عن الإسلام في غرب إفريقيا

أحمد عبدالرازق

كثيراً ما ينتابنا غموض نحو دراسة غرب إفريقيا، وكيفية انتشار الإسلام فيها، فقد كان جل اهتمام الباحثين والمؤرخين عن الإسلام، وانتشاره في الدول العربية من الجزيرة العربية حتى شمال إفريقيا، أو من الخليج حتى المحيط، أما غرب إفريقيا فربما لقلة الدراسات عنها، لا نجد من اهتم بالكتابة عنها إلا النزر اليسير من الكتاب، وإن اختلفت العادات والتقاليد بالنسبة لهذه الشعوب عن الشعوب العربية؛ فإن دخول الإسلام وانتشاره فيها كان له تأثير كبير في تحضر عاداتهم وتقاليدهم.
 

لقد كانت بداية دخول الإسلام لهذه الممالك الإفريقة من خلال التجار، حيث جاءت معهم الأفكار والتعاليم الإسلامية، وأصبحت المراكز التجارية مراكز للدعوة والفكر الإسلامي؛ فكان التجار ورجال العلم من الدعاة والطلبة يحضرون معهم الأفكار المتحضرة عن الحكومات الإسلامية خاصة في النواحي الإدارية، فعملوا كمترجمين ونساخ ووزراء للمالية لمعظم حكام ممالك السودان، وكان هؤلاء التجار يقدمون أنفسهم لبلاط الملوك، وكانوا يستقبلونهم استقبالاً كبيراً لسمو أخلاقهم ولمكانتهم، وخبرتهم بالسياسة والإدارة، فسهل هذا للتجار في الدخول وسط الحاشية، والحصول على امتيازات تمكنهم من إنشاء أسواق تجارية بها مساجد، مما جذب لهم عامة القبائل التي تكن لهم الاحترام، ومع الوقت نجح التجار في الممالك السودانية أن يدخلوا الملوك في الدين الإسلامي، وعن طريقهم كانت الحاشية والطبقة الأرستقراطية في المملكة تعتنق الإسلام، وكان هذا طريقاً مهماً لدخول بقية أفراد الشعب في الدين الإسلامي1.

وكان للدعاة دور مهم جداً بعد الفتوحات في مناطق غرب إفريقيا؛ فكان الدعاة يعلمون الناس قواعد الإسلام، ويعد الفضل في تحول كثير من أهالي البلاد المفتوحة إلى الإسلام إلى جهود الدعاة، منذ اللحظة الأولى التي يعترف فيها المتحول إلى الإسلام بالعقيدة، فيسير على المبادئ القائمة على الإخاء والمساواة، وكان الدعاة يحظون بأوفى نصيب من التقدير والاحترام، وفي بعض قبائل إفريقيا الغربية كانت كل قرية تُعِدُ داراً لاستقبالهم وضيافتهم، وبالنسبة لدول السودان الغربي التي اتخذت القرآن أساساً للحكم في المسائل الدينية، تحتاج الدولة للدعاة احتياجاً شديداً ليفسروا لهم معاني القرآن2. فمثلاً لم تقم بين هذه الممالك، وبين سلطنة المماليك في مصر في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي علاقات سياسية قوية مباشرة، وذلك لبعد المسافة بين الطرفين، وليس معنى ذلك انعدام الصلات بين سلطنة المماليك والسودان الغربي، فقد كانت هناك صلات قوية. ولكنها كانت أكثر وضوحاً في نواحي الحج والتجارة والجوانب الاقتصادية، فقد اعتاد سكان تللك النواحي في طريقهم للحجاز أن يسلكوا الدرب الصحراوي المعروف بطريق غات وينتهي عند الأهرام، فإذا وصل حجاج السودان الغربي إلى مصر؛ فإنهم اعتادوا أن يقضوا وقتاً حتى يتهيأ ركب الحجاج والمحمل إلى مكة. وكان قضاء تلك المدة بمصر فرصة طيبة للاتصال بالمجتمع المصري3. ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم، وسماحة الإسلام بطباعهم.

وتتمثل ملوك السودان الغربي -وقد اعتنقوا الإسلام– في ملك البرنو، وملك الهمج، وملك الكانم وملك مالي، وهي ممالك متصلة بالمحيط والتكرور مدينة من مدنه، وهي أعظم ممالك الإسلام، وقد سعى ملوك غرب إفريقيا أن يقلدوا سلطتهم الشرعية من قبل الخليفة العباسي بمصر. فكانوا يجدون في هذا التقليد الفرعي نوعاً من التبرك، يكسبهم الهيبة بين رعاياهم؛ بل كانوا يتلقبون بألقاب مثل ملك مالي منها ظهير الإمامة، عضد أمير المؤمنين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحدين، سيف الجلالة وهكذا، ويعد أول من مر بمصر في طريقة إلى الحجاز من ملوك مالي والتكرور هو: منساولي (السلطان علي)، الذي حج أيام السلطان الظاهر بيبرس4.

بينما وفد حجاج التكرور الذي جاء مصر عام 724ه/1323م كان يتألف من عشرة آلاف تكروري على رأسهم منسى موسى، وقد أخذ هذا الملك ينفق في مصر عن سعة، وقدم هدايا جليلة للسلطان الناصر محمد، بينما قام الأخير بإكرامه، وبعث إليه الخلع والسيوف، وأمدة بالخيول والمؤونة ليتمكن من مواصلة سفره إلى الحجاز5. مما يدل على توثيق أواصر المحبه والود، فقد كانت مصر إحدى المحطات الهامة إلى بلاد الحجاز لتأدية مناسك الحج.

وساعدت الروابط الحضرية بين مصر والسودان الغربي على تثبيت الإيمان في قلوب شعوبها، فنشأت في بلاد إفريقيا المسلمة مراكز إسلامية أصبحت مدناً مثل: غانة وكومبي صالح، وتمبكتو وجاو والتكرور من أهم مدن السودان الغربي الإسلامية التي اجتذبت إليها الفقهاء، وكان كثيراً من التكاررة في مصر على درجة شديدة من الفقر، وهؤلاء كان لهم نصيب من عطف سلاطين المماليك، فقد عمل السعيد بركة خان ابن الظاهر بيبرس "للتكاررة خوان حضره كثير من أهل الخير"، وقد شهدت دولة المماليك نشاطاً تجارياً كبيراً مع بلدان السودان الغربي وإفريقيا الوسطى، وعرف تجار تلك الجهات باسم الكارم أو الكارمية نسبة إلى مملكة الكانم، كما عرفوا أحياناً باسم التكرور نسبة إلى مملكة التكرور6، مما ساعد على التعرف بشكل كبير على طباع المسلمين ومبادئ الدين الإسلامي.

وقد أشار الرحالة ابن بطوطة لالتزام أهل غرب إفريقيا بتعاليم الدين الإسلامي، وعلى مواظبتهم على الصلوات، والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم عليها، وازدحام المساجد بالمصلين، حتى إذا لم يبكر المرء بالذهاب إلى المسجد لم يجد موضعاً، وحرصهم الشديد على حفظ القرآن، وتعلم الدين، ومعاقبتهم أولادهم بوضع القيود في أرجلهم لعدم حفظ القرآن، وكانوا يستفتون الفقهاء ويأتمرون بأمرهم، وكان من يلجأ إلى المسجد، أو دار الفقيه، أو الخطيب أمن العقاب، ولم يتعرض له أحد بسوء7.

 ونختتم برأي المستشرق غوستاف لوبون بقوله: كانت صلات العرب بإفريقيا على جانب عظيم من الأهمية، وكان العرب يعرفون جيداً أصقاع غرب إفريقيا، ويدل إسلام تلك الأصقاع التي يزورها تجار العرب على مقدرة العرب في حمل الأمم على الترحيب بهم، ويجد السياح أثراً لتأثير العرب في أكثر البقاع التي يدخلونها بالوقت الحاضر، والحق أن جميع السياح المعاصرين أجمعوا على الإشادة بما نجم عن هذا الإصلاح في تكوين هؤلاء السكان بدناً وخلقاً وعقلاً8. وبشكل عام كانت سماحة الدين الإسلامي، وأخلاق التجار والدعاة سبباً مباشراً لاعتناق مجتمعات ممالك ودول غرب إفريقيا الدين الإسلامي طواعية، ودليل ذلك المراكز الإسلامية بتلك الجهات، وحرصهم الدائم على تأدية شعائر الحج رغم بعد المسافة، ومشقة السفر.


الهوامش: 1. عصت عبداللطيف دندش، دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، (دار الغرب الإسلامي، بيروت-لبنان، 1988م)، ص: 154، 155. | 2. توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، (ترجمة حسن إبراهيم حسن، القاهرة، 1971م)، ص: 150، 151. | 3. سعيد عبد الفتاح عاشور، العصر المماليكي في مصر والشام، (النهضة العربية، القاهرة، 1976م)، ص: 250. | 4. القلقشندي، صبح الأعشى، (دار الكتب، القاهرة، 2010م)، ج5، ص: 293، ج8، ص: 7-10. | 5. ابن حبيب، تذكرة النبيه، (دار الكتب، القاهرة، 1976م)، ج3، ص: 142، 143؛ القلقشندي، المصدر السابق، ج5، ص: 295، ج8، ص: 7. | 6. القلقشندي، المصدر السابق، ج5، ص: 297، المقريزي، السلوك، (دار الكتب، القاهرة، 2009م)، ج1ق3، ص: 949؛ سعيد عبد الفتاح عاشور، المرجع السابق، ص: 302، 303. | 7. ابن بطوطة، رحلة النظار في غرائب الأمصار، (طبعة مصر، القاهرة، 1322ه)، ج2، ص: 193. | 8. غوستاف لوبون، حضارة العرب، (هيئة الكتاب، القاهرة،2012م)، ص: 556-558.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها