ثم هناك حكايات المعتقدات، وهي عندنا كثيرة مثل حكاية (مسواك العيدروس)، الذي خرق به الجبل. وهذه حكاية شعبية جرت بين الولي الصالح السيد أبو بكر بن عبد الله العيدروس (المعروف العدني)، وكان آنذاك في تريم بحضرموت، وبين الولي الصالح الشيخ جوهر بعدن (وقيل إنه كان أحد خدام السيد العيدروس. وتم بينهما التحدي في أمر ما فكان من السيسد العيدروس أن رمى مسواكه من تريم على الشيخ جوهر بعدن كي يصيبه فأتى على الجبل وأصابه فخرقه. وما تلك إلا حكاية شعبية ألصقها الناس بالولي الصالح صاحب هذه الكرامة، وذلك حباً فيه وكرامة لقدره وتقديراً لفضائله وأمجاده، ويجب أن تظهر بغير هذا الشكل. وهناك الكثير مما يمس كرامات أوليائنا الصالحين الذين كانت لهم أعمال جليلة ولا بد من تصحيحها من مثل حكايه (منطق البقرة)، وهو الولي الشيخ عبد الله بعدن، أو حكاية الولي الصالح الشيخ سفيان بلحج، أو حكاية الولية الصالحة سعدة بنت عمر في أبين، ومثل هذه الحكايات مقبولة إذا صححت في مسار التغييرات الجديدة في مجتمعنا اليمني الجديد.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها