الكتَــاب وَالإنسَــان

حـوار مَعَ الأَديبِ السُّوريّ محمَّد بَاقي محمَّد

حاوره: علاء الدين حسن

القراءة مدخل أساس وثابت إلى التَّعليم والتَّثقيف، والكتاب مِن أجمل ما توصَّل إليه عقل الإنسان، ومنذ بداية الحضارة، كان الإنسان ولَمَّا يزل يتعلَّم ويعلِّم. والقراءة بوَّابة الفكر والمعرفة، ولا سيادة لأمَّة مِـن الأمم بدون فكر وعطاء ونماء، والكتب هي أداة نهوض الأمم، وعنوان الرُّقيِّ والتَّقدُّم، وهي تجارب البشريَّة عبر تاريخها الطَّويل؛ ولذلك شهد العالَم وعياً متزايداً بأهمِّـيَّة الكتب والمكتبات، على مدى مراحل زمنيَّة كثيرة؛ لِما لها مِن كبير دور في حياة الإنسان.

والكتب مظهر مِن مظاهر حضارة الشُّعوب والأمم؛ بل لعلَّها أهمّ تلك المظاهر؛ لأنَّها الوعاء الَّذي تُصَبُّ فيه ثمرات عقول الأبناء وإبداعاتهم في مجمل مناحي الحياة. ولا يمكن الاستغناء -بشكل مِن الأشكال- عن الكتاب، لِما له مِن بالغ أهمِّيَّة في البناء التَّربويّ؛ فالكتاب نور مضيء، ولا شكَّ أنَّ الأمَّة الواعية هي الأمَّة القارئة؛ لأنَّها الدَّعامة الأساس في مجال الدِّراسة والبحث والمطالعة. ولله درُّ القائل عليّ بن الحسن:

جلَّ قدرُ الكتابِ يَا صاحِ عِندي ... فهـوَ أَغلى مِـن الجـواهرِ قدْرا

والاهتمام بالكتاب يحقِّق مجموعة واسعة مِن الغايات والأهداف، فهو يزيد مِن خبرات الإنسان، ويُغني عواطفه وخيالاته، وينمِّي مداركه وقدراته وإمكاناته؛ لذا نرى -الكتاب- يمتاز بأهمِّيَّة كبيرة، إلّا أنَّ ذلك لا يمنع -للأسف- الواقع المتردِّي للقراءة وقلَّة الإقبال على الكتاب في مجتمعاتنا الشَّرقيَّة. ولعلَّ أهمَّ الأسباب وراء ذلك: عدم إدراك ضرورة القراءة.
ومعارض الكتاب بشكل عام، تُعَدُّ حالة ثقافيَّة صِحِّيَّة؛ بل هي مِن أهمِّ التَّظاهرات الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة الَّتي تُقام في مدن العالم كافَّة، وتُضفي عليها نقاءً ورونقاً، حتَّى إنَّ إقامتها بشكل دوريّ، صار مِن التَّقاليد المتَّبعة لدى الأمم المتطوّرة، كما أنَّ معارض الكتاب تؤدِّي دوراً هامَّاً في تلاقح الأفكار، وتحقِّق التَّعارف والالتقاء بين القائمين على المؤسَّسات المعنيَّة بالنَّشر، وهذا ما يفسِّر سبب الاهتمام المتزايد لدى البلدان المتطوّرة بإقامة هذا النَّوع الهامّ مِن المعارض.

مِن هذا المنطلق، نلتقي الأستاذ محمَّد باقي محمَّد في هذا اللِّقاء الخاصّ.




◉ أستاذ محمَّـد! بِمَ نبدأ اللِّقاء؟

نبدأ لنقول: لا يمكن لِمَن يضع الثَّقافة في مقدَّمة مقاصده أن يقفز مِن فوق الكتاب؟! الكتاب ركن أساسيّ في الثَّقافة، هو الحامل الأوَّل لأفكارنا وأحلامنا، وهواجسنا وأسئلتنا حول الحياة والجماعة ونتاجها الفكريّ والإبداعيّ وفولكلورها ونمط حياتها، بهذا المعنى هو ركن مكين لهويَّة الجماعة؛ إذ إنَّه -مِمَّا تقدَّم- يُعبِّر بوساطة اللُّغة، واللُّغة والهُويَّة نسيجان مُتداخلان، فالصِّينيّ هو مَن يتكلَّم الصِّينيَّة، وهذه حال العربيّ، وكذلك الفرنسيّ، والكرديّ، وسواهم.

 للكتـاب دوره الكبير فـي الحضارة الإنسـانية؛ حبَّذا لو وقفنا مع هذا الدَّور

وهذا الدَّور الكبير للكتاب في الحضارة الإنسانيَّة الَّذي أشرت إليه؛ لا يمكن تجاهله بشكل مِن الأشكال؛ فقد كان الكتاب حاضراً بقوَّة في المشهد، يؤرِّخ له، ويفصل بين أقسامه، ويواكبه في منحاه جهات التَّخصُّص، لكنَّنا سنقرُّ بلغط شابَ المرحلة الرَّاهنة من ثورة المعلوماتيّة، حتَّى إنَّ قسماً منه طال مُستقبل الكتاب الورقيّ على شكل رهان!

الكتاب -كما تعلم- هو مِن أجمل الأشياء في الحياة؛ فيه كنوزٌ مِن المعرفة والثَّقافة اللَّامحدودة، وهو مَخزن العِلم والتَّجربة الإنسانية، وبه يستطيع الإنسان الوصول إلى عوالم مختلفة بين الماضي السَّحيق والمستقبل البعيد، وعن طريقه يتعرَّف الإنسان على تجاربِ الآخرين، وعلى قِصصهم وخبراتهم؛ فهو يختصر للإنسان طريق التَّجْرِبة الذَّاتيَّة بأن يَعرِفَ تجارب النَّاس، ويتجنَّب الإخفاقات الَّتي وقَعوا فيها.

والكتاب إلى جانب أهمِّيَّته الثَّقافيَّة، يُعَدُّ مِن أجمل الهدايا المتبادلة بين بني الإنسان؛ ومَنْ ذاق قدر الكتاب لا يَقدِرُ بَعدها على هَجْرِه، ويُصبح أحدَ رُفَقائه في الحياة. ولا شكَّ أنَّ القراءة من أفضل الهوايات والضَّروريات الَّتي يقضي معها الإنسان ساعات مِن وقته، تُجدِّد رُوحَه وعقله وتفكيره، والكتاب يساعد كثيراً في تطوير شخصيَّة الإنسان وإنمائها؛ بحيث يمدُّه بالمعرفة الضَّروريَّة اللّازمة.

 ولطالما أشرنا إلى القراءة؛ فلا يفوتنا هنا؛ بل جدير بنا: أن نشير إلى أنَّ أوَّل آية مِن غيث الوحي الإلهيّ دعت إلى القراءة؛ بل أمرت بها؛ إذا قال الله في كتابه الكريم: {اقرأ باسم ربِّك الَّذي خلق. خلق الإنسان مِن علق. اقرأ وربُّك الأكرم. الَّذي علَّم بالقلم. علَّم الإنسان ما لم يعلم}.

وطلب العِلم –كما هو معروف: فريضة، والقراءة عِلم، والأنبياء لم يتركوا لنا مالاً أو جواهر، أو ذهباً أو فضَّة؛ وإنَّما تركوا لنا العِلم، الَّذي عنده العِلم أخذ أوفر الحظوظ، فلا شيء في الدُّنيا أشرف مِن العِلم؛ لذلك سأل النَّبيُّ الكريم ربَّه أن يزيده مِن العِلم.

◉ لو ضاعت الكتب ضاعت العلوم وضاع التَّواصل؛ إلـى أيِّ بُعد تتوافق معي فـي هذا القول؟

إلى أبعد حدّ، إلى أبعد حدٍّ أتَّفق معك في ما قد ذهبت إليه؛ مع الكتاب يستطيع الإنسان أن يتواصل مع الآخرين، ويتعرَّف عليهم تعرُّفاً أدقّ وأعمقَ، ويطَّلع على الأفكار الَّتي يَحملونها، وعلى الحياة الَّتي يعيشونها، وربما يكونون مختلفين عنه فِكْراً وبيئةً وزمناً وثقافة؛ حيث يستطيع عن طريق الكتاب أن يَعرِفَ أغوارَ الحقائق الَّتي قد لا يجدها في صورٍ يُشاهدها؛ فالثَّقافة تكون عميقةً بعيداً عن بساطة الشَّاشات.

وبالكتاب يستطيع الإنسان أن يُدوِّن تجاربه وسيرته وعِلمَه، ثمَّ يبقى ذلك بمثابة إرث للأجيال مِن بعده، ها نحن الآن نقرأ سِيَر أناسٍ وعِلمَهم عاشوا قبل ألف سنة، وما زالت ذِكْراهم حيَّةً بيننا؛ لذا سُمِّي الكتاب: الولد الباقي.

وبالكتب تُحفَظ العلوم البشريَّة، وتتناقلها الأجيال، ولولاها لضاعَتِ العلوم والتَّجارب، وأنت إذا أخذتَ كتاباً يحكي قصَّة إنسان ما، وبدأت قراءته، فكأنَّك سافرتَ إليه ورافَقته، وقصَّ عليك قصَّته كاملةً، وربما يكون هذا الإنسان قد عاش في زمن مختلف، وإذا بك تعيش حكايته.

◉ بيتٌ مِن غير مكتبة، ما تقول عنه؟

البيت الَّذي يـخلو مِن مكتبة منْزليّة بستان بلا أزهار، الكتاب تربُ الثَّقافة ووعاؤها، وهي ثقافة نفتقدها، فلا قيمة للكتاب عند شعوب لا تقرأ، ولا تتفكّر فـي مكتبة منْزلية، ولعلَّ ارتفاع نسبة الأميّة يسهم فـي غياب تلك المكتبات؛ إذ كيف لأمِّيٍّ أن يقف بقيمة الكتاب، وعلى أيِّ قاعدة سنفترض بأنَّه ينبغي أن يتفكَّر فـي بناء مكتبة فـي بيته، كما أنَّ العوامل التَاريـخيّة والسِّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة تتضـافر لجهة غياب المكتبة عن المنازل.

أعود لأقول: وجود المكتبة في بيت الإنسان بمنْزلة بستان وارف الظِّلال، يستريح تحتها وقتما يشاء، ويَقطِفُ مِن ثمار المعرفة ما يريد، وعندما تقرأ كتاباً تُفتَح عيناك على أمور قد لا تَنتبه إليها، وهذا يجعلك تُقدِّر العالَم الموجود خارج نافذتك أكثر، فالكتاب أداة مهمَّة في الحياة، أداةٌ أساسيَّة، ويمكن للحياة أن تتحسَّن كثيراً بها، ومعها.

 أنت روائيّ وقاصّ وناقد، ما رؤيتك للكتب؟! أهي حديقة أزهار، أم هي أجمل؟! ماذا يعني لك الكتاب؟

لو تساءلنا: كيف عُرفت كقاصّ، سيجيبك أحدُهم بأنَّه قرأ قِصصاً لي في دوريّات متخصّصة، ويردف آخر بأنَّه قرأ لي مجموعة قصصيّة أو أكثر، ولو تساءلنا: كيف تسنَّى لي كتابة القِصص؟! لأجابتك طفولتي عبر فضولها ونهمها وحبِّها غير المحدود لحكايات الجدَّة، ثمَّ دفعني الولع بهذا الجنس إلى قراءته، مِن غير أن أنتبه إلى أنَّ ذاكرتي تحفظ بناء القصَّة وعناصرها، وفي وقت لاحق تطوَّر أنماط كتابتها، أنت تلاحظ -أستاذ علاء؛ بأنّ الكتاب يتداعى مع كلّ جملة أوردتها، وحينما تلحّ فكرة عليّ مُطالبة بكتابتها، سأفعل، ثمّ يتكرّر السِّيناريو، فتجتمع لي مجموعة مطبوعة، أي كتاب، هكذا سنجد بأنَّ الكتاب أداة، وأنَّه وسيلة، ثمَّ يتحوَّل إلى غاية، وباستعراض ما سلف، ستجد بأنَّ الكتاب يرافقني في كلِّ مفصل في حياتي، يرافقني وأنا قارئ، يرافقني كفكرة تناصَّاً وتأليفاً حين تولد القصَّة فكرة، ثمَّ تجد طريقها إلى التَّنفيذ، وهو موجود بقوَّة أثناء التَّفكُّر بأنماط القصِّ قديمِها وحديثِها، ويرافقني كوليد حين يتحوَّل إلى مجموعة قصصيّة، أي إلى كتاب.

 الكتاب جزءٌ مهمٌّ مِـن تكوينك إذاً؟!

بكلِّ تأكيد، ويُغيِّر في سلوكي أو سلوك القرَّاء؛ إذ إنَّه يتوجَّه بخطابه إلى قلوبهم وعقولهم وضمائرهم، بهذا المعنى وعلى نحو خاص: الكتاب هو أنا، جرِّدني مِن الكتاب، وستفهم ما أعنيه، وما يعنيه لي الكتاب. لنذهب جهة الرِّواية، وسيبدأ التَّنوُّع يفصح عن نفسه، فإذا وقفنا عند الجاحظ، سنراه ينقلنا إلى البحث في التُّراث، أي إلى نمط آخر مِن الكتابة، ومع ابن خلدون نقف مع علم الاجتماع،، ومع المتنبِّي سيفوح الشِّعر بضوعه، ثمَّ يتكرَّر ذلك مع السَّـيّاب، وكذلك مع نازك الملائكة، هذا التَّنوُّع ألا يشي بحديقة بالغة التَّنوّع؟ نعم؛ الكتاب زهرة متعدّدة الفوائد، يجمع المتعة إلى المعرفة، وعلى الطَّريق نحو تكامل معرفيّ، تتحوَّل الثَّقافة -بحضور الكتاب- إلى نظريَّة في السُّلوك.

◉ أصدرت عدداً مِن المؤلَّفات، إلى أيِّ حديقة كنت تصل؟ إلى أيِّ أفق جميل كنت تصل مع كلِّ إصدار جديد؟

توزَّع ما أصدرته بين ستِّ مجموعات قصصيّة، ورواية، وكتاب في الدِّراسات النَّقديّة، هي -كما تفضَّلتم- حديقة شخصيّة صغيرة.

أستاذ علاء؛ الفنّ يختلف عن العِلم، العمل الفنِّيّ يمنح المتعة إلى جانب المنفعة، المتعة بما هي في طبيعة العمل الفنِّيّ، هذا على صعيد القراءة، فكيف ستكون في عمليَّة إنتاجه؟ ألا تترافق هذه المتعة بمختلف مراحل العمل مذ يتبرعم كفكرة؟ وكذلك في مرحلة الإنتاج، فمراحل التَّنفيذ، بما فيه مرحلة ولادة العمل بشكله النّهائيّ؟! إذاً أنا ككاتب أعيش المتعة في مراحل العمل كلِّها، وتتجدَّد هذه المتعة حين أراجعه، فأضيف إليه أو أحذف، أو أغيِّر في الصِّياغة هنا أو هناك مرَّة أو مرَّتين، لكنَّك تكتب، وعلى هذا أنت تعرف بأنَّ المتعة الكبرى تتزامن وولادة العمل بشكله النّهائيّ، نعم ولادة، إنَّه كشعور الأب حين يُرزق بمولود جديد، مزيج مِن الفرح والانتشاء، إصدارك الأوَّل هو إعلان ولادة لك؛ ليصبح كتابك مادَّة للتَّداول بين القرَّاء، ويضيف إليه النُّقَّاد أسراراً ما كان لهم أن يكتشفوها، إذ ذاك تضحي المتعة مُركَّبة. إنَّ كلَّ مرحلة أفق جديد في الرُّؤية والرُّؤيا. قد يكون لإصدارك الأوَّل خصوصيتّه، لكنّك ستكتشف بأنَّ كلَّ إصدار هو أوَّل برؤاه وتقاناته ومضامينه، وفي النّهاية فإنَّ الكاتب هو ابن الكتابة، كما كان في لحظة أبوها!

◉ برأيك؛ لماذا غاب دور الكتاب فـي حياتنا؟! وكيف يُمـكن أن نعيد إليه هذا الدور الرِّساليّ؟!

أستاذ علاء! لننطلق مِن جيلنا أو الجيل الَّذي سبقنا، ما الَّذي كان يشغلنا في طفولتنا، أو خلال ما يُعرَف اليوم بالتَّعليم الأساسيّ، وحتَّى الثَّانويّ أيضاً؟! لم يكن التّلفاز قد ظهر، ولم يكُ أحد ليتصوّر شيئاً اسمه الهاتف النَّقَّال، ثمَّ الهاتف الذَّكيّ بالبلوتوث ونظام الأندرويد، والسّوشل ميديا، والفيسبوك، والتّويتر، والأنستغرام، والمراسلات بالبريد الإلكتروني، أو المحادثة بوساطة الماسنجر أو الواتس آب؛ لذلك كانت لنا ألعابنا المحدودة، كالكرة، والاستغماية، ولم يكن إخفاؤها عن مراقبة الأهل ممكنة، فتحدّد لها زماناً ومدَّة؛ لذلك كان الكتاب وسيلة تسلية، إلى جانب كونه وسيلة تعليم، أمَّا أسعار الكتب فكانت معقولة، وفي متناول الأكثريَّة، لكنَّ ظهور التّلفاز والأقنية الَّتي لا تُعَدّ سرقة جزء مِن الوقت الَّذي كان الكتاب يستأثر به، ظهور الهاتف الجوَّال ونظام البلوتوث سرق جزءاً آخر، ومع ظهور الهواتف الذَّكيَّة وبرامج التَّواصل الاجتماعيّ لم يعد الوقت المهدور على حساب الكتاب قابلاً للقياس، ناهيك عن أنَّ مراقبة الأطفال واليافعين والشَّباب عمليَّة صعبة، فلم يعد الأهل يعرفون التَّأثيرات الَّتي تستأثر بأبنائهم، وحلّ التَّضخُّم في اقتصاداتنا كضيف دائم، فتراجعت القوّة الشِّرائيّة للعملة، مقابل غلاء فاحش، شمل سوق الكتاب العالميّ، ما أصاب شرائح واسعة بالعجز عن اقتناء الكتاب، ثمّ إنَّ ثقافة القراءة تكاد تكون معدومة في مجتمعاتنا؛ لذلك لا يحضّ الأهل أطفالهم على القراءة كثيراً، ولم تدخل المكتبة المنْزليّة في صميم ثقافتنا، فإذا أضفنا إلى ما تقدَّم الدور المحدود لتشجيع القراءة، وقلَّة المكتبات العامَّة، وعدم جودة الكتاب، اتضَّحت اللَّوحة، وهي لوحة مخيفة في عواقبها، إذ ثمّة تساؤل جدّيّ عن مستقبل الأجيال الحاليَّة.

◉ كيف نعيد للكتــاب اعتباره؟

هذا يحتاج إلى تضافر الجهود، الأسرة والمؤسّسات التَّعليمية والمؤسّسات الثَّقافيَّة، وذلك لرسم سياسات تتحكَّم بسعر الكتاب، وتشجّع على اقتنائه، ومِن ثَمّ قراءته، هذا مُؤدّاه أنّنا بحاجة إلى ذهنيّة أخرى، تعي أهمِّـيَّة الكتاب، وتقتنيه، فتتحوَّل المكتبة إلى ركن هامّ في المنـزل، وتصبح القراءة ثقافة سائدة.

◉ في ضوء التّقنيّات المتقدّمة، وامتداد رقعة العالم الرّؤيوي، المرتكز على حاسَّة البصر بالدَّرجة الأولى في تعامله مع الشَّاشات المضيئة، هل يمكن للكتاب الإلكترونيّ أن يشكِّل البديل عن الكتاب الورقيّ؟ أم يبقى الكتاب المطبوع هو الأكثر قبولاً وفاعليّة؟

لقد راهن البعض على نهاية الكتاب الورقيّ، لمصلحة الكتاب الإلكتروني، وأشرت إلى تلك المراهنة، والوقائع تشير اليوم إلى انتشار دور نشر إلكترونيّة، تنشر عشرات الكتب في مجالات شتّى، شملت الدَّواوين الشِّعريَّة، والمجموعات القصصيّة، والرّواية، النّصوص المسرحيّة، والدِّراسات النَّقديّة، والأبحاث التُّراثيَّة، أو الفولكلور.. إلخ، لكنَّ الكتاب الورقيّ ما زال واسع الانتشار، وما زال مطلوباً بكثرة، ثمّة حرب كلاميّة، ومراهنات في هذا الاتِّجاه، والإجابة النَّاجزة الجازمة ما تزال سابقة لأوانها؛ إذ لم يسجِّل سبقاً لأحدها.

ختاماً؛ لا جواب –إذن، لا إجابة قاطعة عن السُّؤال، لكنّنا لا ننكر بأنَّ صورة العالم عبر امتداد مساحة المعلوماتيّة تتغيّر، وسيتَّضح ما هو مُبهم اليوم في نتائجه إلى صورة واضحة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها