شعيرة الصوم لدى الديانـات المختلفة

اختلاف في التقاليد والتقاء في المعاني

علاء الدين محمد الهدوي فوتنزي

لم يعرف البشر منذ بدء الخليقة أي ديانة إلا وبها عبادة الصوم، فالصيام شعيرة دينية مهمة في جميع الأديان الكبيرة في العالم، وقد تختلف طقوسه وتقاليده من دين لآخر، لكن أهدافه الدينية والروحية مثل التزهد والعبادة تتشابه في جميعها، والصوم هو أحد المشتركات بين الأديان الكبرى في العالم،، ولا يمكن استبعاد الصوم من الإسلام واليهودية والمسيحية إضافة إلى البوذية والهندوسية، ففي جميع الديانات هناك الحاجة إلى "التقليص وتركيز الحياة على ما هو أساسي"، يشرح توماس ليمين، المسؤول عن الحوار بين الأديان في أبرشية الروم الكاثوليك في مدينة كولونيا، في حوار: "إن الأمر يتعلق باكتشاف أبعاد جديدة في حياة البشر أو اكتشاف العلاقة مع الرب".
وعلى الرغم من اختلاف مواقيته وفلسفته وطقوسه من دين لآخر ومن عقيدة لأخرى، فإن الصيام المتعارف عليه بين البشر، يظل -وكما تُعرفه اللغة - إمساك أو كف عن الطعام سواء انقطاع لفترة محددة، أو انقطاع عن أصناف معينة والشراب والشهوات وأحياناً صوم عن الكلام، حيث يقوم مفهوم الصوم بشكل عام على فلسفة الانقطاع عن الشهوات الجسدية كالطعام والشراب والعلاقات الجسدية الحميمة أو كل عمل أو قول قد يسيء للقيم الإنسانية السامية، ومن الواضح أن الصيام لم يكن موجوداً فقط في الرسالات السماوية بل كان موجوداً في معظم الحضارات الإنسانية القديمة، كما ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالغريزة والصفاء النفسي والذهني والنقاء الروحاني والعلاج البدني والتطهير ومكافحة الأمراض التي قد يتسبب فيها الإسراف بشكل عام، والصوم هو أحد أركان الدين الإسلامي الخمسة، لكنه قديم ويعود لزمن سبق ظهور الإسلام، وفي ما يلي لمحة تاريخية عن ثقافة الصوم لدى الديانات المختلفة.

 



الصوم عند المصريين القدماء

كانت تشريعات الصيام عند الفراعنة (المصريون القدماء) مختلفة ومتعددة، تجمع بين الفرض والنافلة، والامتناع التام عن الطعام والشراب أو الامتناع المتقطع، لكنها جميعاً كانت تقع تحت بند التقرب للإله، مارس المصريون القدماء العديد من الطقوس بهدف التقرب من الآلهة ونيل رضاها وشكرها، مثل الاحتفال بأعياد كعيد الربيع وعيد الحصاد وعيد وفاء النيل لتطهير النفوس من الذنوب والأخطاء التي قد تغضب الآلهة، مما يوجب عليهم طلب الغفران ونيل بركات ونعم الآلهة بطقوس مختلفة، ذكر باحثون أن الصوم من بينها.
لكن الصوم عند المصريين القدماء مختلف فيه بين علماء الآثار والباحثين، فمنهم من يشير إلى ممارسة طقوس خاصة من قبل الكهنة فقط، وآخرون يتحدثون عن طقوس صوم يمارسها عامة الناس، لكن من بينهم من يُبعد صلة تلك الطقوس بالصيام باعتبار أن السياق الذي تمارس فيه لا علاقة له بالصوم كما في الأديان السماوية، كان الصوم حسب بعض الباحثين، يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبه، أما فتراته فيعتقدون أنها مختلفة وتتراوح بين ثلاثة أيام إلى سبعين يوماً يمتنع خلالها ممارسوها عن الطعام والشراب والجماع، وفقاً للبعض، هناك عيد للصوم مخصص لإرضاء أرواح الأموات المحرومين من الطعام، ويعتقد البعض الآخر أن هناك نوعاً آخر من الصوم لا يسمح فيه بتناول الطعام باستثناء الماء والخضروات لمدة سبعين يوماً.
وأما صيام الكهنة فأنواع، ويرتبط بعبادة إله الشمس، من طلوع الشمس إلى الغروب، ويشمل الامتناع عن الأكل والنساء، وقد يصل إلى نحو الأربعين يوماً، وهناك نوع آخر من الصيام يخص كهنة المعابد، حيث كان يجب على طالب الالتحاق بالمعبد "خادم المعبد" الامتناع عن شرب الماء لسبعة أيام، ويمر الكاهن في صيامه بمراحل مختلفة، تبدأ بصيام عشرة أيام عن اللحم والنبيذ، ثم يعقب ذلك تلقينه وإجابته المتعلقة بالمسائل المقدسة، ثم يتبعها بصيام عشرة أيام أخرى، كما وجدت وصية من وصايا التنجيم في مصر القديمة، توصي من يخاف من النحس والسحر، أن يمتنع عن الأكل والشرب في اليوم التاسع عشر من الشهر الرابع من فصل الفيضان، وهو الفصل الذي يقابل شهر "كيهك" في الشهور القبطية.

صوم الزرادشتية والإيزيدية (قدماء الفرس والأكراد)

كانت الزرادشتية منتشرة في بلاد فارس وما حولها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، يؤمن أتباع الديانة الإيزيدية، بإيدلوجية تعذيب النفس من أجل الله، ورغبةً في الوصول إلى رضا الله سبحانه وتعالى، والصوم واحد من مظاهر هذا التعذيب، حيث يمتنع الإيزيدي عن تناول الطعام والشراب والتدخين بل وعدم ممارسة الجنس، بالإضافة إلى الابتعاد عن التفوه بكلمات بذيئة وغير مرغوب فيها في أثناء تأدية فريضة الصوم.
وتؤكد النصوص الدينية الإيزيدية هذا الجانب، حيث يرد في النص الديني التالي "هنيي حوكم كرل زماني، وي بوريية ل بور رة حماني وةكي جل جلة ومجادة هلاني" وترجمتها من يصون لسانه ويحترم نفسه وكأنه صام الـ40 يوماً، يمارس الإيزيديون أعمالهم، في أثناء تأدية فريضة الصوم، ولكن يتحتم عليهم التقليل من الثرثرة حتى لا يقع الإنسان في الخطأ.
ويقدس الإيزيديون الصوم في ديانتهم، حيث يصومون في السنة أكثر من مرة، ويفضلون صيام الأيام التي تكتمل في لياليها البدر حسب التقويم القمري (صيام الأيام البيض)، وهذا الصيام يكون خاصاً ويرتبط برغبة الشخص، وهناك صوم عام لمدة ثلاثة أيام ويسمى (صيام الله) ويكون في منتصف شهر ديسمبر، وتمتد فترة الصوم من شروق الشمس حتى الغروب ويمتنعون فيها عن تناول الطعام والشراب والتدخين والعلاقة الجنسية ويحرص الصائم أيضاً على عدم التفوه بكلام بذيء أو مسيء للغير.
ويمارس الإيزيديون أعمالهم، في أثناء تأدية فريضة الصوم، ولكن يتحتم عليهم التقليل من الثرثرة حتى لا يقع الإنسان في الخطأ، وعندما يسدل المساء ستاره وتبدأ الشمس بالغروب وتظهر أول علامة من علامات المساء، يهم الإيزيدي بالذهاب إلى بيته لتناول الفطور، وقبل أن يفطر يقوم بتقبيل "البرات" التراب المقدس لدى الإيزيدية ويتجمع أفراد الأسرة جميعاً دون استثناء حول سفرة الطعام الزاهرة بكل ما لذ وطاب.
ولدى الإيزيدية صوم آخر لكنه ليس فرضاً على الإيزيدي وإنما من يصومه، يصومه لوجه الله، وهو عيد "خدر إلياس" ويقع في شهر فبراير، ويجب صيامه على كل إيزيدي يحمل اسم "خدر/إلياس"، تكريماً للنبي خدر إلياس، كما يصوم الإيزيدي يوماً كل سنة يسمى صوم صاحب البيت.
أما في الوقت الراهن فيتوزع معتنقو هذه الديانة في العراق وسوريا وتركيا وإيران والهند وأفغانستان وأذربيجان ومناطق متفرقة أخرى، وتنُسب الزرادشتية إلى زرادشت الذي بقيت أفكاره لفترة طويلة مرجعاً دينياً خلال تلك الحقبة، قبل أن تتراجع مع ظهور ديانات أخرى، وكان الصوم لدى الزرادشتيين محرماً لأنه كان يقلل من طاقة الإنسان على العمل وخوفاً من إصابته بالمرض وبالتالي ترك آثاراً سلبية على المجتمع، أما الصوم لدى الإيزيديين فهو مقدس ومدته ثلاثة أيام، يبدأ يوم الثلاثاء وينتهي يوم الخميس بحسب تقويمهم. ويسبق التقويم الإيزيدي التقويم الشمسي مدة 11 يوماً، ويسبق الأخير التقويم الغربي بـ 13 يوماً.
 

الصوم عند اليهود

تعدّ الديانة اليهودية أولى الديانات الإبراهيمية، وبحسب كتاب اليهود، التوراة، يجب الصوم فقط في يوم كيبور (الغفران)، وهو اليوم الذي نزل فيه النبي موسى من سيناء للمرة الثانية، ومعه ألواح الشريعة، ويستمر يوم الغفران مدة 26 ساعة وهو "أقدس أيام الأعياد والشعائر الدينية اليهودية"، ففي هذا اليوم ينأى اليهود عن ملذات الحياة والأمور الدنيوية ويكرسونه للعبادة ومحاسبة الذات، ويصوم الناس مع غروب الشمس حتى حلول الظلام في اليوم التالي تقرباً إلى الله ليغفر لهم ذنوبهم وخطاياهم، أما المتدينون من اليهود، فيذهبون إلى حائط البراق (حائط المبكى) في جنوبي المسجد الأقصى من أجل الصلاة قبل بدء الصوم، ومن بين القواعد التي يتبعها اليهود، عدم الصوم يوم السبت، أو في أيام المهرجانات أو الاحتفالات الدينية، أما يوم الغفران فهو استثناء من هذه القواعد، ولا صوم في شهر نيسان/ أبريل أو للمرضى أو للحوامل.
وهناك تفسيرات حديثة لليهودية، توجب على الحاخام أو المعلم أو رجل الأمن أو المسؤولين من أصحاب القرارات، عدم الصوم كي لا يتأثر أداؤهم لواجباتهم، كما أن هناك صوماً آخر غير ملزم وهو اختياري كمن يصوم لنيل مراده أو للتكفير عن خطاياه أو لطلب الرحمة من الرب أو الشكر على نعمة أو غيرها من الأسباب التي لا تستلزم الإعلان عنها من قبل الصائم.
الصوم عند اليهود من أقدم التشريعات اليهودية بعد شعيرة تقديم القرابين في الهيكل والتي اختفت وحلت محلها الصلاة، ولشعيرة الصيام مكانة قوية في الديانة اليهودية، وهو يشبه إلى حد كبير الصيام في الإسلام، بالامتناع عن الجنس والطعام والشراب وكل مشين من قول أو فعل، بالإضافة إلى تحريمهم للاستحمام وانتعال الأحذية الجلدية وغسل الأسنان، وتغيير الملابس والعمل والتعطر في أثناء الصيام.
ووردت شريعة الصيام في التوراة بأشكال مختلفة، ولكن إجمالاً، هناك نوعان من الصيام في اليهودية: صيام فردي للتكفير عن خطيئة أو ذنب ارتكبه الفرد، وصيام جماعي وفيه يصوم اليهود جميعاً عند وقوع كارثة عامة، كهزيمة في حرب أو ذكرى الاضطهاد والتشريد أو دمار محصول أو أي بلاء عام يقع باليهود.
ويندرج هذان النوعان تحت تصنيفات الصيام في اليهودية، الصوم الفرض كصوم يوم الغفران ويبدأ قبل غروب اليوم التاسع من تشرين "رأس السنة العبرية" بربع ساعة، ويستمر إلى ما بعد غروب شمس العاشر من تشرين بنحو ربع ساعة، بحث تصل مدة الصيام إلى 25 ساعة متتالية، ويُطلق عليه يوم "كيبور"، ويرتدي فيه الرجال وشاحاً أبيض، وترتدي النساء ملابس بيضاء، وصوم النفل، كصوم يوم التاسع من أغسطس، في خراب الهيكل المقدس، والصيام التطوعي كصيام يومي الإثنين والأربعاء، وصوم الحاخامات.
هذا بالإضافة لصيام الأربعين المذكور في التوارة، والذي يصومه اليهود المتدينون، والمعروف أيضاً بالصيام الموسوي نسبة إلى نبي الله موسى، وفيه يصوم اليهود أربعين يوماً تأثراً بالفترة التي صامها النبي موسى في أثناء تلقيه الوحي بالوادي المقدس طوى.

الصيام الأبدي لليهود

لقد حرّم العهدُ القديم على اليهود بعض أنواع الطعام تحريماً تاماً، وحرم بعضها في ظروف خاصة، ومنها:
القربان: الذي يقدم عن طريق كاهن في بعض مناسبات كالسلامة أو الخطيئة، وتحرق القرابين كلها ويحل للكاهن فقط الأكل من القرابين، فيما يحرم على باقي اليهود تناولها.
بعض الحيوان: فقد حرم عليهم من حيوان البر كل حيوان مجتر أو مشقوق الظفر، وحرم عليهم من حيوان البحر كل ما ليس له زعانف أو حرشف، وحرم عليهم أنواعاً من الطير كالنعام والحدأة والغراب، وكل ما يمشي على بطنه من الحيوانات.
الشحم: جاء في العهد "كل شحم ثور أو ماعز لا تأكلوه"
الميتة: حرم عليهم ميتة ما حل طعامه، وحرمت شحوم الميتة وما افتُرِس.
النجس: مثل الدم المسفوح.
الخمر: ورد تحريم الخمر عند الدخول في خيمة الاجتماع التي ضربت لهم في أثناء التيه في الصحراء، وإن لم يوجد نص في العهد القديم يحرم الخمر تحريماً تاماص، إلا أن وصية "يونا داب" لبنيه في سفر "أرحيا" بألا يقربوا الخمر.

أما صيام الصمت، فقد عرفه اليهود قبل المسيحين، وقد عني كثير من كتبة أسفار العهد بتسجيل هذا النوع من الصوم، الذي يمثل توبة قد تشفع لصاحبها.
وقد مارسته السيدة مريم البتول بعد ولادة طفلها عيسى، كما ذكر القرآن ولم ينكر اليهود عليها صمتها، بل أنكروا أنها أشارت للصبي في المهد وأحالت الكلام إليه.

الصوم عند المسيحيين: الفناء والتكفير عن الذنوب

الصيام عند المسيحيين هو الأقرب إلى صوم المسلمين، والصوم لدى المسيحيين كباقي الديانات غرضه التقرب إلى الله طلباً للمغفرة، وعادة ما تجتمع الصلاة مع الصيام لمن يلتزم به ويصوم المسيحي محبة لله ورغبة في التقرّب إليه، وجاء في سفر دانيال "فوجهت وجهي إلى الله السيد طالباً بالصلاة والتضرعات وبالصوم والمسح والرماد"، وللصّوم مكانة كبيرة لدى المسيحيين، فهو ارتباط روحي بالرب والتزام منهم بتعاليم المسيح منذ نشأته حتى ظهوره ثانية كدليل إيمان به، لم يحدد الإنجيل أوقاتاً أو شهوراً ثابتة للصيام، بل تقوم كل طائفة أو كنيسة بتحديد موعد الصوم لأتباعها، ولا توجد طريقة أو أوقات محددة للصوم يتبعها المسيحيون في مختلف أنحاء العالم، بل هناك اختلافات بين الطوائف المسيحية، وتحدد الكنيسة موعد الصوم قبل عيد الفصح بأربعين يوماً، وحسب تقاليد كل كنسية، ويمتنع المسيحيون عن تناول الطعام مدة اثنتي عشرة ساعة في اليوم على الأقل، من بداية اليوم وحتى انقضاء المدة، وهذه ليست قاعدة ثابتة، فهناك مسيحيون يصومون وقتاً أطول.
على الرغم من أن الغاية من الصيام التطهر من الذنوب والخضوع لله، فإن طقوس الصيام في المسيحية، يختلف عن الصيام في الإسلام، حيث يسمح للصائم المسيحي بعد فترة انقطاع، بالطعام والشراب بشرط الابتعاد عن الأطعمة الحيوانية ومنتجاتها والألبان ومشتقاتها، ويعود هذا المنع للكنيسة، حيث تمنع الكنيسة الروسية أكل اللحوم والسمك في أثناء الصيام، في حين تسمح الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا لأتباعها بأكل اللحوم والسمك في أيام الصيام، عدا أيام محدودة، كالأربعاء والجمعة والخميس المقدس.
أما العلاقة الجنسية بين الزوجين -وباتفاق كل الطوائف المسيحية- فلا تفسد صيام المسيحي، ومع ذلك فالصيام في الملة المسيحية يختلف بين طائفة وأخرى، ففي الكنيسة الأرثوذكسية يعني الامتناع لفترة معينة عن الطعام، يتناول بعدها الصائم أطعمة بقولية ونباتية خالية من أي مشتقات أو مكونات حيوانية، أي أن فترة الانقطاع جزء أساسي من الصوم، كذلك يشتمل طقس الصوم عند الأرثوذكس على صنوف التقشف والنسك وقمع الأهواء والشهوات.

 وأيام الصيام هي: 
- الصوم الكبير ويكون من صوم الأربعين المقدسة، وهي الأربعين التي صامها المسيح بالإضافة لصوم أسبوع الآلام.
- صيام يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.
- صوم الرسل الذي يسبق عيد الرسل.
- صوم عيد الميلاد ومدته 43 يوماً، والذي يبدأ في 16 هاتهور "25 من نوفمبر" وينتهي في ليلة عيد الميلاد "6 من يناير".
- صوم السيدة العذراء ومدته 15 يوماً.
- صوم يونان أو "نينوي" ومدته 3 أيام ويكون قبل الصوم الكبير بأسبوعين.

وتصوم الطائفة الكاثوليكية صيام الصمت، ويختلف الشعب عن الكهنة، فهو عند الشعب منوط بالرغبة وفي أيام قليلة محدودة والأمر فيه ميسر، حيث لا يتعارض مع العمل الذي يؤديه الفرد، أما عند رجال الدين فهو لازم ويرتبط بأيام لها أعياد ومناسبات دينية
أما الطائفة الكاثوليكية فلا يوجد لديهم إلا الصوم الكبير والذي يبدأ من منتصف الليل إلى منتصف النهار، ثم يُسمح للصائم بأكل أطعمة خالية من المنتجات الحيوانية، ويبدأ الالتزام بالصيام من بعد سن الخامسة عشر، وينتهي الالتزام عند 60 عاماً للرجال، و50 للنساء.
أما الكنيسة الإنجيلية فيشابه صيام أتباعها صيام المسلمين ويكون بالانقطاع عن الطعام والشراب والشهوات، كما يكون الصيام سرياً حيث يعتبر الصيام في الفكر الإنجيلي نوعاً من التعبد السري لتحقيق أغراض خاصة بالتوبة وإعادة العلاقة مع الله.
أما الكنيسة البروتستانتية، فقد قالت بعدم فرضية الصيام وأعلنته كرغبة شخصية بعد تأكيدها بأنه عبادة سامية، فلم تحددها بموعد زمني ولا عمر، ولا امتناع عن أي نوع من أنواع طعام.

الصوم في الهندوسية

وتختلف طقوس شعيرة الصيام عند أتباع هذه الديانة، باختلاف الإله المتبع، وباختلاف المناطق التي يوجدون فيها، ففي جنوب الهند يصومون من شروق الشمس إلى غروبها عن الطعام في حين يسمح لهم شرب السوائل، ودائماً ما يصومون يوم الثلاثاء من كل أسبوع، أما في المناطق الشمالية فيسمح لها في أثناء الصيام بتناول الفاكهة والحليب فقط، وهناك ما يُعرف بصيام الفصول، حيث يمتنعون فيه عن تناول الطعام من غروب الشمس لشروقها لمدة تسعة أيام في بداية كل فصل، وهناك من يصوم حسب الإله فمن يتبع الإله "شيفا" يصوم يوم الإثنين طول العام، وأتباع الإله "فيشنو" في المناطق الشمالية، يصومون يوم الخميس طول العام، وتكون لهم طقوس خاصة، حيث يستمعون لقصة قبل تناول الإفطار، ويلبسون ثياباً صفراء ويحضرون المائدة من أطعمة ذات لون أصفر، تقدس النساء شجرة الموز في هذا اليوم وتقوم بريها.
يوجد نوع من الصيام الشائع في بعض مناطق الهند وهو الخاص بصيام المرأة المتزوجة من أجل سلامة وصحة زوجها وأملًا في إطالة عمره، كما يصومون نصف كل شهر قمري، ويتناولون الفاكهة والأطعمة النباتية ويمتنعون عن تناول اللحوم ولا يفطرون إلا بعد أن يأتي الهلال الجديد، وبشكل عام فإن الهندوس في أثناء صيامهم، يمتنعون عن تناول اللحم مهما اختلف المذهب المتبع.

الصوم في اليانية

هي إحدى الديانات المنبثقة عن الهندوسية وتنتشر في بعض مناطق الهند، أتباع الديانة اليانية يصومون عن تناول الطعام والشراب وموعد إفطارهم هو غروب الشمس، هناك بعض أنواع الصيام الغريبة عندهم مثل الامتناع عن تناول الأطعمة المتعددة باستثناء العدس.

الصوم في البوذية

يصوم البوذيون من شروق الشمس إلى غروبها في أربعة أيام من أيام الشهر "القمري"، وتُدعى أيان "اليوبوذانا"، وهي الأول والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرين ويشمل الصوم الامتناع عن الطعام وعن العمل إطلاقاً حتى عن إعداد الطعام، لذلك يقومون بإعداد طعام الإفطار مسبقاً قبل شروق الشمس لتناوله بعد غروب الشمس.

ويقوم البوذيون بهذا الصيام بهدف خلق نوع من الانضباط للمساعدة على التأمل والصحة الجيدة، حيث يعتمد مبدأ الصيام في البوذية على كبح جماح الشهوة الجسدية، التي تدفع إلى ملذات الدنيا وترد البشر في مهاوي العقاب الدنيوي بعذاب أمراض الجسد، والأخروي بالنار.

الصوم في الصابئة

يعتبر الصيام الركن الخامس من أركان عقيدة الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ لدى الصابئة صومان، صوم كبير وصوم صغير، حيث يصومون في أيام معدودات 36 يوماً كل عام موزعة على مدار أشهر السنة، عن الطعام وتحديداً عن تناول لحوم الحيوانات ومشتقاتها وعن شرب الخمر، ويمتنعون عن نحر وقتل أي حيوان وعن كل ما يشين الإنسان وعلاقته مع الرب من فواحش ومحرمات، ويفطرون في يوم عيدهم على لحوم الخراف، كما يستحب صيام كل يوم أحد وأربعاء وخميس من كل أسبوع، وصيام أيام شهر ناتق القمري "رمضان"، صيام نافلة، ويُستحب عن الصابئة صيام الأيام التي تظهر فيها ظواهر فلكية كالخسوف والكسوف.

الصوم في السيخية

لا تشجع هذه الديانة أتباعها على الصوم إلا في حالات طبية معينة، يأتي هذا الأمر من اعتقاد رجال الدين أن هذه العبادة لا تضيف أي فائدة على روحانية الصائم.
 

الصوم في الإسلام

يعد الصوم في الإسلام فريضة وركناً أساسياً من أركان الإسلام الخمسة، ويكون بالامتناع والإمساك عن الطعام والشراب والشهوات والجماع، وارتكاب ما يشين من فعل أو قول، ويبدأ من الفجر وحتى غروب الشمس، ويصوم المسلمون في شهر معلوم حسب التقويم الهجري وهو شهر رمضان، ويبدأ الصيام برؤية هلال الشهر، ويختلف موعده سنوياً حسب التقويم الميلادي، وكما أن الهدف به التقرب إلى الله وكسب الحسنات فضلاً عن تطهير النفس من الذنوب، فشهر رمضان هو شهر العبادة والصلاة وتلاوة القرآن.
ويثبّت القرآن فريضة الصيام في سورة البقرة حيث تقول إحدى آياتها: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتّقون"، ويحدد المسلمون أول أيام رمضان بعد رؤية الهلال ليكون موعد بدء الصوم، الذي يستمر عادة 30 يوماً، وبعدها يأتي عيد الفطر، ويستطيع المسلمون الذين لم يكن بمقدورهم صوم شهر رمضان أو بعضه لأسباب صحية، أن يعوضوها بعد العيد في أي يوم يناسبهم، وفي عيد الفطر، يتبادل المسلمون التهاني والزيارات وعادة ما يتصالح وقتها المتخاصمون ويفتحون صفحات جديدة، وعدا عن شهر رمضان، هناك مناسبات أو أيام أخرى يصوم فيها المسلمون مثل ليلة النصف من شعبان.
أما صيام النفل أو التطوع في غير رمضان، فهو على مدار العام، بدايةً من صيام الست من شوال، وصوم يوم عرفة لغير الحجاج، وصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام الأيام القمرية "الثلاثة البيض" من كل شهر عربي، ويُحرم على المسلمين صيام يومي الفطر والأضحى، كما يحرم صيام أيام التشريق الثلاث، ويكره صيام يوم الشك "يوم رؤية هلال رمضان"، وصيام عرفة للحجيج.
 

الخاتمة

وفي نهاية المطاف أقول إنّ الله تعالى بَيّن الغاية والهدف من الصيام بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] والصوم عبادة روحية تربوية تهذيبيّة ليس المراد منها صيام البطون عن الطعام، وإن كان للجسد نصيبه من فوائد الصوم، وإنما المطلوب أيضاً صيام الجوارح عن الحرام، فالصوم وحده لا يوصلنا إلى السماء، إذ لا بد من محبة والمحبة أمّ كل فضيلة، ويمكن تشبيه الصوم بالطائر، ولكي يطير لا بد من جناحين وهما الصلاة والصدقة، وقال القديس يوحنا فم الذهب/ذهبي الفم: "إشحذ منجلك الذي أتلفته الشراهة، إشحذه بالصوم"


لائحة المصادر والمراجع
1. كتاب: "في الحوار اللاهوتي: اللاهوت المقارن -1" - قداسة البابا شنودة الثالث.
2. كتاب: "روحانية الصوم" - قداسة البابا شنودة الثالث.
3. كتاب: "بستان الروح -2" - الأنبا يؤانس (أسقف الغربية المتنيح).

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها