المهندسة المعمارية التي غيَّرَ الشعرُ أولوياتها

الشاعرة الإماراتية خلود المعلا في حوار مع "الرافد"

حاورها: محمد زين العابدين

شاعرة إماراتية مبدعة، أبدعت في قصيدة النثر بأشعارها المكثفة المعاني، العميقة الألفاظ. درست الهندسة المعمارية بجامعة الإمارات، ثم حصلت على الماجستير في إدارة المشروعات من بريطانيا؛ لكن الشعر غير توجهاتها وأولوياتها، خصوصاً بعد أن حصلت على الليسانس في اللغة العربية من جامعة بيروت. تأثرت كثيراً بقراءاتها في التراث، وإبحارها في عالم الصوفية؛ فانعكس ذلك على ثراء معجمها الشعري، وتنوع رؤاها، وتجاربها الشعرية، وحفل شعرها بطرح الأسئلة الفلسفية والوجودية، وبدت في الكثير من قصائدها نبرة الشجن والتأمل. أصدرت خلود المعلا ست مجموعات شعرية، هي: "هنا ضيّعتُ الزمن" 1997، وتبعها "وحدك" 1999، و"هاء الغائب" 2003، و"ربما هنا" 2008. ثم صدر لها عام 2011 "دون أن أرتوي" عن مجلة "دبي الثقافية"، وهو قصائد مختارة من دواوينها، ثم كان خامس دواوينها بعنوان "أمسك طرف الضوء"؛ والذي صدر في عام 2013، ثم ديوانها السادس "وأكتفي بالسحاب".
 


 

صدر لها خمسة كتب شعرية، مترجمة للإسبانية، والتركية؛ وهي: في الإسبانية "سماء تستحق المطر" عن جامعة كوستاريكا، وبيت الشعر في كوستاريكا، و"دون أن أرتوي"، و"أمسك طرف الضوء". كما صدر لها "دون أن أرتوي" بالتركية، بعنوان "لا ظل للوردة". شاركت في المهرجان العالمي للشعر أكثر من مرة، وتم اختيارها عضواً شرفياً في مؤسسة بيت الشعر، في كوستاريكا. حصلت على جائزة (بلندر الحيدري للشعر) في مهرجان (أصيلة) سنة 2008، وفي هذا الحوار نطل على عالمها الشعري:

◈ ما المنابع الأولى التي قادتك إلى عشق الشعر؟

بوابتي الأولى للشعر كانت جدي لأمي رحمه الله، كان القلب الذي غمرني بمحبة الكون من خلال الشّعر. قضيت معه سنواتي الأولى منذ ولادتي؛ فقد مرضت أمي بعد ولادتي، فأخذني جدي لأمي لحين تعافيها، لكنه اعتاد على وجودي معه، وعشت معه

حتى وفاته رحمه الله. كان بوابتي للحياة، والكون، تآلفت مع تفاصيل حياته، وطقوسه اليومية؛ قراءة القرآن، وترتيله في الساعات الأولى من الفجر، جلسته مستنداً إلى سريره وهو يدون أبيات قصيدته كلما لاح طيفها. كان مدخلي لعالم الأبوة، والرجولة، والشعر، والمحبة التي عشتها بين أحضانه، وأحضان جدتي رحمها الله. وبعد وفاته عدت لأحضان أمي وأنا في سن الثامنة وكانت شاعرة لها صيتها. وحدها أمي، من بين إخوتها، وأخواتها أخذت من جدي هذه الموهبة. كانت بوابتي الثانية، الروح التي حلقت بي في عالم القصيدة وأنا أدون قصائدها التي اعتادت أن أكتبها لها بخطي، الذي كانت تراه جميلاً. معها، ومن خلالها دخلت عالم الكتابة والقراءة.

◈ هل ثمة شعراء، أو أدباء تركوا أثراً في وجدانك وتأثرتِ بهم في كتاباتك؟

لم أتأثر بكتابات لكتاب معينين، لكنّي لا أنكر أن كل شيء يؤثر بي؛ كتاب قرأته، وجوه المارة، شوارع مكتظة، حديث عابر في رحلة قطار، وجه أمي، قهوة صباحية في جلسة رائقة مع أصدقاء، مقطع، أو قصيدة لشاعر غير معروف. كل شي في الحياة يترك أثراً، لكنني لم أتأثر بكاتب محدد أكثر من غيره. أحببت (الهايكو) كثيراً، وكنت أحرص على اقتناء، وقراءة كل ما أجد، من كتب مترجمة عن قصائد (الهايكو). وحين صدر ديواني الأول (هنا ضيَّعْتُ الزمن)، قرأت ما كتبه بعض النقاد عنه؛ بأن أجواء قصائد الديوان أجواء صوفية، فبدأت أقرأ في الصوفية، تاريخها، وأدبها، وشعرها، ولغتها، ومفرداتها، ودلالاتها. وكما قلت، سواء كان وجهاً، كتاباً، موقفاً، أو كاتباً؛

فلا بُدّ أن يترك أثراً خفياً، أو ظاهراً، ينعكس بشكل مباشر، أو غير مباشر؛ على ما أكتب على اعتبار أن ما نكتب هو نتاج تجاربنا الحياتية.

◈ أنتِ درستِ الهندسة المعمارية أولاً، ثم حصلت على ليسانس الأدب العربي. هل ثمة علاقة بين الهندسة المعمارية، والشعر -في رأيك- وهل استفدت من دراسة المعمار، في كتابة الشعر؟

لم أدرس اللغة العربية، إلا لأنني كنت أخطط للدكتوراة. وكان عندي مشروع رسالة مهم؛ كنت قد بدأت وقتها في البحث فيه. ثم بعد حصولي على الليسانس، تغيرت

أولوياتي؛ والتي كانت تنحصر في الشعر، والقصيدة، فأجلت الدكتوراة، إلى أن مسحتها من أولوياتي، بعد حصولي على ماجستير في إدارة المشروعات.

كان الشعر -وما يزال- على قمة أولوياتي. ومثل كل شيء في الحياة يمر بنا، يؤثر فينا، ويثري تجربتنا الحياتية، ومخزوننا الثقافي والعلمي؛ فإن دراسة الهندسة المعمارية لمدة خمس سنوات، ثم الماجستير، لايمكن أن تمر دون أن تنعكس علي، وعلى تجربتي.

◈ عندما أصدرتِ ديوانيكِ الأولين (هنا ضيعتُ الزمن)، و(وحدَك) في القاهرة، عامي (1997-1999) على التوالي؛ كيف كان استقبال القراء والنقاد لهما؟

أترك الرد على هذا السؤال لكل من تابع تجربتي منذ بدايتها، ولكن أحب التنويه هنا أن انطلاق تجربتي الإبداعية من مصر كان لها أثرها الكبير علي، وعلى انتشار قصيدتي.
 

◈ كيف تختارين عناوين دواوينك؟ وهل تجدين صعوبة في ذلك؟

هو ليس قراراً بالتأكيد، وليس اختياراً.. لست ممن يضع قائمة بعناوين مقترحة، ثم أختار منها، جوُّ القصائد التي أختارها للديوان يفرض علي العنوان.
 

◈ في شعرك تطرحين العديد من الأسئلة الفلسفية، والوجودية. هل يشكل القلق الفلسفي المادة الأولى للكتابة عندك، أم أن الفكرة تلتمع في ذهنك ثم تبدئين كتابتها؟

كتابتي للقصيدة لا تأخذ شكلاً واحداً، أحياناً، ومن حالةٍ ما؛ تولد الفكرة، القصيدة معاً، وأحيانا أبدأ بفكرة، تظل هذه الفكرة محلقة في ذهني إلى أن تتحول إلى قصيدة في دفقة واحدة، ومعظم قصائدي أكتبها كدفقة واحدة. وإذا ما حصل وكتبت مقطعاً واحداً، ولم تكتمل القصيدة؛ لا أعود لها مطلقاً. وكم من أنصاف القصائد محبوسة في أدراج مكتبي، ولم أعد لها.
 

◈ هناك حس صوفي شفّاف في قصائدك، هل استفدت من التراث في ذلك؟ أم كان لنشأتك دور فيه؟

ذكرت مسبقاً أن رأي النقاد في ديواني الأول وجَّهني للتعمق في قراءة التراث -والتصوف تحديداً- ووجدتني فيه. وقد انعكس ذلك على مفردات قصائدي، ودلالتها. التراث نبع عظيم لا ينضب، وبالتأكيد له أثره البالغ على كل من شرب منه. ونشأتي مع جدي كان بالتأكيد لها دورها في توجيه ذائقة اهتمامي، فكنت أهتم بكل ما كان يهتم به؛ والتراث كان من اهتماماته، واهتمامات والدي أيضاً.
 

◈ قلتِ في حوار لك: "ألجأ للكتابة كلما ضاقت على روحي مداراتها، وأستعين باللغة لأنسج من القصائد درعاً يقيني شراسة الوقت". هل هذا هو دافعك الأساسي للكتابة؟ أم توجد دوافع أخرى؟

الكتابة هي رئتي الوجدانية التي أتنفس بها. هي العضو الذي يساعدني على مواجهة قسوة الحياة، والدرع الذي يحميني من شراسة الوقت. ولا دوافع أخرى لديّ سوى إنقاذ نفسي من شرور الدنيا.
 

◈ هل تصدرين ديواناً جديداً عندما تكتمل لديك مجموعة من القصائد تصلح لإصداره؟ أم لأن هناك رؤيةً جديدة تريدين تقديمها؟

لست ممن يرسم أو يسير بخطط منهجية، فيما يتعلق بالنشر والإصدارات، ولو لا حظت، فأنا بطيئة جداً، ويمكن أن أقول إنني أزحف حين يتعلق الموضوع بالنشر في مختلف منصاته، سواء كان في الصحف والمجلات، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإصدارات. ويمكن أن تمر أكثر من 4 سنوات ولا أنشر جديداً. وللعلم معظم قصائد دواويني لم تنشر مسبقاً إلا في الإصدار نفسه.
 

◈ ترجمت بعض قصائدك إلى الإسبانية والتركية. في رأيك ما أهمية ترجمة الشعر إلى لغات أخرى، وهل تنجح ترجمة الشعر مثلما يحدث في القصة والرواية؟

لي أكثر من كتاب مترجم إلى الإسبانية، ولي مختارات صدرت في كتاب بلغات عديدة، منها الإيطالية، والفرنسية، والروسية، والهندية. وترجمة الشعر أصعب بكثير من ترجمة الرواية تماماً مثل كتابة الشعر. فالشاعر يختزل ملايين المشاعر والمواقف، والتفاصيل في قصيدة قصيرة، من جمل معدودة؛ إذا نجح في نقلها نجحت القصيدة، وإن لم ينجح سقطت منه، بينما الروائي لديه مساحات شاسعة لنقل أفكاره، وتجربته، ومشاعره بمشاهد تفصيلية كثيرة، يستطيع البناء عليها، وتساعده على تجاوز أي ضعف قد يكون وقع فيه دون أن ينتبه. الشعر لا يسمح بذلك. وهذا أيضاً يحصل في الترجمة. والترجمة مهمة جداً لأي مبدع، فهي الجسر الذي يأخذه للآخر، فيدخل بها آفاقاً أكبر تثري تجربته، وتجددها. الترجمة تتيح لك أن تسمع قصيدتك بلغة أخرى، وترى تفاعل الآخر معها رغم ثقافته المختلفة، وأن تدرك أن هموم الإنسان واحدة، وأن المشاعر الإنسانية الأصيلة توحد ولا يمكن أن تفرق.
 


 

◈ هل تتفقين مع الرأى القائل بأن الشعر يمر بأزمة، وأن الرواية قد سحبت البساط منه؟

لا أتفق مع ذلك أبداً.. أنا أرى أن هذا الكم الهائل من الروايات سببه دور النشر التي تتسابق في حصد الجوائز، مما يكون له آثاره الجانبية، وعلى المستوى الشخصي صار موضوع شراء رواية جديدة للقراءة أمراً صعباً جداً، وصرت انتقائية بشكل مجهد أيضاً.
 

◈ يردد البعض أن قصيدة النثر في قطيعة مع التراث. ما رأيك في هذه المقولة؟

هذه أحكام عن بعد، صدِّقني. أدعو هؤلاء للتعمق في التراث أولاً، وقراءة ولو القليل من قصائد النثر، والتخلي عن هذه الأحكام المتحيزة.
 

◈ كيف تنظرين إلى النقد؟ وهل واكب كتاباتك بشكل جيد، أو أفادك في إضاءة طريق الكتابة؟

أحترم النقد والنقاد مهما كان رأيهم؛ لأن نظرتهم صابت أم خابت؛ لا بُدّ وأن تفتح للمبدع أبواباً يستفيد منها. هناك أسماء كبيرة أفتخر بها، كتبت عن تجربتي، وسلطت الضوء عليها، وقد كانت كتاباتهم عن تجربتي دافعاً للتعرف عن قرب على هذه الأسماء، وإسهاماتهم النقدية، والإبداعية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها