تُلَقَّب بـ"هوليود إفريقيا"

وَرْزَازَاتْ المغربية.. مدينة تصوير الأفلام العالمية

محمد العساوي

يزخر المغرب بمجموعة من المدن التي أصبح معروفاً بها على المستوى العالمي، ولِكُلٍّ منها شُهْرَتُها الخاصة بها تبعاً لوظيفتها التي أُسِّسَت من أجلها، فالرباط مثلاً ارتبط اسمها بكونها العاصمة الإدارية، والدار البيضاء المدينة الاقتصادية، ومراكش وِجْهَة السياحة، ثم فاس قِبْلة العلم والعلماء، بينما وَرْزَازَات عُرِفَت عند العامة والخاصة بكونها عاصمة السينما وموطن تصوير أشهر أفلام الفن السابع عالمياً، حتى إنها لُقِّبَت بـ"هوليود إفريقيا".



نُبْذَة جيو-تاريخية عن المدينة

يتركب اسم وَرْزَازَاتْ من مقطعين أمازيغيين، الأول: "وَارْ" ويعني بدون أو يخلو، والثاني: "زَازَاتْ" ويعني الخصومات أو المشاكل، وإذا جمعنا المقطعين الاشتقاقيين، فورزازات تعني منطقة بدون مشاكل، أو منطقة السلام، فهذه المدينة تقع في الجنوب الشرقي المغربي، ويبلغ عدد سكانها: 105.174 نسمة (إحصاء 2014)، وهي تابعة إدارياً لجهة درعة تافيلالت.
أما تاريخها فيعود إلى ملايين السنين، وهو ما تؤكده النقوش الحجرية المُكتشفة وبقايا عظام الديناصور، كما تدلنا هذه الاكتشافات على التغيير الذي عرفه مناخ المدينة، وشكلت ورزازات طيلة تاريخها الطويل نطاقاً التقت فيه عدة مجموعات بشرية ذات أصول عرقية مختلفة، كما أنها شَكَّلت المعبر التجاري الأساسي نحو بلاد السودان وسِجِلْمَاسَّة ومراكش عبر وادي دَرْعَة وواحات تدْغَة ودَادَس وتِيزي نْتْلَوَات أو تِيشْكَا، ولهذا كانت كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، تمد نفوذها إلى ورزازات وذلك منذ عهد الأدارسة إلى العلويين، لكن النواة الأولى لورزازات الحالية تأسست سنة (1920م) على يد المستعمر الفرنسي الذي أقامها في البداية كثكنة عسكرية لجيوشه، بهدف مواجهة المقاومة المسلحة المغربية، وبعدها تحولت إلى مركز حضري الذي ازدهر مع توالي السنوات بفعل هجرة سكان المناطق المجاورة إليه.

طبيعتها الخلابة

تمتاز منطقة ورزازات بطبيعتها المتناقضة، ففي الوقت الذي تحتوي فيه بعض جبالها على الثلوج، فهي تضم الكثبان الرملية، والمنابع، والمناطق الجافة، والواحات الخضراء، كما أنها تتوفر على مزارع خاصة لا يُمكن أن توجد في كافة مناطق المغرب، وبسبب هذا التنوع الطبيعي الكبير الذي تتضمنه ورزازات، فقد باتت حاضرة السياحة الصحراوية، والجبلية في البلاد، وهذا ما جعلها تشتهر على المستوى السينمائي لِمَا تزخر به من مُقومات طبيعية، ومن ناحية الأنماط المعمارية السائدة فهي تمتاز بنمط العمارة المغربية العريقة، حيث تبنى جدران البنايات من الطين والحجارة، في حين تتكون الأسقف من السعف والخشب.

معالمها التراثية

- قصر آيت بْنْ حَدُّو: يتكون من مجموعة من البنايات القديمة المبنية من الطين، وهو مُحاط بسور دفاعي مُدَعَّم بالأبراج، ويمتاز بتصميمه المبتكر والبسيط بالإضافة إلى متانته، وهو من النماذج السكنية القديمة والتقليدية في الجهة الجنوبية الشرقية من المغرب، وقد تم تصنيف هذا القصر كتراث عالمي من طرف اليونيسكو سنة (1987م).
- قصبة أَمْرِيديل: وهي عبارة عن قلعة بُنِيت في القرن السابع عشر الميلادي، وهي من أكثر الأماكن المعروفة في المدينة، حيث اكتسبت شهرتها من الأفلام العديدة والشهيرة التي صُّورت بها.
- واحة فِينِتْ: وهي من المناطق السياحية البارزة، حيث تضم العديد من الحدائق المزروعة بشكل مُنسق ودقيق وبعناية فائقة، كما أنها تحوي العديد من البيوت المبنية على الطراز المغربي التقليدي، والجدير بالذكر أن هذه الواحة تقع في الجهة الجنوبية من المدينة وتبعد عن مركزها بحوالي (10 كلم).
- قصبة تَاوْرِيرْت: تُعتبر من المناطق الجذابة سياحياً، حيث تمتاز بجمالها وإتقانها، هذا وقد بُنيت هذه القصبة بواسطة الطين والتبن خلال القرن السابع عشر الميلادي، وهي تتضمن العديد من التصاميم الهندسية الرائعة.
- متحف السينما: يقع في قلب المدينة قبالة قصبة تاوريرت الشهيرة وعلى بعد أمتار من مركب الصناعة، وقد شُيِّد سنة (1981م) بمساحة تقدر بهكتارين، وتعود فكرة تأسيسه إلى مجموعة من المستثمرين الإيطاليين الذين اتخذوه آنذاك استوديو للتصوير ثم غادروه، لتتخذ السلطات المحلية فيما بعد قراراً يقضي بجعله متحفاً للسينما.

ويستقبل هذا المتحف زائره بسوره ذي الطابع الهندسي المغربي قبل أن يفاجأ بديكورات تحيل تارة على الحضارة الإغريقية وتارة أخرى على الحضارات القديمة في الشرق الأوسط، وهكذا سيشاهد الزائر قاعة علاج وقاعة الاجتماعات السياسية بمجلس النبلاء والكاردينالات وإسطبلات وحتى السجون، ومن أجل إبراز غنى التراث الطبيعي للمنطقة قام المختصون في الديكور ببناء مغارة صغيرة في إشارة لأفلام الرعب العديدة التي تم تصويرها بورزازات.
أما جناح الملابس فيعكس مهارة وخبرة الصانع المغربي وتوجد به ملابس لتصوير أفلام تتناول فترات قديمة كاللباس اليوناني والروماني والفرعوني أو لباس المسلمين التقليدي، وبإمكان المُشاهد قبل خروجه من الأجنحة الداخلية أن يرى مقاطع من أفضل الأفلام التي تم تصويرها بالمنطقة لينتقل بذلك من الديكور الجامد إلى الصور الحية.

وأخيراً يمكن للزائر بعد ذلك أن يتوجه إلى السوق الكبير غير المغطى والذي يضم خياماً تقليدية تُذَكره بالفضاءات الصحراوية حيث يكتشف الكثير من الأدوات القديمة الغنية بقيم التقاسم والانتماء إلى حضارات عريقة.

الصناعة السينمائية بالمدينة

ظل المغرب ولعقود عديدة قِبلة لأهم صناع الفن السابع الذين أخرجوا مئات الأفلام على أرضه، وقد بدأت هذه الصناعة منذ نهاية القرن التاسع عشر حيث كان المخرج الفرنسي "لويس لوميير" أول مكتشف لمواقع المغرب السينمائية عندما صور فيلمه "راعي الماعز المغربي" سنة (1897م) في مدينة ورزازات، بفضل ما تزخر به من تعدد تضاريسي بالغ الاختلاف ووجود تنوع في البيئات التصويرية، ويعتبر هذا الفيلم من أوائل أفلام السينما في تاريخ هذا الفن، وهو ما جعله يفتح الباب أمام السينما العالمية كي تكتشف مميزات ومواقع ورزازات التصويرية، وتصبح بعد ذلك أهم الوجهات السينمائية خصوصاً بعد تطويرها ورصد إمكانيات كبيرة لأجلها من استوديوهات تصوير وكوادر بشرية وبيئات آمنة.
لكن البداية الحقيقية للصناعة السينمائية بمفهومها الدقيق بدأت مع فيلم "لورانس العرب" سنة (1962م)، وأخذت تتطور أكثر في سنوات الثمانينات، وتتوفر حالياً المدينة على ثلاثة استوديوهات للتصوير وهي: ''أوسكار أطلس'' و''كان زمان'' و''كْلاَ''، وقد روعي في بنائها الفن المعماري المغربي الأصيل، وهو البناء المستوحى هندسياً من البناء القصبي الذي تزخر به المنطقة، وقد ساهم ارتباط ورزازات بالفن السابع في تحقيق نقلة نوعية للمدينة، إذ انعكست الأرباح التي تدرها الأفلام السينمائية على تنمية المنطقة وساهمت في خلق فرص للشغل والتكوين المهني للفنانين والتقنيين المغاربة، وبالمقابل تحملت المدينة ضريبة الفن والآثار الناجمة عن دخول ثقافات وجنسيات مختلفة لمدينة محافظة، فأصبح الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والمكونات الثقافية تحدياً كبيراً يواجه ساكنتها.
أما نوعية الأعمال المصورة فتتجلى في الأفلام الطويلة والقصيرة، والأشرطة الوثائقية، وفيديوهات الأغاني، ووصلات إشهارية، وتستحوذ ورزازات لوحدها على حوالي (40%) من مجموع الأعمال المُصورة في المغرب، وبمداخيل تتجاوز (150 مليون دولار أمريكي) سنوياً.
ولتعزيز مكانة المدينة في مجال السينما تم إحداث "المعهد المتخصص في مهن السينما" سنة (2006م)، والذي يضم ستة شعب موزعة ما بين ثلاثة مسالك لمستوى الثانوية بكالوريا وتهم: "الحلاقة والماكياج"، "الملابس"، "الآليات"، وثلاثة أخرى خاصة للحاصلين على شهادة البكالوريا وتخص: "إدارة الإنتاج السينمائي"، "المؤثرات الخاصة"، "الديكور والإكسسوار"، ويتوفر المعهد أيضاً على مرافق إدارية وورشات في فن النحت والنجارة والحدادة والصباغة وصناعة الأزياء والإكسسوارات، كما يضم قاعات مخصصة للندوات والمؤتمرات الصحفية للمخرجين والممثلين وفن الحلاقة والماكياج وبلاتوهات للتصوير ومستودعات ومرافق أخرى.

أبرز الأفلام العالمية المُصَورة بورزازات

تم تصوير المئات من الأفلام العالمية الشهيرة في ورزازات انطلاقاً من سنة (1897م) مع فيلم "راعي الماعز المغربي" السالف الذكر، وبعده بسنوات قليلة وبالضبط في عام (1922م) سيحمل المخرج "لوتنز مورا" عتاده البسيط ليصور في صحاري ورزازات وقصورها وقصباتها العريقة فيلمه "دماء"، كما صُورت أعمال سينمائية أخرى نذكر منها، شريط للمخرج الألماني "جيمس بوبر" الذي يحمل اسم "عندما تعود أسراب السنونو إلى أعشاشها" سنة (1927م)، وبعد الأفلام السينمائية الفرنسية والألمانية يحط الرحال بهذه المدينة الصغيرة المخرج العالمي الأمريكي الراحل "جوزيف فون ستينبريغ" لتصوير رائعته الخالدة "المغرب" سنة (1930م)، وكان هذا الشريط من روائع الكلاسيكيات العالمية، وقد مثلت في أدوار البطولة الممثلة الشهيرة "مارلين ديتريش" والممثل المعروف "غاري كوبر".
وفي سنة (1936م) تم تصوير فيلم "نداء الصمت" للمخرج الفرنسي "ليون بواريي"، وفي السنة الموالية أخرج "بيير بيلون" فيلمه "بريد الجنوب" وبعدها بسنة أيضاً تم تصوير فيلم "قافلة الصحراء" للإنجليزي "ثورتون فريلاند"، وبعدها بفترة قصيرة فيلم "الباب السابع" لـ"أندريه زوبادا"، وفيلم "عرس الرمال" لنفس المخرج، وفيلم "الطلقة الأخيرة" للأميركي "روبير فلوري".
ومن الأفلام التي لقيت أيضاً شهرة عالمية كبيرة نجد فيلم "لورانس العرب" سنة (1962م) لـ"ديفيد لين"، وبطولة "بيتر أوتول" و"عمر الشريف"، وفيلم "باتون" لـ"فرانكلين شافنر" سنة (1970م)، وفيلم "الإغراء الأخير للسيد المسيح" سنة (1988م) من إخراج "مارتن سكورسيزي" وبطولة "ويليام داف"، وفيلم "المصارع" لـ"ريدلي سكوت" سنة (2000م)، وفيلم "عودة المومياء" لـ"سيتفن سومرز" سنة (2001م).


مشاهد من مسلسل "لعبة العروش Game of Thrones" (قصر آيت بْنْ حَدُّو)

كما أن هناك أفلاماً صُوِّرت في السنوات القليلة الأخيرة مثل: "طروادة"، و"مملكة الجنة"، و"ألكسندر"، و"علي بابا والأربعون لصاً"، و"كليوباترا"، ومسلسل "لعبة العروش"...

خاتمة

نستخلص مما سبق ذكره أن مدينة ورزازات بمؤهلاتها الطبيعية والبشرية واللوجيستيكية، استطاعت أن تضع لنفسها مكانة متميزة في عالم السينما، وأصبح اسمها متداولاً عند الكبار والصغار بكونها "هوليوود إفريقيا".

 

المراجع المعتمدة
1. الجمعية المغربية للتأليف والنشر، موسوعة معلمة المغرب، سلا: مطابع سلا، 2005، الجزء 22، مادة "ورزازات": عبد القادر بوراس.
2. صحيفة الاتحاد، مقال بعنوان: "ورزازات المغربية....هوليود إفريقيا"، متاح على الرابط التالي: https://www.alittihad.ae/article/42214/2008/ورزازات-المغربية··-هوليوود-افريقيا

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها