ظهيرة مشْتعلة!

الواجب الأخلاقي أمْ المصْلحة الذّاتيّة؟!

حسام حسني بدار

"ظهيرة مشْتعلة" High Noon –الذي صدر عام 1952، من إنتاج ستانلي كريمر، وإخراج فريد زينمان، وبطولة غاري كوبر وغريس كيلي– هو واحدٌ من أعظم أفلام الغرب الأمريكي، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق.

ماذا يحدث عندما تتجاذب المرء نزعتان جوهريّتان: الواجب الأخلاقي من جهة، والمصلحة الذّاتية من جهة أخرى؟! هذا بالضبط ما يعالجه فيلم "ساعة الظّهيرة" High Noon.
 

في هادليفيل، البلدة الصغيرة في إقليم نيو مكسيكو، يستعدّ المارشال ويل كين Will Kane (غاري كوبر Gary Cooper)، والمتزوج حديثاً من آمي فاولر Amy Fowler (غريس كيلي Grace Kelly)، للتقاعد بعد خمس سنوات من الخدمة. يخطط الزوجان السعيدان للمغادرة فور زفافهما للذهاب إلى مدينة أخرى ليتمكنا من إنشاء أسرةٍ وفتح متجرٍ بسيطٍ يعيشان منه. في تلك الأثناء، تصل الأخبار إلى البلدة بأنّ الخارج عن القانون فرانك ميلر (أيان مكدونالد)، الشرير الذي أرسله كين إلى السجن في وقتٍ مبكر من حياته المهنية، قد تمّ العفو عنه بتهمة القتل، وسيصل قريباً في قطار الظهيرةعصابة ميلر –شقيقه الأصغر بن (شب وولي)، مع اثنين آخريْن من الخارجين عن القانون– كولبي (لي فان كليف) وبيرس (روبرت ويلك)، ينتظرون وصوله إلى محطة القطار. يتذكّر كين أنّ ميلر، عند الحكم الصادر ضدّه، أقسم على الانتقام يومًا ما.

بالنسبة لآمي، المسالمة، الحل بسيط: مغادرة المدينة قبل وصول ميلر. لكنّ إحساس كين بالواجب والشرف قويّ جداً بالنسبة له ولا يمكنه التخلّي عنه. قال لها: "إنهم يريدونني أن أهرب، وأنا لمْ أهرب من أيّ شخص من قبْل". إلى جانب ذلك، كما يقول، سيطارده ميلر وعصابته على أيّ حال ويقتلونه. وأنه على الأقل في البلدة، يمكنه القتال على أرض مألوفة. آمي تعطي زوجها إنذاراً نهائياً: إنها ستغادر في قطار الظهيرة معه أو بدونه.

يزور كين جميع أصدقائه وحلفائه القدامى، لكن لا أحد يستطيع (أو مستعدّ أنْ يقدّم) المساعدة: القاضي بيرسي ميتريك (أوتو كروجر)، الذي حكم على ميلر، استقال من منصبه وهرب على ظهور الخيل، وأخبر كين أنه ما من أحدٍ سيقدّم له أو لنائبه هارفي بيل (لويد بريدجيز) الحماية. كما أنّ بيل، الذي يشعر بالمرارة من كين لأنه لمْ يوصِ بخلافته، يخبره بأنه لن يقف معه إلّا إذا أجبر مجلس البلدة على جعله المارشال الجديد. يرفض كين المقايضة، ويسلّم بيل شارته.

يزور كين الصالون المحلّي والكنيسة بحثاً عن تعيين نوّاب مؤقّتين، فقط لمواجهة الخوف والعداء. أصرّ بعض سكان البلدة، ممّن كانوا قلقين من أنّ القتال بالأسلحة النارية قد يضرّ بسمعة المدينة، وأصرّ من كانوا منزعجين من التزام كين الصّارم بالقانون (الذي أدّى إلى خروج العديد من الشركات المربحة) على ترْك ميلر وشأنه. ويجادل البعض الآخر بأن كين غير كفءٍ، وخذل المدينة من خلال عدم الاحتفاظ بعددٍ كافٍ من النوّاب.

يتعاطف آخرون مع ميلر ويحتفلون علانيةً بزوال كين الوشيك.. عندما يذهب كين لإرجاع سام فولر(هاري مورغان)، أحد النوّاب الذين استقالوا ، يختبئ ويجعل زوجته تكذب وتقول: إنه ليس في المنزل. يعرض جيمي (ويليام نيوويل)، النائب السابق المدمن على الكحول الذي فقد إحدى عينيه برصاصة، المساعدة. لكنّ كين يرسله إلى المنزل، معتبراً أنه غير جديرٍ بالثقة إلى حدٍّ كبير. يطلب العمدة هندرسون (توماس ميتشيل) من كين مغادرة المدينة والسماح للمارشال الجديد بالتوصّل مع ميلر إلى صفقةٍ في الغد. سلف كين، مارتن هاو (لون تشاني)، يصبح رجلاً لاذعاً وساخراً، ويقول: إن التهاب المفاصل لديه أصبح متقدّماً ممّا يعني أنه لا يستطيع القتال.

يوافق هيرب بيكر (جيمس ميليكان) على أنْ يتمّ تفويضه، لكنه يستسلم لجبنه ويستقيل عندما لا يتطوع أحد.. يأتي عرض المساعدة الأخير من صبيّ في الرّابعة عشر، يُعجب كين بشجاعته لكنه يرفضه. أثناء انتظار القطار في الفندق، تلتقي آمي بمالكة الصالون، هيلين راميريز (كيتي جورادو)، التي تخبرها بأنّ كين لو كان رجلها لمْ تكن لتتخلى عنه وقت شدّته.

تعتري بيل الغيرة والغضب عندما يجد كين في الاسطبل المحلّي، ويسرق حصاناً طالباً منه بإصرار أنْ يمتطيه ويفرّ خارج المدينة، بينما ما يزال بإمكانه ذلك. تصبح محادثتهما جدالًا، ثم تتحوّل إلى شجارٍ بالأيدي. أخيراً يلقي كين بنائبه السابق إلى الأرض فاقد الوعي ويدير ظهره له إلى الأبد. يعود كين، وقد تخلّى الجميع عنه، إلى مكتبه ويجهّز وصيته الأخيرة، بينما تدقّ الساعة ببطءٍ مقتربة من ساعة الظهيرة، ويطلق سراح السجين الوحيد المتبقّي لديه قبل أنْ يغادر مكتبه.

يذهب كين إلى الشارع لمواجهة ميلر وعصابته بمفرده، في واحدةٍ من أكثر اللقطات شهرةً في تاريخ السينما. يرتفع المشهد ويتّسع ليُظهر كين وهو يقف وحيداً في شارع مهجورٍ في بلدةٍ مهجورة. يبدأ القتال بالأسلحة النارية، ونرى كين وهو يطلق النار على كولبي ويرديه قتيلًا. بينما كان القطار على وشك مغادرة المحطة، تسمع آمي صوت إطلاق النار، فتقفز عائدة إلى البلدة، بينما كانتْ تراقبها هيلين. يتمكن كين من قتل بن ميلر قبل أن يشعل فرانك النار في الحظيرة التي يختبئ فيها، ويحاصره في متجر صانع السروج. آمي تأخذ مسدس بيل من مكتب المارشال، وتطلق النار على بيرس في ظهره أثناء إعادة قيامه بتعبئة مسدسه. يقتحم فرانك ويمسك بآمي، مستخدماً إياها كدرعٍ بشريٍّ لإجبار كين على الخروج. آمي تخدش وجه ميلر بأظفرها فيدفعها على الأرض. يغتنم كين الفرصة فيطلق النار مرّتيْن على صدر فرانك، مما أسفر عن مقتله.

كين يساعد عروسه على النهوض على قدميها ويتعانقان.. عندما يظهر سكان البلدة ويتجمّعون من حوله، يحدّق فيهم بازدراء، يلقي بنجمة المارشالية إلى التراب، ويستقلّ هو وآمي عربتهما.. ويغادرا البلدة.
 

فيلم "ظهيرة مشْتعلة" بعيدٌ كلّ البعد عن أفلام رعاة البقر التقليدية: هنود حمر، فرسان يمتطون الخيول، بنادق، رصاص، حانات، سكارى، مشاجرات... إنه أعمق من ذلك بكثير لما يتناوله من صفاتٍ إنسانية: الشجاعة/ الجبن، الخير/ الشر، الواجب الأخلاقي/ المصلحة الذاتية خلال مدّة عرْضه البالغة 85 دقيقة. استقبل هذ الفيلم بترحابٍ كبير من النقاد، وفاز بأربع جوائز أوسكار: أفضل ممثّل، أفضل مونتاج، أفضل موسيقى تصويرية، أفضل أغنية..
وقد لعبتْ أغنية الفيلم -التي لاقتْ شعبية كبيرة في الولايات المتحدة- دوراً واضحاً في نجاح الفيلم. كما لاقى الفيلم نجاحاً باهراً على الصعيد التجاري، فقد أنتج بميزانية متواضعة قدرها 730000 دولار، في حين حقق إيراداتٍ في شبك التذاكر فاقتْ الـ12 مليون دولار.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها