من نَوادرِ المخطُوطات العُمانيّة

المحفوظة بوزارة التُّراث والثقافة

عماد بن جاسم البحراني



يتناول هذا الكتاب نوادر المخطوطات العمانية المحفوظة في دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة العمانية. وقد سعى المؤلفان من خلال هذا الكتاب إلى إبراز نماذج من نوادر المخطوطات العمانية وفقاً لمعيار "النادرة" التي جاءت في عنوان كل فصل. ولم يكن الاقتصار على المخطوطات العمانية تأليفاً أو نسخة من قبيل إقصاء النفائس الأخرى من التراث الإسلامي التي تحتفظ بها دار المخطوطات، بل من قبيل تبيان خصوصية التراث الفكري العماني، ومحاولة سد بعض الثغرة الحاصلة جراء غيابه في الأوساط العلمية، قياساً بعموم التراث الإسلامي.



وقد اعتمد الكتاب في مادته على أهم المخطوطات النادرة التي تحتفظ بها دار المخطوطات العمانية، والتي تحتوي على ما يناهز خمسة آلاف مجلد، تعتبر بمجموعها أكبر خزانة للتراث الفكري العُماني في العالم. كما بَين المؤلفان المعايير التي اعتمداها؛ لاعتبار ندرة المخطوط كالأقدمية، وندرة الموضوع، وندرة نسخ الكتاب وغيرها.

وقسم المؤلفان الكتاب إلى تسعة فصول، تناول الفصل الأول من الكتاب مخطوطات المصحف الشريف التي خطتها أقلام النساخ العمانيين، حيث تحتوي دار المخطوطات على حوالي 200 نسخة منها، يأتي في مقدمتها "مصحف القراءات السبع" بخط عبدالله بن بشير الحضرمي، وهو أحد علماء مدينة صحار في القرن 12هـ.

فيما تضمن الفصل الثاني نماذج من المخطوطات الموقعة، وهي المخطوطات التي كتبها مؤلفوها، أو التي عليها توقيعات العلماء على كتبهم، أو كتب غيرهم بإجازتها أو التعليق عليها أو تصحيحها، وتعد مثل هذه التوقيعات شهادة للمخطوط بصحته وتقديمه على غيره. وندرة هذا النوع من المخطوطات يأتي من كونها النسخ الأصلية التي انتهى إليها مؤلفوها، وهي أمهات النسخ التي يعتمد عليها في التحقيق.

وتحتفظ دار المخطوطات بعدد وافر منها، ومن تلك النماذج كتاب "خزانة الأخيار في بيوعات الخيار" لعبدالله بن محمد الخراسيني (ق11هـ)، و"النور المستبين في إيضاح الحجم والبراهين" لعبدالله بن بشير الحضرمي (ق12هـ).

وتطرق الفصل الثالث لمخطوطات "المجاميع النادرة"، وهي المجلدات التي تحوي مواد متنوعة، قد تتحد في موضوعها وقد تفترق، وقد تتشابه في خطوطها وبيانات نسخها وقد تختلف، وهي من الأهمية بمكان؛ إذ تضم بين دفتيها أحياناً نصوصاص مجهولة غير مكتشفة. ومن المجاميع النادرة في دار المخطوطات: مجموع سير المسلمين أو السير العمانية في ثلاثة أجزاء، ومنثورة جوابات المشايخ في الفقه لمؤلف مجهول.

أما الفصل الرابع من الكتاب فقد عرض لنماذج من أقدم المخطوطات العُمانية التي تحتفظ بها دار المخطوطات، وفي طليعتها أقدم مخطوط عُماني مما تم الكشف عنه حتى الآن، وهو مجموع في السير والجوابات، منسوخ في القرن السادس الهجري سنة 531هـ. يليه كتاب "الحل والإصابة" لمحمد بن وصاف النزوي مؤرخ حرد متنها بسنة 600هـ.

فيما تناول الفصل الخامس من الكتاب ندرة نسخ الكتب المخطوطة، والتي اعتراها عوار عبر الزمن، شوهت معالمها، وأتلفت أوراقها، وطمست خطوطها، وبعضها لم يبق له أي أثر. وتحتفظ دار المخطوطات ببعض النسخ النادرة من هذه الكتب، ككتاب "التبصرة" في الفقه لصالح بن وَضَّاح المنحي (ت875هـ)، وجوابات الشيخ أحمد بن مفرج البهلوي (ق9هـ) في الفقه، وكتاب "الإيجاز" في الفقه لأحمد بن خليل السيجاني (ق10هـ).

واستعرض المؤلفان في الفصل السادس نماذج من المخطوطات المزخرفة والمصورة، التي يَقِلُّ حضورها في التراث العُماني المخطوط قياساً على حجمه، ومقارنةً بحجمها في عموم التراث الإسلامي. وهذا الصنف من المخطوطات يتميز بالزخارف والصُّوَر والجداول والأشكال التوضيحية. وتتباين الغايات منها في المخطوطات، فبعضها عائد إلى إبداع جمالي يتأنق فيه النُساخ، وبعضها يهدف إلى توضيح مادة النص. ومن الأمثلة عليها في دار المخطوطات: كتاب "الاستقامة" في أصول الدين لأبي سعيد الكدمي (ق4هـ)، وكتاب "الحج" لأبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي.

وحمل الفصل السابع عنوان "مخطوطات بخطوط جميلة" استعرض فيه المؤلفان عددًا من النماذج التي تبرز جماليات الخط عند النُّسّاخ العُمانيين، كمخطوطة "مكارم الأخلاق وجواهر الأعلاق" في المختارات الشعرية لمؤلفه عامر بن غريب العقري النزوي، و"الكواكب الدرية في تسبيع البردة البوصيرية" لعبدالله بن عمر البيضاوي (ت685هـ)، وقد كتبها الناسخ: سعيد بن محمد بن سالم الغيثي الحارثي، ونسخة ديوان الغَشْرِي بقلم الخطاط الماهر محمد بن عبدالله الخليلي (ق13هـ).

وخصص المؤلفان الفصل الثامن من الكتاب للمخطوطات الخزائنية، وهي الكتب التي نُسِخت للملوك والسلاطين والأمراء، وحُفِظت في خزاناتهم الخاصة. وتمتاز هذه المخطوطات بجودة خطها ووضوحه، مع تجليد راق متميز، وتزدان بأشكال زخرفية، أو تزين بالذهب والألوان، وهذا النوع من المخطوطات قليل في عمان؛ نظراً لأن عمان عبر تاريخها الطويل لم تعرف القصور ومظاهر البذخ والترف إلا في حالات نادرة. ومما تحتفظ به دار المخطوطات من "المخطوطات الخزائنية": مجموع دواوين للشعراء الجاهليين منسوخ للملك فلاح بن محسن النبهاني (ق10هـ)، وديوان المعولي للشاعر محمد بن عبد الله المعولي (ق12هـ) منسوخ للإمام سيف بن سلطان الأول.

وتناول الفصل التاسع والأخير المخطوطات نادرة الموضوع، لكونها تُعد من أهم سمات المخطوطات النادرة، لاسيّما وأن التراث الفكري العُماني يغلب عليه التأليف في علوم الشريعة الإسلامية، ويتضاءل في حقول المعرفة الأخرى، وأبرز هذا الفصل نماذج من مخطوطات الفلسفة والمنطق، والفلك وعلوم الطب، بالإضافة إلى "نسخ الأفلاج" التي تعد ميزة حضارية لأهل عمان.

ختامًا؛ يُعد كتاب "نوادر المخطوطات العُمانية" إضافة مهمة للمكتبة العمانية، ومحاولة جادة للتعريف بنوادر المخطوطات في سلطنة عُمان وإبرازها للعالم، لتنقل صورة عن القيمة العلمية والمعنوية للتراث الفكري العُماني، وتكشف عن صفحة من سِفْر الحضارة العُمانية.



التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها