عملتْ لأكثر من 30 عاماً وصمّمتْ ديكورات أكثر من 200 مسرحية

حـوار مـع رائدة الديكور المسرحـي نهى برادة

حاورها: عزت ياسين

 

نهى برادة رائدة الديكور المسرحي في مصر والعالم العربي، بدأت رحلتها في عالم الديكور منذ أكثر من 30 عاماً، والتحقت بفرقة التليفزيون المسرحية عام 1963م، صممت ديكورات أكثر من 200 مسرحية لمسارح الدولة، ومسارح القطاع الخاص في مصر منها مسرحيات تعد الأشهر في تاريخ المسرح المصري والعربي مثل خان الخليلي، مدرسة المشاغبين، وشارع محمد علي وريا وسكينة، وأخويا هايص وأنا لايص، ومسرحيات الفرق المسرحية لنجيب الريحاني وأمين الهنيدي، وغيرها. نهى برادة تروي تاريخها مع الديكور المسرحي لمجلة الرافد في الحوار الآتي:
 

 كيف دشن أوبريت الليلة الكبيرة عملك في عالم الديكور المسرحي؟

بعد تخرجي في الثانوية العامة التحقت بقسم الديكور بكلية الفنون الجميلة، وكان رئيس القسم حينذاك د. ناجي شاكر الذي كان يعمل أول مشروع لمسرح العرائس في مصر، وقام بتصميم عرائس مسرحية أوبريت الليلة الكبيرة الأشهر في تاريخ المسرح المصري، مما جعلني أتعلق بمجال الديكور المسرحي من خلاله، والذي لم أمارسه بشكل احترافي إلا عندما تخرجت في الكلية.

 كيف أصبحت مهندسة ديكور وسط عائلة معظمها من الأطباء؟

بالفعل كدت ألتحق بكلية طب الأسنان، لولا تعرضي لموقف سخيف أثناء زيارتي للكلية قبل الالتحاق بها، فقد فوجئت ببعض المسلكيات لم أعتدها أثناء دراستي الثانوية في مدرسة الراهبات، فتملكني انطباع سيء عن طلبة الكلية، ورفضت الالتحاق بها.

 لم نعرف كيف أصبحت مهندسة ديكور؟

كنتُ أحبّ الرسم جداً، مما لفت انتباه جدي لوالدي الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة المعارف، التربية والتعليم حالياً، فقد انتبه لموهبتي في الرسم مبكراً، فأحضر لي الفرشاة والألوان حتى أُنمّي تلك الموهبة، مما جعلني أرسم باحتراف وأنا ما زلت صبية صغيرة، وعندما كبرت التحقت بكلية الفنون الجميلة فأصبحت مهندسة ديكور وفنانة تشكيلية أيضاً.

 كيف أصبحت أكثر شهرة من ابن عائلتك جراح المخ والأعصاب العالمي يوسف برادة؟

عندما امتلأت الشوارع بإعلانات باسمي كمُصمّمة ديكور للعديد من المسرحيات، علّق بقوله: إن اسم عائلة برادة بدأ في الانتشار بفضل نهى برادة، برغم أنه كان عالماً في مجال المخ والأعصاب، وقدم للبشرية الكثير جداً، والأفيد مما قدمته في مجالي كمصممة ديكور مسرحي أوائل الدفعة.

 كيف احترفت الديكور المسرحي؟

في الستينيات قام السيناريست والمخرج المصري الكبير السيد بدير بإنشاء عشرة فرق مسرحية تقوم بتقديم رواية أسبوعياً، وكانوا بحاجة لمهندسي ديكور جدد، لتصميم ديكورات هذه العروض، فطلبوا الاستعانة بأوائل كلية الفنون الجميلة، فلم يكن قد تم إنشاء معهد الفنون المسرحية بعد؛ ولأني كنت من أوائل دفعتي فقد تمت الاستعانة بي لتصميم الديكورات المسرحية لهذه الفرق وغيرها.

 لمن تدينين بفضل تعلم الديكور المسرحي؟

المهندس الكبير صلاح عبد الكريم الذي ساعدني على إدخال تكنيك العمارة الداخلية والرسم في الديكور المسرحي، وعلّمني أسراره وشفرات نجاحه، وأن مهندس الديكور ليكون ناجحاً ينبغي أن يكون قارئاً جيداً ومبتكراً، ويبذل أقصى الجهد لتبقى أعماله خالدة في وجدان أبو الفنون.

 ما أهمّ أسرار نجاح مهندس أو مُصمّم الديكور المسرحي التي تعلمتها؟

الموهبة ثم القدرة على التخيل القوي لمهندس الديكور، والإلمام بجوّ المسرحية والبيئة العامة التي تدور فيها الأحداث لها، سواء أكانت حياً شعبياً أو أرستقراطياً أو خلافه، ثم تطبيقه على العرض بحيث يعبر بصدق عما تتضمنه الرواية.

 هل ترين أن التطور التكنولوجي أحدث طفرة في مجال الديكور المسرحي أم لا؟

قديماً كنا نجد صعوبة بالغة في عمل الديكورات، بسبب ندرة الخامات المستخدمة فيه حتى ورق الحائط، فكنا نضطر لرسم ديكورات المسرحية بمنظر واحد وبرسم يدوي، وهو ما طبقته في كثير من الروايات التي قمت بتصميم الديكور الخاص بها في بداية حياتي المهنية، مثل مسرحيات مطار الحب، ومدرسة المشاغبين، وزهرة الصبّار، وغيرها. ولكي أقوم بعمل ديكور حديقة أو غابة كنت أستخدم وسائل بدائية مثل قماش دمور، وهو قماش كان يستخدم قديماً لتصنيع الملابس الداخلية للرجال، وقصاصات من ورق الشجر، وورق الجرائد مثلما حدث في العرض المسرحي بشويش من إخراج الفنان الراحل جلال الشرقاوي، وعندما قمت بتصميم مسرحية سيدتي الجميلة بطولة النجم الراحل فؤاد المهندس والفنانة شويكار رسمتها ولونتها على مقاس 50 في 70 الرسم المصغر أولا قبل تكبيرها، أما الآن فقد تدخلت التكونولجيا في الديكور المسرحي، وهناك استخدامات كثيرة للبنار والتصوير والإضاءات وهو سلاح ذو حدين، إما يتم تنفيذه بدقة فينجح العرض أو يغلب عليه الاستسهال فيفشل.

 بلا شك خبرتك في تنفيذ الديكورات بعد تصميمها أيضاً أضافت لك الكثير؟

نعم، فكنت أجيد رسم الإسكتش وعمل الماكيت أيضاً، فأنا مع حتمية أن يكون مهندس الديكور ملماً بتنفيذ تصميماته أيضاً حتى يخرج العمل متجانساً قوياً معبراً عن روحه، واللمعان التي كان يقصدها من تصميماته قد تضيع إذا نفذها شخص آخر، وإلا ظل يتابعها لحظة بلحظة، حتى تنفذ على خشبة المسرح.

 في رأيك هل كان الديكور قديماً أفضل من الآن؟

كما قلت سلاح ذو حدين، وبرغم الإبهار والتكنولوجيا والمواد الخام الأكثر تطوراً المتاحة الآن، أظل منحازة للمسة يد الفنان القديمة التي كانت تعبر عن روح الفنان الحقيقة، وتوحي بقوة عن جمال الديكور ودقته بطريقة رائعة، ربما تخلو منها كثير من الأعمال المسرحية الآن، فيغلب عليها عدم الدقة وتفشل في التعبير عن البيئات المتنوعة التي تدور فيها الروايات فتتشابه جميعاً وتفشل كلها؛ لأنها صنعت على عجاله وبلا روح.

 كيف كُنتِ تقومين بتصميم المسرحيات قديماً؟

بقراءة النص المسرحي بتمعُّن أكثر من مرة، ثم إطلاق العنان لخيالي لتخيل المشاهد والمناظر الخاصة بالعرض، ثم البدء في الرسم والتصميم مثلما حدث في مسرحية ريا وسكينة مثلاً بطولة الفنانتين شادية، وسهير البابلي، والفنان عبد المنعم مدبولي إنتاج 1980م، فقمت بتصميم مشاهد مختلفة لقسم الشرطة، ومنزل ريا وسكينه، وفي مسرحية مدرسة المشاغبين بطولة الفنانين عادل إمام، وسعيد صالح وأحمد زكي، ويونس شلبي إنتاج 1971، عبرت بدقة عن ديكور الفصل المسرحي للمشاغبين، وكان مختلفاً عن ديكور احتفال التلاميذ بالنجاح في المدرسة.

 ما أهم ذكرياتك مع أبطال المسرحيات التي قمت بتصميمها؟

كثيرةٌ جدّاً، فمثلاً في مدرسة المشاغبين كُنت أُتابع أُفيهات وقفشات أبطال العرض خلف الكواليس، وعلى رأسهم عادل إمام وسعيد صالح، والفنان عبد المنعم مدبولي الذي لعب دورَ حضرة الناظر في بداية عرض المسرحية، وتم تغييره فيما بعد بالفنان حسن مصطفى الذي قدم دور حضرة الناظر، بعد أن كان يقدم في البداية دور المدرس الملواني ضمن أحداث المسرحية، والطريف أن الفنان سعيد صالح هو الذي كان مرشحاً لدور الزعيم مرسي الزناتي بدلاً من الفنان عادل إمام، ولكنه رفض الدور وفضل عليه دور مرسي الزناتي، وفي مسرحية شارع محمد علي بطولة الفنانين فريد شوقي، وشيريهان، والمنتصر بالله كانت أفيهات ملك الترسو الفنان فريد شوقي خلف الكواليس شيئاً مبهجاً لا ينافسها إلا قفشات نجم الكوميديا الراحل المنتصر بالله.

 كيف قمتِ بتصميم ديكورات شارع محمد علي؟

ذهبت للشارع نفسه لاستيحاء المناظر الطبيعية للمكان، بما يتضمنه من محلات لبيع الآلات الموسيقية، وقادةُ الفرق الموسيقية وأشهرها فرقة حسب الله وغيرها، وزرت أيضاً حمام الثلاثاء الشهير بالقاهرة، والذي كان وسيلة الاستحمام لمعظم سكان القاهرة حينذاك، فلقد كان مطلوباً في أحد مناظر المسرحية.

 تعاملت أكثر من مرة مع نجمة الكوميديا سهير البابلي فما أهم ذكرياتك معها؟

تعاملت معها في مسرحيتي ريا وسكينة وعلى الرصيف، وهي نجمة مسرحية من الطراز الأول، وتمتلك حساً كوميدياً عالياً جدّاً، وأضحكتني كثيراً في مسرحية ريا وسكينة إنتاج عام 1980، وكثيراً ما كنت أعبر عن إعجابي بأدائها، وترد بامتنان شكراً "يا باش مهندسة في الديكورك الحلو، يشجعني على التألق سيدة الديكور المسرحي".
 

 ماذا عن تعاونك مع الأديب العالمي نجيب محفوظ؟

كان ذلك من خلال أول عمل لي في مسرح التليفزيون المصري، عندما صممت وأنا في الثانية والعشرين من عمري ديكورات مسرحية خان الخليلي، تأليف الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي كان يتميز بتواضع شديد جداً ودمث الأخلاق، وبطولة الفنان عماد حمدي وإخراج المخرج حسين كمال، الذي كان يدرس الأزياء في دول أوروبا، ثم عاد لممارسة الإخراج في مصر، واقترن اسمي باسم الكاتب الكبير نجيب محفوظ فبدأت مسيرتي مع الديكور.

 كيف نجحت للمرة الأولى كمصمّمة ديكور مسرحي؟

بتوجيهات الدكتور صلاح عبد الكريم الذي نصحني بالاهتمام بزوايا الرؤية على المسرح للمتفرج، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للديكور المسرحي، فكنت أذهب مع المخرج حسين كمال لرؤية منطقة خان الخليلي التي كتب عنها العالمي نجيب محفوظ، وشراء بعض الأكسسورات من هناك، وعرضت رؤيتي في الديكور على عبقري الإخراج حسين كمال، فأعجب بها جدّاً، وعلق بقوله: "برافو نفذي فوراً".

 ما الذي جعلك تشعرين بتواضع العالمي نجيب محفوظ؟

كان يعامل الجميع بمنتهى التواضع، فسنبلة القمح كلما امتلئت تواضعت، ولم يرد صحفي أو إعلامي في حياته مثلاً، وحتى في آواخر أيامه، عندما أصيب بضعف في السمع كان يستعين بابنته رقيه لترفع صوته لتبلغه بالسؤال المراد منه، ليجيب عنه.

 عملت أيضاً مع الفنان فؤاد المهندس في أكثر من مسرحية.. فما ذكرياتك معه على خشبة المسرح؟

نعم، كان عاشقاً للمسرح، ومتعاوناً جداً مع فريق المسرحية، وأتذكر مرة أثناء عرض مسرحية سيدتي الجميلة أن الفنان حسن مصطفى نسي جملة في أحد المشاهد التي تجمعه بالعملاق فؤاد المهندس، الذي انتبه لنسيان الفنان حسن مصطفى، فارتجل حواراً قال فيه: ابتعد عني الآن واخرج في الجنينة اشرب قهوة، حتى يمنح حسن مصطفى فرصة لمراجعة دوره المكتوب، وتذكر الجملة التي نسيها، وبالفعل راجع مصطفى المشهد وعاد لاستئناف المشهد، مع امتنانه لموقف عملاق الكوميديا فؤاد المهندس رحمه الله.

 ما المواقف التي لا تنسى خلال مسيرتك كمهندسة ديكور مسرحية؟

أثناء عرض مسرحية قصر الأحلام على مسرح التيلفزيون عام 1963، بطولة الفنانة فاتن أنور وإخراج الفنان محمود مرسي، أمرت أن تلغى الحفلة بسبب نقص قطعة من الديكور إلا أن الفنان حمدي غيث عملاق المسرح الكبير أخبرني أنه لا يمكن إلغاء العرض المسرحي، حتى لو مات أبطال العرض أنفسهم، فاقتنعت بكلامه وتم عرض العمل.

 لماذا اعتزلتِ تصميم الديكور المسرحي الآن؟

بعد أعمالٍ تجاوزت 200 مسرحية، قررت التفرغ للفن التشكيلي الذي أعشقه، وأحبه أيضاً.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها