أحمد‭ ‬عنتر‭ ‬مصطفى .. النجومية‭ ‬فـي‭ ‬الشعر‭ ‬غاية‭ ‬المهووسين

حاوره: حمزة قناوي

أحمد‭ ‬عنتر‭ ‬مصطفى،‭ ‬يكتب‭ ‬الشعر‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬تناول‭ ‬تجربته‭ ‬نقاد‭ ‬عديدون‭ ‬بحفاوة‭ ‬نقدية،‭ ‬منهم‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬إسماعيل‭ ‬والدكتور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬القط‭ ‬وصالح‭ ‬جودت،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يواصل‭ ‬مسيرته‭ ‬مع‭ ‬الإبداع‭ ‬مبحراً‭ ‬في‭ ‬فضاءاته‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬أعماله‭ ‬الكاملة‭ ‬عن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬بمصر،‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬فيه‭ ‬عضوية‭ ‬لجنة‭ ‬الشعر،‭ ‬التي‭ ‬يتزامل‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬أحمد‭ ‬عبد‭ ‬المعطي‭ ‬حجازي‭ ‬وإبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬سنة،‭ ‬والشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬فاروق‭ ‬شوشة‭.‬

الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬عنتر‭ ‬مصطفى،‭ ‬مدير‭ ‬متحف‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بمصر،‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬عن‭ ‬تاريخه‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والمشهد‭ ‬النقدي‭ ‬المعاصر‭ ‬وغياب‭ ‬النقد‭ ‬العضوي‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الأخرى‭. ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬النجومية‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬غاية‭ ‬المهووسين،‭ ‬وهو‭ ‬مع‭ ‬المعيار‭ ‬الفني،‭ ‬وليس‭ ‬الزمني‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الأجيال‭ ‬الشعرية‭.‬

 

‭***

تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬السبعينيات‭ ‬الشعري،‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬الراية‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الموجتين‭ ‬الأوليين‭ ‬للحداثة،‭ ‬شعراء‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬وأحمد‭ ‬عبد‭ ‬المعطي‭ ‬حجازي،‭ ‬ثم‭ ‬الستينيات‭ ‬فاروق‭ ‬شوشة‭ ‬وإبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬سنة‭ ‬وأمل‭ ‬دنقل‭.. ‬مـا‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬رواد‭ ‬جيلكم‭ ‬تقديمه‭ ‬بصورة‭ ‬مختلفة‭ ‬عما‭ ‬فعل‭ ‬شعراء‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى؟‭ ‬وهل‭ ‬استطاعت‭ ‬قصيدة‭ ‬السبعينيات‭ ‬أن‭ ‬تُرسِّخ‭ ‬وجوداً‭ ‬مختلفاً‭ ‬لنفسها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬منفرد‭ ‬خارج‭ ‬الجماعات‭ ‬الأدبية‭ ‬كـ«أصوات‮»‬‭ ‬و«إضاءة‮»‬‭ ‬وغيرهما؟

•‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأجيال‭ ‬تتلاقى،‭ ‬وهذا‭ ‬التقسيم‭ ‬الحاد‭ - ‬والذي‭ ‬لديَّ‭ ‬تحفُّظَات‭ ‬عليه‭ - ‬ويضع‭ ‬المبدع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬زمني‭ ‬محدد‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬الشاعر‭ ‬قد‭ ‬تستمر‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬فمثلاً‭ ‬قد‭ ‬تبدأ‭ ‬التجربة‭ ‬الشعرية‭ ‬فنياً‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬وتتطور‭ ‬معه‭ ‬وتمتد‭ ‬إلى‭ ‬الثمانينيات‭ ‬حتى‭ ‬تكتمل‭ ‬أو‭ ‬تنضج،‭ ‬ولهذا‭ ‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬التصنيف‭ ‬الزمني‭ ‬وأفضِّل‭ ‬أكثر،‭ ‬التصنيف‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬فني،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬زمني،‭ ‬ولكن‭ ‬طالما‭ ‬اتفق‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تقسيماً‭ ‬للأجيال؛‭ ‬فأنا‭ ‬بالفعل‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬السبعينيات،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬ديوان‭ ‬لي‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬1981،‭ ‬ويرجع‭ ‬تأخر‭ ‬صدور‭ ‬الديوان‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب،‭ ‬فأنا‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬القصيدة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الستينيات،‭ ‬وكانت‭ ‬كتاباتي‭ ‬مبشِّرة‭ ‬وفق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مثل‭ ‬صالح‭ ‬جودت،‭ ‬والذي‭ ‬استاء‭ ‬مني‭ ‬بشدة‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬أول‭ ‬قصيدة‭ ‬تفعيلة‭ ‬لي‭. ‬وكانت‭ ‬تُنشَر‭ ‬لي‭ ‬القصائد‭ ‬العمودية‭ ‬في‭ ‬جريدتي‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬الكويتية‭ ‬و«الجمهورية‮»‬‭ ‬المصرية،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬1967‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬العمودي‭ ‬انكَسَرَ‭ ‬مع‭ ‬الهزيمة،‭ ‬وشعرت‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬أريد‭ ‬قولها،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬للخروج‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القالب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دعاني‭ ‬للتوقف‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬لمدة‭ ‬تجاوزت‭ ‬العامين‭ ‬قليلاً،‭ ‬وكنت‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬القط‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يؤيِّد‭ ‬حركة‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث،‭ ‬وحركة‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة‭ ‬بشدة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬نصحني‭ ‬بقراءة‭ ‬شعر‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬وأحمد‭ ‬عبد‭ ‬المعطي‭ ‬حجازي‭ ‬وإبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬سنَّة،‭ ‬ثم‭ ‬تعرفت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬وأمل‭ ‬دنقل‭ ‬وأبو‭ ‬سنة‭ ‬وتعمقت‭ ‬علاقتي‭ ‬بهم‭ ‬وبالشعر‭ ‬الحديث،‭ ‬ثم‭ ‬كتبت‭ ‬أول‭ ‬قصيدة‭ ‬تفعيلة‭ ‬لي‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬حملت‭ ‬ظلال‭ ‬وروح‭ ‬ومفردات‭ ‬العمودي‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬وتركيباته‭ ‬الشعرية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بالحداثة‭ ‬الكاملة‭ ‬فظهرت‭ ‬بشكل‭ ‬قصيدة‭ ‬حديثة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السطر‭ ‬الشعري‭ ‬والتفعيلات،‭ ‬ولكن‭ ‬بروح‭ ‬الشعر‭ ‬العمودي‭ ‬القديم،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬كتبت‭ ‬قصيدة‭ ‬ونشرتها‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الآداب‮»‬‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬هي‭ ‬الطريق‭ ‬والدليل‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة،‭ ‬ومكثت‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1971‭ ‬و1981‭ ‬أنشر‭ ‬كل‭ ‬قصائدي‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬العربية‭ ‬بالوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وكنت‭ ‬معروفاً‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬ديوان‭.‬

 

:: ‬ثلاث‭ ‬موجات‭ ‬::


هل‭ ‬استطاع‭ ‬جيلك‭ ‬أن‭ ‬يرسخ‭ ‬وجوداً‭ ‬مختلفاً‭ ‬عن‭ ‬جيل‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬وجيل‭ ‬أمل‭ ‬دنقل؟

•‭ ‬لنكن‭ ‬واضحين؛‭ ‬هناك‭ ‬تقسيمة‭ ‬فنية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نضعها‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عندما‭ ‬نتحدَّث‭ ‬عن‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة،‭ ‬شعر‭ ‬التَّفعيلة‭ ‬مرَّ‭ ‬بثلاث‭ ‬موجات‭ ‬من‭ ‬التطوُّر،‭ ‬الأولى‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬وأحمد‭ ‬عبد‭ ‬المعطي‭ ‬حجازي،‭ ‬وما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬85‭ ‬شاعراً‭ ‬آخر‭ ‬ذَكَرَهم‭ ‬الدكتور‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬إسماعيل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الشِّعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‮»‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬كامل‭ ‬أيوب‭ ‬ومجاهد‭ ‬عبد‭ ‬المنعم‭ ‬مجاهد‭ ‬وكامل‭ ‬سعفان،‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬أكثر‭ ‬ظهوراً‭ ‬في‭ ‬المشهد،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬أوساطٌ‭ ‬أدبيةٌ‭ ‬تحتفي‭ ‬بهم،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬اصطدموا‭ ‬بلجنة‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للفنون‭ ‬والآداب‭ (‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬حالياً‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يترأسها‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد،‭ ‬وبَدَأ‭ ‬الصِّراع‭ ‬بين‭ ‬الشعراء‭ ‬المجددين‭ ‬رافعي‭ ‬لواء‭ ‬الحداثة‭ ‬وبين‭ ‬رواد‭ ‬المدرسة‭ ‬القديمة،‭ ‬حتى‭ ‬استطاعت‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬إثبات‭ ‬وجودها،‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نسمي‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬انتصاراً‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬شكلٌ‭ ‬أدبيٌّ‭ ‬ينتصر‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬فحتى‭ ‬الآن‭ ‬تتم‭ ‬كتابة‭ ‬القصيدة‭ ‬العمودية‭ ‬والتفعيلية‭ ‬وقصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬لأن‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬تتعايش‭ ‬معاً،‭ ‬ولا‭ ‬يُوجَد‭ ‬جنسٌ‭ ‬أدبيٌّ‭ ‬يلغي‭ ‬جنساً‭ ‬أدبياً‭ ‬آخَرَ،‭ ‬الشعر‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬القصة‭ ‬أو‭ ‬الرواية‭ ‬ولا‭ ‬الرواية‭ ‬تلغي‭ ‬الشعر،‭ ‬وهذا‭ ‬التعايش‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬المجتمع‭ ‬والإبداع،‭ ‬ولذلك‭ ‬أقول‭ ‬لمن‭ ‬ينحاز‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬أدبي‭ ‬ويهاجم‭ ‬الآخر‭:‬‭ ‬اتركوا‭ ‬كل‭ ‬الزهور‭ ‬تتفتح‭ ‬فحديقة‭ ‬الشعر‭ ‬تتسع‭ ‬للجميع،‭ ‬وهذا‭ ‬موقفي‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬أيضاً؛‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬انتهى‭ ‬الصِّدام‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الحرس‭ ‬القديم‮»‬‭ ‬للقصيدة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬والموجة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬بريادة‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬وعبد‭ ‬المعطي‭ ‬حجازي‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الذين‭ ‬رسخوا‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬انحسار‭ ‬وقلة‭ ‬حضور‭ ‬شعراء‭ ‬القصيدة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬الذين‭ ‬يهتمون‭ ‬بروح‭ ‬الشِّعر‭ ‬وجوهره،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬وفي‭ ‬طليعتهم‭ ‬إبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬سنَّة‭ ‬وأمل‭ ‬دنقل‭ ‬وفاروق‭ ‬شوشة،‭ ‬واستطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يرسِّخوا‭ ‬لقصيدة‭ ‬التفعيلة،‭ ‬وأصبح‭ ‬هناك‭ ‬أبناء‭ ‬للجيل‭ ‬الأول،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تأكد‭ ‬وجود‭ ‬الآباء‭ ‬مع‭ ‬عطاء‭ ‬أبنائهم،‭ ‬وأصبح‭ ‬كل‭ ‬شاعر‭ ‬منهم‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬فضاءات‭ ‬أبو‭ ‬سنَّة‭ ‬ورومانسيته‭ ‬الشعرية‭ ‬وإيقاعاته‭ ‬الهادئة‭ ‬ولغته‭ ‬القوية،‭ ‬ودنقل‭ ‬الذي‭ ‬استلهم‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬والعربي‭ ‬وشخصياته،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬البكاء‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬زرقاء‭ ‬اليمامة‮»‬‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬‮«‬المتنبي‮»‬‭ ‬و«عنترة‮»‬‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬استدعاها‭ ‬دنقل،‭ ‬وبالفعل‭ ‬استطاعت‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬أن‭ ‬ترسِّخ‭ ‬بعض‭ ‬الملامح،‭ ‬وأكَّدت‭ ‬عليها،‭ ‬منها‭ ‬البعد‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬القصيدة،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الموجة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬شعر‭ ‬الحداثة،‭ ‬والتي‭ ‬أنتمي‭ ‬لها،‭ ‬وأيضاً‭ ‬الشاعر‭ ‬حسن‭ ‬طلب‭ ‬وغيرنا،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة،‭ ‬لذلك‭ ‬اتجه‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭. ‬وبهذا‭ ‬ذهب‭ ‬بعض‭ ‬شعراء‭ ‬السبعينيات‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬واتهموا‭ ‬شعراء‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬بالتقليد‭ ‬دون‭ ‬التجديد‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬قصور‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الشعرية،‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬حركة‭ ‬نقدية‭ ‬جيدة‭ ‬ومتابعة،‭ ‬تفرز‭ ‬الجيد‭ ‬من‭ ‬الرديء‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أوصلنا‭ ‬لما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الشعر‭.‬

 

أنت‭ ‬تكتب‭ ‬المقالة‭ ‬النقدية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القصيدة‭ ‬التفعيلية،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حدّ‭ ‬يلتقي‭ ‬الشاعر‭ ‬والناقد‭ ‬فيك،‭ ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬تقاطعهما‭ ‬يحمل‭ ‬تناقضاً‭ ‬ما،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الشاعر‮»‬‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬القط‭ ‬نموذج‭ ‬لذلك؛‭ ‬حين‭ ‬غادر‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬شاعراً‭ ‬ليدرس‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬منها‭ ‬ناقداً،‭ ‬وقد‭ ‬غادره‭ ‬الشعر‭ ‬هناك؟

•‭ ‬كل‭ ‬شاعر‭ ‬بداخله‭ ‬ناقد،‭ ‬فما‭ ‬يقوله‭ ‬الشاعر‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬قراءاته‭ ‬للشعر‭ ‬وإلمامه‭ ‬بالتراث،‭ ‬متابعته‭ ‬للساحة‭ ‬الشعرية‭ ‬الموجودة،‭ ‬لتتكون‭ ‬لديه‭ ‬ما‭ ‬تُسمَّى‭ ‬الذائقة‭ ‬الشعرية،‭ ‬ولهذا‭ ‬عندما‭ ‬يقوم‭ ‬بكتابة‭ ‬قصيدة‭ ‬ينتقي‭ ‬الكلمات‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬المعنى‭ ‬والدلالة،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تكتمل‭ ‬يكون‭ ‬راضياً‭ ‬عنها‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬مَا،‭ ‬وهذا‭ ‬يعدّ‭ ‬تفاعلاً‭ ‬نقدياً‭ ‬مع‭ ‬النص‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬تفاعل‭ ‬بسيط،‭ ‬ولكني‭ ‬لا‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬ناقداً‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بداخله‭ ‬ناقد‭ ‬ومراقب‭ ‬ذاتي،‭ ‬فيرى‭ ‬سطراً‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬آخر،‭ ‬وكلمة‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬أخرى،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهو‭ ‬ناقد،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬بسيط‭ ‬وأوليّ،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬الحقيقي‭ ‬نوعان‭: ‬نقد‭ ‬انطباعي،‭ ‬ونقد‭ ‬منهجي،‭ ‬النقد‭ ‬المنهجي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للناقد‭ ‬قضية‭ ‬ومنهج‭ ‬نقدي‭ ‬يتوجه‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نص‭ ‬يناقشه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النصوص،‭ ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬نجده‭ ‬غالباً‭ ‬عند‭ ‬أساتذة‭ ‬الجامعات‭ ‬والأكاديميين،‭ ‬وهناك‭ ‬النقد‭ ‬الانطباعي‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الذائقة‭ ‬الشعرية‭ ‬والأدبية‭ ‬لدينا،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬نقداً‭ ‬موضوعياً‭ ‬ومنهجياً،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمقالاتي‭ ‬النقدية‭ ‬فإنني‭ ‬أمزِجُ‭ ‬بين‭ ‬المدرستين‭ ‬الانطباعية‭ ‬والمنهجية،‭ ‬وأصبح‭ ‬لديّ‭ ‬رؤية‭ ‬كيف‭ ‬تكتب‭ ‬القصيدة‭ ‬وعناصر‭ ‬الجمال‭ ‬فيها،‭ ‬وعناصر‭ ‬القبح‭ ‬فيها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬أوازن‭ ‬بين‭ ‬الرؤيتين‭ ‬الانطباعية‭ ‬والمنهجية،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬نصٍّ‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أعجبني‭ ‬بشدة‭ ‬أو‭ ‬أثار‭ ‬استيائي‭ ‬بشدة،‭ ‬أما‭ ‬النصوص‭ ‬العادية‭ ‬فلا‭ ‬أقف‭ ‬أمامها‭ ‬كثيراً‭.‬

 

 

نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 246 (صفحة 35)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها