خارج دائرة التّفلسف!

المرأة بين الإفلاس الفلسفي وذكورية الفكر الإنساني

محمد هجرس

رغم أن المرأة برعت في الطب والهندسة والسياسة ومجالات علمية بارزة خلال القرن العشرين، إلا أنها لم تقرب الفلسفة، ولم نسمع على مر التاريخ الفلسفي عن امرأة فيلسوفة، وباتت الفلسفة حكراً على الرجال، وأصبحت المرأة عاجزة عن التفلسف، وفضلت الانزواء لعقود طويلة عن العمل بالفلسفة، وتركت الساحة الفلسفية للرجال، فتعمقت قناعات لدى البعض بأن الفلسفة عمل ذكوري، وأن اقتراب المرأة من الفلسفة أمر هامشي أو استثنائي من المستحيل تعميمه، لكن يمكن الإشارة إليه فقط دون الأخذ به.

ويشير فلاسفة وأساتذة يُدرسون الفلسفة بالجامعات إلى أنه على الرغم من أن تاريخ الفلسفة يذكر العشرات من النساء الفيلسوفات، وتجاربهن ومشروعاتهن إلا أنهن سقطن سريعاً من ذاكرة الفلسفة والتفلسف، وتركن الساحة للفلاسفة، وأن ما قدمته قديماً هامشي ولا دور للمرأة في هذا المجال، ومنهم دكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة العربية في آداب القاهرة، والدكتور صلاح قنصوة أستاذ فلسفة الجمال بأكاديمية الفنون المصرية، والدكتورة سعاد الحكيم عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية الأسبق، وغيرهم.

وتلك الإشارات التي تنفي عمل المرأة بالفلسفة، دفعت العديد من المهتمات بالعلوم الإنسانية إلى البحث في هذه الظاهرة، في محاولة للوقوف على أسبابها والوصول إلى حلول عملية تعيد للمرأة كيانها الفلسفي، وتصدت لذلك الدكتورة زينب خضيري أستاذة الفلسفة في آداب القاهرة، والدكتورة منى أبوزيد أستاذة الفلسفة في جامعة عين شمس، والأكاديمية الباحثة ماري إيلين ويلث.




ماري إيلين ويلث: المرأة ساهمت في تطوير الفلسفة

تؤكد ماري إيلين ويلث Mary Ellen Waithe في كتابها (تاريخ الفلسفة في العصرين اليوناني والروماني) الذي يتكون من أربع مجلدات، قدمت فيه عدداً من الشخصيات النسائية، اللاتي تميزت آراؤهن ومنجزاتهن بالمعرفة العميقة وابتكار النظريات، على مختلف أنواع هذه المعارف.
وتقول الباحثة: إن المصادر القديمة تشير إلى أن النساء كن نشيطات، وأنهن لعبن دوراً جوهرياً في تطور الفلسفة المبكرة؛ إذ يخبرنا ديوجين لايرتوس بأن أرسطو كان دوماً يؤكد أن فيثاغورث قد استقى جزءاً كبيراً من آرائه الأخلاقية من السيدة ثيميستوكليا، ذاكرة وجود امرأة فيلسوفة أخرى عاشت في تلك الحقبة البعيدة التي يؤرخ لها بأنها قبل الميلاد، وهي لثيانو الكروتونية، التي كانت تلميذة لفيثاغورث، وعرف عنها تميزها بالعمق الفلسفي النسائي، والتي كان لها الكثير من الأقوال التي كان الناس يتناقلونها بينهم ذاك الزمن، ومنها: "الحب الرومانسي ليس أكثر من الميل الطبيعي إلى نفس طاهرة".
المفاجأة أن كل ما قدمته الباحثة ماري إيلين ويلث في كتابها (تاريخ الفلسفة في العصرين اليوناني والروماني) رفض وقوبل بانتقادت وإشكاليات عدة، لعل أبرزها معايير اختيار الفيلسوفات، ووجدت ويلث نفسها إزاء إشكالية أساسية جعلتها تحاول البحث عن معنى آخر خاص بالفلسفة.

د. زينب خضيري: البداية في المدرسة الفيثاغورسية

تحمست دكتورة زينب خضيري أستاذة الفلسفة في جامعة القاهرة، وكتبت في مقالات لها وجود فيلسوفات معاصرات منهن كريستينا دي بيسان وآن كونواي وسوزان ستبنج سيمون دي بوفوار، والفيلسوفة حنا آرنت الألمانية الأصل، ولها كتابات ممتازة فلسفية عميقة، وكتبت عن فلسفة الثقافة بطريقة شديدة العمق، ذاكرة أنه إذا كان الرجال ينكرون وجود نساء فيلسوفات فتعتقد هي أنه ليس هناك أيضاً رجال فلاسفة.
وأشارت إلى أن دراسة الفلسفة دخلت الجامعات العربية للمرة الأولى بعد ثورة 1919 وتحديداً سنة 1925 ميلادية، وأن عدم اشتغال المرأة بالفلسفة لا يرجع إلى ضعف في عقل المرأة يحول دون قدرتها على التفلسف، ولكن لأن ظروف المرأة لم تكن مساوية لظروف الرجل، وبالتدرج سيأتي اليوم الذي تتحقق فيه المساواة بين الرجل والمرأة، مؤكدة أن بداية ظهور الفيلسوفات النساء ظهر في المدرسة الفيثاغورسية.

د. منى أبوزيد: وصف أرسطو للمرأة

وفي نفس السياق ذهبت دكتورة منى أبوزيد أستاذة الفلسفة في جامعة عين شمس في حوار صحفي لها إلى وجود فكرة ساذجة بين الرجال سببها ما قاله أرسطو، وهي أن المرأة أنقص عقلاً من الرجل، ورغم أن أفلاطون وهو أستاذ أرسطو صرح بفكرة معاكسة لهذا في كتابه الجمهورية، ولكن للأسف لم تشتهر وتنتشر إلا فكرة أرسطو، وبقيت فكرة أفلاطون حبيسة رغم أنه صرح بمساواة الرجل والمرأة.
وقالت إن التاريخ الفكري منذ ما قبل الميلاد يؤكد على دور المرأة في الفلسفة والفكر، وهو تاريخ حافل بالعديد من النماذج الفلسفية النسائية منذ مطلع الفكر حتى وقتنا المعاصر، فالمرأة رغم خضوعها الطويل للرجل وحرمانها من التعليم استطاعت أن يكون لها دورها في نشأة الفلسفة منذ فجر تاريخها.
 

د. عاطف العراقي: المتداول من أسماء لفيلسوفات نساء

يجزم الفيلسوف والمفكر الدكتور عاطف العراقي في حواراته الصحفية والتلفزيونية بأن الفلسفة بعيدة تماماً عن عالم المرأة، وأنهم لم يعثروا على فيلسوفة خلال سبعة وعشرين قرناً الأخيرة، موضحاً وجود فرق كبير بين الفيلسوف ومن يدرس الفلسفة؛ لأن الفيلسوف صاحب منهج ومبدع، أما الأستاذ فإنه يعتمد على ترديد أقوال الفلاسفة فقط ولا يضيف.
ونفى وجود فيلسوفة، وأن ما يتداوله البعض من أسماء لفيلسوفات من النساء غير صحيح، مدللاً على أن هيباتيا فيلسوفة الإسكندرية الشهيرة التي يتم ذكرها دوماً ليس لها مذهبٌ وأن ما قدمته يعد نوعاً من الدعاية فقط دون مبرر، بدليل أنه لا توجد فيلسوفة قبلها ولا بعدها بأكثر من عشرين قرناً.
 

د. صلاح قنصوة: عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة

ويذهب إلى نفس الرأي الدكتور صلاح قنصوة أستاذ فلسفة الجمال في كتابة (فلسفة العلم) رائياً أن عدم وجود نساء فيلسوفات يعد عرضاً طبيعياً لذكورية الثقافة الإنسانية بشكل عام التي صنعها الذكور، وهي موسومة باستمرار بهيمنة قيم الرجل حتى إن زعمت أنها تساوي بين الرجل والمرأة.
 وقال: إن من الطبيعي ألا توجد نساء فيلسوفات لأن دور المرأة كان مقصوراً على بناء الأسرة، وأن تكون تابعة للرجل ومربية لأطفاله وحارسة لقيمه الذكورية وليس في هذا تناقض ولا تقليل من شأن المرأة.
وأضاف: هناك نساء فيلفسوفات ولكن عددهن قليل وغير مؤثر.. ونحن في جامعاتنا ليس لدينا فلاسفة، ولكن أصحاب تخصص فقط في تاريخ الفلسفة، الذين يتنافسون في حفظ نصوص الفلسفة مع أنهم لا ينتجون فلسفة؛ لأن المجتمع لا يسمح بالتنفس الفلسفي الذي يقوم على طرح الأسئلة، وأقصى ما نبلغه ترديد الإجابات الجاهزة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها