الأُنْثَى في مُوَاجَهة الأُنْثَى.. في فيلم الكوميديا الإمَارَاتي"شَغَّالتنا أَرْجَنْتِينيَّة"

عبد الهادي شعلان

 


هل يمكنك أن تتعامل مع عيب زوجتك الَّتِي تطلب دائماً أن يكون لديها شَغَّالَة في المنزل، تقوم بكل عمل البيت وهي جالسة لا تفعل شيئاً؟ وحين تترك الشَّغَّالَة البيت يسقط نظامه على من فيه، فهي الَّتِي تُسَيِّر كل كبيرة وصغيرة فيه، هي الترس المحرِّك لأمور البيت، كيف يمكنك أن تجعل زوجتك تشعر أن وجود الشَّغَّالَة ليس ضرورياً على الرغم من سعة عيشك، واتساع الرزق الموهوب لك؟ كيف تجعل زوجتك تشعر أن الشَّغَّالَة رُبَّما تكون خطراً عليها، ورُبَّما تهدِّد بيتها وكيانها الأنثوي؟ ماذا ستفعل إذا انقلبت حياتك بسبب رحيل شَغَّالَة؟ رُبَّما ستلجأ لصديق مرَّ بنفس التجربة، ورُبَّما يشير عليك بأن الحل هو التقاء النار بالنار والأنثى بالأنثى، هذا ما سوف نتابعه في فِيلْم "شغالتنا أرجنتينية" سيناريو وإخْرَاج: حامد صالح، شارك فيه: يوسف الكعبي، ميرفت نصر، أحمد الركابي، أحمد خميس علي.

 

أبو ظبي هي البداية

أول ما يطالع بصرك على الشَّاشَة مع ظهور الأسماء المشاركة في الفِيلْم أن الخلفيَة الَّتِي تحتوي الأسماء مُبْهِجة، تشعرك باللون الوردي، مما يجعلنا ندخل الفِيلْم منذ البداية بروح خفيفة بعيدة عن الدراما المعقَّدة، يؤكد البهجة البصرية تداخل موسيقى مرحة تبعث على الفرح، وكأنك ستدخل رحلة لطيفة، عبر مدَّة الفِيلْم.

"أبو ظبي" هي أول ما نشاهده في الفِيلْم، حين تتجوَّل الكاميرا تتابع البنايات الشاهقة، نشاهد الارتفاعات الَّتِي تحوطها الخضرة والماء الرائق الجميل، مع خروج صوت الراوي في الوقت نفسه وهو يردِّد في عمق: "أبو ظبي مدينة يجتمع العالم بأسره فيها، فعلى اختلاف أجناسهم وثقافتهم، إلا أنهم متجانسون، يعملون، يتنافسون، ليكون الحب عطاءهم". وتستمر الكاميرا في التجوُّل من أعلى "أبو ظبي" بعين الطائر، لتريك الاختلافات في المباني، وتشعرك في الوقت نفسه بالتجانس، تنسحب الكاميرا للخلف مع دقَّات الموسيقى وكأنها تأخذك داخل "أبو ظبي"، ثم فجأة تنتقل للشارع حيث سيارة فارهة، باهظة الغِنَى، تسير على مهل، وتنظر العين من أسفل لأعلى إحدى البنايات فتجد تمازجاً بين المبنى والسَّمَاء في خَلْطَة لونيَّة سماويَّة متقاربة، تتجوَّل السَّيَّارَة داخل "أبو ظبي" في رغبة لاستعراض الشوارع أمام عين المُشَاهِد، كأنك ترى "أبو ظبي" من الداخل وأنت تتابع الكاميرا.

حدث هذا التجوُّل في "أبو ظبي" في منتصف الفِيلْم أيضاً حين خرج الشاب "علي" والَّذِي قام بدوره الممثِّل الشاب أحمد خميس، خرج مع الشَّغَّالَة سارة، ليريها قلب "أبو ظبي"، كانت هذه فرصة وُضِعَتْ خصِّيصاً لنطالع "أبو ظبي" عن قرب، ولنتجوَّل داخلها في فترة زمنية أتاحتها هذه السياحة الَّتِي أراداها صُنَّاع الفِيلْم، تجوَّلت الكاميرا في استعراض واضح للبنايات وللطرق، وللعمارة، بألوانها الجميلة وتنساق شوارعها، وأحاطت الكاميرا بلافتات الشوارع، دخلت بنا شارع الشيخ راشد بن سعيد، ورأينا لافتات شارع القطعة، وارتفعت الكاميرا وهي تُظْهِر شارع زايد الأول، وشارع سلطان بن زايد الأول، ثم توقَّفنا عند لافتة شارع حمدان بن حمد، وشارع فاطمة بنت مبارك، رأينا المحلات النظيفة والمميزة من الداخل، ونحن نتابع علي وساندرا في سياحتهما الطريفة داخل قلب "أبو ظبي"، كأننا ذهبنا ورأينا "أبو ظبي"، وكانت الرحلة ساحرة حين انتهت بغروب الشمس، وظهر منظر "أبو ظبي" من أعلى في الليل يُغَلِّفه السكون الجميل والأنوار الناعسة.

النار مقابل النار

تبدأ أزمة الفِيلْم حين تهرب نكروزه شَغَّالَة منزل أبو علي مع رجل تحبُّه، فيحدث هرج في البيت، فلا تطبخ أم علي في البيت، ولا تغسل الملابس، وتطلب الطعام من المطعم وترسل الملابس للمَغْسَلة، ويتسبَّب هروب نكروزه الشَّغَّالَة في عرقلة منظومة المنزل، فيتصل أبو علي بالمطعم ويطلب منه عدم إحضار طعام للمنزل، ويكرِّر الأمر للمَغْسلة بعدم قبول ملابس من منزله، لكنه اتخذ قراراً آخر بعدما تحدث مع صديقه أبي عبيد، بأن يختار الشَّغَّالَة هو، وأن يحضرها من مكتب الأستاذ وليد الَّذِي يعرفه أبو عبيد، وتم الاتفاق بينهما على الخطة.

أحضر أبو علي مجوهرات لأم علي كترضية لها، وتنفيذاً للخطة الَّتِي سيقوم بها، وأخبرها أنه سيحضر لها شَغَّالَة بدل نكروزه، وأخذها لتختار الشَّغَّالَة معه، وحين رأت أم علي الشغالات الحسناوات في مكتب الأستاذ وليد سقطت على الأرض في غيبوبة، وأحضر أبو علي شَغَّالَة أرجنتينية بمساعدة صاحب الشركة وليد، وبالاتفاق مع أبي عبيد.

كانت فكرة أبي عبيد أن يضع النار مقابل النار، وأن يواجه الحديد بالحديد، ساندرا شَغَّالَة جميلة ومثقَّفة مقابل أم علي ربَّة الأسرة الَّتِي ذهب جَمَالها وفي الوقت نفسه ثقافتها محدودة، كان الغرض من وجود الشَّغَّالَة الأرجنتينية في المنزل أن تشتعل الغيرة في قلب أم علي، وتتنازل كليَّة عن فكرة الشَّغَّالات، أراد أبو علي أن يستغل الشَّغَّالَة الجميلة في استثارة أعماق أم علي الأنثوية، وأن يفجر الغيرة الأنثوية فيها وهو يطلب من الشَّغَّالَة أن تُعِد له الحَمَّام وأن تعطيه الحقنة، وبالتالي كان يبغي أن ترتد أم علي معه كقطعة الحرير، وأن تكون طوع أمره، هذا هو المقصد من وجود الشَّغَّالَة.

ثارت أعماق أم علي فطلبت من علي ابنها أن يتَّحد معها في طرد الشَّغَّالَة، لكن الشاب ظهر أنه مُعْجَب بالشَّغَّالَة ساندرا الجميلة، وغيَّر شكله ولون شعره من أجل أن يحوز إعجابها، فكادت الأم أن تنفجر من وجود الشَّغَّالَة الَّتِي كتمت على أنوثتها، وكادت تنتزع قلوب أهل بيتها منها.

الشَّغَّالَة تقلب مشاعر البيت

ما إن وصلت ساندرا الشَّغَّالَة لبيت أبي على حَتَّى بدأ الغليان يظهر على أم علي، كان مرورها فقط يصيبهم بالربكة، الأم تتنهَّد من الحسرة والقلق من هذا الجمال، وعلي ينظر بشغف حَتَّى يسقط من فوق المقعد وهو يتابع حركتها اللينة الناعمة.

انقلبت المشاعر بصور كوميدية حَتَّى إن علياً أراد أن يتعلَّم اللغة الأرجنتينية، وطلب من والده أن تعلمه ساندرا، كان يريد أن يقترب منها بأي شكل، فليتعلَّم اللغة من أجلها، وأخبر والده أن الأرجنتين من أفضل دول العالم في الجامعات؛ لذلك هو يريد أن تظل ساندرا في البيت كي تعلمه اللغة الأرجنتينية، وأخبر والده أنه يكفي الأرجنتين أنها فازت بكأس العالم مرتين، وكان المشهد كوميدياً خالصاً حَتَّى إن الوَالِد أخبره أن ناس الأرجنتين لا يتحدثون الأرجنتينية الَّتِي يريد أن يتعلمها؛ إنما يتحدثون الإسبانية.

كانت أم علي تتوعَّد الشَّغَّالَة في سرها، ويظهر عليها علامات الغيظ، وتَصْدُر منها حركات كوميدية تدل على حُرْقَة القلب الظريف، وكان الصراع داخل النفوس يبدو في حركات بسيطة من إزاحة الأطباق للشَغَّالَة ساندرا بغيظ، وأيضاً بعض التلويحات الَّتِي تعني عدم الرضا، وتنظر أم علي لوجه ساندرا الجميل وهي تردِّد: "حسبي الله ونعم الوكيل" لكن الأخت قالت لساندرا: أنا لست متأكِّدة أنك خادمة منزل، وأجابت ساندرا: ولا أنا أيضاً" وهذا ما سنكتشفه في نهاية الفِيلْم، وتصاعد الموقف حين التقط علي صورة له مع ساندرا، وتعلَّق زملاؤه بالشَّغَّالَة وجاءوا عند بيته وكلهم رغبة في شَغَّالَة أرجنتينية، حَتَّى إنهم أوصلوا بعض الشكاوي لرغبتهم في الحصول على شَغَّالَة أرجنتينية، كانت مظاهرة إعجاب بهذا الجمال.

سيدة البيت

مع تصاعد الأزمة، سلَّمت أم علي بأنها ستقوم بكل أعمال المنزل وأنها ليست في حاجة لشَغَّالَة، وأنها على استعداد لأن تطيع الوَالِد في كل ما يريد، ستطبخ، وتكوي له ملابسه، وتصنع كل ما يريحه، طلبت منه أن يطردها، وأكدت أنها ستكون سيدة البيت الحقيقيَّة، وهنا كشف أبو علي السر لابنه علي، أخبره أن ساندرا ليست شَغَّالَة؛ وإنما هي من شركة الأستاذ وليد، قامت بهذا الدور؛ حَتَّى تجعل والدته تقتنع بعدم أهمية وجود شَغَّالَة، وهذا ما حدث.
 

وعلى الرغم من أن الفِيلْم يُنْهِي عرضه بعودة الشَّغَّالَة نكروزه الَّتِي هربت، ويقبل عودتها أبو علي وأم علي ليعود البيت كما كان، إلا أن رسالة الفِيلْم كانت واضحة، بأن سيدة البيت هي صاحبة المملكة، بيتها، وأنها الوحيدة الَّتِي يجب أن تسيطر على بيتها، وأن لا تعتمد كليَّة على شَغَّالَة، وأن الشَّغَّالَة الَّتِي تدخل البيت يمكن أن تأخذ مشاعر أهل البيت، فالواجب على ربَّة الأسرة أن تكون على دراية بكل أمور البيت؛ لأنه في البداية والنهاية بيتها هي وليس بيت الشَّغَّالَة، وإنها سيدة البيت.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها