مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى نشر ثقافة السعادة

حوار مع الدكتورة: ابتهاج خليفة

حاورتها: ثناء عبد العظيم


عندما نتحدث عن السعادة؛ فإننا نربطها دائماً بأيام الرخاء والرفاهية، ونتناسى الأزمات التي قد تعصف بحياتنا، وكم نحن بحاجة إلى التفنن في صناعة السعادة فيها، حيث تُقوّي عزيمتنا وإرادتنا، ونحن نتخطى التحديات في تلك الأزمات، كم نحن بحاجة إلى أن نستشعر نعم الله حولنا في الأيام العصيبة لندرك معنى الشكر والامتنان لرب العباد، ولن يتأتى ذلك إلا بإحاطة أنفسنا بجو مفعم بالإيجابية، ورفع مؤشرات الرضاء والقبول الذاتي والوصول إلى مؤشر السعادة الذي نطمح إليه، فهي قيمة إنسانية تتحقق بتحقيق الرضا والنجاح والتسامح والسلام، وهي أسلوب حياة ونهج للتنمية. هذا وغيره هو ما سنتعرف عليه في الحوار الآتي مع الدكتورة ابتهاج خليفة سفيرة السعادة البحرينية ومستشارة جودة الحياة.


 

● بدايةً؛ ما مفهوم السعادة من وجهة نظر المتخصصين في مجال مؤشرات الإيجابية؟ وكيف يمكن أن تتحقق في ظل التحديات والأزمات التي يعيشها الإنسان؟

إن مفهوم السعادة عميق، ويمكن اختصاره في الرضا والقناعة بما هو موجود، وهي الإنجازات الخاصة بكل فرد وما حققه من أهداف في حياته، ومدى مشاركته في إسعاد مجتمعه وإسعاد نفسه شخصيًا وأسريًا ووظيفيًا، وبإمكاننا أن نقيس السعادة الشخصية عند كل فرد بمؤشرات متعددة، كالتطور الشخصي وتحقيق الطموحات وفق خطة محكمة متوافقة مع قدراته وإمكانياته، وسط ثقة عالية بالنفس والقدرة على تخطي المشاكل والتحديات والصعوبات.

 أما على نطاق الأسرة بإمكاننا أن نقيسها من خلال تحقيق التواصل الفعّال بين أفراد الأسرة، والحوار الهادف وقدرة الآباء على تربية أبنائهم التربية الإيجابية وسط أجواء تربوية صحية خالية من الصراعات داخل الأسرة، والقدرة على اتخاذ القرارات التشاركية في بيئة يملؤها الاستقرار والالتزام والانضباط والاحترام والتقدير، فالمجتمعات السعيدة يسودها التكافل الاجتماعي والتسامح والتعايش.

إن ما مرت به البشرية منذ 2020 حتى يومنا هذا من جائحة كادت أن تفتك بالكرة الأرضية لولا لطف الله ورعايته لنا، وكما رأينا الجميع أصبح في عنق الزجاجة، وأصبحت أمنيتنا جميعاً الخروج منها بسلام.

● ما السبيل في ظل الأفكار والوساوس السلبية التي اقتحمت العقل الباطن لمعظم أفراد المجتمعات أثناء جائحة كورونا، وكيف نستطيع أن نحول المحنة إلى منحة ربانية نستخرج منها الطاقة الإيجابية من تلك الجائحة؟

إننا نحتاج إلى قليل من تهدئة روع النفس الذي أصابنا لنستطيع إخراج الكنز المدفون من ورائها، وبالتالي سنصنع سعادتنا في ظل اشتدادها مبتعدين عن التذمر والاستياء من جراء تلك المحنة، فالسعادة الشخصية تبدأ عندما يتبني الفرد التفكير الإيجابي المتمثل في الإيمان المطلق بأن الله هو مسير الأمور مع تكرار التأكيد الإيجابي، وعدم لوم النفس وتنظيم الأفكار، وتحديد الأولويات والأهداف في الحياة مع ممارسة التأمل والاسترخاء للراحة النفسية، وشحن الطاقة الداخلية للوصول للسلام الداخلي والتصالح مع الذات، كل هذا لن يحدث إلا بتبني قيم التسامح والعفو عن الناس والاستفادة من مشاكلنا باستخراج الطاقة الإيجابية، وتحقيق التوازن في مجالات الحياة على المستوى المهني والمادي والصحي والديني والاجتماعي والعائلي والدراسي وتطوير الذات والانخراط في التطوع وخدمة المجتمع من أجل رفع مؤشرات السعادة الشخصية بقيمة العطاء في المجتمع، مضيفة بأن هناك ثلاثة أمور بسيطة يستطيع الإنسان أن يمنح السعادة بها من حوله، عندما تسعد شخصًا بعطائك وابتسامتك وكلماتك الطيبة وتواضعك، فأي سعادة تلك التي ستجنيها. لنعطي أنفسنا الفرصة لنكتشف قدراتنا ومواهبنا ونمارسها بكل احترافية، وأن نحفز بعضنا البعض على نشر ثقافة الامتنان بين مجتمعاتنا، ولا نبخل بتقديم الدعم النفسي وبث روح الطمأنينة، والابتعاد عن الإعلام السلبي الذي كاد أن يدمر عقولنا ويغذيها بالأفكار السلبية، لنحقق بذلك السلام الداخلي مع أنفسنا ونتصالح مع ذواتنا.

● هل يمكن للإنسان أن يصنع السعادة لنفسه؟

نستطيع أن نتفنن في صنع كل ما يسعدنا في أزماتنا عندما نتبنى التفكير الإيجابي كمنهج في حياتنا، معتمدين على عناصره، وهي: الإيمان بأن الله وحده فهو مسير أمورنا وفي يده مفاتيح الغيب التي نجهلها، وأيضاً نبتعد عن لوم النفس والاستفادة من كل موقف وتجربة مررنا بها في تلك الأزمة، والابتعاد عن العقول السلبية التي تغلق أمامك كل أبواب الأمل، وتخفي خيط النور الظاهر من تلك الجائحة، وبالتالي فإننا قد أصبحنا في قارب الإيجابيين قادرين على تبني قيمة التسامح بيننا كأفراد، وعلى البحث عن الإيجابية والنظر إلى النصف الممتلئ من كوب الماء، والذي يؤدي إلى الإبداع في رسم أهداف حياتنا المرنة لنصبح أكثر تكيفاً مع الأحداث الصعبة التي نمر بها، ونغير نظرتنا السلبية لتكون أكثر إيجابية وسط أولويات نحددها لأنفسنا مستلهمين العبر من قصص العظماء والناجحين

● كيف تتحقق السعادة الوظيفية في بيئة العمل والعطاء بشكل أفضل؟

تتحقق السعادة الوظيفية عندما تكون هناك قيادة واعية تتبنى استراتيجيات القوة الناعمة في تسيير المؤسسات، وتحولها إلى قيادة حكيمة تسعى إلى تحفيز الموظفين وتطويرهم مهنيًا، وإتاحة الفرصة لهم للترقي وفق معايير محددة، وتحقيق مبدأ العدالة والشفافية بينهم. وضمان تحقيق الاحترام المتبادل بين الموظفين والإدارة وسط أجواء تسودها العلاقات الاجتماعية القوية، والذي يؤدي بدوره إلى رفع مؤشرات الرضا الوظيفي والولاء والانتماء للمؤسسة والمشاركة في اتخاذ القرارات مع المتابعة والتوجيه المستمر من قبل القادة لموظفيهم، ومساعدتهم في صياغة أهدافهم والوصول بهم إلى النجاح المنشود. كما نحتاج إلى موظف واع يساهم في نجاح مؤسسته وينجز فيها ويبتكر ويبدع ضمن فرق العمل، وبالتالي فإن مسئولية تحقيق السعادة الوظيفية لا تعتمد فقط على القادة فالأفراد أيضاً مسؤولون عن إسعاد أنفسهم وظيفيًا لتتحول المؤسسة إلى بيئة عمل سعيدة ينعكس على مخرجات تلك المؤسسة، والجودة فيما تقدمه للمتعاملين من خدمات، وهذا بدوره سيؤثر على المجتمع ليزدهر وينمو.

● كيف يمكن أن يكون الاستقرار الأسري عاملاً مهماً في إسعاد أفراد الأسرة مما ينعكس على تربية الأبناء؟

السعادة الأسرية لن تتحقق إلا بتحقيق السعادة الشخصية؛ إذ إن التكامل في جميع مجالات السعادة أمر ضروري والعلاقة بينهما طردية، فلا بد أن يكون هناك توازن في جميع مجالات السعادة، عندما يتمتع أفراد الأسرة بالسعادة الشخصية ويتحولون إلى أفرادٍ يتبنون الإيجابية كمنهج لحياتهم سيكون هناك نوع من الاستقرار الأسري، نحن بحاجة إلى استخدام القوة الناعمة في العلاقات الأسرية سواء ما يخص العلاقة بين الزوجين في الابتعاد عن العنف، وتبني الحوار الإيجابي في تربية الأبناء القائم على التفاهم بين الآباء والأبناء، والتحفيز وصقل قدراتهم ومواهبهم وأن يكونوا قدوة لأبنائهم واحتوائهم بالحنان، ولا ننسى دور الأب في تحويل البيت إلى زوايا تنبض بالسعادة والإلهام ببعض الإبداعات والأفكار.

● كيف نصنع السعادة المجتمعية؟

صناعة السعادة المجتمعية تتم عن طريق المؤسسات والأفراد من منطلق المسؤولية المجتمعية، فعندما تساهم المؤسسات في إسعاد المجتمعات بالبرامج المتنوعة سواء على صعيد موظفيها أو أفراد المجتمع المحلي، وعندما تخصص لها أهدافًا ضمن خطتها الاستراتيجية فيما يخص المسؤولية المجتمعية، وحث موظفيها على ذلك وفق معايير وأبعاد محددة ومدروسة بالتالي سنضمن السعادة المجتمعية على نطاق واسع مع زيادة إنتاجية المؤسسات، وارتفاع أرباحها وبالتالي ازدهار المجتمعات اقتصاديًا مع ارتفاع مؤشرات السعادة بين أفرادها وعلينا أن نغذي عقولنا بالقراءة ومواكبة المستجدات لنستطيع العيش بأمان في ظل التحديات. ولتكن القوة الناعمة هي الغالبة على تعاملاتنا في مؤسساتنا وعلاقاتنا الأسرية لنستطيع تحقيق التوازن في عجلة حياتنا، ولنتذكر أنه لا يمكننا أن نفعل شيئاً للأحداث غير المتوقعة، ولكننا يمكننا التحكم في كيفية تكيفنا معها، فإما أن تكون نظرتنا لها سلبية أو إيجابية، ولعلنا نحتذي بدولة الإمارات العربية المتحدة عندما تم تشكيل وزارة السعادة فيها لضمان مجتمعات سعيدة قادرة على إطلاق البرامج والمبادرات من منطلق المسؤولية المجتمعية لتحقيق الرفاهية للأفراد، وضمان مجتمعات متماسكة يعيش أفرادها السلام الداخلي، قادرين على تحقيق جودة الحياة مع تبني قيمة التسامح والحفاظ على القيم الاجتماعية، فنحن بحاجة إلى أن نقطع شوطًا كبيرًا لنشر ثقافة السعادة الحقيقية المستدامة بين الأفراد، وأن يتم تدريس ذلك ضمن مقررات دراسية في مدارسنا من قبل مختصين في هذا المجال.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها