مقَابرُ وادي الملوك.. كنوز من الآثار الفرعونية

علي تهامي


وادي الملوك.. واحدة من أغنى المناطق الأثرية في مصر، وأكثرها شهرة، وذلك بفضل ما تضمه من مقابر وكنوز لأشهر ملوك الفراعنة. وتضم المنطقة الواقعة في البر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، عشرات المقابر التي شيدها ملوك مصر القديمة في قلب أحد الأودية الجبلية، وقد اشتهرت تلك المقابر بكنوزها وفنونها وأسرارها، وارتباطها بما عرفته مصر القديمة من سحر وغموض وفنون لا تزال باقية على الأسطح والجدران، لتسجل أهم محطات التاريخ المصري القديم، وتفاصيل الحياة اليومية في مصر الفرعونية.


 

ومن بين أشهر المقابر الأثرية في المنطقة، تأتي مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، والتي اكتشفت على يد البريطاني هوارد كارتر قبل مائة عام مضت، وتحديداً في الرابع من شهر نوفمبر عام 1922، حيث عثر بداخلها على آلاف القطع الأثرية، وذلك فيما عُرف بـ"كنز توت عنخ آمون".

وقد دُفن في ذلك الوادي، ملوك من عصر الدولة الحديثة (حوالي 1550 - 1069 قبل الميلاد)، غير أن تسمية تلك المنطقة بوادي الملوك ليس دقيقًا تمامًا، وذلك نظرًا لأن بعض أفراد العائلة المالكة بخلاف الملوك تم دفنهم فيه، وكذلك بعض الأفراد غير الملكيين، وإن كانوا رفيعي المستوى.

ويضم وادي الملوك أكثر من ستين مقبرة يرجع تاريخها لآلاف السنين، بالإضافة إلى عشرين مقبرة غير مكتملة لا تزيد عن كونها حفراً.

وقد تم دفن ملوك الدولة الحديثة الأقوياء تحت قمة جرف صخري هرمي الشكل يحيط بالوادي، وبحسب وزارة السياحة والآثار المصرية، لم يكن اختيار الوادي لنحت المقابر الملكية من قبيل الصدفة، فقد كان الهرم رمزًا للبعث والحياة الأبدية، كما اعتبر الشكل الهرمي علامة من الآلهة، كانت هذه المنطقة والقمة نفسها، تحت سيطرة حتحور: "سيدة الغرب".

وكانت الطبيعة المنعزلة لهذا الوادي سببًا آخر لاختياره كمكان للراحة الأبدية لملوك مصر القديمة، خاصة بعد تعرض المقابر في العصور القديمة للسرقة، وتجنباً لذلك المصير، فقد اختاروا مقابر خفية تحت الأرض في وادي صحراوي منعزل لدفن تلك المجموعة من الملوك.

ومن بين حكّام مصر القديمة، الذين حفرت مقابرهم في وادي الملوك بجانب الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، الملوك: رمسيس الأول، والثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، وسيتي الأول، والثاني، وتحتمس الأول، والثاني، والرابع، وأمنحتب الأول، والثاني، والثالث، وحور محب، ومرن بتاح، وغيرهم، بجانب المقبرة الأكبر، وهي مقبرة أبناء الملك رمسيس الثاني، والتي اكتشف منها قرابة 120 غرفة.

وتجذب منطقة وادي الملوك، التي تنقسم إلى الوادي الشرقي، والوادي الغربي، مئات الآلاف من السياح الأجانب والعرب والمصريين، وتعد مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، المقبرة الأكثر طلباً للزيارة.

أسرار وغموض

لكن يبدوا أن منطقة وادي الملوك، لم تَبُحٌ بكل أسرارها بعد.. فالمنطقة التي جذبت أنظار العالم أجمع، في الرابع من شهر نوفمبر عام 1922، حين توصل المستكشف البريطاني، هيوارد كارتر، إلى مقبرة وكنوز الفرعون الذهبي الملك توت عنخ، محققاً أعظم كشف أثري في التاريخ، قد تشهد كشوفات جديدة تجذب إليها أنظار العالم مجدداً.

وكما يبدو؛ فإن آمال الأثريين وعلماء المصريات بالعالم، في العثور على قبر الملكة نفرتيتي بالقرب من مقبرة الملك توت عنخ آمون، أو في موقع آخر من جبانة طيبة وأوديتها الغنية بمقابر الفراعنة، لم تتبدد بعد.. "فربما دفنت نفرتيتي داخل بئر بعيداً عن أعين كهنة آمون".
وخلال إعلانه لنتائج حفريات قام بها في منطقة الوادي الغربي، المعروف باسم وادي القرود، مستعيناً بمائة رجل من الآثاريين والفنيين والعمال، قال الدكتور زاهي حواس، عالم المصريات الشهير، ووزير الآثار المصرية الأسبق، إن فريقه ما يزال يبحث عن مقبرة الملكة نفرتيتي في وادي القرود، وأن ما توصل له من اكتشافات في المنطقة أعطته أدلة قوية على وجود قبر نفرتيتي في هذه المنطقة.

حفائر جديدة

"حواس" كشف عن سعيه للتوصل لمقابر زوجات وأبناء ملوك الأسرة 18 في منطقة وادي الملوك، الغنية بمقابر ملوك وملكات الفراعنة غرب مدينة الأقصر. بجانب مواصلة السعي للتوصل لمقبرتي الملكة نفرتيتي، ومقبرة "عنخ أسن آمون" زوجة الملك توت عنخ آمون، في الوادي الغربي، المعروف باسم وادي القرود، والذي يتوقع أن يحتوي على مجموعة مقابر للأسرة الآتونية.
وكشف "حواس" عن قيام بعثة أثرية مصرية برئاسته، بأعمال حفريات أثرية في 4 مواقع بمنطقة وادي الملوك الشرقي، والعثور على "آثار هائلة" خلف مقبرة الملك مرنبتاح، تؤكد على وجود مقبرة ملكية لم يكشف عنها بعد بتلك المنطقة.
فيما قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية الدكتور مصطفى وزيري، إن الكثير من مقابر ملوك مصر القديمة لم تكتشف بعد، وأن من بين تلك المقابر التي لم يتم التوصل لها مقبرة الملك رمسيس الثامن.

البحث عن مقابر جديدة في وادي الملوك، جاء بعد قيام فريق إيطالي برئاسة الدكتور فرانكو بورتشيلي، أستاذ الهندسة بكلية العلوم التطبيقية، بعملية مسح جيوفيزيقي لمنطقة وادي الملوك الشرقي، الذي يضم عشرات المقابر الفرعونية، وذلك بهدف وضع أول خريطة توضح مواقع المقابر التي لم يكشف عنها بعد بالمنطقة، تمهيداً للبدء في البحث عنها بمعرفة بعثات مصرية وأجنبية.

وعملية مسح مماثل بالوادي الغربي، المعروف باسم وادي القرود، وإشارت نتائج مسح تلك المنطقة، تشير أن وادي القرود يحتوي في باطنه وبين صخور جباله، على فراغات وتجويفات، يعتقد في أنها مقابر فرعونية لم يكشف عنها بعد.
 

مسح جيوفيزيقي

وبحسب فرنسيس أمين، الباحث في علوم المصريات؛ فإن نتائج ذلك المسح لكافة أركان ومدقات وممرات الوادي الشرقي والغربي، ستحدد الفراغات الموجودة، خلف المقابر الحالية، وسيوضح ما إن كان لتلك المقابر امتدادات وممرات أخرى لم تكتشف بعد.
وأن العالم ربما يكون على موعد خلال العام الجاري 2022، مع كشف أسرار أكثر الأماكن الفرعونية قدسية ومكانة، وهي منطقة وادي الملوك، والتي تضم أشهر مقابر حكام مصر القديمة.
وأن نتائج المسح الراداري الذي جرى على يد فريق من الخبراء الإيطاليين، بالواديين الشرقي والغربي، قد يقود إلى اكتشاف ممرات وامتدادات لعدد من المقابر المهمة، وفي مقدمتها مقبرتي الملك سيتي الأول، والملك رمسيس السادس، واللتين قد تكون لهما ممرات ملحقة بهما لكنها لم تكتشف بعد.

بجانب التوصل عبر المسح الجديد إلى كهوف العمال، الذين كانوا يعملون في حفر وتشييد مقابر وادي الملوك، وتحديد قطع صخرية، تخفي خلفها جدران وحوائط وممرات تقود إلى اكتشاف مزيد من المقابر الفرعونية بالمنطقة، وأنه ربما يصبح وادي الملوك، وادياً أيضاً للملكات والأميرات في مصر القديمة، خاصة وأن هناك ترجيحات، ترى أن بعض ملوك الفراعنة، ربما قاموا بدفن أفراد أسرهم بجانبهم في وادي الملوك، وهو الأمر الذي بدأ بالفعل حين اكتشف عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، بعد عملية المسح الراداري الإيطالي مجموعة من أكواخ، وورش العمال في الوادي الغربي المعروف باسم "وادي القرود".
 

قبر الملكة نفرتيتي

وقد تباينت آراء الآثاريين وعلماء المصريات، بشأن نظرية البريطاني نيكولاس ريفز، حول وجود قبر الملكة نفرتيتي خلف جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون.

وبرغم أن نتائج عمليات مسح راداري جرت داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون، ما بين عامي 2015 – 2016، جاءت لتشير إلى وجود فراغات ومواد عضوية، وتطابقت مع نتائج عمليات مسح سابقة، كانت قد أشارت إلى وجود فراغات ومواد، ربما تكون مومياوات وعظام، وقماش، وأخشاب.
لكن النتائج ذاتها لم تؤكد ما إذا كانت تلك الفراغات هي تجويفات صخرية طبيعية، أو غرف سرية نحتها قدماء المصريين لأحد ملكاتهم، أو ربما ملوكهم.

وبحسب الدكتور فرانكو بورتشيللي، الذي ترأس الفريق العلمي الإيطالي الذي قام بعملية المسح في محيط مقبرة توت عنخ آمون وداخلها؛ فإنه تمت الاستفادة بشكل جيد من التطور الذي طرأ على أجهزة التصوير والمسح الراداري في العالم، لتحقيق نتائج جيدة من عملية المسح الأخيرة داخل مقبرة توت عنخ آمون، وأن 4 أجهزة رادار بترددات مختلفة، ومن آخر جيل للتصوير الراداري، استخدمت في عملية المسح الأخيرة.

وكان وزير الآثار المصري الأسبق، الدكتور ممدوح الدماطي، قد أعلن في نهاية العام 2015، عن التوصل لدلائل على وجود قبر جديد خلف جدران مقبرة الفرعون الذهبي، في إشارة إلى ما ذهب إليه عالم المصريات البريطاني نيكولاس ريفز بشأن وجود قبر الملكة نفرتيتي خلف الجدار الشمالي بمقبرة الملك توت عنخ آمون، وقد دفعته تلك النتائج إلى القيام بمسح جديد لما خلف جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون، وذلك بمعرفة فريق من العلماء المصريين والبريطانيين، في منتصف العام 2019.

وبحسب مقربين من الفريق الإيطالي الذي قام بعملية مسح راداري في محيط مقبرة الملك توت عنخ آمون، ولما خلف جدرانها؛ فإن نتائج عملية المسح الجيوفيزيقي، التي جرت في مطلع العام 2017، توصلت إلى دلائل قوية على وجود غرف جديدة، لم يكشف عنها خلف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، وأن الدراسات التي جرت على نتائج المسح الجيوفيزيقي، رجحت وجود قبر لأحد ملوك أو ملكات الفراعنة، خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون، لكن الأمر يحتاج مزيداً من العمل للوصول إلى صاحب أو صاحبة القبر، والذي كان قد رجح عالم المصريات البريطاني نيكولاس ريفز أن تكون للملكة نفرتيتي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها