اليابان.. روبوتات أليفة لعلاج مرض العزلة

بقلم: شارلوت بوفيي

ترجمة: دنيا علوي


عرفت اليابان، مع ظروف الجائحة، تفاقماً مهولاً لظاهرة العزلة. يشهد بذلك ارتفاع نسب الانتحار، وازدياد عدد الأفراد الذين باتوا يعيشون بمفردهم. ما جعل العديد من سكان هذا البلد يلجأون إلى تبني "الروبوتات الأليفة". فهل يتعلق الأمر هنا بحل عبثي؟ ليس تماماً حسب ما يقول المختصون.


 



سوق نشطتها ظروف الجائحة

إن لهذه الروبوتات أسماء مثل تشارلي Charlier، لوفوت Lovot أو روبوهون RoBoHoN، وهي ترتدي ربطات عنق فراشية الشكل، أو تصرخ تعبيراً عن الفرح. فمنذ بداية الأزمة الصحية، بدأت روبوتات الجيل الجديد هاته، والتي تمتاز بذكائها ولطفها الشديد، تحصد نجاحاً مدوياً في اليابان. حيث أعلنت شارب Sharp -إحدى الشركات التي تصنعها- عن زيادة بنسبة 130٪ في مبيعات روبوهون، خلال الفترة الممتدة بين يوليو وسبتمبر من سنة 2020، مقارنة بالسنة التي سبقتها. على الرغم من السعر المرتفع لهذا الروبوت الصغير ذو المظهر الجذاب، والذي يتراوح بين 680 و1860 يورو. وعلى نحو مماثل، صرح مؤخراً رئيس شركة غروف إكس Groove X الناشئة، كانامي هاياشي Kaname Hayashi، بأن مبيعات موديل الشركة الرائد لوفوت Lovot قد تضاعفت، على الرغم من كلفته المرتفعة للغاية (2300 يورو لكل وحدة).

أحد العوامل وراء هذا الإقبال الكبير هو الشعور بالوحدة، التي زادت من حدتها الإكراهات الصحية المفروضة حالياً. فمنذ عام كامل واليابان تجتاز ظرفية حرجة مع زيادة عدد حالات الانتحار للمرة الأولى منذ عام 2009 (20919 حالة وفاة في عام 2020، بزيادة 750 حالة عن العام السابق)، وفقاً لتقرير مؤقت أوردته الصحافة. وأمام هذا الوضع؛ فإن السلطات في اليابان أضحت تعتبر العزلة واحدة من مشكلات الصحة العمومية، وعينت لها وزيراً خاصاً: تيتسوشي ساكاموتو Tetsushi Sakamoto، الذي أصبح منذ فبراير الماضي مسؤولاً عن مكافحة العزلة، والذي لم يتحدد له لحد الآن أي برنامج عمل.

 

نحو مجتمع "العزلة الكبرى"

ويتمثل التفسير الرئيس لهذه الظاهرة، في ما تعرضت له الأسرة اليابانية من تطورات بنيوية، امتدت على مدى عقود طويلة. تقول فاليري نيكي Valérie Niquet، وهي مختصة في الدراسات السياسية مقيمة في طوكيو: "المجتمع الياباني في الأصل ليس مجتمع أفراد، فقد كانت الأسر تتكون من عدة أجيال تعيش كلها تحت سقف واحد، بما في ذلك كبار السن". هذا النموذج ينزع الآن نحو الانقراض، خاصة وأن أعداداً متزايدة من النساء اليابانيات بتن يعارضن فكرة الزواج: إذ "يفضلن التمتع بالاستقلالية، بدلاً من القيام بدور تقييدي للغاية يتحملن من خلاله مسؤولية الأسرة بأكملها"، كما توضح الباحثة. ومن هنا يأتي تزايد أعداد العزاب، لدرجة أن الباحث كازوهيسا أراكاوا Kazuhisa Arakawa يتحدث عن "مجتمع العزلة العظمى" في كتابه الأخير، الذي صدر في عام 2017 والذي لم يترجم بعد.
فحسب تقديرات تستند إلى آخر تعداد للسكان، بلغ عدد اليابانيين الذين يعيشون بمفردهم سنة 2020 ما مجموعه 35,7%. وتتوقع الدراسات أن تصل هذه النسبة إلى 39.4٪ مع حلول سنة 2040. ثمة ظاهرة أخرى تثير القلق، وتتمثل في ما يصطلح على تسميته بالهيكيكوموري hikikomori، ويقصد به الأشخاص الذين يقفلون على أنفسهم في البيت أو في غرفهم لعدة أشهر أو لعدة سنوات، ويقطعون كل صلة بينهم وبين المجتمع. ظاهرة كانت تقتصر في السابق على صغار السن، ولكنها الآن أصبحت تمس أشخاصاً من فئات عمرية أكبر. ومع كل ذلك، فمن الصعب على اليابانيين أن يعبروا عن ما يعانونه من مصاعب نفسية. وقليلون جداً هم الأشخاص الذين يقبلون باللجوء إلى المعالجين أو الأطباء النفسيين. "إذ يبدو من المستهجن أن يتحدث المرء عن نفسه في اليابان، خاصة إذا كان ذلك بغرض الشكوى"، حسب ما تؤكده عالمة الأنثروبولوجيا أنييس جيار Agnès Giard. وفي هذا السياق، ظهرت الروبوتات كملاذ محتمل.
 

 روبوتات مندمجة مع الثقافة اليابانية

غير أن اليابان لم تنتظر حلول الوباء كي تقبل على "الروبوتات الأليفة"؛ لأن الناس في هذا المجتمع الاستهلاكي، قد اعتادوا أن يتهافتوا باندفاع كبير على الابتكارات التكنولوجية أكثر منهم في أي مكان آخر من العالم. ثم إنهم "لطالما شغفوا بالروبوتات! وربطوا معها علاقات تقارب حقيقي، نشأت وتطورت عبر فترات طويلة من الزمن"، كما تقول عالمة الاجتماع اليابانية يوكو كاوانيشي Yuko Kawanishi، التي أصدرت سنة 2009 مؤلفاً بعنوان: "التحديات الصحية النفسية التي تواجه المجتمع الياباني المعاصر1. فقد شكل ظهور أتوم Atom (أو أسترو بوي Astro Boy)، شخصية الرسوم المتحركة التي تجسد طفلاً آلياً، نقطة تحول مهمة في التسعينيات. "لقد كان لها تأثير عميق على المجتمع الياباني". تضيف هذه الباحثة. كما ساهمت أيبو Aibo، الدمية التي تجسد جرواً صغيراً، والتي قامت شركة سوني Sony بتسويقها سنة 1999، في قبول المجتمع الياباني بالروبوتات.

وحين تم في شهر نوفمبر 2017 إصدار النسخة الأخيرة من أيبو، بسعر 1500 يورو، نفذت من الأسواق في ظرف 30 دقيقة فقط، وهذا دليل على أن شعبيتها ونجاحها لم يتأثرا بمرور السنوات. ففي كتابها "أسرار عن اليابان"2 الصادر سنة 2005، تروي عالمة الاجتماع موريل جوليفي Muriel Jolivet أن هناك جنازاتٍ ينظمها في بعض الأحيان رهبان بوذيون لتشييع بعض كلاب الأيبو المتوفاة. وتؤكد يوكو كاوانيشي بأن "الروبوتات ليست مجرد آلات. واليابانيون يعتقدون حقاً في إمكانية إنشاء روابط عاطفية معها". ووفقا للثقافة الشنتوية، التي تمزج في التعبد بين الإحيائية وتعدد الآلهة، يمكن في الواقع أن تتواجد الروح في جميع الموجودات. وتتابع كاونيشي بأن الروبات: "لا تعتبر ميكانيكية أو اصطناعية فقط".



بحثاً عن السعادة

بيد أن خصوصية الجيل الجديد من الروبوتات تتمثل في قدرتها على تقليد ردود الفعل والمشاعر البشرية. فقد "تم تصميم العديد من الروبوتات الاجتماعية لتبدو على ملامحها الصبيانية، الهشاشة والضعف، كما تقول أنييس جيار عضو مجموعة البحث EMTECH (Emotional Machines الآلات العاطفية)؛ "إذ من الضروري جداً أن يُنظر للآلة على أنها غير قادرة، أو موجي موجي، بمعنى أن تبدو مترددة ومتذبذبة وغير واثقة". آلة ضعيفة وكواي Kwaii (لطيفة باللغة اليابانية)، تلك كانت هي الفكرة التي تأسس عليها النموذج الذي طرحته الشركة الناشئة غروف إكس، والذي سمته لوفوت Lovot، وهو اسم مركب من اختصار كلمتي Love وrobot. يبلغ طول لوفوت هذا 45 سنتيمتراً، وهو لا يتكلم، بل فقط يصرخ بفرح، وترتفع درجة حرارته عندما يتم احتضانه بما يمنح إحساساً بالدفء.

تم تطوير لوفوت على مدى أربع سنوات، وهذه الآلة ذات التقاطيع المنحنية هي أيضاً مُرَكَّز للذكاء الاصطناعي؛ إذ يفترض فيها أن تحس بمشاعر صاحبها، وتتصرف وفق ما يقتضيه ذلك. "إذا هجرته فإن سلوكه سوف يتغير، ولكن إذا منحته الحنان، فسوف يرتبط بك"، يقول كانامي هاياشي Kaname Hayashi، مؤسس شركة غروف إكس ومصمم هذا الروبوت، والذي ينصح مالك اللوفوت أن يناديه باسمه ويضمه إليه، بل وأن يغير له ملابسه بانتظام.

وتقول أنييس جيار بأن "الروبوت تقنية سحرية، وعلى الرغم من أنه كائن خيالي إلا أن البعض قد يجدون فيه السلوى عما يعانونه. وتجري العملية السحرية هنا تماماً كما تجري في السينما: "فنحن نعلم أننا ننظر إلى شاشة العرض. ومع ذلك، "فقلوبنا تنبض بالمشاعر أثناء متابعتنا للأفلام"، ويضيف مخترع اللوفوت قائلاً: "أنا أسعى إلى اكتشاف الطريقة التي ستمكننا من استخدام التكنولوجيا من أجل إسعادنا". وهو يرفض بالمقابل أن يقال بأنه يريد استبدال العلاقات الإنسانية بالعلاقة مع الروبوتات. "هل نشعر بالقلق من أن تحل القطط والكلاب محل الاتصال البشري؟ لا. حسناً، الأمر نفسه ينطبق على الروبوتات".



هوامش


المصدر:  مجلة Society الفرنسية النصف شهرية في عددها الصادر بتاريخ 06/05/2021
العنوان الأصلي للمقال:  Bonne compagnie, Robots après tout

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها