صديقتي "س"!

إيمان يونس

كنا نغبط صديقتي "س" فهي الوحيدة من مجموعتنا التي فازت بمن خفق قلبها له وتزوجته مبكراً، وكان زميلنا "ع" بنفس الكلية والقسم ذاته ولكن يسبقنا بعامين دراسيين، تعرفنا عليه من خلال رحلة من الإسكندرية للقاهرة وساعات السمر بالأتوبيس ملخصها "كلمه ونظرة عين والقسمة وياهم جمعوا سوا قلبين والحب مناههم".
بدأت "س" حياتها مع زوجها "ع" من تحت الصفر وارتضت أن يكون عش الزوجية أشبه ببدروم تحت السلم في إحدى العمارات، بينما مكتب الهندسة والمقاولات باسم "ع" وما يليق بطموحه ليصبح أحد رجال الأعمال يشار إليه بالبنان في مجال العقارات شقة فاخرة بأرقى الأحياء، آزرته "س" وعملت معه يداً بيد، كانت السكرتيرة أحياناً ومهندسة التنفيذ أحياناً وفراشة المكتب أحياناً أخرى ولم تنس أنها زوجة، ولم تغفل أمومتها لبنتين توأمتين، ومُدرّسة لهما في كل مراحل التعليم المختلفة.
مناقصة هنا وممارسة هناك وشيئاً فشيئاً صدى سمعة مكتبه تخطت حدود الإسكندرية إلى المحافظات المجاورة، وأصبحت الاستعانة بمزيد من المهندسين وطاقم إداري لا مفر منه "س" و"ع" هما لجنة اختيار واختبار الموظفين، وهذا وحده لم يعد كافياً زادت الأعمال عن طاقتهم واستعانوا بمقاولين من الباطن.

رغد العيش عَرف عنوانهم، وتبدل مستواهم الاجتماعي من تحت السلم إلى قصر بأرقى المناطق وفيلا بالساحل الشمالي، وخدم هنا وهناك وإن حرصت "س" على إدارة شؤون بيتها والاشراف بنفسها على كل ما يخص بنتيها وزوجها، كما واظبت على تواجدها في العمل كنائبة لـ"ع" وكلمتها نافذة دون الرجوع إليه، احتفظت "س" برشاقتها ووضعها المادي أتاح لها التعامل مع أرقى بيوت الأزياء المحلية والعالمية.
شبّت البنتان ويوم تخرجهما من كلية الإعلام وافق يوم زفافهما معاً، الذي كان ليلة من ألف ليلة، وليلة بأشهر الفنادق ذات السبع نجوم ظلت حديث المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، ونقل جانب منها بعض نشرات الأخبار والبرامج الحوارية؛ لانها ليلة ضمت صفوة المجتمع وكبار المسئولين.

بعد زواج البنتين فتر حماس "س " لكل شيء في حياتها، لا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا ألم بها؟ لقد أصبحت تحب العزلة بركن بعيد بحديقة قصرها، تنفث دخان سيجارتها تداعب كلبها أو تمشط شعر قطتها؛ وكأن عين الحسود أصابتها ولكن في ساعة صفاء صرحت لنا نحن المقربات منها بعد زواج البنتين أنها تشعر بإنها أتمت رسالتها، وفي حاجة إلى وقفة مع نفسها ومراجعة كل حياتها، فلم يعد لديها طاقة لتحمل المزيد من الزيف في كل علاقاتها القريبة والغريبة وعليها أن تواجه الحقيقة.
ولأني الأقرب إليها هاتفتها لأستفسر منها عن فحوى كلامها انفجرت باكية، وأسرت لي أن هناك أخرى في حياة زوجها، ولسخرية القدر هي من اختارتها وأصرت على تعيينها بالشركة لخبرتها العملية التي كانت الشركة في حاجة ماسة إليها، بالإضافة لتعاطفها مع ظروفها بعد طلاقها وبتردد سألتها عن نوع العلاقة أجابتني:
أصبحت ضرتي مكافأة لي في خريف العمر، وبعد رحلة كفاحي معه وما تحملته من شظف الحياة وصعوبات البدايات... وأغلقت السماعة بعد أن دخلت في نوبة بكاء هستيرية تخللها هذيان بتهديدات غير مفهومة!

أمسى خبر طلاقها متوقعاً، ولكن الصدمة بكل المقاييس ما أقدمت عليه من إفشاء أسرار مناقصات شركة زوجها لمنافسيه، متغافلة عشرة دامت لأكثر من ثلاثين عاماً لأبي بنتيها وجد حفيديها!

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها