طقوس

إيمان يونس

 

(1)

بعد إصابة خادمتها بحادث سير.. اضطرت على مضض أن تمارس طقوساً طالما هربت منها، وبتأفف وقفت لتجلي الصحون والطناجر، ولدى وضعها إياها جانباً برقت في رأسها فكرة! انفرجت لها أساريرها وتحسن مزاجها.. وخلال تنظيف الخضروات وتقطيع اللحم لإعداد وجبة شهية لأسرتها، كانت ترتب في ذهنها أحداثاً شتى، وبعد نضج الوجبة على نار هادئة فرغت من كتابة أول جريمة قتل نُشرت فيما بعد ضمن سلسلة رواياتها التي اشتهرت بها!!

(2)

يغتسل ويتعطر.. ثم يرتدي أجمل حلة عنده قبل أن يجلس خلف مكتبه ويمسك بقلمه، فهو لا يستقبل أفكاره إلا وهو في أناقة تامة.

(3)

عندما تتصارع الأفكار برأسها تعتزل كل مباهج الحياة معلنة أنها لن تكلم إنسياً، وتمضي وقتها ما بين خلوتها مع شاطئ البحر متأملة ومتعمقة ومتحاورة، وبين حجرتها، وتظل على صمتها لمدة غير معلومة حتى يتراكم الصمت لديها، وينفجر سيلاً من الكلمات الهادرة تضعها بين دفتي كتاب على اختلاف جنسه الأدبي لكنه مذيّل باسمها.

(4)

قبل أن يشرع في الكتابة يشمر عن ساعديه ويزيل الغبار بكل ركن بحجرته التي يستقبل فيها الإلهام، ثم يمسح أرضيتها.. ومن ثم يرتبها كأنه في استقبال زائر مهم جدّاً.

(5)

تدخل إلى غرفة مكتبها وتُحكم غلق الباب وتشعل شمعة، تضبط المنبه، ومن ثم تكتب على عجل وكأنها في سباق مع الزمن كي تتخلص من كل ما أزعجها وبث في نفسها طاقة سلبية وعند الدقيقة الثالث عشرة تنطلق صفارات المنبه، فتضع القلم جانباً وتمزق كل ما كتبت إلى قصاصات صغيرة وتضعها في مطفأة للسجائر، ثم تحرقها بنار الشمعة وتبتهج عندما ترى كل ما أغضبها قد تبدد، وتتخلص من رماده بإلقائه في المرحاض.

(6)

قبل عودته إلى منزله يعرج على الحديقة القريبة إلى منزله ويسرع خطاه نحو كرسيه الخشبي المفضل أسفل شجرة وارفة الظلال ترقد مواجهة للبحيرة، يخرج مفكرته الصغيرة وقلمه ويدون كل ما عكر صفو مزاجه من أشخاص وأحداث، وبعد أن يفرغ من الكتابة يقطع الأوراق من المفكرة ثم يزج بها واحدة تلو الثانية بالبحيرة ويتابعها عن بعد حتى تغرق، عندئذ يتنفس الصعداء، ومن ثم يغادر الحديقة وهو إنسان مختلف.

(7)

لا تجد غير نهر دموعها لتسبح فيه لتطهر روحها من كل ما عكر صفوها، وعندما تستعيد ذاتها وتجفف دموعها تشعل فحم المبخرة وتنثر عليه بعض البخور وتدور حول المبخرة، وكأنها تشيد ساتراً غير مرئي من دخانه المتصاعد مع رائحته الزكية يحميها من مهاجمة الأرواح الشريرة لها من جديد.

(8)

فور ورود أخبار عن ربح تجارته أو خسارتها.. لم يتخل أبداً عن عادته في أن ينحر عجلاً بيديه.. ولا يتوقف عن التكبير والتهليل وما تيسر من آيات الشكر والعرفان، ثم يشرف على توزيعه كاملاً على الفقراء والمحتاجين، عندئذ تنعم نفسه بالسكينة والرضا ولا تفارقه الثقة أن أحواله ستتغير إلى الأفضل.

(9)

تهوى قراءة الروايات دون غيرها من أجناس الأدب، تضع إلى جوارها مجموعة أوراق بيضاء وأقلام ملونة، ومع تقليب الصفحات تخط يدها تصوراً عن الأزياء التي ارتدتها البطلة في كل مشهد، وتعبر عن الحالة التي تمثلها تاريخياً واجتماعياً، تضع الرواية جانباً وتستكمل حياكتها بإعداد الأثواب والإكسسوارات الملائمة.

(10)

فور انصراف الزائر غير المرغوب فيه، ينثر ذرات ملح خلفه ثم يعود ينثر ذرات ملح بكل ركن حيث جلس ومر بعينيه، ويحضر سبع ورقات ويقطع أجزاءً منها ويشكلها على هيئة إنسان له رأس وذراعان ممتدان جانباً، ورِجلان إحداهما تتجه يميناً والأخرى تتجه يساراً. وبأِبرة خيط رفيعة السن يبدأ بثقب هذا الجسد بدءاً من رأسه وحتى قدميه مردداً بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويتبعها أعوذ برب الفلق من شر "فلان ابن فلان ابن فلانة"، ويليها أعوذ برب الناس من شر "فلان ابن فلان ابن فلانة"، ويكرر حتى يمتلئ الجسد الورقي بالثقوب، ثم يضع في وسطه ذرات من الملح ويطويه حتى يصبح قطعة ورق صغيرة، ويضعه في مطفأة السجائر ويشعل فيه النار وتهدأ روحه بسماع صوت طقطقة الملح.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها