مَعْبدُ الأقصُر.. بوابةُ التّاريخ الملكية

عبد السلام إبراهيم


يشم السائح وهو يقف على ضفاف نهر النيل بالأقصر عبق التاريخ؛ إذ تتجلى أمام ناظريْهِ عبقرية المهندس المصري، الذي شيَّد معبد الأقصر على الشاطئ الشرقي للنهر، وربما يأخذه الخيال فوق بساط الزمن، ويعود به للوراء، ويرى بنفسه قدرة المصريّ القديم على سرد تاريخه المجيد على الصروح الحجرية الصلدة، وتتسامق أمامه الأعمدة الراسخة التي تحيط بالأفنية المفتوحة، وتمنحه الفرصة الذهبية ليسجِّل ذكريات لن يمحوها الزمن، ويستشعر، وهو منبهر، برهبة كبيرة أمام أساطين التاريخ، فراعنة المجد الذين شيدوا معابدهم، التي تحكي أمجادهم السياسية، وقدرتهم الفائقة على بناء حضارة ما يزال العالم ينبهر بها، وتحاكيها العديد من البلدان.

بعد أن وقف أمنحتِب الثالث، تاسع فراعنة الأسرة الثامنة عشر؛ بل أعظم حكام مصر على مر التاريخ، منذ ما يربو على 3400 عام على أنقاض معبدٍ قديمٍ على الضفة الشرقية لنهر النيل، ثم أصدر أمرًا بتشييد معبد الأقصر، الذي يقف الآن بشموخ شاهدًا على حضارة راسخة، يقع في وسط مدينة الأقصر، ليسرد التاريخ دون زيف. وسوف يكتشف الزائر بأن المعبد قد خُصِص لعبادة الإله "آمون"، وزوجته "موت" وابنهما "خنسو"، ويُطلق عليهم الثالوث الطيبي، وكما تقول النصوص القديمة؛ فإن أمنحتِب الثالث قد بنى هذا المعبد على أرضية مكسوّة بالفضة ووضعه البناؤون العباقرة على بساط من بخور كي تفوح من جوانبه رائحة طيبة، فيستسلم العابد لدوامات من خشوع تؤهّله للمثول بين يدي آمون، وتؤكد النصوص المصرية القديمة بأن أمنحتب الثالث قد شيَّد المعبد ليؤكد على أحقيته في اعتلاء العرش؛ إذ لم يكن من نسل دماءٍ ملكية، ومنقوش على الجدران أيضاً؛ أن رمسيس الثاني في الأسرة التاسعة عشر قد أعاد بناء المقصورة الثلاثية المقدسة الموجودة على اليمين، المخصصة لثالوث طيبة، وأضاف صرحًا كبيرًا، وخلفه فناء فسيح له أساطين بردية.

القادمون والعابرون إلى المدينة يمرون من أمام معبد الأقصر الذي كان قِبلة المصري القديم، يلوذ به ليقرأ تراتيل الخشوع في حضرة آمون. شُيد المعبد بصورة تتسامق أعمدته عاليًا في سماء المدينة، وتعكسها مياه النهر المتلألئة بصورة متناغمة وكأنها لوحة عملاقة، أصل وصورة، فتبهر السائح القادم من المطار أو العائد من معبد الكرنك، أما إن كان يقصده مباشرة فلن يتوانى في الوصول إلى درة المعابد، فيلج صرح رمسيس الثاني الذي تتوسطه بوابة عملاقة، مكونة من برج بارتفاع 24 قدم وعرض 65 متراً، ويصمد على الجانبين تمثالان لرمسيس الثاني وهو جالس على عرشه، ولا يمكن للزائر أن يغفل وجود طريق أبي الهول المقام مباشرة أمام الصرح، وهو عبارة عن طريق مرصوف ببلاطات من الحجر، يحفه من الجانبين تماثيل على هيئة أبي الهول، كما أن الزائر لا يستطيع الإفلات من سحر النقوش الهيروغليفية الغائرة على واجهة الصرح، من ناحية اليسار، الشارحة للمعارك الحربية التي قام بها رمسيس الثاني ضد الحيثيين، وفي أقصى اليمين يشاهده وهو يعتلي عجلته الحربية، ويقف حوله مستشاروه العسكريون في خضم موقعة قادش، ملحمة الحرب والسلام، لوحة عملاقة يتجلى فيها رمسيس الثاني فوق عجلته الحربية، وهو يرمي أعداءه من الحيثيين بوابل من السهام. وحينما يدلف الزائر من خلال البوابة، حينئذ سوف تلامس عيناه المسلة الشرقية المقامة أمام البرج الشمالي، والتي يزيد ارتفاعها عن 22 متراً.

وعندما يولي السائح وجهه نحو اليمين فسوف ينبهر بالفناء الأول، تحيط به أساطين حجرية عملاقة، أقامها رمسيس الثاني، ويبلغ طولها 57 متراً وعرضها 51 متراً، وقد شُكلت على قممها هيئة نبات البردي، وتنتهي بتيجان على شكل براعم البردي، وتقوم بين الأساطين تماثيل لرمسيس الثاني، وقد أُطلق على هذا الفناء "معبد رعمسو المتحد مع الأبدية".
ويرى السائح في الركن الشمالي الغربي من فناء رمسيس الثاني مقاصير تحتمس الثالث، يتقدمها أربعة أساطين رشيقة على هيئة حزمة سيقان البردي من الجرانيت الأحمر، وقد خصصت المقصورة الوسطى للزورق المقدس للإله آمون، والغربية للزورق المقدس لزوجته الإلهة موت، والشرقية للزورق المقدس للابن الإله خنسو إله القمر، وتميزت كل مقصورة من المقاصير الثلاث بمناظر تمثل إطلاق البخور والتطهير، وتقديم القربان إلى الموكب المقدس الخاص بالإله. ويرى الزائر في الناحية الجنوبية للمعبد فناء الأربعة عشر أسطوناً الذي شيد في عهد امنحتب الثالث.

ختاماً؛ تمثلُ زيارة معبد الأقصر حدثاً مهماً في حياة السائح، ولا يمكن أن تطويها صحف النسيان.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها