مُعرب العلوم.. علي مصطفى مشرّفة

[1898-1950]

مرابط محمد



 

مشرّفة.. في سطور

من هو مشرّفة؟ هو علي مصطفى مشرفة رياضياتي وفيزيائي مصري، ولد في مدينة دمياط في 11 جويلية (يوليو) 1898، كان الابن البكر لوالده أحد وجهاء مدينة دمياط وأثريائها، ومن بين المتأثرين بأفكار جمال الدين الأفغاني (1838-1897) ومحمد عبده (1849-1905). تلقى مشّرفة تعليمه الأول على يد والده ثم في مدرسة أحمد الكتبي، وكان دائماً من الأوائل في دراسته، وخلت طفولته من كل مباهجها، وفي هذا يقول مصطفى أمين (1914-1997)1 "يقول دائماً إن طفولته خلت من كل شيء بهيج، كانت أمه تقول له إن اللعب مضيعة للوقت".

فقد والده وهو في سن الحادية عشر، فوجد مشرّفة نفسه رب عائلة مؤلفة من والدته وأخته وثلاثة أشقاء، التحق بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضى فيها سنة في القسم الداخلي، بعدها انتقل إلى المدرسة السعيدية في القاهرة أين تحصل على الشهادة الثانوية (الكفاءة) سنة 1912، وعلى القسم الثاني (البكالوريا) سنة 1914 محتلاً المرتبة الثانية التي أهلته يومئذ للانتساب إلى دار المعلمين العليا التي تخرج منها بعد ثلاث سنوات في المرتبة الأولى، فاختير سنة 1917 من طرف وزارة المعارف العمومية ضمن بعثة علمية على نفقتها إلى بريطانيا، وبالضبط في جامعة توتنجهام University of Nottingham التي تحصل منها في ثلاث سنوات (بدل أربع) على شهادة البكالوريوس في الرياضيات، ولم تُشغله دراسته وأبحاثه على متابعة الأوضاع في مصر والتفاعل معها، حيث كتب إلى صديقه محمود فهمي النقراشي (1888-1948) (من زعماء ثورة 1916 بقيادة "زعيم الفلاحين" سعد زغلول (1858-1927))، يعلن فيها رغبته في العودة إلى مصر لنصرة الثورة، وكان جواب النقراشي له "نحن نحتاج إليك عالماً أكثر مما نحتاج إليك ثائراً، أكمل دراستك ويمكنك أن تخدم مصر في جامعات إنجلترا أكثر مما تخدمها في شوارع مصر2". ولقد ساهمت نتائج بحوثه إلى متابعة مشرفة دراسته بكلية الكينغ كوليج King’s college بجامعة لندن سنة 1920 ليحصل منها بعد ثلاث سنوات على الدكتوراه في فلسفة العلوم Ph.D بإشراف العالم الفيزيائي الشهير -صاحب جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1927 - تشارلس توماس ويلسون (1869-1959) Charles T. Wilson، ثم حصل عام 1924 على دكتوراه العلوم D.Sc من جامعة لندن، وهي أعلى درجة علمية يومئذ. عاد إلى مصر سنة 1925، وقد عُين أستاذاً للرياضيات بمدرسة المعلمين العليا، ثم أستاذاً للرياضة التطبيقية في كلية العلوم سنة 1926، ثم انتخب كأول عميد لكلية العلوم في سنة 1936، وانتخب للعمادة أربع مرات متتالية، ووكيلاً لجامعة القاهرة سنة 1946.

لُقِّب مشرّفة ﺑ"آينشتاين العرب" لنبوغه وبروزه في الفيزياء النووية، ولُقِّب أيضاً برائد النهضة العلمية الحديثة وعالم الذرة.. هي ألقاب لمشرفة حازها نظير تفوقه وتمييزه في مجالات الفيزياء النووية. وقد حصل على لقب البشاوية سنة 1946 من الملك فاروق (1920-1965).

 إسهاماته العلمية 

نشر مشرّفة أول بحثين له في عام 1922، وبهما نال درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم Ph.D. وفي عام 1923 قدم مشرفة سبعة أبحاث في ميكانيك الكم حصل من خلالها درجة دكتوراه العلوم. D.Sc. لقد كانت أبحاث مشرّفة تدور حول تفسير ظاهرتي العالمين الألماني جوهانس شتارك (1874-1957) Johannes Stark والهولندي بيتر زيمان (1865-1943) Pieter Zeeman حول الحقل الكهربائي والنظرية الكميّة، فتوصل إلى نتائج أصيلة ذاع صيته بفضلها على الصعيد العالمي. كما كانت له أبحاث حول نظريات الكمّ والذرة والإشعاع والديناميكا قدرت بنحو أربعة وعشرون بحثاً. وفي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي درس مشرفة معادلات الرياضياتي الأسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل (1832-1879) James Clerk Maxwell والنسبية الخاصة، وكان له عدة مراسلات مع الألماني ألبرت أينشتاين (1879-1955) Albert Einstein. لقد نشر مشّرفة نحو أربعة وعشرون ورقة علمية أصلية في مجلات علمية مرموقة، وكانت موضوعات بحوثه تدور حول نظرية النسبية والعلاقة بين الإشعاع والمادة. كما نشر مشرّفة ما يقارب من اثني عشر كتاباً علمياً حول النسبية والرياضيات. تُرجمت جُلّ كتبه عن نظرية النسبية إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبولندية. وله عدة نظريات علمية أشهرها نظرية الإشعاع والسرعة حيث ذاع صيته بها، ويعتبر مشرّفة واحد من عشرة علماء بالعالم ناقشوا آينشتاين في النظرية النسبية.

كما ترجم مشرّفة عشرة كتب عن علم الفلك والرياضيات إلى اللغة العربية. كما كان مشرفة مهتماً بتاريخ العلوم، وخاصة دراسة مساهمات علماء العرب في القرون الوسطى. وقد عمل جاهداً على تحويل تدريس الرياضيات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية مساهماً بوضع قاموس إنجليزي-عربي للمصطلحات العلمية.

لمشرّفة عديد المقالات حول الحياة والحضارة والفلسفة وتاريخ العلوم في الصحف والمجلات التالية: الأهرام، الجديد، المقتطف، الرسالة، مجلتي، الهلال، الجهاد، كليوباترا، العلوم، الدستور، الشؤون الاجتماعية، الثقافة، الإصلاح الاجتماعي، الحديقة والمنزل، المصوّر، رسالة العلم، مجلة تاريخ العلوم، الزمان.

✧ نشاطاته 

انضم مشّرفة سنة 1924 لعضوية الجمعية الملكية لعلم الفلك في لندن، كما كان أحد الأعضاء المؤسسين للمجمع المصري للثقافة العلمية سنة 1930، وأحد مؤسسي الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية سنة 1936، إضافة لرئاسته للمعهد المصرى لتقدم العلوم سنة 1942.

ويعتبر مشرّفة أول من دعا إلى البحث عن معدن اليورانيوم بصحراء مصر الشرقية، وأول عميد كلية أقام مهرجاناً للعلم بكلية العلوم في مصر، ومعرضاً للطاقة الذرية وتاريخ العلوم عند العرب.

كما كان لمشرّفة علاقة مميزة مع الأديب طه حسين (1889-1973)، حيث يقول محمود علي مكي (1929-2013) في جريدة الأهرام (14 مارس 2000): "وكان هو ورفيق رحلته طه حسين فرسي رهان في النهوض بالحياة الجامعية... هو في ميدان العلوم وطه حسين في ميدان الآداب. وقد ربط بين الرجلين تقدير متبادل ومواقف متماثلة من السلطة؛ إذ كانا في تمسكهما بالحق ودفاعهما عن كرامة الجامعة لا يخشيان لومة لائم".

كما كان لمشرّفة نشاطات أخرى حيث يقول مصطفى أمين بخصوصه: "عرفت الدكتور مشرّفة سياسياً وشاعراً وفيلسوفاً وأديباً قبل أن أعرفه عالماً. كنت أحس معه أنني في حضرة دائرة معارف من عدة أجزاء، كل جزء مخصص في فن من الفنون أو علم من العلوم"3.

أهم مؤلفات مشرّفة

لم تثن المسؤوليات التي تقلدها مشرفة والتدريس بالجامعة عن التأليف، حيث ساهم بإثراء المكتبة العربية بكتب علمية نستعرضها كالآتي:
◅ كتاب الميكانيكا العلمية والنظرية بمعية عبد الرحمن كامل فهمي (1937).
◅ كتاب الهندسة الوصفية بمعية محمد إلهامي الكرداني (1937).
◅ قاموس مختارات ترجمة العلوم، إنجليزي-عربي بمعية محمد عاطف البرقوقي (1938).
◅ كتاب الرياضيات البحتة بمعية محمد مرسي أحمد ونصيف سعيد (1938).
◅ تحقيق كتاب الجبر والمقابلة لمحمد بن موسى الخوارزمي (781-847)؛ بمعية محمد مرسي أحمد بعد أن عثر عليه في مكتبة بـأكسفورد (1938).
◅ كتاب مطالعات علمية والذي طبع مرات عديدة، ويشمل أزيد من عشرين مقالاً نشرها المؤلف في الصحف المجلات حول الفيزياء وتاريخ بعض علماء العرب والمسلمين (1943).
◅ الهندسة المستوية والفراغية بمعية عبد الرحمن كامل فهمي (1944).
◅ حساب المثلثات المستوية بمعية عبد الرحمن كامل فهمي (1944).
◅ كتاب الذرة والقنابل الذرية (1945).
◅ كتاب نحن والعلم وهو عبارة عن مقالات ومحاضرات لمشرّفة في شتى مواضيع العلم والـتاليف، والرأي العام والبحث العلمي (1945).
◅ كتاب النظرية النسبية (1945).
◅ كتاب العلم والحياة وهو عبارة عن سلسلة من الأحاديث الإذاعية والمحاضرات التي لها علاقة بالعلم والصناعة، والساسة والمال والشباب (1946).
◅ كتاب الهندسة وحساب المثلثات، بمعية عبد الرحمن كامل فهمي (1947).

مقالاته العلمية

لقد كان لمشرّفة مقالات وأبحاث ذائعة الصيت نال بها ثناء وتقدير علماء عصره نذكر منها:
• عن ظهور المكونات غير المتناظرة في تأثير شتارك (المجلة الفلسفية، العدد: 43، ص: 943) – عام 1922.
• عن تأثير شتارك على المجالات الكهربية القوية (المجلة الفلسفية، العدد: 44، ص: 371) – عام 1922.
• عن نظرية الكوانتم لتأثير زيمان المعقد (المجلة الفلسفية، العدد: 46، ص: 177) – عام 1923.
• عن التقريب الثاني لنظرية الكوانتم لتأثير زيمان البسيط (المجلة الفلسفية، العدد: 46، ص: 514) – عام 1923.
• تأثير شتارك على المجالات القوية (المجلة الفلسفية، العدد: 46، ص: 751) – عام 1923.
• عن نظرية الكوانتم لتأثير زيمان البسيط (مجلة وقائع الجمعية الملكية، العدد 102، ص: 529) – عام 1930.
• عن الديناميكا الكمية للأنظمة التالفة (مجلة وقائع الجمعية الملكية، العدد: 107، صفحة 237) – عام 1925.
• الشرح الكمي لثلاثية زيمان (نيتشر، العدد: 199، ص: 96، رقم 2907، 18 يوليو) – عام 1925.
• حركة إلكترون لورنتز كظاهرة موجية (نيتشر، العدد: 124، ص: 726، رقم 3132، 9 نوفمبر) – عام 1929.
• الموجات المادية والإشعاعية (مجلة وقائع الجمعية الملكية، العدد: 131، ص: 335) – عام 1931.
• هل يمكن للمادة والإشعاع أن يكونا جانبين من نفس العالم أو الحالة؟ (زيوريخ، سويسرا) عام 1932.
• بعض الرؤى عن العلاقة بين المادة والإشعاع.
• أنماط الموسيقى في مصر الحديثة (نيتشر، رقم 135، صفحة 54-549) – عام 1937.
• الأسطح الموجية المرتبطة بخطوط العالم (وقائع الجمعية الفيزيائية الرياضية بمصر، العدد: 2، رقم 2) – عام 1943.
• معادلات ماكسويل وسرعات متغيرة للضوء (وقائع الجمعية الفيزيائية الرياضية بمصر، العدد: 1، رقم 1) – عام 1937.
• عن مقياس موجب محدد في النظرية الخاصة للنسبية (وقائع الجمعية الفيزيائية الرياضية بمصر، العدد: 2، رقم 4) – عام 1944.
• الأكاديمية المصرية للعلوم (نيتشر، العدد 157، صفحة 573، رقم 3992، مايو) – عام 1946.
• التحولات المخروطية (وقائع الجمعية الفيزيائية الرياضية بمصر، العدد: 2، رقم 3) – عام 1944
• مبدأ عدم التحديد وبنية خطوط العالم (وقائع الجمعية الفيزيائية الرياضية بمصر، العدد 2، رقم 1) – عام 1944.
• منحنيات النقص الكتلي في القوى النووية (نيتشر، العدد: 164، 15 أكتوبر) – عام 1949.

وفاته

توفى مشرّفة في 16 يناير 1950 ببيته إثر أزمة قلبية، وشُيعت جنازته من ميدان الإسماعيلية بقصر النيل، وقامت حوالي ثلاثين هيئة بنعيه بالصحف المصرية، كما قام آينشتاين نفسه بنعيه، وأنشأت حكومة المملكة المتحدة في بريطانيا منحة تعليمية لدراسة الدكتوراه تحت اسم "نيوتن-مشرفة" تكريماً وتخليداً له. كما سميت عدة أماكن في مصر باسم مشرّفة، منها شارع في القاهرة كان يسكنه، وشارع في الإسكندرية، وآخر في دمياط مسقط رأسه، وحمل المدرج الأول في كلية العلوم اسمه، وكذلك مكتبة الرياضيات بجامعة القاهرة.

كما نعته جريدة "الأهرام" في عددها بتاريخ 17 يناير عام 1950 على صفحتها الرابعة تحت عنوان: "الدكتور مشرفة باشا" مع صورة له، حيث جاء في إحدى صفحاتها: "رُوعت المحافل العلمية أمس بوفاة العالم المصري مشرفة باشا، عميد كلية العلوم في جامعة فؤاد الأول، والحجة العالمي في الرياضيات والبحوث العلمية المتفرعة عليها، فقد فقدت بوفاته إماماً من أئمتها ولواء من ألويتها، كما فقدت مصر بفقده علماً من أعلام نهضتها العلمية، أعلى من شانها، ورفع ذكرها، وكان عنواناً كريماً لعلمائها في الأوساط الدولية المعنية بشؤون العلم والعرفان".

أما طه حسين (1889-1973) فنعاه قائلاً: "... فقد فارقنا مشرّفة... ولكم مصر كلها امتحنت في علم من أعلامها، ومن أعظم أعلامها ارتفاعاً وبعد ذكراً في الآفاق... فأمثال مشرّفة من النابغين النابهين الذين يرفعون ذكر أوطانهم والذين يضيفون إلى الكنوز الإنسانية في العلم والمعرفة، أمثاله قليلون، إذا خسرهم الوطن فلا بد من صبر طويل وانتظار متصل قبل أن يظفر بمن يخلفهم..."4.

تذكر بعض المصادر أن آينشتاين قال عندما بلغ مسامعه موت مشرّفة: "لا يمكن أن أصدق بأن مشرّفة مات. إنه حي من خلال أبحاثه. نحن بحاجة إلى قدراته؛ إنها خسارة جسيمة... كان عبقرياً. لقد اعتدت على تتبع أبحاثه في الطاقة الذرية.. إنه حقاً واحد من أكبر علماء الفيزياء"5.

 


هوامش: 1. الجوادي محمد محمد: مشرّفة بين الذرة والذروة، ص: 11.2. المرجع السابق، ص: 12.3. انظر المرجع السابق، ص: 11.4. انظر المرجع السابق، ص: 55.5. أنظر المرجع السابق، ص: 56.
المراجع: 1. الجوادي محمد محمد: مشرفة بين الدرة والذروة، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2002.2. سبّاق أحمد عبد الرحمن: عميد العلم في مصر والشرق... المغفور له علي مصطفى مشرّفة باشا، القاهرة، 1950.3. مشرّفة عطية: الدكتور علي مصطفى مشرّفة... ثورة خسرها العالم، مركز كتب الشرق الأوسط، القاهرة، 1966.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها