النزعة الكوسموبوليتية في وجهها الجديد!

حوار مع أورليش بيك

ترجمة: يحيى بوافي

أجرت الحوار: كاترين ألبيرن Catherine Halpern

 

تتمثل النزعة الكوسموبوليتية، حسب أولريش بيك، في الوعي بما صار يربط أجزاء العالم من مصير مشترك، من جهة الاشتراك في نفس الأخطار واقتسامها؛ لذلك لزِمَ تغيير نهج عالم الاجتماع في مواجهة هذا الواقع المعيش؛ كي يأخُذ في اعتباره البعد العابر للأوطان الذي يُكوِّن ما يُلاحِظه من ظواهر.

 

ولد أولريش بيك سنة 1944، ويشغل منصب أستاذ بجامعة ميونيخ، وبمدرسة لندن للاقتصاد London School of Economics، وقد صار من بين أكبر أسماء السوسيولوجيا الألمانية إلى جانب كل من يورغن هابرماس Jürgen Habermas ونيكلاس لومان Niklas Luhmann. ويعد نشر كتابه "مجتمع الخطر" سنة La Société du risque 1986 سبباً في انتشار صيته على الصعيد العالمي. غير أن الكتاب لم تتم، للأسف، ترجمته إلى اللغة الفرنسية إلا مع بداية الألفية الثالثة "صدر عن دار النشر أوبييه (Aubier 2000)" بعد انصرام خمْس عشرة سنة على صدوره.

وهذا الكتاب الذي صار من بين كلاسيكيات علم الاجتماع، يدافع فيه أولريش بيك عن عبورنا من المجتمع الصناعي، الذي كان يتمركز حول الإنتاج وتوزيع الثروات، إلى مجتمع الخطر، الانعكاسي والمعولم، بحيث صار أكبر المشاكل هو مشكل توزيع مختلف المخاطر واقتسامها، سواء أكانت من طبيعة اجتماعية أو بيئية أو سياسية. وتأملات بيك تتسع لتشمل أيضاً البيئة والتحديث والشغل والتفاوتات. وبعد اقتناعه بضرورة أن تتجاوز العلوم الاجتماعية إطار الدولة – الأمة، صار أولريش بيك من أبرز من يكيلون المديح للنزعة الكوسموبوليتية المنهجية ويبشرون بها.

إن أول ما عُرِفَ به أولريش بيك في فرنسا هو فكره حول مجتمع الخطر، غير أننا سنجانب الصواب إنْ لبِثْنا عند هذا الحد؛ لأن عالم الاجتماع الألماني هذا يمتلكُ مشروعاً أكثر طموحاً يتمثل في إعادة التفكير في منهجية العلوم الاجتماعية بشكل كامل لأجل تأسيس "نحو جديد لما هو اجتماعي". في كتابه "السلطة والسلطة المضادة في عصر العولمة" (Aubier, 2003)، وبصورة أحدث في كتابه "ما هي الكوسموبولوتية؟ (Qu’est-ce que le cosmopolitisme ? (Aubier, 2006)، يُشدِّدُ بيك على أن العلوم الاجتماعية، إن هي أرادت أن تفهم العالم اليوم، واجب عليها أن تتخلى بشكل قطعي وصارم عن النزعة الوطنية المنهجية le nationalisme méthodologique التي تميزها لصالح تبني مقاربة كوسموبوليتية.



لماذا الحديث عن " النزعة الكوسموبوليتية" اليوم؟

كانت النزعة الكوسموبوليتية خلال حقبة الأنوار فكرة جميلة حاولت كبح النزعة الوطنية، أما الآن فقد صار الرهان مغايراً بالكامل؛ لأن الكوسموبوليتية ما عادت بتاتاً مجرد فكرة، بل هي ظاهرة واقعية. لهذا السبب تجدني أستعمل مصطلح الصوغ الكوسموبوليتي cosmopolitisation كي أتجنَّب أي خلط محتمل؛ فحتى ما نعيشه يوماً بيوم صار كوسموبوليتيا، فنحن نعيش اليوم في ظل عالم مُعَوْلَم حيث لم يعد في إمكاننا بتاتاً إقصاء الآخرين، فكّروا على سبيل المثال في الرسوم الكاريكاتورية التي نُشرت في الدنمارك للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أول وهلة يمكن أن يذهب بنا الظن إلى أن الأمر يتعلق بسجال داخلي في الدنمارك. لكن ليس هناك مجتمع دانماركي منغلق على نفسه، بحيث عبَرَ هذا النقاش أوروبا برمتها؛ لأنَّه طرحَ مشاكلَ أكثر اتصافاً بالعمومية، خصوصاً ما يرتبط بمكَانَة المسلمين داخل المجتمعات الغربية.

نحن نعيش في ظل عالم مُعوْلم حيث يمسنا جميعاً تأثير الشبكات والمناقشات ووسائل الإعلام الجماهيرية، وهناك مثال آخر بليغ هو مثال تسونامي في آسيا عند مطلع سنة 2004، صحيح أن هذه الكارثة حدثت في آسيا، لكنها أثَّرَت، عند مستوى بعينه، على العالم بِرُمَّته بصيرورتها حدثاً إعلامياً، بقدر ما كان عدد الضحايا السياح مرتفعاً، لتصير على حين غرة تلك الأحداث الوطنية التي كانت تبدو أحدثاً وطنية أو محلية، أحداثاً تتعلق بمجموع الكوكب، وليس لنا بد من أن نصطدم بها شئنا أمْ أبيْنا.

لا يرتبط الأمر بالكوسموبوليتية التي تصدر من أعلى، كما هو الحال بالنسبة لتلك التي تُجَسِّدها الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، هو ما لا يعني أن الجميع قد صار كوسموبوليتيا، شغوفاً بالتعدد الثقافي، ويتكلم الكثير من اللغات. أو أن الجميع قد حصل له وعي بهذه الظاهرة، بل إن غاية ما يعنيه ذلك هو أن إضفاء الطابع الكوسمولوبوليتي نابع من أسفل، ويعمل على إحداث تغيير عميق في اليومي الذي يغمرنا، ونمط استهلاكنا وحياتنا السياسية، بل وحتَّى علاقاتنا داخل حدودنا الوطنية. وبهذا المعنى يكون في إمكاننا الحديث عن "نزعة كوسموبولتية مبتذلة" «cosmopolitisme banal ».

▣ ما الفرق الذي تقيمونه بين إضفاء الخاصية الكوسموبوليتية والعولمة؟

إن ما يميز مصطلح العولمة هو أنه متضارب الاستعمالات، وقد تمَّ فهمه على وجه العموم من وجهة نظر اقتصادية؛ فهو يحيل إلى فكرة سوق عالمي فيه يتمتع الناس بحرية دون سدود أو حواجز، وبإيجاز نقول: إن العولمة تبقى على ارتباط بتصور اقتصادي للحرية.

أما عملية إضفاء الخاصية الكوسموبوليتية فهي على العكس من ذلك، تحيل إلى سيرورة متعددة الأبعاد، ومعقدة لا تتميز بالتبعيَّة المتبادلة التي تربط بحكم الواقع الناس بعضهم ببعض طوْعاً أو كُرْهاً؛ فالكوسموبوليتية تحدث في قلب حياتنا، حياتنا اليومية، وعملنا وما نربطه من علاقات حب، كل هذا يصير كوسموبوليتيا بالمعنى الذي تصير معه تلك الشؤون مزيجاً لثقافات مختلفة، وهو ما جعل من الآن فصاعداً التمييز التحليلي بين النحن والآخرين يعاني من الخلط والتشويش، وسواء شئنا أم أبيْنا، صرنا نشكل جزءاً من المجرة الكوسموبوليتية.

ومُشكل الخطر هو ما يتيح فهماً أفضل لهذه الظاهرة، والخطر هنا ليس هو الكارثة بل استباقها، والاستباق المقصود ليس هو الاستباق الشخصي، بل الاستباق بوصفه بناءً اجتماعياً؛ لأن الناس صاروا واعين بأن المَخاطر عابرة للأوطان، فشرعوا يعتقدون في إمكانية حدوث كارثة هائلة من قبيل تغير مناخي كبير، أو هجوم إرهابي، إلخ، بهذا المعنى نكون ارتباطنا بالآخرين متحقِّقاً فيما وراء الحدود والأديان والثقافات، هذا ما يمكن إدراكه بعد أحداث 11 شتنبر، حتى إن جريدة le Monde لوموند الفرنسية وضعت عنوان: "نحن جميعاً أمريكيين"، فالخطر ينتج بهذا الشكل أو ذاك، نوعاً من جماعية المصير، وربما يكون منتِجاً حتى لنفس الفضاء العمومي العالمي.

وإذن فالخطر ليس مثالاً فقط، بل هو ذاته من يتولى بناء هذا الصَّوغ الكوسموبولتي؟

نعم بكل تأكيد، فالولايات المتحدة لم ترد اعتماد بروتوكول كيوطو، وكان من اللازم عليها تبرير موقفها ذاك، لسبب بسيط هو أننا صرنا نعترف اليوم بوجود خطر عالمي. ممَّا يمثِّلُ فرصة سانحةً من أجل بناء المؤسسات الكوسموبوليتية. صحيح أن هناك حركيات وهجرات وشبكة انترنيت، وأشكال جديدة للإنتاج والاستهلاك، لكن كل ذلك يبقى على ارتباط بالرأسمالية. فالخطر العالمي الشامل يمكن أن يشكل إحدى القوى الممتلكة لأهلية إنتاج مؤسسات كوسموبوليتية قادرة على الرفع والارتقاء بالمصالح التي يتم فهمها فقط على الصعيد الوطني؛ لأن الأفراد كما الدول يمكنهم فهمُ وجوب معالجة المشاكل الوطنية داخل مجتمع كوسموبوليتي، كما أن هذا المنظور الكوسموبوليتي منظور واقعي؛ أما النزعة الوطنية فجدير أن تُوصف بالمثالية في ظل هذا السياق؛ لأنها تكتفي بالنظر إلى الخلف دون أن تقدم إجاباتٍ للمجتمعات.

▣ تندرج النزعة الكوسموبوليتية بالنسبة لإيمانويل كانط داخل تقدم التاريخ، فهل يكون التطور نحو الكوسموبوليتية، بنظركم، تطوراً إيجابياً وضرورياً؟

لا، ليس الصوغ الكوسموبوليتي الذي استخلصته استخلصها فكرةً معيارية. بل هي تحيل اليوم بكل بساطة إلى الواقع، لكنها لا تأمر بأي شيء فيما يرتبط بالمستقبل... فضلاً عن أن الكوسموبوليتية غالباً ما تُنتج تأثيراً معكوساً، بحيث توجد علاقة جدلية بين إضفاء الخاصية الكوسموبوليتية وضدها، وما يشهد أوج الازدهار هو ما يُضاد إضفاء الطابع الكوسموبوليتي؛ فأن يكون الأمر شاملاً وكوكبياً ليس معناه أن يكون كوسموبوليتيا cosmopolite، لنأخذ حالة إرهاب إسلاميي القاعدة، فالأمر يرتبط بظاهرة هي على الطرف النقيض من الكوسموبوليتية، لكنها تبقى مع ذلك شمولية أو كوكبية: فهي تستعمل كل وسائل الاتصال من شبكة الأنترنيت والهواتف المتصلة عبر الأقمار الاصطناعية، لأجل تحقيق التواصل في كل أنحاء العالم، كما أنها ترتكز على شبكات عابرة للأوطان كي تضرب في أي مكان من الأرض، والأمر يرتبط كذلك، بمعنى من المعاني، بحركة ذات نزعة كونية، حتى وإن كانت نزعة كونية تقصي الآخر. وفي ذات الوقت، هم ينتجون صوْغاً كوسموبوليتيا؛ لأن النَّاس يتحدون في مواجهتهم فيما وراء الحدود [الوطنية].

▣ سبق لكم القول بأن مقولة الدولة- الأمة قد صارت منذ الآن مقولة زومبي «catégorie zombie» بالنسبة للعلوم الاجتماعية، في ماذا تتمثل الكوسموبوليتية الميتودولوجية le cosmopolitisme méthodologique التي تعتبرونها من أمانيكم؟

بالحديث عن "مقولة زومبي" «catégorie zombie» أحاول إثارة واستفزاز زملائي؛ لا أقول بأن الدولة الأمة ليس لها وجود يُذكر اليوم، بل أنا أنتقدها من جهة ما هي مقولة سوسيولوجية؛ ذلك أن النزعة الوطنية المنهجية Le nationalisme méthodologiqu تتخذ الدولة – الأمة فرضيّة قاعدية، ومقدمة لأجل بناء العلوم الاجتماعية دون التَّساؤل عن مدى ملاءمتها. ولذلك؛ فإن المرحلة الأولى بنظري من أجل توسيع إطار البحث، هي تشجيع الدراسات المقارنة، لكن حتى هذه المقارنات ما زالت تتخذ الدولة الأمة قاعدة لبحثها. والحال أن هناك ظواهر لا ترتبط بالسياق الوطني فحسب، بل لها علاقة بالسياق الأوربي أو العالمي، لذلك تقدِّمُ نفسها بوصفها بديلاً لإجراء أبحاث في العلوم الاجتماعية. الكوسموبوليتية المنهجية le cosmopolitisme méthodologique

ومشكلة التفاوت بهذا الخصوص تبقى مشكلاً نموذجياً؛ إذ غالباً ما فهمنا مشكلة التفاوتات على أنها مشكلة الاختلافات على مستوى الطبقات داخل الدولة، والحال أننا نعيش في عالم معَولم، فلماذا يركِّز علماء الاجتماع مثلاً اهتمامهم بالخصوص على دينامية الطبقات داخل الدولة الأمة؟ بينما توجد تفاوتات أكثر أهمية من وجهة نظر إنسانية. فنحن نعيش بالأحرى في أوروبا. وإذن لماذا نركِّز على الإطار الوطني فقط؟

إن مبادئ الدولة/ الأمة على مستوى العالم المعولم تُضفي المشروعية على التفاوتات على مستوى العالم؛ لأنها تنشغل بالداخل وليس بالآخرين، وعلماء الاجتماع يقبلون بهذا مبدأ في إكساب المشروعية؛ في المعهد الذي أتولى إدارته بمدينة ميونيخ لا نستخدم الدولة الأمة كوحدة تحليل لأجل فهم الأخطار، بل نحاول أن نفكر في سيناريو عابر للأوطان، يمزج الرأي العام والصناعات والخبراء. غير أن اعتماد ميتودولوجيا كوسموبوليتية لا يحول دون امتلاك مقاربة نوعية وخاصة جداً؛ يمكننا أن نركز اهتمامنا على إضفاء الطابع الكوسموبوليتي على الأعمال أو على إضفاء البعد الكوسموبولتي على الأجيال، ففي فرنسا على سبيل المثال، نجد أن السجال بخصوص الهشاشة، يشكل سؤالاً حاسماً داخل العالم المتقدم، لكنه يبقى على علاقة بالمخاطر التي تشمل الكوكب وتشكل فضاء تجربة جدي، لذلك يبقى من اللازم وضع خريطة للهشاشة على مستوى الكوكب، صحيح أن بناء وحدات جديدة للبحث، وإعادة تعريف المفاهيم الأساسية أو القاعدية، يبقى ضرورياً لأجل التقدّم في التحليل في العديد من الحقول.

▣ تقدم العديد من الدراسات الأمبريقية، لكن الميزة الغالبة على أقوالك هو ما يطبعها من عمومية كبيرة، ألا يُمَثِّلُ ذلك نوعاً من السوسيولوجيا الفلسفية؟

توجد العديد من الأشكال لاستخدام عملي، يوجد في ألمانيا تأمل ميتا- نظري réflexion métathéorique هام جداً منذ زمن طويل، كما أن كثيرين يذهبون إلى أنني عالم اجتماع أمبريقي جداً، مقارنة على سبيل المثال بنيكلاس لومان. أما من جهتي، فإن ما أحاول القيام به هو بناء سوسيولوجيا تكون وثيقة الصلة بالتجربة؛ سوسيولوجيا لا ترتكز على المعطيات الأمبريقية فحسب، بل تستند إلى التجربة اليومية والتاريخية أيضاً، صحيح الدراسات الأمبريقية لها أهميتها، غير أن ذلك لا يعني استبعاد التجربة التاريخية.

فلو أقدمت على إجراء تحليل أمبريقي للمجتمع الفرنسي بمساعدة مقولات الطبقات الاجتماعية، مع بقائك عند هذا المستوى فقط، فلن تلاحظي عندها أي تغيُّر على صعيد المجتمع، لذلك فإن السوسيولوجيا التي تتجاهل التجربة اليومية، حتى لو استطاعت استخدام عدد كبير من المعطيات الأمبريقية، يمكن أن تكون فارغة تماماً، ما دامت هي ذاتها تُنتج الواقع، واليوم نجد عدداً كبيراً من علماء الاجتماع يُنتجون السوسيولوجيا بمساعدة مقولات قديمة.

لقد قرأت الكثير من الفلسفة خلال سنوات دراستي. مما أتاح لي أن أفهم إلى أي حد يكون العالم الذي نفهمه مبنياً بواسطة المفاهيم. هي تتشكل وتتفكك، لهذا السبب تجِدُني أبحث عن مفاهيم جيدة لأجل الخروج من أشكال الرتابة وشقِّ طُرقٍ جديدة.

▣ تؤكدون على تفكير كوسموبوليتي من أجل بناء أوروبا، ما الذي يمكن أن يضيفَهُ هذا النوع من التفكير لمشروع يبدو أنه طفق يفقد سرعته؟

ما ينقص أوروبا ويعوزها هو فكرة أوروبا، ذلك هو السبب الذي يقف وراء تصويت الفرنسيين بـ"لا" في الاستفتاء. أعتقد بأن الكوسموبوليتية ربما تكون مفتاحاً لأجل إطلاق أوروبا، فنحن لا نفكر في الاجتماعي وفي السياسي إلا تحت مقولات وطنية، ولا نفهم أن أوروبا يمكن أن يكون لها تاريخ مختلف، والأمر يتعلق بالاعتراف بالهويات الوطنية وليس بتجاوزها والقفز عليها. وهو لا يتعلق بإرادة إقامة مجتمع أوروبي أحادي الشكل والصورة، بل بتنظيم البنية الكوسموبوليتية، التي تعترف في ذات الوقت بأعضائها في اختلافاتهم، وبأولئك الذين يتمسكون بموقعهم خارج أوروبا.

فأنا لا أعتقد في وجوب التخلي عن الديموقراطية الوطنية من أجل ديموقراطية أوروبية، بل ما نحن بحاجة إليه هو مزاوجة أو إقران جديد بين الديموقراطية الوطنية والديموقراطية الأوربية، ونفس الأمر بالنسبة للرأي العام؛ فهو أوروبي ووطني في الوقت نفسه، وما يتعين فهمه هو أوروبا يمكنها أن تعالج مشاكلنا الوطنية، وتعمل على حلها بصورة أفضل من معالجتها على المستوى الوطني.

إن النموذج الكوني يبقى على درجة كبيرة من الأهمية لأجل التفكير في العدالة لكنه يطرح مشكلاً مزدوجاً؛ فمن خلال إنتاجه لمعايير ذات نزعة كونية داخل الإطار الوطني، يلغي اختلافات الداخل، ويقصي تلك القائمة خارج نطاق الدول الأمم، أما النموذج الكوسموبوليتي فيذهب أبعد من ذلك من خلال تركيزه، في المقابل، على الاعتراف بالاختلافات، سواء على مستوى الداخل أو على مستوى الخارج.

وربما سيكون من المهم امتلاك تعددية من الثقافات، لكن الكوسموبوليتية تفترضُ عناصر للكونية؛ إذ من دون معايير كونية لن تكون هناك علاقات مستقرة مع الآخرين، كما أنها تفترض أيضاً الوطنية عند المستوى الذي تكون فيه الأمة مُنتِجة لجماعة واسعة توَحِّدُها الحياة والمصير، كما أن الكوسموبوليتية تتيح تطهير الفكرة التي ترى بضرورة الانتحار ثقافياً لأجل أن الصيْرُورَةِ أوروبيا، وإذن لا بُدّ من أن نتوقف عن الاستدلال دائماً على منوال "إما... أو..."، حتى نقدر على دراسة ومعالجة تعددية الانتماءات.


• نُشِرت المقالة بمجلة 'علوم إنسانية'  Sciences Humaines [هنا]
• ونصه الكامل تجدونه على الرابط التالي [هنا]
• Entretien avec Ulrich Beck ,Le nouveau visage du cosmopolitisme, Propos recueillis par Catherine Halpern
Entretien avec Ulrich Beck Mensuel N° 176 - Novembre 2006
• كاترين ألبيرن Catherine Halpern صحفية مسؤولة عن المواضيع الفلسفية بمجلة "علوم إنسانية Sciences Humaines" الفرنسية، كما تتولى التعاون أيضاً مع ملحق "كتب" لجريدة Libération، من بين مؤلفاتها: "فوكو، دريدا: أفكار متمردة Foucault, Derrida, Deleuze : Pensées rebelles من منشورات نفس المجلة (Sciences Humaines)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها