مظَلَّة الفراشات

عبد الهادي شعلان

مظَلَّة أمي مليئة بالفراشات الصفراء الجميلة.. ولأن السماء لم تكن تمطر فقد وجدتُها مركونة في قعر دولاب ملابسها، نظرتُ للفراشات فابتسمتْ لي، فقررتُ أن آخذ المظَلَّة لسطح بيتنا؛ كي أعرف عدد الفراشات التي تبسَّمت لي.

رأيتُ ركناً مزهراً بالشمس الرائقة الطيبة؛ فأخذتُ المظَلَّة ودخلتُ في حنايا خيوط الشمس أنا والفراشات، نظرتُ للفراشات فرأيتُ انتشاءها بشعاع الشمس يَطفُر سعادة وكادتْ ترقص، أرادتْ أن تترك المظَلَّة وتطير مع خيوط الشمس؛ إذ إن أجنحتها بدأت ترف.

أغلقتُ المظَلَّة بسرعة ودخلتُ غرفة السطح الجانبية التي لا تدخلها الشمس وأغلقتُ الباب بكل حرص ولم أجد أي شعاع للشمس بين الجدران، فتحتُ المظَلَّة فلم تتحرك الفراشات وظلتْ ساكنةً فوق القماش، وبدا أنها حزينة وكأنها نظرت لي بشفقة وعتاب، اطمأن قلبي حين رأيتها نامتْ في نعاس رقيق فأخذتُها في نور الشمس وبدأتُ أعد الفراشات الناعسة.

تحركتْ أجنحة الفراشات وأنا في منتصف العد، وكادت الفراشات تخرج من قماش المظَلَّة وكانت بي رغبة روحية أن أرى فراشات تطير؛ فرفعتُ المظَلَّة ووجهتُها جهة الشمس، وفكرت إن طارت الفراشات ستصبح المظَلَّة بلون الحليب، لكني لم أهتم وقررت أن أخبر أمي إذا سألتني عن ألوان المظَلَّة بأني تركت الفراشات تطير حرة فوق خيوط الشمس.

وقفتُ تحت قماش المظَلَّة وأنا أمسكها من مقبضها العاجي الناعم، نظرتُ للفراشات من تحت المظَلَّة وكانت الشمس تكشفها لي كاملة وهي تحاول الخروج من القماش والطيران، كان شيئاً ما يمنعها من الخلاص، وكأن خيوط القماش تحبسها؛ فرحتُ أهز المظَلَّة لأساعدها على الطيران الحر الطليق، وبالفعل بدأ الهواء يدخل قلب المظَلَّة وبدأتْ الفراشات ترف، ترف، وتركتْ خيوط المظَلَّة ورأيتها تلف وتدور حول المظَلَّة، تصنع سحابة صفراء حولي رائعة السحر.. فسررت كثيراً وفرحتْ روحي وتمسكتُ أكثر بمقبض المظَلَّة ورحتُ أهزها أكثر كي أخلِّص باقي الفراشات العالقة في خيوطها.

رأيتُ الفراشات تتجمَّع حول المظَلَّة وتبتسم لي وتداعبني ثم دخلت في التجويف السفلي ودارت حول حواف المظَلَّة في دائرة وبدأت ترفع المظَلَّة بي لأعلى، لأعلى، طرتُ قليلاً، قليلاً، والفراشات حولي تطير وهي ترفعني في حديقة السعادة، وتشاهد طيراني الضعيف العاجز عن التحليق الحر.. وحين لم أجد الأرض تحت قدمي بدأت أرتجف ودخلني الخوف والرعدة، ولكن الفرح كان يملأ روحي وتمنيت أن أكون فراشة بجناحين، لم أترك المظَلَّة، ولم أستسلم لإحساسي بأني فراشة.

حين زاد ارتفاع المظَلَّة بدأ قلبي يدق بعنف وخِفْتُ أن يراني أبي وهو جالس في المقهى المواجه للبيت وأنا طائر في الهواء، لمَّا شعرتْ الفراشات بدقات قلبي أحاطت المظَلَّة وبدأت تغني لي أغنية تخصّ الفراشات وحدها؛ فاستراح فؤادي وبدأتْ السكينة تحط على روحي واندمجتُ في التحليق، وبدأتُ ألفُّ وأدور في الهواء مع الفراشات أغني وكلي سعادة بأن هذه أغنية الجَنَّة، وأن لا أحد سمع هذه الأغنية قبلي، فانتشيت وخفَّ وزني ووجدتني أطير في الهواء الطلق فراشة وسط الفراشات، أردد أغنية الجنة بكل عصب في أجنحتي الرقيقة.

شعرت بقوة واحتوتني فرحة السماء ورأيت العصافير تطير حولي، ونظر لي نورس وابتسم كأنه يعرفني، وصارت الفراشات تردد اسمي لأنتبه، فسمعتُ صوت أمي يناديني، فارتج قلبي وأحاطتني الفراشات ملتصقةً بقماش المظَلَّة، فأغلقتها وذهبتُ لأمي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها

فرات غانم

سمو الروح والحلم ..قصة رقيقة جميلة ..بعيداً عن وجع الحياة ..شكراً لجهودكم جميعاً

3/4/2021 6:01:00 PM

1