الفنّان "الزناتي".. أُحاوِلُ ارتجالَ الكلمات والألحان على المسرح

حوار مع الفنان الشعبي الزناتي عزالدين

حاوره: الأمير كمال فرج


كنت –كغيري- أعتقد أن الغناء الشعبي يقتصر على كبار السن، من الفنانين الذين ورثوا هذا الفن عن الآباء والأجداد، ولكن في السنوات الأخيرة ظهر جيل من الشباب يقدم الفنون الشعبية، ويضعون عليها لمساتهم، ويحققون شهرة كبيرة.
 

◅  من هؤلاء الشاعر والفنان الشعبي الزناتي عزالدين ابن محافظة سوهاج التي خرجت العديد من الفنانين الشعبيين، ورواة السيرة الهلالية الذين نقلوا هذه الفنون الشعبية الجميلة إلى القاهرة، بل وإلى عدد من الدول العربية من خلال العديد من الفعاليات والمهرجانات.

◅  والزناتي ابن عائلة احترفت الفنون الشعبية، فوالده هو راوي السيرة الهلالية الشاعر الراحل عزالدين نصرالدين الذي عرف في الثمانينيات والتسعينيات، وكان من أبرز رواة السيرة الهلالية هو وعميد رواة السيرة جابر أبو حسين، وإليهما يرجع الفضل في تصحيح السيرة والحفاظ عليها.

◅  في هذه البيئة الفنية نشأ الزناتي، وفي سن السابعة بدأ في الظهور مع والده في الحفلات كعازف ربابة، وبعد وفاة الوالد، تولى أمر الفرقة الموسيقية التي حمل رايتها الوالد عن الجد، وبدأ هو وشقيقه الجامعي الشاعر عز في استكمال المسيرة الفنية.

كشف الزناتي (33 عاماً) في حوار مع "الرافد" الكثير من عالم الفن الشعبي، وسبب تسميته "الزناتي"، وكيف يصنع الربابة بنفسه من الخشب وذيل الفرس والخيزران، وطريقة أدائه التي تعتمد على ارتجال الشعر واللحن، وآراء أخرى في هذا الحوار.



 كيف كانت بدايتك مع الإنشاد الشعبي؟

أنا الزناتي عز الدين فنان شعبي وعازف على الربابة، أقدم الإنشاد الشعبي، نشأت في قرية برخيل التابعة لمركز البلينا في محافظة سوهاج التي تعرف بمحافظة الفن الشعبي، ونحن عائلة تحترف الفنون الشعبية، فوالدي فنان شعبي، وأخي الفنان عزّ يقدم السيرة الهلالية، وابن عمي أيضاً الشاعر محمد عزت راوي السيرة الهلالية.

بدأت في هذا المجال في سن سبع سنوات، مع والدي الشاعر والرواي الراحل عزالدين نصرالدين رحمه الله، وقد أخذت الفن الشعبي الذي يسري في الدم وراثة عن الأب والجد.

بدأت بالعزف على الربابة، بعد أن عشقتها منذ الصغر، كانت مثل اللعبة بالنسبة لي، وفي سن الثامنة بدأت أخرج مع والدي في الأفراح، والمناسبات، من خلال الفرقة الموسيقية الخاصة به، ولقيت التشجيع من الجميع، وظللت مع الوالد حتى السنة السادس عشرة، وبدأت أسافر معه في رحلات فنية خارجية، فسافرت معه إلى الجزائر. وبعد أن توفى الوالد توليت إدارة الفرقة، وبدأت في أداء الفن الشعبي، وبينما أخذت عن الوالد الفن الشعبي، أخذ شقيقي عزّ عنه السيرة الهلالية.

درست حتى المرحلة الإعدادية، ثم توفي الوالد فلم أكمل، أما أخي عزّ فقد أنهى المرحلة الثانوية وسوف يدخل كلية الدراسات الإسلامية.

 حدثنا عن الوالد الراوي الكبير عزالدين نصرالدين، ورحلته مع الفن الشعبي، وإلى أي مدى وصلت؟

والدي الشاعر الراحل عزالدين نصرالدين السوهاجي، وكانت شهرته "الصعيدي"، وكان أحد شعراء السيرة الهلالية الكبار، في الصعيد ومصر، شارك في مهرجانات فنية تراثية عديدة في دول كثيرة، وصحبته في رحلته الأخيرة إلى الجزائر.

نشأ والدي مع جدي نصر الدين وكان شاعراً أيضاً، وأخذ عنه السيرة الهلالية، وفي محافظة سوهاج كانت وزارة الثقافة تقدم عروضاً عن السيرة الهلالية، فتواصل والدي مع عدد من الشخصيات المهتمة بالتراث الشعبي في القاهرة، ومنهم الأديب وأستاذ اللغة العربية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، ومن خلال هذه الاحتفالات برز والدي واكتشفه الفنانون الكبار، فانتقل إلى القاهرة، وبدأ في رواية السيرة الهلالية في المعالم التاريخية والتراثية مثل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وبيت السحيمي، وبيت القاضي، وبعض قصور الثقافة في القاهرة، مع الشاعر والباحث مسعود شومان رئيس تحرير مجلة "الثقافة الجديدة"، وأستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب جامعة القاهرة الدكتور محمد حسن عبدالحافظ، وبدأ الوالد يشارك في مهرجانات تراثية خارجية، ومن هنا ازدادت شهرته في مصر وخارجها.

 ما خلفية اسمك "الزناتي" هل هو اسم فني أم حقيقي؟

الزناتي اسمي الحقيقي، وسمّاني به والدي رحمه الله تيمناً وحباً بشخصية "الزناتي خليفة" بطل "السيرة الهلالية"، ومن المعروف أن السيرة تعتمد على الصراع بين أبوزيد الهلالي بطل بني هلال، والزناتي خليفة بطل بلاد الغرب "تونس"، وفيما يحظى أبو زيد بشهرة وتأييد في الشرق، ينحازون في بلاد المغرب العربي للزناتي.

 عادة ما يؤدي الفنون الشعبية والسيرة الهلالية الفنانون الكبار، ما سبب إقبال الشباب عليها، وكيف يقابل الجمهور ذلك؟

في الصعيد هناك اهتمام كبير للفنون الشعبية، ولا أبالغ إذا قلت إنه شغف حقيقي، يحبون أيضاً الأغاني التي أرتجلها خارج السيرة، فمثلاً يمكن أن أقدم أغاني للشباب من تأليفي، عن الحب والزمن والأصحاب، فيقابل الشباب ذلك بإعجاب شديد، ولن تصدق إذا قلت إنه يتم حجزي لتقديم حفلات الأفراح بالسنة مقدماً، ويتركز حب الفن الشعبي في الصعيد.
ورغم ذلك لم نحصل على حقنا بعد في المجال الفني في القاهرة، خاصة الإذاعات والقنوات التلفزيونية، الذين يهتمون بنا ويسمعوننا ويحتفون بنا هم أهلنا في الصعيد. أما القاهرة فأذهب إليها لتقديم حفلات في شهر رمضان فقط، عندما تطلبي وزارة الثقافة، وبقية حفلات السنة كلها في الصعيد. الصعايدة يعشقون الفن، وأفراحهم لا تخلو من هذا الفن الشعبي والسيرة الهلالية.

 ماذا عن فرقتك، وما الأدوات الموسيقية المستخدمة والكلمات والألحان؟

فرقتي تعتمد على الارتجال، سواء من حيث الكلمات أو الألحان، أثناء الأداء نرتجل الأناشيد، وفرقتي تفهمني في ذلك، كل شغلنا ارتجال، يأتي من "الصفا"، عندما نصفو على المسرح يأتي الفن وحده، وحتى أعضاء الفرقة توارثوا الفن، أباؤهم كانوا مع أبي، وجدودهم كانوا مع جدي، نشأنا معاً، فنحن شقيقان وابن خالي وابن عمي وعمي، ليس هناك أحد غريب، لذلك لا نعد بروفات، كل شغلنا ارتجالي، ونحن "عشرة" يفهم كل منا عن الآخر ما نقدمه من فن ارتجاليّ.

والفرقة تتكون من ثمانية أفراد، ثلاثة في عزف ربابة، وعازفان في الإيقاع، وعازفان للدفوف، إضافة إلى الشاعر والفنان.

 ما نوعية الأغاني أو الأناشيد أو المدائح التي تقدمها، من أين تأتي بهذه النصوص؟

الإنشاد الذي أقدمه بعضاً منه أخذته عن والدي، والبعض الآخر إما نؤلفه، أو نرتجله، فمثلاً وأنا أقدم الحفلة يمكن أن أرتجل الأغنية بنفسي، ليس لنا كاتب ولا نغني كلام أحد.

 هل يمكن أن نصفك بالفنان الشعبي أم مؤدي شعبي، أريد أن أعرف الفرق بين الفنان الشعبي والقوّال، والصييت، والمداح؟

أنا فنان شعبي أقدم فناً شعبياً "فرايحي"، وأحيي حفلات الزفاف، وفي الوقت نفسه أقدم المديح النبوي، ووضعنا نحن يختلف عن الإنشاد، وهو مجال خاص، أما أنا فأقدم الفن الشعبي الذي يضفي الفرح على الحفل، أفرّح العريس، وأحكي عن الأصحاب.

في موال عن الصحاب أقول: "الصاحب اللي عملته أخ فين هوه، أكل متاعي وأكل العيش فناه هوه، نكر جميلي وحبل الود فين هوه"، وفي أغنية فرايحي للعريس أقول: "للعريس والعريس فرحان وأنا أغني للعريس، شوفوا العريس ومحبينه، زي القمر يضوي جبينه، والنبي عايق ينصر دينه، فرحان وبأغني للعريس".

وفي الحب أقول: "غزاله ماشية على البحر والبر راق ليها/ هي غزاله ياناس.. ما أحلى الحنّه في رجليها / حبيبي يانور العين أسمر كحيل العين / أنا دايب من كلمتين، قولولي أروح على فين".

 سمعت لك أغنية عن ابن العم، فما الحكاية؟

هذه أغنية عن أولاد العم أصبحت ترند في الصعيد، من تأليفي، أقول فيها "أولاد عمي يا أولاد عمي، أولاد عمي يارجاله، يلّي معايا في أي حكايه، لو في مره أنا دعيت، بلقى في ظهري أنا رجاله"، وهي أغنية مهرجانات حققت مشاهدات كثيرة على يوتيوب.

 شاركت في مهرجان تراثي في الشارقة، حدثنا عن هذه التجربة؟

شاركت في سبتمير عام 2014 في مهرجان تراثي في إمارة الشارقة في دولة الإمارات، وتحديداً في منطقة كلباء، وكان رئيس الوفد المصري الدكتور محمد حسن عبدالحافظ، وكانت مشاركة جميلة، واستقبلنا بحفاوة من الجمهور الإماراتي والعربي. والشارقة راعية الفنون التراثية، وتنظم العديد من الفعاليات التي تهتم بالفنون الشعبية، ونتابع كفنانين هذه الفعاليات التي تساهم في تطور الفن الشعبي.

وأتذكر في الشارقة حسن الاستقبال، والحفاوة الكبيرة التي قوبلنا بها، نعم البلد، ونعم الشعب، ونعم الاستقبال، استقبال لم نره في أي دولة، أقمنا فيها 11 يوماً، كانت من أجمل الأيام، وكان الجمهور متجاوباً معنا، وتم تكريمنا.. كانت أحلى أيام.
 

 من أين تحضر الأدوات الموسيقية وخاصة الربابة؟

نحن نقوم بتصنيع الربابة يدوياً، ولدينا خرّاط خاص، يقوم بتنفيذ تصميم الربابة الذي نحدده، الخرّاط يصنع عامود الربابة، بعد ذلك أكوّن أنا البقية، مثل جوز الهند، والوتر الذي أعزف عليه، يستخرج من ذيل الفرس، أما القوس الذي نعزف فيه باليد، فتصنع من الخيرزان.

 هل تتذكر عدد الحفلات التي قدمتها، وما أبرز المواقف التي مررت بها؟

أنا أعمل في هذا المجال منذ 25 سنة، لذلك لا أستطيع عدّ الحفلات التي قدمتها، وأنا عادة ما أبدأ حفل الأفراح الساعة التاسعة مساء، وأنتهي الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

والمواقف الطريفة أو الصعبة التي مريت بها كثيرة، مثلا أذهب إلى الفرح، فأجد شخصاً توفي، فأغادر، أو أبدأ العمل فتحدث مشكلة، فأغادر، وفي أحد المرات كنت في حفل في قرية أبو مناع في قرية دشنا، وبمجرد أن بدأت الأداء، علمت أن شقيق العريس سقط عليه عرق خشب فمات، فاضطررنا إلى إلغاء الحفل الذي تحول إلى مأتم.

 هل الفن الشعبي مقتصر على الرجال، وما موقف النساء منه؟

توجد فنانات شعبيات، ولكن ليس من محافظتنا، من المحافظات الأخرى، النساء موجودات في المجال، ولكن مشاركة المرأة ممنوع لدينا، والفن متوارث عندنا بين الرجال فقط، في محافظة الأقصر ظهرت فنانات يقدمن مهرجانات.

 ألاحظ انخراط الصغار في تعلم الفن الشعبي، فهل من أبنائك من يقدمون هذا الفن؟

ابني مناع (11 سنة) يشارك معي في الأفراح، في دور اسمه التحدي، وهو تحد غنائي يتم بيني وبينه، أو بينه وبين عمه الفنان عز.

 والدك كان يقدم السيرة الهلالية، واليوم أخوك عز، وابن عمك أيضاً، فما الذي يميز السيرة الهلالية في الحفلات؟

السيرة الهلالية كنز شعبي، وفيها أشياء كثيرة مميزة، ففيها الشهامة، والرجولة والأدب والمبادئ، هي ليست قصة أو اثنتين، ولكنها قصص فيها حب وحرب وكفاح، وتاريخ وفخر وبطولات، السيرة الهلالية تحتاج شهراً لو تحدثنا عنها فقط، ولكن من ناحية الرواية والقول ليس أقل من ستة أشهر حتى تروي جميع تفاصيلها.

 في حفلات الوالد على "يوتيوب" عازف ربابة، ينفعل بجسده وحركاته أثناء أداء الوالد، خاصة في المعارك التي يخوضها أبوزيد الهلالي، من هو هذا العازف؟

هذا عازف ربابة اسمه الريس فاوي القناوي، وهو شقيق الراحل شوقي القناوي، وهو من عازفي الربابة العالميين الذين جابوا العالم، وعزفوا في مناسبات عالمية، وكان رفيقاً لوالدي رحمه الله، وعضواً في فرقته، وقد توفي منذ سنوات.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها