الكمين.. والصعود إلى العرين!

شادي سلامي رزق


رجال الله على الأرض، وفي لغة الجيش "من ملك الجو ملك الأرض"، وفي مهمة الحفاظ على الأرض والعرض، نجد هناك العديد من المخاطر والعقبات التي تواجه عناصر الجيش والجنود أثناء القيام بواجبهم. أما في لغة الشطرنج فالجندي الذي يقاتل، ويتقدم في أرض المعركة إلى الصفوف الأولى يصبح وزيراً في ارتقائه!
 


عن الفيلم الحربي الإماراتي العالمي المشوق والمثير عبر ساعة واثنين وأربعين دقيقة، والذي شغل بال وتفكير الكثير من الأوساط المحلية والعربية والعالمية على حد سواء "الكمين"، أنتجته دولة الإمارات وفرنسا، وشارك فيه ما يقارب 400 من أعضاء طاقم العمل، والممثلين الذين ينتمون إلى 48 جنسية مختلفة، بتكلفة إنتاج خمسة وثلاثين مليون دولار.

يستند فيلم الكمين إلى أحداث حقيقية، وتدور أحداثه حول التحديات المعقدة لإنجاز مهمة خطيرة في منطقة ذات طبيعة شديدة الوعورة.

تبدأ أحداث الفيلم في حرب اليمن خلال شتاء 2018، وبينما كانت تنتشر قوات الجنود الإماراتيين الأشداء لتسليم المساعدات الإنسانية للسكان المحليين في موقع جبلي وعر، وتحديداً في قاعدة (المخا) نرى الروح المعنوية ترتفع عالياً ويزداد حماسهم، حيث ينتظر ثلاثة جنود إماراتيين عودتهم إلى الوطن.

ولكن أثناء قيام هؤلاء الجنود الثلاثة، علي وبلال والهنداسي بدورية روتينية أخيرة، وفي طريقهم المعتاد للعودة إلى القاعدة عبر واد ضيق، يتعرضون لكمين نصبته مليشيات مسلحة، حيث قامت بتدمير مركبة أخرى تابعة للجيش الإماراتي، كانت تتبع المركبة التي كان يستقلها الجنود الثلاثة.

يدرك علي وبلال والهنداسي، وهم وحيدون وجرحى، خطورة موقفهم، حيث أوشكت الذخائر والوقت أيضاً على النفاذ، وفي هذه الأثناء، يتيقن قائدهم أن الهجوم على الدورية كان مدبراً، ويبدأ في التخطيط لتنفيذ مهمة إنقاذ سريعة لإعادة جنوده البواسل.

"كل فيلم يبدأ بالمخرج".. كانت هذه وجهة نظر (جينيفر روث) منتجة الكمين، حيث قالت: "يتمتع بيير موريل بمستوى رفيع من المهارة والرؤية الواضحة، فهو يعرف بالضبط كيف يحقق ما يريد وهذا أمر بالغ الأهمية، لاسيما في فيلم ذي قيمة إنتاجية عالية"، فقد تم استخدام 600 كيلو غرام من المتفجرات، و5000 متر من أسلاك التفجير، و3200 مفجر، و9000 كرة شرارة، 35000 طلقة ذخيرة فارغة، و20000 كرة غبار، و830 عبوة دخان أسود، و50 لتراً من بديل الدم البشري.... وغيرها الكثير، للمخرج طبعاً أعمالاً مهمةً تشهد له القيمة الفنية العالية التي يضيفها، كالفيلم الشهير (Taken)، الذي تم إنتاجه عام 2008، حيث أضاف لمساته الإبداعية على مستوى الإثارة والتشويق والأكشن، وتضيف روث قائلة: "إنه لا يقوم بإخراج أفلام الإثارة والتشويق من أجل ذلك فقط، ولكن هناك دراسة شخصية مكثفة وراء أعماله".

محاكاة:

"لطالما أردت إخراج عمل حربي، وبالأخص فيلم حرب ترتكز أحداثه على قصة حقيقية".. جملة جاءت على لسان مخرج العمل، مؤكداً على ضرورة أنه عندما يقوم بمحاكاة قصة حربية حقيقية، فمن الواجب أن يظهر الاحترام للذين قاتلوا وعانوا، وأن يحاول فهم جميع جوانب القصة لإعادة تجسيدها بشكل واقعي، حيث التقى جميع الجنود البواسل الذين تعرضوا للكمين الحقيقي، وأجرى معهم محادثات حول ما مروا به.
يعتبر هذا الفهم العميق للأحداث جزء مهم جدّاً لعملية سير الأحداث وطبيعة المكان والأشخاص، فهي بمثابة دراسة شاملة لكل ما يجعل مقوماته فيلماً ناجحاً وبكل المقاييس؛ إذ عادة ما نسمع عن فيلم يتم إنجازه في فترة وشيكة سريعة، وهو ما يجعلنا نندهش لسرعة ولادته، بينما في واقع الأمر عندما يأخذ مثل هذا الفيلم فترة دراسة وتحليل طويلة، سوف ندرك مدى أهمية نضوج الفكرة، فعلى لسان (ديريك داوتشي) منتج الفيلم "لقد عملنا بجد مع كتاب العمل على تطوير السيناريو لمدة 18 شهراً؛ لأننا كنا بحاجة إلى البحث الدقيق في الشخصيات والأحداث"، ويضيف قائلاً: "كنا بحاجة إلى توضيح الرؤية للمشاهدين؛ لنمكنهم من التعرف على هؤلاء الرجال في أول 20 دقيقة، ليأخذوا هذه المعرفة معهم طوال أحداث الفيلم".

وخلال فترة ما قبل الإنتاج في عام 2019، التقى كتاب الكمين بالجنود الإماراتيين الذين شاركوا في الأحداث الحقيقية، كما تم تجميع فريق روائي إماراتي بإشراف (طلال الأسمني)، و(هناء كاظم) في الفترة الأولى ما قبل الإنتاج، تضمن دورهم تعريف كتاب السيناريو والمخرج بالثقافة الوطنية، وهو من الأشياء المهمة التي يعتمد عليها طاقم العمل الأساسي للتعرف على روح وجوهر الفيلم، وانخرطوا معهم في محادثات حول الخصائص الفكرية والمجتمعية الإماراتية.

ولا ننسى دور المتابعة الدرامية والإشراف الدرامي للعمل من حيث اللهجة الإماراتية، واتساقها من خلال (علياء القمزي)، للتأكد من أن التغيرات في الحوار باللهجة المحكية قد بقيت وفية للسياق الأصلي للنص.

عمليات الإنتاج:

تم تصوير فيلم الكمين في إمارة رأس الخيمة في موقع جبلي يحاكي الحدث الأساسي في اليمن، حيث تم بناء طريق يمتد حوالي سبعة كيلومترات بين معسكر القاعدة وموقع التصوير، لتسهيل التصوير ووصول المركبات المدرعة وغيرها من الأسلحة والمعدات الثقيلة إلى الموقع.
وعن العقبات التي واجهت فريق العمل، والصعوبات والظروف الطارئة، نجد أن ذلك لم يؤثر على إرادة وعزيمة وإصرار طاقم العمل لإنجاز وإتمام المشروع، فقد كان يقع مكان التصوير في واد شديد الانحدار، يغمره الماء عادة خلال موسم الأمطار في الإمارات من شباط/ فبراير إلى نيسان/أبريل، وقد جرفت الأمطار الغزيرة موقع التصوير بأكمله، وأعيد بناؤه مرتين أثناء التصوير.

جائحة كوفيد-19:

انتشرت الجائحة في بداية التصوير تقريباً، واضطر الممثلون والطاقم بأكمله إلى عزل أنفسهم طوال فترة التصوير، التي استمرت 58 يوماً، مع القليل من الاتصال بالعالم الخارجي.
وعلى لسان مساعد المخرج (يان كوينيت) "أنا متأكد تماماً من أن الكمين كان الفيلم الوحيد الذي استمر العمل عليه خلال فترة الجائحة، ولكن كان هناك احتياطات صارمة وشعرنا أننا نقوم بعملنا، نصور فيلماً عادياً في عالم يمر بأزمة مروعة".
أما رأي (ديريك داوتشي) فكان "لم يكن هناك ما يمكن أن يمنعنا، أراد الجميع أن يرى هذا الفيلم النور".

عناصر الفيلم والتقنيات:

جعلتنا الموسيقى التصويرية نتفاعل مع اللحظات الحساسة للفيلم، والتي تثير أسمى وأرقى لحظات المشاعر الإنسانية، فقد تعاطفنا مع والد الطفلين وهو ينظر إلى صورتهما، وكيف شده الحنين إليهما، ما زاد عمق الحالة الإنسانية على طول لحظات الفيلم، وعن مشاعر الأخوة والصداقة التي ربطت بين الجنود والضباط، حيث تم الاحتفاظ باحترام الرتبة، بينما بقيت سمة الطيبة والتآزر والتلاحم طيلة فترة الحصار.

أما دقة التصوير والإضاءة؛ فقد كنا نعيش كل لحظة من لحظات شد الانتباه والعيش داخل جو العمل بشكل يفصلك عن العالم الخارجي، ويجعلك تركز ليس فقط على سير الأحداث؛ وإنما على كل تفصيل مهما كان صغيراً، إذ ليس هناك أي مشهد بالمجان أو لمجرد أنه عابر، على العكس تماماً كل حركة أو طرفة عين ترمز إلى عين المخرج ورؤيته الثاقبة لطبيعة اللحظة وصمتها، وتحدياتها وألمها، وعشقها وشوقها وخلاصها.

والجدير بالذكر، أن جميع الممثلين الثانويين في فيلم الكمين هم أفراد في القوات المسلحة الإماراتية، حيث اتخذ فريق الإنتاج هذا القرار بمشاركة المؤسسات الحكومية والاتحادية المعنية، لضمان أكبر قدر من المصداقية في مشاهد الفيلم.

إن إنتاج مثل هذا العمل الضخم له أكبر الأثر على مستوى صناعة الأفلام والدراما، والتوثيق على مستوى الوطن العربي، بل وعلى العالم أجمع، لجعلهم يتعلمون كيف تصنع حالة حقيقية وطنية ذات معنى ومدلول إنساني عميق، وتجسيدها بكل تفاصيلها على أرض الواقع، ولتحكي قصة شعب عظيم، يعشق تراب بلده ويؤمن بقضيته، ويدافع عنها بكل عزيمة وإصرار، ويضحي بروحه إكراماً لذلك، فالرحمة للشهداء الأبرار الذين "لن ننسى تضحياتهم" على مر السنين.

 

https://alkameenfilm.com

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها