داني لافيريير.. والميثاق الجديد حول العنصرية

حاوره: مارك كاسيفي

ترجمة: دنيا علوي


يقدم داني لافيريير Dany Laferrière في كتابه "ميثاق موجز حول العنصرية"، والذي طرح في المكتبات في الخامس عشر من يونيو من السنة الجارية، رؤيته ككاتب حول هذا الموضوع. سلسلة رائعة من الأقوال والنصوص القصيرة حول شخصيات تاريخية، من بينهم فنانون كثر (من توني موريسون إلى توباك شاكور) تغري بالتفكير وبالمناقشة.


 

◈ جاء في السطور الأولى لكتابك ما يلي: "أنا على وعي بأنني أسير على شريط ضيق فوق الهاوية. أهم شيء في هذا الموضوع هو أن تتقن التصويب جيداً". العنصرية مسألة حساسة، فلماذا قمت إذن بتأليف هذا "الكتاب الحزين"، "هذا الكتاب المرعب رغم إيجازه"، كما وصفته أنت بنفسك؟

الكتاب فرض علي نفسه بعدما أمضيت وقتاً طويلاً أجتر الموضوع. هذه الأشياء كانت لا تكف عن الدوران في رأسي لسنوات من الزمن، ولكن لم أكن قد وجدت لها الشكل المناسب بعد، ولم أكن قد وجدت على الخصوص القارئ الذي أردت تقديمها إليه.. قارئ شاب حساس ومسؤول وسريع، ويتمتع بحس أدبي.

 قرأت في كتابك العبارة التالية: "يجب علينا أن نؤلف كتباً تثير اهتمام الشباب". هل من المهم بالنسبة لك أن يقبل على كتبك هؤلاء القراء الشباب؟

أنا أتوجه إليهم، أتحدث عنهم. العبور من خلالهم ضروري لمن أراد ألا يخرج سريعاً من دائرة النقاش. أنا أقدم لهم أسلحة تمكنهم من الاختيار. وأحاول ألا أطيل لعلمي أن لديهم أشياء أخرى تشغلهم.

◈ موضوع كتابك بالتحديد هو العنصرية التي يواجهها السود في الولايات المتحدة. هل لأن الدافع الأولي كان موت جورج فلويد؟

لا على الإطلاق، إنه موضوع يقع في صميم الأدب الذي دأبت على تقديمه. وإذا كان هناك انعكاس لوفاة جورج فلويد على كتابي؛ فذلك لأنني كنت أخشى أن يخفي غابة العنصرية المطبع معها وجرائم القتل الصغيرة التي ترتكب في الظلام. لا يتم تصوير جريمة قتل بهذا الشكل كل يوم. ولكن يقتل الناس كل يوم تقريباً في الولايات المتحدة. أكثر من الموت، هناك الإذلال في العمل، والنكات الجارحة التي يطلقها البعض بغرض التسلية، والإقصاء غير المبرر، والاغتصاب الذي لا يعاقب مرتكبوه، وكل هذا الوحل الذي طفا على السطح. السؤال كان: هل سأعيد إنتاج هذا الوحل وأقدمه لقرائي؟ وفي النهاية اخترت أن أتحلى بالأمل وأخلق شخصيات بيضاء وسوداء تعمل -بالرغم من كل شيء- ما في وسعها؛ لكي نظل بعد قادرين على التنفس في أمريكا.

◈ أتذكر أن إحدى الشخصيات في روايتك الأولى كانت تقول بأنه لا ينبغي علينا أبداً أن نشتكي من العنصرية؛ لأن هذا يعزز لدى الشخص الأبيض الاعتقاد بأنه متفوق. يبدو أنك كنت دائماً تتبع هذه النصيحة، أليس كذلك؟

أنا لا أشتكي من العنصرية، بل أصنع منها كتباً! عندما كنت أخط هذا الكتاب، حرصت على اختيار الكلمات بكامل العناية، وانتبهت جيداً لقواعد النحو، وراعيت الحفاظ على إيقاع وموسيقى وأناقة الجمل. أما الشكوى فهي لا تفيد في شيء. ولهذا السبب أهديت الكتاب لبيسي سميث، التي كانت شكواها من الجمال بحيث ما اعتقدنا يوماً بأنها كانت تعاني. هذه المتعة أحس بها عندما أكتب، فأنا ما إن أجلس على مكتبي حتى أبدأ بالغناء على الرغم من فظاعة هذا الواقع.

◈ أنت تصف العنصرية دون تعقيد بأنها مسألة بيض وسود، حيث تتركز كل السلط بين يدي البيض. لماذا في رأيك يصعب الاعتراف بذلك؟

لأنّ الأمر يتعلق بالمال، وهناك رهان اقتصادي. العنصرية ليست مجردة. بطبيعة الحال، يمثلها على الأرض أناس فقراء ليس لديهم أي فكرة عما يحصل باسمهم. إن العنصري الأبيض المسكين لا يعرف أنه حلقة مهمة في السلسلة الاقتصادية الأميركية. وكما هو الحال في أوروبا، ترفض القوى الاستعمارية السابقة الاعتراف بالعبودية لمعرفتها بأنها إن هي فعلت ذلك، فسوف تحاكم وسيتعين عليها أن تعيد الأموال. لا أحد يريد أن يفقد امتيازاته، ولا مكتسباته، ولا ثروته. وليس من قبيل المصادفة أن يقال بأن المال هو عصب الحرب. وأكرر: العنصرية حرب أهلية، غالباً ما تكون حضرية وللأسف تدور رحاها بشكل يومي. أنا لا أشتكي من العنصرية بشكل شخصي، بل أدين مافيا أول ضحاياها هم السود الفقراء والبيض الفقراء الذين يستخدمون كوقود للمدافع. حيث يتم الدفع بهم إلى الجبهة ليقتل بعضهم بعضاً.

◈ مما جاء في كتابك: "أتذكر أنني صعقت عندما سمعت لأول مرة مصطلح مناهضة العنصرية يستخدم كمفهوم منافس للتفوق العرقي. كما لو كان لدينا الخيار الديمقراطي أن نكون مناهضين للعنصرية أو مناصرين للتفوق العرقي". في كل من الولايات المتحدة وكيبيك، أصبحت مناهضة العنصرية بمثابة السُّبَّة. هل يفاجئك الأمر؟

هذا النقاش نجده في جميع أنحاء العالم على أية حال. تحريك الجبهة أمر شائع جداً في الحرب. لقد انتقلنا من مستوى اقتصادي إلى مستوى معجمي. بصراحة، فيما يخص اللغة، أعتبر نفسي كالسمكة في مائها. وهذه المغالطة تنم عن سوء نية خطير. فالآن نحن متساوون، لكن في المستقبل، سيقال بأن الضحية هي التي استفزت الجلاد، هي من حولته إلى شرير.

◈ لقد تغير وضع السود في الولايات المتحدة بعد الفترة التي عشتها هناك. أحد نصوصك يحمل عنوان "من العبودية إلى الخدمة في المنازل". هل نشهد باعتقادك شكلاً جديداً من أشكال العبودية؟

لا، ليس ذلك بالضبط. العبودية فظاعة تند عن الوصف. والخدمة في المنازل شكلت تقدماً مهماً بالمقارنة معها. إلا أن كلمة "خادم" (بالفرنسية Domestique) ترتبط بكلمة سيد (Domus) في اللاتينية، ومعنى الخادم في الأصل الشخص الذي يعيش في منزل السيد. الكلمات تكشف عن المعنى الخفي لأفعالنا. ولدينا انطباع بأننا في هذه الديمقراطية لسنا مواطنين في نظر الجميع. فيمكن في أي لحظة أن يأتي أحد الأشخاص؛ لأنه أبيض البشرة، ويرمينا بنعوت تحط من آدميتنا. لقد كُنت أحلل العيوب الاجتماعية على الدوام، ولكن هنا الديمقراطية هي المسؤولة. فالدولة لم توضح في الماضي بما فيه الكفاية أن جميع المواطنين متساوون، خوفاً من أن تجد نفسها تسبح ضد التيار الغالب.

◈ يقول البعض إنه لا ينبغي استيراد المفاهيم الأمريكية بشأن العنصرية إلى كيبيك. أنت تتحدث عن "الأشكال المختلفة للعنصرية" التي بدأت تتكاثر. لقد عشتَ في كيبيك والولايات المتحدة وهايتي وفرنسا، كيف تميز بين أشكال العنصرية القائمة في كل مكان على حدة؟ هل هنالك اختلافات بينها؟

التمييز الأول هو حجم الأشخاص المعنيين. احتمال صعود رئيس أسود لا يوجد إلا في الولايات المتحدة. حيث هناك أكثر من 20 مليوناً أمريكياً أسود. أنا أختار القاعدة الكلاسيكية القديمة التي تقول إن عليك أن تتطرق لموضوع واحد، في مكان واحد ومرة واحدة. أنا كاتب كلاسيكي من هذا المنظور. لقد ألفت كتاباً بعنوان "كل ما لن يقولوه لك يا ما نغو" للحديث عن علاقة كيبيك بالآخر. أما بالنسبة لفرنسا، أنا لا أعرف هذا البلد بما يكفي. فالكتابة عن العنصرية لا تعني فقط رواية قصص فظيعة.

◈ استحضرت واقعة تجسد التنميط العنصري. حيث تم القبض عليك بدون سبب في زقاق بمونتريال خلال الثمانينيات. وطلب منك أن تفتح رجليك وأن تحني رأسك؛ لأنهم كانوا "يبحثون عن زنجي" حسب قولهم. هل أنت مندهش من أن هذا النوع من القصص ما زال يفاجئ الناس في كيبيك في عام 2021؟

الكتاب عن الولايات المتحدة. وأنا لا أريد أن أتحدث هكذا بشكل غير مباشر عن كيبيك.. لأنني وضحت رأيي بالوضع هناك في كتابي " كل ما لن يقولوه..."، كما كتابي الآخر "يوميات الانزلاق التدريجي". وبما أنني أعيش في كيبيك منذ أكثر من 40 عاماً، فأنا أتحدث عن ذلك بشكل أكثر دقة. لا أريد أن أنجز كتاباً كاملاً عن الولايات المتحدة، وبعدها أدخل في نقاش حول العنصرية. فبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من العنصرية، العنصرية موجودة. وما إن يذهب شخص أسود إلى أي بلد يرتفع فيه معدل العنصرية، حتى يحس بذلك فور مغادرته للمطار. إنها ليست مسألة فضاء جغرافي. وقد أصبح عدد كثير من الأشخاص يتطلعون لمعرفة ما إذا كانوا عنصريين، بدل أن ينشغلوا بما تخلفه العنصرية لدى من يعانون منها.

◈ جاء في كتابك أيضاً أن "تكتسب الكلمة معناها في المكان الذي قيلت فيه". وبالحديث عن هذه الكلمة التي "يختلف معناها في فم عنصري أمريكي عنه في فم شخص من هايتي"، هل تعتقد أنه في كيبيك، عندما تكون أبيض البشرة، يتوجب عليك استخدامها بحذر؟

يمكننا استخدامها كيفما نشاء وبعد ذلك علينا تحمل العواقب. أنا نفسي أعرف بأني سوف أدفع ثمن بعض العبارات التي استخدمتها في هذا الكتاب، حسناً، هكذا هي الأمور! كل منا يسأل عما يقوله. وعلى من يطلقون التهم معرفة أن ما يقولونه سيتم تحليله أيضاً. نحن نعيش في عصر نخضع فيه للرقابة المستمرة. ولا أود أن أنجر إلى سجال حول ثلاث جمل، في حين يمكن أن يكون النقاش غنياً جداً في مواضع أخرى.


 

مصدر الحوار
https://www.lapresse.ca/arts/litterature/2021-06-09/tete-a-tete/le-petit-traite-du-grand-dany.php

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها