اهرمومو أو رباط الخير.. ظلم الطبيعة ولعنة الانقلاب

د. أحمد سوالم


"قرية كئيبة، مليئة بأسراب الغربان الناعقة، لم يكن فيها ما يسر أو يغري أحداً بالإقامة"1. بهذا الوصف القاسي، تحدث أحمد المرزوقي عن بلدة "اهرمومو" أو رباط الخير"، خلال سبعينيات القرن الماضي في كتابه "الزنزانة رقم 10". فما الذي تغير بهذه المدينة؟

"وكأن الزمان توقف" بهذه البلدة الجبلية: مؤهلات فلاحية، ومناظر طبيعية مشكلة من أشجار الصنوبر الرائعة وأشجار الزيتون المباركة، ومنحدرات ومنعرجات جبل بويبلان في شموخه، تستحق أن تجعل من المنطقة قبلة سياحية رائدة خصوصاً لهواة السياحة الجبلية، لكن زياراتي السنوية المتكررة لهاذه المدينة على مدار عقد من الزمان خلاصتها: لا شيء جديد؛ وكأنها لا تنتمي لهذا الوطن الذي يعتبر ورشاً مفتوحاً في مختلف المناطق والجهات وعلى كافة الأصعدة.

إنها بلدة "رباط الخير" أو "اهرمومو"، الاسم الذي أريد له أن ينمحي بعد محاولة الصخيرات الانقلابية سنة 1971 على حكم الراحل الملك الحسن الثاني، لكنه ظل صامداً بين الناس صمود جبل بويبلان.

فما الحكاية؟ ما "اهرمومو" أو "رباط الخير"؟ وما خصوصية الموقع ودلالة الاسم؟ وما مؤهلاتها؟ وما سر التنمية الغائبة؟ وهل عقاب الدولة ما زال مستمراً لبلدة ظلمتها الطبيعة والتاريخ وتنكر لها أبناؤها؟
 

الموقع ودلالة الاسم

رباط الخير، مدينة مغربية تابعة لعمالة صفرو جهة فاس مكناس، تقع على بعد 76 كلم من فاس و50 كلم من صفرو. توجد على ارتفاع يصل لـ 1250م، وساكنة تقدر حسب إحصاء 2004 بـ12654 نسمة، و14800 نسمة سنة 2008، وتحتضن أعلى قمة جبلية بالأطلس المتوسط هي "جبل بويبلان" الذي يصل ارتفاعه لـ 3192م.
و"اهرمومو"، هو اسم أمازيغي يعني الأسد. وهناك من يرجع التسمية للاستعمار الفرنسي الذي شيد بالقرية مخزناً للأسلحة Magazine d’armement، ومنه اشتق اسم "اهرمومو". بعد محاولة انقلاب الصخيرات على الملك الراحل الحسن، والتي كانت ثكنة ومدرسة اهرمومو العسكرية طرفاً مشاركاً فيها، عملت السلطات على تغيير اسم المدينة لرباط الخير في محاولة لطمس تاريخ أسود ارتبط بالمنطقة، لكن رغم مرور السنين ما زال الاسم الحقيقي هو المتداول بين الناس، وإن خلا من الأوراق الرسمية ومن لوحات المؤسسات العمومية.

ظلم الجغرافيا والتاريخ والإنسان

إذا ساعدتك الظروف والأقدار لزيارة "اهرمومو"، فما عليك سوى المرور بطريق جبلية وعرة بمنعرجاتها الخطيرة وطريق معبدة بطريقة رديئة، تمتد على مسافة 56 كلم انطلاقاً من مدينة صفرو، تمر خلالها بمداشر عديدة كعزابة والمنزل، وتكتشف خلالها قساوة طبيعة المنطقة التي يزيدها صعوبة مناخها القاري، المتسم بشتاء ممطر مصحوب بالثلج والصقيع والبرد القارس وصيف حار وجاف، ما يعكس قساوة الطبيعة وظلم الجغرافيا، ومعاناة الإنسان من أجل البقاء.

وعند وصولك، تستقبلك لوحة يتيمة كتب عليها" مدينة رباط الخير". فتلاحظ منازل ودوراً متفرقة، ومحطة للتزود بالوقود، وملحقة للاستثمار الفلاحي، لتصل إلى المدارة الوحيدة اليتيمة بالمدينة، التي يؤدي طريق منها إلى "لكار"، وطريق أخرى إلى مركز المدينة حيث مرافقها (الجماعة، والباشوية، ومركز للدرك الملكي، ووكالتين بنكيتين، ومركز البريد، ومسجد، وحديقة، ومحطة لسيارات الأجرة). وما تلمسه هو غياب التناسق العمراني، حيث لا يمكنك التمييز هل أنت في "بادية" أم في "مدينة"، أم في هجين عمراني يجمعهما معاً.

لن يستغرق منك الأمر طويلاً، حتى تتعرف على تاريخ المدينة ليس تاريخها البطولي في مقاومة الاستعمار الفرنسي، ومساهمة قبائلها في نيل المغرب لاستقلاله؛ وإنما التاريخ الذي توقف فيه كل شيء في المدينة: إنها محاولة الصخيرات الانقلابية على حكم الملك الراحل الحسن الثاني، حيث كان لمدير مدرستها محمد اعبابو يد فيها. فأصبح تاريخها مرتبطاً بهذه المحاولة، وليس بما قدمه أبناؤها من تضحيات في سبيل الوطن عبر مر السنين والعصور، ليزداد ظلم التاريخ إلى ظلم الجغرافيا لمدينة اهرمومو.

وزاد من قساوة ظلم المدينة تخلي أبناءها عنها، رغم كونهم يحتلون مواقع مهمة في الدولة الشريفة. فلم يعملوا على التعريف بها والدفاع عنها كل من موقعه، والاستثمار فيها رفعاً للحيف الذي تعرضت له، وما أقسى أن يتخلى الإنسان عن أمه فالأرض هي أمنا جميعاً. لتكون بذلك "اهرمومو" قد تعرضت لظلم الجغرافيا، والتاريخ، والإنسان. فمن أين ابتدأت الحكاية؟

مدرسة اهرمومو العسكرية ولعنة الانقلاب

وأنت تتجول في رباط الخير، تلاحظ مدرستها العسكرية الشهيرة، حيث مدخلها الكبير عليه حراسة عسكرية، محاطة بأشجار الصنوبر وبناياتها التي تتراءى لك من بعيد، تبرز أنه كانت تعرف حركية دائمة زمن اشتغالها. ما أكسبها صيتاً على الصعيد الوطني خصوصاً مع الكولونيل محمد أعبابو. لكن الولوج إليها ممنوع حالياً، وأصبحت مدرسة أشباح. ولمعرفة ما بداخلها، سنعتمد على وصف أحمد المرزوقي الذي عمل بها، حيث قال:
"في الجهة الجنوبية لقرية اهرمومو، تربعت المدرسة العسكرية على ارتفاع 1134م فوق هضبة تطل على منظر أخّاذ لوادي زلول، وفي الأفق المضبب دائماً، وقف في جلال وشموخ جبل بويبلان المهيب.. تتراءى للزائر بنايتان ضخمتان مسقفتان بالقرميد الأحمر، شاهدة على طابع الهندسة المعمارية الاستعمارية الفرنسية، كما ينتصب خزان شاهق للماء وعمارات أرضية"2.

هذه هي ثكنة ومدرسة اهرمومو، التي أسست سنة 1953 على يد أحد الجنرالات الفرنسيين، إبان الاحتلال في تخوم جبال بني وراين قبالة جبل بويبلان بضواحي قبيلة آيت موسى وصالح، على مساحة 32 هكتاراً، وكانت مخصصة لتخزين الذخيرة والأسلحة.

وكانت المدرسة تخلق حركية اقتصادية لساكنة المنطقة منذ إحداثها، لتصبح مصدر نقمة لها، بعدما قام محمد المذبوح ومحمد اعبابو بأول محاولة انقلاب عسكري في المغرب بمعية ضباط وتلاميذ المدرسة دون علمهم، فعوقبوا وعوقبت معهم مدينة بأكملها. تغير اسمها من "اهرمومو" إلى "رباط الخير"، أغلقت مدرستها العسكرية، لتتحول إلى مدينة أشباح، السكان يتحاشون ذكر انتمائهم لهاذه المدينة.. تنمية غائبة وركود في شتى المجالات، في حين قرى ومدن المغرب تعيش نهضة عمرانية واقتصادية، وتحولاً اجتماعياً مهماً.. شباب ضائع يجتر هموم البطالة والحرمان، يعيش بين خيارين: إما الانحراف والمخدرات، وإما الهجرة نحو الحواضر المغربية الأخرى بحثاً عن أفق أفضل. جريمتهم أنهم ولدوا وعاشوا فوق أرض، احتضنت مدرسة، خرج منها انقلاب الصخيرات.

لنرفع الحيف عن رباط الخير

إذا كان المغرب تصالح مع أبنائه من المعتقلين السياسيين، الذي عانوا خلال سنوات الرصاص عبر هيئة الإنصاف والمصالحة، التي تعد تجربة فريدة في العدالة الانتقالية في العالم العربي. إلا أن تفعيل بعض مقتضياتها، لم تعرف طريقها نحو التنفيذ، منها الإنصاف المجالي من خلال تنمية اقتصادية واجتماعية للمناطق التي عانت من التهميش والحرمان والعقاب الجماعي، ما جعلها متخلفة عن باقي الحواضر المغربية. وتعد "اهرمومو" أو "رباط الخير"، نموذجاً لهذا الإقصاء، ما يدعو لتضافر الجهود لرفع الحيف عن هذه المدينة الصغيرة، عبر مجموعة من الإجراءات، منها:
 المصالحة مع تاريخها، عبر حذف اسم "رباط الخير"، واستعادتها لاسمها الحقيقي في السجلات الرسمية والمرافق الإدارية، حفاظاً على تاريخ المدينة وامتدادها التاريخي.
 رفع العقاب عن المدينة، من خلال تنمية اقتصادية واجتماعية، واستثمار مؤهلاتها الطبيعية والفلاحية والسياحية، تروم رفع الحيف الذي لحق المدينة، من خلال إنشاء مدار سياحي لهواة السياحة الجبلية خاص بجبل بويبلان.
 إبراز تاريخ المدينة المشرق في تاريخ المغرب عبر العصور، من خلال محاضرات وندوات ومعارض كتب فردية وجماعية، تتضافر فيها جهود المؤسسات الحكومية والجمعيات، والمنظمات غير الحكومية، رفعاً للضرر المعنوي الذي تعرض له تاريخ المنطقة.

ختاماً، تعدُّ مدينة اهرمومو أو رباط الخير، نموذجاً للمدن المغربية التي عرفت تهميشاً اقتصادياً واجتماعياً، رغم ما تتوفر عليه من إمكانيات طبيعية وسياحية واقتصادية، يجب العمل على استثمارها كأسس للتنمية المستدامة بهذه المنطقة، إنصافاً للجغرافياً والتاريخ والإنسان.
 





المراجع المساعدة: 1. أحمد المرزوقي، تزممارت الزنزانة رقم 10، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى: 2012، ص: 27
2. نفسه، ص: 24. |+زيارات ميدانية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها