التراث الثقافي غير المادي الإماراتي

ركيزة في حفظ الفنون الشعبية والعادات التقليدية

محمد مصطفى الشامي

 

يعتز الإماراتي بتراثه الذي تركه له الأجداد، فالتراث هو شيء راسخ في ذاكرة الإنسان وقلبه وعقله، ويصنع منه حاضراً مميزاً يفخر به بين الأمم. والتراث ليس فقط المباني المشاهدة والأماكن التي تركها الأجداد، بل أيضاً يشمل العادات والتقاليد التي تدل على كرم وأخلاق الشعب الإماراتي وهو التراث غير المادي، والمتجذر في العادات والتقاليد.
 

والتراث غير المادي -حسب اليونسكو- تقاليد أو أشكال التعبير الحية الموروثة من أسلافنا والتي ستنقل إلى أحفادنا، مثل التقاليد الشفهية، وفنون الأداء، والممارسات الاجتماعية، والطقوس، والمناسبات الاحتفالية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، أو المعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية.

وتتميز الإمارات بتراث ثقافي غير مادي غني في مجالات الأدب الشفهي والفولكلور والتقاليد والمعتقدات الشعبية والحرف والأعمال اليدوية التقليدية والأغاني والرقصات، بالإضافة إلى الألعاب والرياضات الشعبية والفنون الاستعراضية، التي تعد جزءاً من الحياة اليومية في المجتمع الإماراتي، إلى جانب غناها بالتراث المعنوي الذي يتمثَّل في الحِرف والصناعات التقليدية والزي الإماراتي والأغاني والرقصات والرياضات التقليدية والأكلات الشعبية الإماراتية والحياة البحرية.

ويُحفَظ هذا التراث عبر الأجيال جيلاً بعد جيل، فتتناقله الأجيال تقليداً واتباعاً ومشافهةً، ويبقى راسخاً في نفوس الصغار والكبار.

وتكمن أهمية التراث الثقافي غير المادي في كونه ركيزة مهمة في الحفاظ على التنوع والتراث الثقافي في عصر التقنيات، فالتراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر.

ولا تكمن أهمية التراث الثقافي غير المادي في مظهره الثقافي بحد ذاته؛ وإنما في المعارف والمهارات الغنية التي تنقل عبره من جيل إلى آخر، والقيمة الاجتماعية والاقتصادية التي ينطوي عليها هذا النقل للمعارف، وهي تهم الأقليات مثلما تهم الكتل الاجتماعية الكبيرة، وتهم البلدان النامية مثلما تهم البلدان المتقدمة.

ويحتضن التراث الثقافي الإماراتي مجموعة من المظاهر والعناصر التراثية الغنية من فنون وحرف شعبية، والتي أدرجت دولة الإمارات تسعة منها بقائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، وما زال العمل على إدراج العناصر المتبقية جارياً، وتشمل العناصر كلاً من: العيالة، العازي، المجلس، الرزفة، الأداء، السدو، التغرودة، الصقارة، القهوة العربية.

فن العيالة

تُعد العيالة من أكثر فنون الأداء الشعبية انتشاراً في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويُؤَدِّي هذا الفن الرجال والصبية الذين يحملون عِصي الخيزران، ويتحركون في انسجام مع إيقاع الطبول المنتظم، وتُقام عروض العيالة في حفلات الزفاف والمناسبات الوطنيّة والاحتفالات الأخرى.

فن العازي

يعود أصل هذا الفن إلى الاحتفالات بالنصر، حيث كان يُلقى في ساحة المعركة، ثم توارثته الأجيال عبر مئات السنين، ويتكوَّن شعر العازي من أبياتٍ مقفّاة على غرار الشعر العربي التقليدي، مع اقتباس الأقوال المأثورة، والأمثال في بعض الأحيان، ويؤدي هذا الفن مجموعة من الرجال الذين يقودهم الشاعر الذي يمتلك صوتاً جهورياً مع مجموعته التي تردّد معه.

المجلس

يعدُّ المجلس جزءاً مهماً في حياة الإماراتيين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو بمثابة المنتدى الذي يجمع أفراد المجتمع مع شيوخ القبائل وكبار السن لمناقشة القضايا المتنوعة والشؤون اليومية، كما يعقد التجار والقضاة والخبراء مجالسهم الخاصة بهم، وكانت هذه المجالس تفتح عادة من الصباح الباكر وحتى صلاة الظهر، ثم تعود لتُفتح مرة أخرى ما بين العصر إلى المغرب، وفي وقتنا الحاضر تستمر حتى العاشرة ليلاً.

الرزفة

يُؤَدَّى هذا الفن في الاحتفالات والمناسبات الوطنية والاجتماعية، حيث تُعدُّ الرزفة من الفنون الشعبيّة الإماراتية التي تجمع بين الشعر والرقص باستخدام عِصِي الخيزران الرفيعة، بينما اعتاد الناس في الماضي على استخدام السيوف والخناجر بدلاً من العِصِي في أداء هذا الفن. وانتشرت الرزفة في جميع أرجاء الإمارات، واجتازت المدن والمناطق الساحلية والجبلية، بعد أن كانت محصورة بين القبائل وسكان منطقة الظفرة غربي إمارة أبوظبي.

الأداء

يصطف الرجال والصبية الذين يُطلق عليهم "الرزيفيّن" على شكل صفَّين متقابلين بينهما مسافة 10-20 متراً، حيث يجتمع عازفو الطبول والآلات الموسيقية بجانبهم يُؤدِّي الرزيفة رقصتهم حاملين عِصي الخيزران الرفيعة، بينما تقف "النعّاشات" وهي مجموعة من الفتيات اللاتي يرتدين الفساتين المزخرفة التقليدية، ويضفين سحر الجمال والإيقاع، وهنَّ يتمايلن بشعورهن على أنغام الموسيقى. ويبدأ العرض بمجموعة صغيرة من الأفراد، ثم سرعان ما يزداد العدد.

حرفة السدو

يعد السدو من الحرف التي يشتهر بها أهل البادية في المناطق الشحيحة للموارد الطبيعية في شبه الجزيرة العربية، ويستخدم في حياكة هذا النسيج البدوي التقليدي وبر الإبل وشعر الماعز وصوف الأغنام، ويصنع منه البطّانيات والسجاد والوسائد والخيام وزينة رِحال الإبل.

فن التغرودة

تعود أصول فن التغرودة إلى البيئة الصحراوية، والمناطق الجبلية، والقرى الريفية في دولة الإمارات العربية المتحدة كأحد أنماط الشعر المرتجل الذي يشدو به الحداة (ركاب الإبل والخيل) والرعاة، واليوم نجد هذا الفن منتشراً في أنحاء الدولة.

الصقارة

عُرِفَت الصقارة في المنطقة العربية منذ 4000 سنة مضت، ومارسها البدو في بواديهم لا سيما صحراء دولة الإمارات العربية المتحدة وشبه الجزيرة العربية باعتبارها أحد أشكال الصيد المهمة في أرض شحيحة بالموارد الطبيعية، إلا أن دور الصقارة في المجتمع قد تغير مع الزمن، وترتبط رياضة الصيد بالصقور بالقيم النبيلة والشجاعة والفخر والمجد الذي تتسم به القيم العربية المرتبطة بهذه الرياضة.

القهوة العربية

يُعد تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي عامة والمجتمع الإماراتي خاصة، فضلاً عن كونها رمزاً للكرم، وظلت القهوة العربية تُشكل جزءاً أساسياً من الثقافة العربية على مدار قرون عدة، وتتميز طريقة تحضيرها وتقديمها بتقاليد وطقوس دقيقة.

وترمز القهوة العربية إلى الكرم وحسن الضيافة التي يتميز بها المجتمع الإماراتي؛ ما جعلها متأصلة بقوة في التقاليد الإماراتية.

ويوجد غير هذه الكثير من العناصر يجري العمل على تسجيلها في اليونسكو ومنها: نخيل التمر، من حيث المعرفة والمهارات والتقاليد والممارسات، وسباق الهجن، والعادات الاجتماعية والتراث الاحتفالي المتعلق بالإبل، ونظم الأفلاج للريّ في الإمارات العربية المتحدة، والتقاليد الشفهيّة والمعارف والمهارات المتعلقة بتشييدها وصيانتها والتوزيع العادل للمياه، والخط العربي: المعارف، والمهارات، والممارسات.

وتبذل دولة الإمارات العربية جهوداً كبيرة في حفظ التراث غير المادي، حيث تعمل على ترسيخ المهرجانات التراثية والثقافية كرسالة للأجيال الحاضرة والمقبلة، مفادها أن صون التراث العريق والمحافظة على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، يعد أحد أهم مقومات الحفاظ على هويتنا الوطنية ورصيدنا الحضاري والإنساني.

فالتراث غير المادي إذن؛ من المجالات المهمة التي تعمل دولة الإمارات على تعزيزها توثيقاً لها وربطاً للأجيال بالماضي، لتزرع في قلوب جيل اليوم عاداته الطيبة الحسنة من إكرام الضيف واستقباله، وغير ذلك من عادات متبعة في كل مناسبة يحتفل بها الإماراتيون.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها