جماليات الأبواب فـي العمارة الإسلامية

أشرف سعد

البابُ في اللغة مدخل البناية أو البيت أو الغرفة، وما يُسد به المدخل من خشب أو حديد أو غيرها، ويقال في العلم: باب كذا، وهذا العلم باب إلى علم كذا؛ أي به يتوصل إليه، ويجمع الباب على أبواب. وورد ذكر الباب في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وجاءت في معظمها بمعنى المدخل، ومن ذلك قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) [سورة يوسف، الآية: 67]. وقوله تعالى {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ} [سورة الزمر، الآية: 72]. وقوله تعالى {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [سورة الحجر: الآية 44].


 

:: أبواب مصر القديمة ::

تتميز القاهرة عن غيرها من عواصم العالم بأبوابها العتيقة التي بناها حكام مصر لحمايتها من الهجوم والغزو الخارجي، وهي في الوقت نفسه تروي تاريخ القاهرة وعراقتها في الفن المعماري، ولم تظهر فكرة الأبواب حول المدن في مصر سوى في عصر الدولة الفاطمية عندما جاء جوهر الصقلي يقود قوات الخليفة المعز لدين الله لدخول مصر، حيث قام بتأسيس مدينة القاهرة، وكان حريصاً على بناء سور حولها تتخلله ثمانية أبواب، وهي: باب زويلة وباب الفرج في الجنوب، وباب الفتوح وباب النصر في الشمال، وباب القراطين الذي عُرف فيما بعد باسم (باب المحروق) وباب الرقة في الشرق، وباب السعادة ويقع في موضعه الآن بمحكمة الاستئناف العليا ثم باب القنطرة في الغرب. وما تزال ثلاثة أبواب من أبواب القاهرة باقية حتى اليوم، وهي: باب زويلة أو بوابة المتولي، ويُعد هذا الباب من أجمل الثلاثة وأروعها، وباب الفتوح وتسمية هذا الباب ترجع إلى الغرض الرئيس من إنشائه، حيث كانت تخرج من بوابته الجيوش أثناء سيرها للفتوحات ثم تعود وتدخل وهي منتصرة من باب آخر هو باب النصر، وهو ثالث الأبواب الباقية من المعالم الحربية الفاطمية، وهي من أعظم التحصينات الحربيه في الإسلام.

:: أبواب المساجد فـي القاهرة ::

تشهد عمارة المساجد الباقية من العصر الفاطمي على براعة الفنانين المسلمين في صورة تفرض الإعجاب، وتتميز المساجد الفاطمية بموضع مداخلها الرئيسة وتعدد المداخل بها.

مسجد الحاكم بأمر الله بالقاهرة
هو من أوائل المساجد التي شُيدت في العصر الفاطمي ويمتاز بواجهة منقطعة النظير، ويقع مدخل الجامع الرئيس في منتصف هذه الواجهة وتبرز كتلة المدخل عن الواجهة بنحو ستة أمتار، ولأول مرة في تاريخ العمارة الإسلامية يظهر المدخل ظهوراً بارزاً بهذا الشكل، وهو ما يطلق عليه المدخل التذكاري ووضع الباب في قوصرة كبيرة Bediment معقودة بعقد مدبب.

مسجد الأقمر
هو أول مسجد شُيد في القاهرة على أن تكون واجهته تتفق وتخطيط الشارع الذي يُطل عليه، ومدخل الجامع الرئيس يتوسط حنية كبيرة عقدها مدبب يحيط به شريطان من الزخرفة، وعتبة المدخل السفلي من الجرانيت الأسود، أما العتبة العليا فعبارة عن أحجار متداخلة تفنن المعماري في نحتها وتعشيقها، وهو ما يطلق عليه (الصنج المعشقة)، وهذه الظاهرة ظهرت لأول مرة في بوابات النصر والفتوح وباب زويلة ثم تطورت في مسجد الأقمر، وظهرت الصنج المعشقة في العمارة الإسلامية لضرورة معمارية وهي تماسك الحجارة. وأبواب المساجد الفاطمية تعتبر تحفاً فنيةً تزخر بالعديد من الزخارف النباتية والكتابية، ويشهد على ذلك الأبواب المحفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة.

مسجد الإمام الرفاعي
يمثل باب مسجد الإمام الرفاعي تحفةً فنيةً فهو يتكون من الحشوة الخشبية العليا، محشوة بنظام هندسيّ خالص يوضع بين المفردات التصميمية التي تعرف باسم (المفروكة)، وهو يحقق نُظماً إيقاعيةً بصرية يكمن وراءها أساس هندسي وهو التخطيط الهندسي لهذه الحشوة. وتمثل هذه الأبواب تطور صناعة الحفر على الخشب ودقة الحفر في النحاس أو البرونز.

باب جامع الأزهر
أمر الخليفة الحاكم بأمر الله بتجديد باب جامع الأزهر في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وهو نموذج للحفر على الخشب في أوائل العصر الفاطمي، والباب مزين بالزخارِف النباتية والنقوش الكتابية، ويتكون من مصراعين يشتمل كل منها على سبع حشوات مستطيلة بعضها أفقي وبعضها عمودي ويُزخرف الحشوتين العلويتين سطران من الكتابة بالخط الكوفي المزهر، وهو الخط الشائع في الآثار الفاطمية والكتابة باسم الخليفة الحاكم عبارة عن أدعية وألقاب.

مسجد الصالح طلائع
هو آخر مسجد فاطمي شُيد في القاهرة (555هـ / 1160م)، ويشمل ثلاث حشوات مستطيلة وأفقية وتزين هذه الحشوات زخارف نباتية محفورة بعمق في مثمنات.

المساجد المملوكية
الأبواب في العمارة المملوكية كانت موضع عناية المعماريين والباب عادة عبارة عن مصطبتان، يعلوه عتب مستقيم ويعلو العتب عقد عاتق، ويوجد أعلى باب المدخل شباك في كثير من الأحيان يكون دائرياً ويحاط بزخارف هندسية أو نباتية.

مسجد السلطان بيبرس البندقداري
يوجد للمسجد ثلاثة مداخل تذكارية بارزة عن السور الخارجي، وهي تسترعي النظر لجمالها، والمدخل الرئيس منها يتوسط الحائط الغربى ويعتبر تحفة معمارية رائعة، ويتوسط المدخل باب معقود مزخرف بصنجات معشقة، وعلى جانبي هذا الباب من أسفل حنيتان مستطيلتان يعلوهما صفان من المقرنصات.

باب خانقاة السلطان بيبرس الجاشنكير
يتوسط المدخل باب مستطيل له عتب سفلي من الجرانيت مزخرف بأشكال مصرية قديمة، يعلو الباب عتب مكون من صنجات معشقة من الرخام الملون، ويعلو هذا العتب مباشرة نافذة مستطيلة تسمح بالإضاءة. وازدهرت في العصر المملوكي صناعة الأبواب المصفحة بالنحاس والمغطاة بصفائح من البرونز المخرم بأشكال نباتية وهندسية، وأبدع الفنان في زخرفتها بأساليب متنوعة من حفر وتصفيح وتخريم.

مسجد السلطان حسن
ما يزال اسم السلطان حسن منقوشاً على هذا الباب وهو من أنفس الأبواب النحاسية، كذلك باب مدرسة السلطان برقوق وهو يتكون من مصراعين من الخشب المصفح برقائق النحاس بزخارف نجمية عبارة عن طبق نجمي في الوسط يكتمل شكله عند غلق مصراعي الباب. وقد ثبتت هذه الرقائق النحاسية بمسامير حديدية ذات رؤوس نجمية، ويوجد بالطبق النجمي الأوسط كتابة بخط النسخ نصها (عز لمولانا السلطان الملك الظاهر برقوق).
 

:: أبواب المدينة المنورة ::
 

باب العوالي: يؤدي إلى منطقة العوالي وما جاورها من مزارع النخيل الكثيفة، وأقيمت بجواره من الداخل دكتان من الخشب لجلوس العسكر عليها، وغرفتان في الجهة الجنوبية لهما بابان من داخل السور وبُني هذا الباب بعد العام 1220هـ في زمن السلطان محمود خان، ثم أعاد السلطان عبد المجيد الأول إعماره عام 1265هـ، ثم جدده عبد العزيز محمود الثاني عام 1285هـ.
باب البرابيخ: هو مقابل الزقاق الأول من أزقة البرابيخ الثلاثة والواقع أمام حوش أبي شوشة، وهو من الأبواب البسيطة التي لا ترتبط بأبراج أو قلاع فهو عقد بسيط من الحجر يرتكز على دعامتين حجريتين، وبُني مع بناء السور الخارجي الذي بناه أهل المدينة بعد عام 1220هـ.
باب الكومة: يقع في الجهة الشمالية الغربية للمسجد النبوي الشريف ملاصقاً لسور القلعة من الجهة الغربية بالكومة، نسبه لأحد الشيوخ المغاربة وبُني هذا الباب بعد العام 1220هـ.
باب الشامي: عُرف قديماً بالباب الكبير وهو من أبواب السور الأول، ويقع في الجهة الشمالية الغربية للمسجد النبوي الشريف، ويؤدي إلى طريق الجرف وسيدنا حمزة، بني هذا الباب مع بناء السور الأول زمن إسحاق بن محمد الجعدي عام 1263هـ، وآخر من جدده هو السلطان عبد العزيز رحمه الله عام 1285هـ، وهو الباب الرئيس لدخول الحجاج القادمين من بلاد الشام.
باب الحمام: من أبواب السور العالي يقع في الجهة الجنوبية للمسجد النبوي الشريف بالقرب من حمام طيبة؛ لذا سمي بهذا الاسم.
باب الصغير: من أبواب السور الأول يقع في الجهة الغربية الشمالية للمسجد النبوي الشريف، وسمي بالصغير لقربه من باب الشام المُسمّى بالباب الكبير، وآخر من جدده السلطان عبد العزيز خان العام 1285هـ، وهو باب له ضلفتان من الخشب.
باب القاسمية: فتح هذا الباب آل مدني في أواخر عهد العثمانيين، وهو من أبواب السور الداخلي يقع في الجهة الجنوبية للمسجد النبوي الشريف.
 

:: سور جدة وبواباتها التاريخية ::
 

قام أحد أمراء المماليك وهو حسين الكردي ببناء سور جدة في حملته التي توجه بها ليحصن البحر الأحمر من هجمات البرتغاليين، فشرع في تحصينه وتزويده بالقلاع والأبراج والمدافع لصد السفن الحربية التي تغير على المدينة، وشرع في بناء سور من جهة البحر، ويذكر أن السور كان يشتمل على ستة أبواب يحيط بكل منها ستة عشر ذراعاً، ثم فتحت له ستة أبواب هي باب مكة وباب المدينة وباب شريف وباب جديد وباب المغاربة، وأضيف إليها في القرن الحالي باب جديد هو باب الصبة، وتمت إزالة السور لدخوله في منطقة العمران عام 1947م.
 

:: أبواب بغداد ::
 


تعد بغداد غنية بالأبواب وذلك لإحاطتها بالعديد من الأسوار بسبب أطماع الغزاة على مر العصور، ومن هذه الأبواب ما يعود إلى العصر العباسي ومنها ما يعود إلى العصر العثماني. وقد نسبت أبواب بغداد إلى أبي جعفر المنصور الذي يُعد مؤسس الدولة العباسية، وتشمل أربعة أبواب رئيسة هي: باب الشام وباب البصرة وباب خرسان وباب الكوفة، وهذه الأبواب قد اندثر بعضها، وبعضها ما يزال موجوداً حتى الآن، ومنها:
الباب الشرقي: ويقع في الجهة الشرقية من بغداد القديمة، ويُعد هذا الباب من أبواب سور بغداد في العهد العثماني، وكان على شكل برج وهدم عام 1927م.
باب المقطم: يوجد في بداية الطريق المؤدي إلى الإمام الأعظم (أبي حنيفة) في الأعظمية، ولا يوجد أثر له وبقي الاسم ليشمل المحلة المحيطة به.
باب الوسطاني: يقع عند جامع الشيخ عمر السهروردي وما تزال أثاره باقية حتى الآن. وتم الكشف عن باب الطلسم وهو من أبواب بغداد العباسية بالقرب من شارع الشيخ عمر، حيث كانت المنطقة المحيطة به تحتوي على أنقاض ومخلفات تمت إزالتها، وبعدها ظهر الباب وتم ترميمه.

:: أبواب الشام ::

أبواب حمص من الأبواب التاريخية لمدينة حمص القديمة، وخلال العهد الروماني كان للمدينة أربعة أبواب هي: باب الرستن وباب الشام وباب الجبل وباب صغير قام العباسيون بإعادة ترميمه، وأضافوا إليها ثلاثة أبواب جديدة فأصبحت سبعة ظلت موضع اهتمام أهل حمص، حتى قام العثمانيون بهدمها خلال القرن التاسع عشر، وذلك تماشياً مع توسع المدينة ولم يبق بعد القرارات العثمانية سوى بابي تدمر ودريب، وهما قائمان حتى اليوم في المدينة القديمة.

خِتاماً؛ لقد تطورت صناعة الأبواب على مدى العصور إلى أن شهدت في عصرنا الحديث ثورة حقيقية في صناعتها، فقد تفنن المهندسون والصناع في تجميل أشكالها وأنواعها التي لا تعد ولا تحصى.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها