اكتشاف أثري مهم في مصر

إشراقة آتون.. المدينة المفقودة

عبد السلام إبراهيم



تم الكشف عن تفاصيل كشف أثري جديد في قلب جبل القرنة غرب مدينة الأقصر وهي إشراقة آتون، المدينة المفقودة، حيث خرج على أيدي بعثة الآثار المصرية التي تعمل في تلك المنطقة منذ عام 2020، والتي كانت تبحث عن المعبد الجنائزي للملك توت عنخ آمون، ولكن المصادفة قادت إلى العثور على أكبر مدينة سكنية وصناعية وإدارية في البر الغربي على مر العصور، والتي بُنيّت في عصر الملك أمنحتب الثالث.


 

تأسست مدينة إشراقة آتون في عهد الملك أمنحوتب الثالث والد أخناتون أو أمنحتب الرابع. تعتبر المدنية مختلفة عن أي أثر مصري آخر. والسبب في ذلك أن أغلب ما وصل من القدماء كانت المعابد العملاقة ومقابر الملوك والأمراء الفخمة والأهرامات والمباني الضخمة التي تم بناؤها بالأحجار الصخرية، لكن منازلهم التي كانوا يعيشون فيها فقد بُنيت بالطوب اللبن، ولذلك لم تصمد أمام الزمن ومن ثم تلاشت تماماً.

الغرف في منازل المدينة تم العثور عليها مليئه بالأدوات اليومية التي كان يستخدمها المصري القديم، منها أواني حفظ النبيذ، وطعام محفوظ "زي" الأسماك واكسسوارات.

تنقسم المدينة إلى ثلاثة أحياء، المنطقة الأولى هي المنطقة الخدمية، وقد عثر فيها على مخبز المدينة والأفران، ومنطقة الطهي التي كانت تمد المدينة بالطعام والخبز.

أما المنطقة الثانية فقد كانت الحي الإداري والسكني، وقد وجد فيها الوحدات السكنية المخططة يحدها سور جداري متعرج، وهذا السور به بوابة دخول واحدة تفضي إلى الشارع الرئيسي والطرق والمنازل.

أما المنطقة الثالثة فهي المنطقة الصناعية وجد فيها مصنع إنتاج الطوب اللبن، الذي كان يستخدم في بناء المنازل والقصور والطوب كان يتم ختمه بشعار (نبت ماعت رع)، وهذا اسم الملك أمنحوتب الثالث، وأيضاً مصانع لإنتاج الخزف والتمائم المستخدمة في المعابد ومصنع غزل ونسيج، ومصنع للمنتجات الزجاجية والمعدنية والاكسسوارات، ومصنع لعب أطفال ومصنع للأحذية والنعول، ومصنع صنارات لصيد الأسماك، ومخزن لتجفيف وتخزين اللحوم.
 

بدأ العمل في هذه المنطقة للبحث عن المعبد الجنائزي الخاص بالملك توت عنخ آمون؛ لأنه تم العثور على معبدي كل من "حورمحب" و"آي" من قبل"، وأكد أن البعثة عثرت على أكبر مدينة على الإطلاق في مصر والتي أسسها أحد أعظم حكام مصر وهو الملك "أمنحتب الثالث" الملك التاسع من الأسرة الثامنة عشرة، الذي حكم مصر من عام 1391 حتى 1353 ق.م. وقد شاركه ابنه ووريث العرش المستقبلي أمنحتب الرابع "أخناتون" آخر ثمان سنوات من عهده.

أكد مسؤولو البعثة المصرية بموقع المدينة أن تلك المدينة تسمى "إشراقة آتون"، وهي تعد أكبر مدينة سكنية وإدارية وصناعية في غرب محافظة الأقصر، وهي المدينة المفقودة التي تضم سلسلة من المنازل تؤكد أن منطقة البر الغربي كان به حياة، وليست مدافن ومقابر فقط، وهي تعود لعهد أعظم ملوك مصر، وهو الملك أمنحتب الثالث، الذي حكم مصر من 1391 قبل الميلاد.

المدينة المفقودة المكتشفة بجوار معبد هابو بالبر الغربي، عاشت حوالي 37 سنة، وكانت منطقة صناعية وسكنية وإدارية، تبين أن كل الفنانين والعمال الذين عملوا في تلك المدينة قاموا بعمل عقود أحجار كريمة وأحذية وملابس، ومنطقة ضخمة لتخزين اللحوم في عيد "الحب ست" الثالث لأمنحتب: "من هنا نثبت للعالم كله أن الحضارة المصرية ليست حضارة موت ولكنها حضارة حياة".

وأكد رئيس البعثة المصرية بالبر الغربي، أن تلك المدينة المكتشفة اسمها "إشراقة آتون"، وواضح داخلها مناظر لآتون داخل المنازل، وعثر على أحجار عليها مناظر لآتون أيضاً، قائلاً: "لكن يعتقد أنه ستكون المنطقة الغربية للجبانة بها معلومات عن الملك توت عنخ آمون، والذي جاء من تل العمارنة بعد وفاة والده أخناتون وحكم 10 سنوات، ورغم أنه كان يعيش في منف ولكن معبده يكون في هذا المكان، وأنه قد استغل تلك المدينة".
 

وأوضح أن هذه المدينة هي أكبر مستوطنة إدارية وصناعية في عصر الإمبراطورية المصرية على الضفة الغربية للأقصر، حيث عثر بالمدينة على منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى نحو 3 أمتار ومقسمة إلى شوارع، قائلاً: "لقد كشفنا عن جزء من المدينة يمتد غرباً، بينما يعد دير المدينة جزءاً من مدينتنا، وبدأت أعمال التنقيب في سبتمبر 2020، وفي غضون أسابيع، بدأت تشكيلات من الطوب اللبن بالظهور في جميع الاتجاهات، وكانت دهشة البعثة الكبيرة، حينما اكتشفت أن الموقع هو مدينة كبيرة في حالة جيدة من الحفظ، بجدران شبه مكتملة، وغرف مليئة بأدوات الحياة اليومية، وقد بقيت الطبقات الأثرية على حالها منذ آلاف السنين، وتركها السكان القدماء كما لو كانت بالأمس.

إن هذه المعلومات القيمة لا تعطينا فقط اسمي شخصين كانا يعيشان ويعملان في المدينة، بل يؤكدان أن المدينة كانت نشطة وتحدد زمن مشاركة الملك أمنحتب الثالث مع ابنه أخناتون، كما عثرت البعثة أيضاً على نص منقوش على طبعة ختم يقرأ: "جم با أتون"؛ أي مقاطعة أتون الساطع، وهذا اسم معبد قد بناه الملك أخناتون بالكرنك، كما تم الكشف عن مقبرة كبيرة لم يتم تحديد مداها بعد، واكتشفت البعثة مجموعة من المقابر المنحوتة في الصخور بأحجام مختلفة، والتي يمكن الوصول إليها من خلال سلالم منحوتة في الصخر، وهناك سمة مشتركة لبناء المقابر في وادي الملوك ووادي النبلاء.

ما زال العمل جارياً وتتوقع البعثة الكشف عن مقابر لم تمسها يد مليئة بالكنوز، وتتيح أعمال التنقيب المستمرة لعلماء الآثار الوصول إلى طبقة النشاط الأصلية للمدينة، حيث تم كشف النقاب عن معلومات ستغير التاريخ وتعطينا نظرة ثاقبة فريدة عن عائلة توت عنخ آمون، كما سيقدم لنا اكتشاف المدينة المفقودة أيضًا فهمًا أعمق للحياة اليومية للمصريين القدماء من حيث أسلوب بناء وديكورات المنازل، والأدوات التي استخدموها وكيفية تنظيم العمل، وقد تم الكشف عن ثلث المنطقة فقط حتى الآن، وستواصل البعثة أعمال التنقيب، بما في ذلك المنطقة التي تم تحديدها على أنها الموقع المحتمل لمعبد توت عنخ آمون الجنائزي.

إن هذا الاكتشاف يعتبر من أعظم الاكتشافات لعهود قدماء المصريين؛ لأننا وجدنا أخيرًا أشكالاً واضحة لبيوتهم وشوارعهم أيضاً كما هو موضح في الصور، البيوت التي تم اكتشافها جدرانها يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار، وفي حالة ممتازة وشبه مكتملة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها