في طرائف الأعداد ونوادرها

العدد "7" وأسراره في التراث العربي "نموذجاً"

د. عوض علي مرسي الغباري

التفت إلى خصوصية العدد "7" خلال تطوافي ببعض المصادر العربية مما دفعني إلى البحث عن سر هذا العدد. ووجدت ذلك في كتاب متفرد في التراث العربي عنوانه: "سكر دان السلطان"، ألّفه ابن أبي حجلة1. ومعنى "سكر دان" إناء السكر.
وابن أبي حجلة التلمساني الأصل هو شهاب الدين أحمد بن يحيى، وُلد بتلمسان سنة 725هـ، واستوطن مصر وبرع في الأدب شاعراً وناثراً، وألّف كتباً كثيرة أهمها: ديوان الصبابة، ومنطق الطير. واسمه مرتبط بالحجلة وهي طائر كالحمام أحمر المنقار والرجلين. وسكر دان السلطان هو الكتاب الذي أهداه إلى سلطان مصر المملوكي السلطان حسن بن الناصر بن قلاوون الذي حكم مصر من سنة 748-753هـ، ثم من 755-762هـ.

ويدور هذا الكتاب في معظمه حول العدد 7، وأهميته في تاريخ مصر وأحداثها. وقد جعله ابن أبي حجلة في مقدمة وسبعة أبواب، تناول في الباب الأول خاصية العدد 72، ذاكراً شرفه ومزيته على غيره من الأعداد، وفصَّل ذلك من سبعة أوجه، أولها أن السبعة أول الأعداد الكاملة، والثاني أن العرب تبالغ بالسبعة، والثالث أنها لغة فصيحة لبعض العرب3، والرابع ما أورده ابن عطية في تفسيره، وقد جعل الله السبعمائة والسبعين والسبعة مواقف ونهايات لأشياء عظام، فلذلك جعلها العرب نهايات، كما في قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، ليس المراد بذكر السبعين هنا حداً محدوداً لوجود المغفرة بعدها؛ وإنما على وجه المبالغة بذكر هذا العدد4. ومن ذلك قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، وقد أكثر الله من ذكر السماوات والأرض في كتابه العزيز، وذلك يدل على عظم شأنهما، وعلى أن له سبحانه فيهما أسراراً عظيمة، وحكماً بالغة لا تصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم5.
ومن ذلك أيضاً، قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}6. أمَّا الوجه الخامس لشرف العدد (7) كما بيَّنه ابن أبي حجلة فهو أن هذا العدد عدد مقنع لأنه في السماوات والأرض وفي خلق الإنسان وفي رزقه وفي أعضائه7. والسادس قوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن يأكل في مِعى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء"، وفي هذا إشارة إلى قلة الأكل وكثرته من غير إرادة السبعة بخصوصيتها كما قال الإمام فخر الدين الرازي8. السابع ما أَلهمه ابن أبي حجلة من استقراء حال هذا العدد9.
وقد جعل ابن أبي حجلة كتابه هذا حافلاً بذكر العدد (7) في كل الموضوعات التي طرقها. فتحدث في الباب الثاني عن السلطان حسن سابع السلاطين في أسرته، وفي الباب الثالث عن إقليم مصر وصلة العدد 7 به، وأتبع ابن أبي حجلة الأبواب السبعة من كتابه بأبواب سبعة أخرى تناول فيها قصة يوسف مع ربط بعض أحداثها بالعدد 7، وكذلك قصة موسى وفرعون في الباب الثانى. وقد أتبع ابن أبي حجلة كلّ باب من الأبواب السبعة الأولى والثانية بسبع طرائف، أو أخبار مستظرفة أو غرائب أمور، وجعلها بعنوان: "خاتمة الباب وسجع طائره المستطاب".

وقد أتى ابن أبي حجلة بصورة كاملة لارتباط قصة يوسف بالعدد في دراسته لقوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}10.

ومن طرائف وغرائب ما ذكره عن سيرة الحاكم بأمر الله وارتباطها بالعدد أنه لبس الصوف سبع سنين، وأمر بإيقاد الشمع ليلاً ونهاراً مدة سبع سنين، ومنع النساء من الخروج سبع سنين وسبعة أشهر، وكان يقرأ نَسَبَه على المنبر كل جمعة، وكل سبعة أيام، وقُتِل وهو يلبس سبع جبات بعضها فوق بعض11.

ومن نماذج دراسات ابن أبي حجلة في إطار العدد 7 أن السماوات سبع والأرضين سبع، والطواف بالبيت الشريف سبع، ورمي الجمار سبع، وأبواب جهنم سبعة12، وهلُمّ جراً.
وقد خصَّ ابن أبي حجلة الباب السابع من أبوابه السبعة الثانية لسبع زهرات تجتمع بمصر في صعيد واحد، وختم كتابه الطريف بذكر ما قيل فيها من منظوم ومنثور وهي النرجس، والبنفسج، والبان، والورد، والزهر، والياسمين، والورد النصيبـيني13.

وكتاب سكر دان السلطان لابن أبي حجلة نادر لاشتماله على أنواع مختلفة من جد وهزل، وبيان وتبيين، وغرائب وعجائب، ومنها ما عاينه.
وقد أشار ابن أبي حجلة أنه ألف هذا الكتاب مما لم يُسبق إليه14.

ومن أهم ما أورده عن العدد (7)، إضافة إلى ما سبق، أنه استقرأ ما وقف عليه من كتب العلم والتفسير والحديث والتاريخ وغير ذلك فلم ير عدداً مذكوراً دائراً على الألسنة أكثر من هذا العدد15.

ومن طريف ما ذكره ابن أبي حجلة أن الأسد إنما قيل له سبع لأن قوته ضوعفت سبع مرات16.

وقد غزا الرسول صلى الله عليه وسلم سبع غزوات هي: غزوة بدر، وأحد، والخندق، وبني قريظة، والمصطلق، وخيبر، والطائف17.

وسُمِّيت سورة الفاتحة: "السبع المثاني" لأنها سبع آيات18.

قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المَثَانِي وَالْقُرْآنَ العَظِيمَ}19.

ومن طرائف ما ذكره ابن أبي حجلة عن العدد (7) أن المتنبي افتخر بسبعة أشياء في بيت واحد هي قوله المشهور:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم

وأن أبا الحسن الجزار، الشاعر المصري الظريف قلَّده بسبعة أشياء طريفة في قوله:
فإن يكن أحمد الكندي مُتّهَماً ... فاللّحم والعظم والسكِّين تعرفني
بالفخر يوماً فإني غير مُتّهَم ... والخلع والقطع والساطور والوضم20

وكانت القاهرة سبع حارات، وهي: حارة زويلة، وحارة الروم، وحارة الديلم، وحارة كتامة، وحارة بهاء الدين، وحارة برجوان أحد أمراء الحاكم الذي بنى جامع القاهرة داخل باب النصر سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وحارة العرب21.

ومن المعتقد الشعبي في مصر أن بالقرافة شجرة تُعرّف بالإهليلجة في جامع محمود بسفح الجبل المقطم، "تقبل النذر، ومن النساء مَن يأخذ منها سبع ورقات، وينذر لها، يفعل ذلك من النساء مَن تريد الزواج"22.

وكان في جزيرة الفيل مكان يعرف بالهمائل، وهو "عبارة عن سبع سواقٍ تدور بالماء أيام النيل للفرجة"23.

وعن هرمي مصر نُقِل عن المسعودي أن في كل هرم منهما سبعة بيوت على عدد الكواكب السبعة السيارة، كل بيت منها باسم كوكب ورسمه24.

ويمضي كتاب سكر دان السلطان لابن أبي حجلة على هذا النحو الرائع، بأسلوب سلس، ومنطق عذب، وجمال في البديع، خاصة السجع، وتشويق في التورية، وقدرة على تحقيق جماليات التناص، خاصة بالقرآن الكريم.

وهو إلى كونه اختص بأسرار العدد (7) حفل بكثير من أهم أحداث تاريخ مصر، خاصة العصر المملوكى. كما حفل الكتاب بكثير من الطرائف والنوادر اقتضتها طبيعة الموضوع، وهو من الموضوعات النادرة في التراث العربي اهتماماً بالعدد (7) خاصة.


الهوامش
1. ابن أبي حجلة: سكر دان السلطان، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، مصر، الطبعة الأولى، 2001. / 2. راجع مقدمة علي محمد عمر محقق كتاب (سكردان السلطان) لابن أبي حجلة، ص: 3، 12، وشوقي ضيف، عصر الدول والإمارات، دار المعارف، مصر، 446-447. / 3. راجعها بالتفصيل، ابن أبي حجلة، سكردان السلطان،ص: 13. / 4. المصدر السابق، 14، وراجع نماذج أخرى نفس الصفحة. / 5. المصدر السابق، ص: 15. / 6. راجع تفصيلها، المصدر السابق، ص: 15، 16. / 7. راجع تفصيلها، المصدر السابق، ص: 16. / 8. المصدر السابق، نفس الصفحة. / 9. راجع تفصيله، المصدر السابق، ص: 16-18. / 10. راجع المصدر السابق، من ص: 107-ص: 133، ومقدمة المحقق ص: 8. / 11. راجع المصدر السابق، من ص: 167 إلى ص: 178، ومقدمة المحقق ص: 9. / 12. مقدمة المحقق، ص: 10.    / 13. راجعه سكردان السلطان، من ص: 207 إلى ص: 225. ولم يوضح الفرق بين نوعي الورد، ولم يشرح معنى الورد النصيبيني، أما بالنسبة للزهر فقد عنى به زهر الثمر كزهر النارنج، وزهر اللوز، وقد أورد في زهر النارنج شعراً للقاضي الفاضل، ص: 212، وفي زهر اللوز شعراً لتميم بن المعز في نفس الصفحة. / 14. سكر دان السلطان، ص: 5. / 15. السابق، ص: 18. / 16. سكردان السلطان، ص: 24. / 17. المصدر السابق، ص: 89. / 18. المصدر السابق، ص: 90. / 19. سورة الحجر، الآية: 87. / 20. سكر دان السلطان، ص: 182. / 21. السابق، ص: 193. / 22. سكر دان السلطان، ص: 194. / 23. السابق، ص: 198. / 24. السابق، ص: 199.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها