مدينة طانطان.. لؤلؤة جنوب المغرب

فيصل رشدي

يزخر المغرب بالعديد من المدن التي أصبح لها صيت عالمي، بفضل مآثرها العمرانية، ومنشآتها العلمية، وأماكنها السياحية، ونضرب المثل بمدن: مراكش والدار البيضاء وطنجة. وعندما نتجه إلى جنوب المغرب نجد مدينة طانطان، التي أطلق عليها الملك الراحل الحسن الثاني لقب "مدينة العبور"، والتي تعتبر لؤلؤة الجنوب المغربي بامتياز.

تقع مدينة طانطان في الجنوب الغربي للمغرب، وموقعها موقع استراتيجي مهم جداً؛ مكّنَها من لفت انتباه أنظار الزائرين والسياح، فهي تبعد عن المحيط الأطلنطي بخمسة وعشرين كيلومتراً، في موقع يسمى بجماعة الوطية، ويوجد بها ميناء للصيد البحري. تحد مدينة طانطان من الشمال مدينة أكادير على بعد ثلاثمائة وثلاثين كيلومتراً، ومدينة كلميم على بعد مائة وعشرين كيلومتراً، ومن الجنوب مدينة العيون على بعد ثلاثمائة كيلومتر، ومدينة طانطان تندرج ضمن جهة كلميم وادنون.

يعود تاريخ مدينة طانطان إلى عصور قديمة جداً؛ فقد اكتشف الباحثون المغاربة والأجانب العديد من الرسوم والحفريات في مغارات لمسيد وتلمزون؛ وهما قريتان تبعدان عن طانطان بضعة كيلومترات.. وهناك أيضاً قبور تعود إلى ما قبل الإسلام، تتواجد جنوب مدينة طانطان على بعد خمسين كيلومتراً بمنطقة الشبيكة.

وحول أصل اسم المدينة يقول الشيخ محمد لمين ولد السيد: "إن البئر كان به دلو، وهذا الدلو يحدث صوتاً مثل "الطنين" فسمي البئر بطانطان. وأصل الاسم "الطانطان" بالتعريف (تيمناً بصوت الدلو). وقد شيد البئر قبل مائتي عام من طرف القبائل الرحل التي كانت تمر بالمكان.. مكان بئر طانطان، قرب السفينة الإسبانية المتواجدة في وادي ابن خليل. ومع مجيء الاستعمار الإسباني عام 1934 بقيادة الحاكم "فونتي"، تمت إضافة بعض التغييرات على البئر".
وهناك روايات متعددة حول من شيد البئر، يقول المؤلف بشر حيدر: "إن البئر ينسب إلى شخص يدعى منصور لحمادي"، وهناك أراء أخرى، ولعل أبرزها قول الباحث الموريتاني الدكتور أحمد مولود أيده الهلال "التراب القاسية"، وهناك من يربط مدينة الطينطان الموريتانية بمعنى اسم طانطان المغربية.

لقد ترك الاستعمار الإسباني العديد من المنشآت؛ كالمستوصف، وساحة حي العمالة والسفينة المتواجدة في وادي ابن خليل والقصبة، وهذه الأخيرة تجدر الإشارة إلى أن بناءها في طانطان، قد تم طبقاً لدراسة طبوغرافية علمية وميدانية للموقع قبل الشروع في بنائه من طرف الإسبان.

أما بالنسبة للجغرافيا الداخلية لمدينة طانطان؛ فموقعها موقع استراتيجي هام، فالمدينة يقسمها وادي اسمه واد ابن خليل؛ يقسم المدينة إلى قسمين، قسم شرقي وقسم غربي. فالأحياء المتواجدة في القسم الشرقي هي: حي عين الرحمة، وحي شارع الحمراء، وحي لخميس القديم وبئر زران، والحي الجديد والمسيرة والنهضة. أما فيما يخص القسم الغربي، فتتواجد أحياء تيكريا والسكنى والتعمير، وحي الصحراء ودوار الشيخ عبداتي.

أما بالنسبة للشوارع الرئيسة في مدينة طانطان، فهناك أربعة شوارع رئيسة، على رأسها شارع محمد الخامس، وشارع الحسن الثاني، وشارع بئر زران، وشارع المختار السوسي.

تتميز مدينة طانطان بمناخ صحراوي معتدل، مما جعل اهتمام الساكنة موجهاً نحو الزراعة في تربة طانطان الخصبة، مما شجع أيضاً على إنتاج منتوجات محلية، مثل زراعة الخضروات. وكذلك من خلال وضع مخطط تشجير لجبال طانطان، والذي حقق نجاحاً باهراً، واهتماماً كبيراً من طرف المشرفين عليه، لكنه -مع توالي سنوات- تم إغفاله في انتظار من يعيد المياه إلى مجاريها، من خلال عملية إحياء لعملية التشجير. وتزخر مدينة طانطان بالمياه العذبة في منطقة تعسالت تحمل في الصهاريج، وينتقل بها السائقون إلى المدن الأخرى، كمدينة العيون ومدينة السمارة، ومدينة بوجدور ومدينة الداخلة، وكذلك ميناء طانطان الذي يحدث حركة انتعاش تجاري لمدينة طانطان.

وقد حظيت دولة الإمارات العربية المتحدة بشرف المشاركة في موسم طانطان، والمعروف عند أهل المنطقة "بأمكار طانطان"، والذي أدرجته اليونيسكو ضمن التراث الثقافي اللامادي عام 2004، وهو العام الذي أعيد فيه الموسم بعد غياب طويل، فكان موسم 2004 بداية حقيقة لموسم عرف بالتسامح والإخاء، وإرساء قيم الرحل الصحراويين، والتي تتسم بكرم الضيافة ونشر المحبة بين الناس.
وفي الموسم عرف تنظيم مسابقات لسباق الإبل وتكريم الفائزين في المسابقة، كما يتم تنظيم عروض للخيل من خلال عروض إطلاق البارود في السماء المعروفة باسم "التبوريدة". كما أن الموسم هو قبلة للصناع التقليديين لبيع الحلي والخواتم والقلائد النسائية. وكذلك يبيع التجار أزياء صحراوية، كالدراعة والملحفة، وفيه أيضاً أروقة لبيع الكتب المحلية التراثية، ككتب الأستاذ إبراهيم الحيسن، والذي رصد العديد من العادات والتقاليد الصحراوية في كتبه. ولا ننسى أيضاً الحضور القوي للموسيقى المحلية، من خلال تقديم عروض موسيقية لفرق محلية، كفرقة الفنان الشعبي لحبيب الفقير وسويلم ديحان، وحضور وازن للفرق الموريتانية كل عام، وحضور موريتانيا كضيف الشرف لموسم طانطان منذ سنتين، وإحيائها لسهرات أدبية كبيرة، بحضور شعراء كبار، وباحثين مثل الشاعر الموريتاني سيدي ولد أمجاد.
وقد تم إطلاق اسم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على الميدان الذي يتسابق فيها الفرسان. وتساهم دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال دعمها للموسم مادياً ومعنوياً، ومشاركتها الفعالة في نقل حدث الموسم في إعلامها من خلال تليفزيون بينونة الإماراتية.

مدينة طانطان هي لؤلؤة الجنوب المغربي بامتياز، وقد جعل موقعها وتاريخها منها قبلة للأجانب القادمين من أوروبا، وغيرها من القارات العالمية، فهي لؤلؤة ساحرة بامتياز، اجتمع فيها سحر الطبيعة والثقافة.. مكان يأمل سكانه أن يكون عند حسن ظن الجميع.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها