هل سنتبادل الأدوار؟!

مستقبل العيش مع دميةٍ ذكيةٍ

ترجمة: عبدالله بن محمد

بقلم: ماغي جاكسون Maggie Jackson

 

قَبلَ عِقدٍ مِنَ الزَّمن، أمْسكَ بِيدي روبوتٌ تَمَّ تَطويرُه في مُختبر MIT Media Lab كخادمٍ منزليٍّ أوليٍّ. كان "دومو" Domo بِلا أرْجُلٍ ودمج على طاولةٍ ولكنَّهُ كانَ يستطيعُ التَّحدُّثَ وتعقُّب الوجوه وفَهم الأشياءِ بلطفٍ مثلَ الأكواب واللَّوحاتِ. في اليوم الَّذي زُرتُ فيه المعمل، لمست "دومو" لأرى كيفَ ستكونُ ردةُ فعله تجاهي، وسرعانَ ما حرَّكَ أصابعه الفولاذية ومسك بيدي. لقد سحر عيني.
 



دومو الروبوت هو عمل_الدكتوراه_لـ آرون إدسينغر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعلوم الذكاء الاصطناعي
Domo the robot was the doctoral work of Aaron Edsinger at MIT's Computer Science and Artificial Intelligence Lab. (Photo by John B. Carnett/Bonnier Corporation via Getty Images)


الآن، لم تَعُد الروبوتات كائناتٍ نادرةً ومحصورةً في المُختبرات، ففي عام 2018، تطورت المبيعاتُ العالميَّةُ من الروبوتات الخدمية بنسبة 60 في المائة تقريباً مقارنةً بالعام السَّابقِ لتصلَ إلى 16.6 مليون روبوت بقيمة 13 مليار دولار تَقريباً، وِفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات. وبفضلِ التَّقدُّم في الذَّكاء الاصطناعي والدِّقة في البرمجة حتَّى يكتسِب رُدوداً "عاطفيةً"، أصبحتْ الروبوتات تُشاركُنا في العمل والتَّدريب والمُرافقة بشكلٍ مُتزايدٍ. ومع ذلك، ورغم تعقيدها المتزايد، لم تُقنعنا بما تمسكه اليدُ بعد. وإذا كان هناك روبوتٌ يَغُشُّ أثناء اللَّعب مع إنسان مثلاً، فلن يحتاج سوى لوضع أصابعه على شفتيه –في إشارة حتى لا نفضح فعلته- ويقنعنا بعدم الإبلاغ عن ما ارتكبه، ويتأثر جنودنا حُزناً عندما يتم تدمير روبوتاتهم الخاصة بالكشف عن القَنابل، والَّتي تشبه في الغالب شاحنات لعب صغيرة.

لا يهم ما يبدو عليه الروبوت، ننسى بسرعةٍ أنَّهُ على حدِّ تعبير عالم الروبوتيات جيل برات، "مثل دمية مجوفة"، ذكية لكن لا يمكن أن تضاهينا ولا تقدر على تبادل الحب أو الرعاية. الإنسانية تتوق منذ العصور القديمة إلى خلق مخلوقات مستقلة في صورتها. الآن بدأت التَّجرِبة الكبرى. من سيستفيد، ومن سيربحُ، ومن الَّذي قد يخسر؟

تَحمِلُ مثل هذه الأسئلة حاجةً ملحةً للمعرفة، في الوقتِ الَّذي وجد فيه بعضُ أضْعف أفراد المجتمع البشري أنفسهم في الخطوط الأمامية للجهود المبذولة لجعل الروبوتات جزءاً من الحياة اليومية.

وبعد مرور عشرينَ عاماً على ظهور كلب Aibo الآلي من شركة سوني، تَعملُ الروبوتات على التخفيف على الأطفال المرضى في المستشفيات، وتعليم الأطفال المصابين بالتوحد المهارات الاجتماعية، والعمل كمرافقين ومساعدين وحيوانات أليفة لعلاج كبار السن. في الواقع، تعد شيخوخة سكان العالم السريعة مُحركاً رئيساً لنمو صناعة روبوتات الخدمات. ومع ذلك، فإنَّ تفويضَ بعض أكثر أشكال الرعاية الإنسانية تحدياً للأجهزة ذاتية الحكم، قد يُفضي إلى تهديد كرامة وحرية الأشخاص الَّذين يحاول المجتمع مساعدتهم.

هناك مثال بارو Paro، الطفل الروبوت المستخدم في مرافق رعاية المسنين منذ عام 2003، وفي كثير من الأحيان مع أولئك الذين يعانون من العاهات المعرفية مثل الخَرَف، ورغم أنَّه من الضَّرُوري إجراء المزيد من الأبحاث، إلا أنَّ الدِّراسات أظهرت أنَّ الكائنات الفروية يمكنها أن تُقلِّل من الإجهاد، وتُعزِّزَ الحالة النفسية عن طريق اللَّمس، وتحفِّزَ مشاركة المرضى في بيئتهم، ففي مركز أسترالي لكبار السن، كانت ردود أفعال السكان المصابين بأمراض عقلية قوية تجاه بارو؛ "عيونهم تتألق"، هكذا وصفهم أحد المعالجين بالترفيه في حواره مع أحد الباحثين.

ولكن هل هذا مقياس عادلٌ لقيمة الروبوت في المجتمع إذا قسنا نجاحه بردودِ أفعالِ من هُمْ أقلُّ قدرةً على اختيار كيفية وتوقيتِ استخدامه؟ قد يكون انتصاراً وهزيمةً للبشرية على حد سواء إذا فاز روبوتٌ على فئةٍ عرضة للخداع بسهولةٍ أكثرَ من غيرها من خلال خيال "العناية". يتم تسويق Paro كتدخل غير دوائي للاكتئاب والقلق والخَرَف، ومع ذلك تصنفه وزارة الزراعة الأمريكية كجهاز طِبّي، وهي نقطةٌ خلافية تبرز كيف أن آثاره ونوايانا غير واضحة حتى الآن.

قبل أنْ نَفهم من الذي قد يستفيد من الروبوتات، يجب أن نوضح ما نسعى إليه من هذه المخلوقات الميكانيكية، الآن وفي المستقبل، ففي الآونةِ الأخيرةِ فقط بدأتْ استشارةُ كبارِ السن لمعرفة رأيهم في تصميم الروبوتات المخصَّصةِ لخدمتهم، وقد ظلت هذه الميزة مفقودةً عبر التَّاريخ لمستخدمي التكنولوجيا، وتوجدُ بالفعل فجوةٌ كبيرةٌ بين ما يريده كبار السن وما تقدمه الروبوتات. يدرك المسنون جيِّداً أنَّ الرفقة الآلية تُصنع في الغالب لأولئك الذين يعانون من الضعف العقلي والوهن البدني والوحدة والنَّظرة النَّمطية للشيخوخة الَّتي يرفضها كبار السن. في إحدى الدِّراسات التي أجرتها مجموعة التركيز الأمريكية مُؤخراً، قال معظم المشاركين إنهم على استعداد لفتح منازلهم أمام الإنسان الآلي، لكنهم يرغبون في الروبوت الذي قد يُساعد في تعزيز حياتهم الاجتماعية البشرية، لا أن يُقدِّمَ نفسه كصديق حميم لهم.

يتساءل المستهلكون وبعض الروبوتات أيضاً عما إذا كان صنع روبوتات "ساحرة" تشبه الإنسان قد يحفّز الأفراد على التهرب من مسؤولية العناية المتبادلة، ويَعتقدُ حوالي 65 في المائة من الأميركيين أنَّ هذه الأجهزة ستزيد من الشعور بالعزلة لدى كبار السن، وِفقاً لاستطلاع أجراه مركز Pew للأبحاث عام 2017. عندما يبتسم مسنٌّ حزينٌ أو مريضٌ لرؤية إنسانٍ آليٍّ أو لمجرد توقُّع زيارته، فقد يكون من السَّهل على أحد الأقارب أو الأصدقاء الاستغناء عن واجب المواساة تجاه المسن. "لن أذهب لزيارة أمي... يوم الخميس، هل يمكن أن تأخذي [الروبوت] إليها؟" هكذا أخبرت ابنة أحد السُّكان أحد المعالجين في منشأة تستخدم الرفقة الآلية، من خلال افتراض أن الرعاية الآلية هي بديلٌ مساوٍ للإنسان، فقد تنخفضُ مستويات "التعاطف" أو "الوجود" في ثقافتنا، كما أشار الناقد التكنولوجي شيري توركلي.

مثلُ هذه المخاوِف تُغذي القلق العام: يفضِّلُ ستون في المائة من مواطني الاتحاد الأوروبي فرض حظر على رعاية الروبوت للأطفال والمسنين أو المعاقين، في حين يقول غالبية الأميركيين إنهم لن يستخدموا مقدّمي الرعاية الآلية لأنفسهم ولا لأحدِ أفراد أسرهم.

إنَّ مساعدةَ المستضعفينَ في أيِّ مُجتمعٍ مهمة معقَّدةٌ للغاية، لكن يجب علينا الحذر من تفويض الروبوتات كشركاء لنا في هذا العمل حتى لا نضعف ​​أنفسنا كبشر، ينبغي أن يكون الهدفُ هو تصميم الأجهزة التي تعزِّزُ ازدهار الإنسان، بدلاً من مجرد معالجة أوجه القصور المفترضة، قد يعني هذا، على سبيل المثال، إنشاء روبوتات تلتزم بالهدوء عندما يتفاعل البشر مع بعضهم البعض، وبالتالي التخلي عن مهمتها في التغذية العاطفية التي نحتاج إليها أكثر من غيرها.

ولفهم أيِّ شيءٍ بشكلٍ كاملٍ "نحن لسنا بحاجةٍ إلى القرب فقط وإنما الابتعاد مسافة"، كما كتب الفيلسوف والتر أونج ذات مرة. كان يشير إلى تأثير الكتابة على الثقافة، ومع ذلك فإن كلماته يمكن أن تلهمنا اليوم في نقاشاتنا حولَ التَّفاعل اليومي مع الروبوتات؛ من المغري الاقتراب من هذه المخلوقات، ومع ذلك يجبُ أن نحافظ على مسافة لتصحيح وجهة نظرنا بشأنها.

يمكننا القيام بذلك، بعد أن نضعَ نُصبَ أعيننا أولاً أنَّ تأثيرات التكنولوجيا على الحياة هي مزيجٌ من التوترات والمفاضلات والعواقب غير المقصودة، لهذا السبب من الأهمية بمكان أن ننظر إلى أبعد من لحظات السِّحر والاعجاب، والتركيز على القضايا الأوسع التي تُثيرها علاقاتنا مع هذه الآلات: القيم غير المعلنة المضمنة في تصميمها؛ وآثارها على المدى الطويل على مفاهيمنا للرعاية الجيدة؛ والفجوات الرقمية الجديدة التي قد تظهر. (يعتقد اثنانِ وأربعون في المائة من الأميركيين أن مقدمي الرعاية الآلية سوف يلجأ إليها من لا يستطيعُ تحمل تكاليف المساعدة الإنسانية فقط، وِفقًا لاستطلاع Pew). مستقبلاً، يجب ألا نهمل درساً قدمته التكنولوجيا منذ فترة طويلة: الضغط على زر "تشغيل" في آلة هي بداية فقط للتحكم في قدراتها.

ثانياً، لا يمكننا دمجُ الروبوتات بحكمة في المجتمع إلا من خلال التعرف بوضوح على الحدود الفاصلة بين الجنس البشري والآلات، وفي هذا الصدد، تعد ُّالشفافية عُنصراً أساسيّاً، في الوقت الذي احتدم فيه الجدال بين بعض الروبوتيين البارزين. إنَّ المُمارسةَ الروتينية في وصف الروبوت ذي البطارية المنخفضة "بالمريض" أو الإشارة إلى المخترع باعتباره "مقدم رعاية" للروبوت قد يزيد من المغالطة بأن هذه الأجهزة إنسانية، ومخادعة من شأنها أن تحبط جهودنا لمعرفة حدود وقوى التكنولوجيا والإنسانية على حد سواء. "على الانترنت، لا أحد يعرف أنك كلب"، بهذه العبارات كنا نمزح ذات مرة، ونحن نحتفل بنكهة الافتراضي، ولكن كما تعلمنا عبر الانترنت، فإنَّ معرفة الشخص أو الشيء الذي نتعامل معه أمر بالغ الأهمية لتعزيز الكرامة الإنسانية في العلاقات والتفكير.

وفي المستقبل، قد يسحرنا كُلَّ يومٍ روبوت جديد، كما كُنَّا منذُ زمنٍ بعيد، لكن لا يجب أن يجرفنا التَّيارُ بعيداً، نحتاجُ إلى طرح أسئلةٍ أكثرَ صرامةً عن وُجهات نظر أكثرَ تنوعاً حَولَ تكاليف ومكاسب العيش مع هذه الاختراعات المذهلة، وعندها فقط يُمكننا البدْءُ في الإجابة على واحدة من المعضلات الأكثر أهمية، والتي تواجه المجتمع اليوم، ألا وهي: متى نأخذ الروبوت؟ ومتى نتركه؟




© المصدر: https://www.newphilosopher.com/product-category/issues

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها