الرواية هي كتابُ الحياة؟!

حـوار مع الكـاتبة زينب حفني

حاورها: عِذاب الركابي

زينب حفني.. الكتابةُ تمرينٌ على الإحساسِ بوجودٍ إنساني مقنع، والعيش حياة الحياة! والسردُ لم يكنْ مصادفةً أو ضربةَ حظٍ، بلْ اختيار للحضور العنيد أكثر، حتى بدا في نثرهِ الخرافيّ المثير قَدَراً في ظلّ إلهي... زينب حفني– الإبداعُ سؤالٌ دائمٌ، متلوٌّ بإجابات ظامئة، لاعلاقة لهُ بالإصلاح والمواعظ لأنهُ سيبدو ثرثرة .. ومَن يرى في الإبداع إجاباتٍ أو إسداء نصيحة، فهو ميّت هالكٌ، أو خارج الوقتِ والحلمِ والحياةِ..!!


زينب حفني .. مرحباً بالكتابة بكلّ ما فيها من ثورات وانقلابات وتضحيات، وعلاقتها بالكتابة علاقة الحبيب بمحبوبهِ، لحظات عشق صوفيّ.. سردها القصّصي والروائي –حلمُ المستقبل الذي بدا غامضاً ملتبساً .. ورغيف الأجيال القادمة.. والسردُ – نثرها الخرافيّ الاستشرافيّ الموقظ بمثابةِ قناديل ضوءٍ عنيدةٍ، وهي تذيب كبرياءَ ظلمةِ الواقع المعيش..!


لغةُ السردِ الباذخةُ في إيقاعِها الحياتيّ الإنسانيّ الجاذب، بكلّ ما فيها من بلاغة مُستفِزة جريئة كما يراها البعض، ليسَت سُلماً للشهرة أو الانتشار والتميز الفارغ، بل تجسيد لملمح من ملامح الضعف الإنسانيّ لدى البشر، كما تقولُ في حديثها الشائق، وهذا ما بدت عليه شخصياتها في مجملِ قصصها ورواياتها..!


✦✦✦
 

(قصّة قصيرة، رواية، قصيدة نثر، شهادات، صحافة ويوميات ثقافية).. ياللكتابةِ من مهنةٍ شاقة – ممتعة! أين زينب حفني في كلّ هذا؟ ماذا أخذت منكِ الكتابة – المغامرة؟ وماذا أعطتكِ؟

استيقظتُ ذات يوم في صغري داخل مخدعي، لأجد نفسي أعومُ في بحيرة العشق، يُرافقني طيفٌ مجهولٌ اسمه الكتابة. منذ تلك اللحظة بدأت رحلتي مع دنيا الحرف. تعلّقتُ في بداياتي بعالم الصحافة، وقدّمت بمستهل عمري العديد من التحقيقات الصحفية، وكتبتُ عموداً أسبوعياً في العديد من الصحف المحلية، والمجلات العربية. حطَّ بي الترحال بعدها، وتحديداً عام 2001م إلى كتابة مقال أسبوعي بصفحات الرأي في صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية على مدى خمس سنوات، طرحتُ من خلال مقالي قضايا إنسانيّة واجتماعيّة وسياسيّة تشغل بال القارئ العربي. انتقلتُ بعدها إلى صحيفة "الاتحاد الإماراتيّة"، حيث بدأتُ بكتابة مقال أسبوعي فيها على مدى أكثر من عشر سنوات. خلال تلك المرحلة من حياتي، كان فكري يتأرجح بين أمواج الصحافة، وبين أمواج الأدب، إلى أن جرفني فكري في نهاية الأمر نحو شواطئ الأدب الساحرة، ومن لحظتها لم يعد يستهويني سواها.

كل شيء نقوم به، يقتطع جزءاً من حياتنا، وأحياناً يلتهم كل حياتنا. الكتابة تختلف عن المهن الأخرى، كونها مهنة ترتبط بالفكر والوجدان معاً. من الصعب أن يفصل الأديب بين حميميّة القلب، وثقافة الفكر، مما يُفرز في النهاية نتاجاً جميلاً يعيش أمداً طويلاً بين الناس، إن لم يُخلّده التاريخ لعظمة مكوّناته.

الكتابة الأدبيّة أعطتني أكثر مما أعطيتها. منحتني مُطلق الحرية في قول ما أريد، والقيام بمغامراتٍ مجنونةٍ نسجتها من وحي خيالي، دون أن أخضع لمحاسبة قانونيّة. مجتمعك لا يُعاقبك على ما تقوم به من زلاّت وأخطاء على الورق؛ وإنما يُعرّضك للمحاكمة إذا ضبطك بالجرم المشهود، موثّقاً بالصوت والصورة. قد تقول لي بأن التاريخ سجّل لنا الكثير من المحاكمات لفلاسفة ومفكرين وأدباء، وكانت كل جريرتهم أنّهم سبقوا عصرهم بأفكارهم التنويريّة، ولم يستطع مجتمعهم تقبلها صحيح.. لكنهم مع تطوّر الأزمنة، أصبحوا في نظر مجتمعاتهم أبطالاً ويُشار لهم بالبنان، وتتصدر مؤلفاتهم أهمّ المكتبات.. على عكس من يقوم بارتكاب جريمة أخلاقية، أو يتورّط في جريمة قتل غير إنسانيّة! يظل اسم مرتكبها ملطّخاً، تتوارث أسرته سمعته السيئة من بعده.

ثلاث مجموعات قصصية فقط، وعدد هائل ومثير من السرد الخرافي – الرواية .. لماذا كلّ هذا الحبّ للرواية؟ أو هو زمن الرواية فعلاً؟ أم لأنَّ لقب الروائي الأهمّ والأكثر أناقة وحضوراً وانتشاراً في الفضاء الثقافي العربي؟ ماذا تقولين؟

بدأت مسيرتي الأدبيّة من عالم القصّة القصيرة، ومن خلالها دخلت لبوابة الرواية. كانت رحلة البداية، استكشاف لأغوار نفسي، ولمعرفة الطريق الذي سأسلكه لنهاية عمري. مجموعتي القصصية "نساء عند خط الاستواء"، أُدين لها بالفضل لتعريف العالم العربي باسمي، على الرغم من أنني دفعتُ أثماناً باهظة بسببها، لكن لم أندم لحظة على كتابتي لها، وفخورة بأنها كانت أوّل مجموعة قصصيّة في السعوديّة تميط اللثامَ عن واقع المرأة السعودية بجرأة كبيرة، حيث صدرت عام 1996م.

تمرّغ قلمي في الكتابة الإبداعيّة، دفعني لاكتشاف عالم السرد. لقد عشقته بكل حواسي، واقتنعتُ في النهاية أن كتابة الرواية هو قدري الذي ما زلتُ متمسكة ًبه لحد اليوم. لم أتعلّق به لكونه أكثر حضوراً، فهناك كُتّاب قصّة: كالأديب الروسي أنطون تشيخوف، والأديب المصري يوسف إدريس، اللذين نجحا بفضل كتابة القصة القصيرة في وضعهما بمكانة كبيرة، ولم يستطع أيّ من الأجيال التي جاءت بعدهما ترك بصمات بارزة مثلهما.

يقولُ السيميائي رولان بارت: "الكتابة فنّ طرح الأسئلة، وليست الإجابة عنها"، ما سؤالك الأعظم والمثير الظامئ للأجوبة الناضجة، وأنتِ تكتبين؟

لا أؤمن بالأدب الإصلاحي.. النصائح الدينيّة مكانها منابر المساجد، التي تعظ الناس وترشدهم نحو طريق الصواب، وتحذّرهم من مغبّة الوقوع ببراثن الشر. الإبداع الحقيقي هو الذي يخرج حافياً إلى الطرقات، دون أن يأبه بالنظرات التي ترشقه وتكيل له الاتهامات. الأدب الحقيقي هو الذي يتسكّع في الأزقّة الخلفية، ويُمارس كل تناقضات البشر بكل ما فيها من صواب وخطأ، ويُسجّلها على الورق! لذا دوماً أقول إن الكتابة هي عمل فاضح، كون صاحبها لا يهمه القيل والقال، ولا يعبأ بالسهام التي ترشق ظهره.

هناك سؤال يتردد في فكري.. هل سأترك أثراً بمجتمعي بعد رحيلي؟ هل ستتذكرني الأجيال القادمة ويتناقل الناس أفكاري؟ حقيقة عندما أكتب أفقد بوصلة وجودي، وكل ما أتذكّره في تلك اللحظة قلمي الذي أمسك به بين أصابعي. أفكّر كيف أُفجّر طاقتي على الورق، وكيف أرمي عُصارة فكري بين السطور. نهاية الأمر الكتابة مهنة التضحيات، والكاتب الحقيقي لا يسأل قلمه ماذا ستعطيني مُقابل ما سأقدمه لك! هل سمعتَ عن حبيب يسأل محبوبه، ماذا ستُقدّم لي مُقابل هذا الكم من السعادة التي منحتها لك!

لديَّ اعتزاز بنفسي وبالتاريخ الذي بنيته. لقد عانيت كثيراً منذ صدور مجموعتي القصصية "نساء عند خط الاستواء" وتمَّ التشهير بشخصي، ونال أبنائي جزءاً من هذه المعاناة. أعترف بأنني بكيت، تجرّعت المرارة، رميت بأقلامي وأوراقي في لحظة ضعف، لكن كنت دائماً أشعر بحنين وبشوق إليهما. هناك عشق أبدي يربط بيني وبين القلم والحرف، لا أعرف سببه! لكنني اكتشفتُ أن انغماس المرء في الحب يدفعه بدون أن يدري إلى تخطّي الصعوبات ليصل لمراده. هناك دوماً أسئلة كثيرة في داخلي، بعضها استطعت الإجابة عنه، وبعضها الآخر ما زلت أبحث عن إجابة له. القدرة على مواجهة المجتمع، وتحدّي سلبياته، هو الذي يجعل كاتبة المرأة قادرة على أنْ تُسطّرَ وتكتبَ ما تُريد. عندما تضع يدك على الأشياء الجميلة، التي تتعلمها من دروس الحياة، ستُصبح سيّد نفسك، ولن تخاف من الجلوس على كرسي الاعتراف، وتستطيع أن تواجه الأعين المحدّقة فيك، وأن تخرج من معركتك منتصراً.

يضع النقاد أمام سردك علامات استفهام وتعجب عديدة! أهو بسبب الجرأة واختراق التابو.. أين مواطن الاستفزاز في سردك؟ وكيف يتم محو علامات الاستفهام هذهِ؟

هناك عشرات من الدراسات العليا لطلاّب وطالبات عرب قدّموها في نتاجي الأدبي. بجانب الكثير من الدراسات النقديّة العربيّة التي تمّت كتابتها في نتاجي الأدبي، وهو ما يجعلني فخورة بما قدّمته.

للأسف أغلبية النقاد السعوديين تجاهلوا نتاجي الأدبي، لاعتقادهم أنني حسرت الغطاء عن وجه مجتمعي ليراه القاصي والداني، والنظر إليه على أنّه أدب فضائحي! بجانب خوفهم من أن تلتصق بهم تهمة الانحياز لأدبي الجريء! لذا أنا مدينة بالشكر للنقاد العرب الذين أنصفوني في كتاباتهم وأبحاثهم النقديّة.

عندما تُقرر المرأة الكاتبة أن تكتب وعينها على مجتمعها وتتوجّس من ردود الأفعال، ستُخرج من تحت يدها رواية هزليّة تفوح من سطورها الخوف وعدم الثقة في الذات، وبالتالي تفقد مصداقيتها الأدبيّة، ولا تنال إعجاب قارئها.

يقولُ الفيلسوف شوبنهاور: "الحبّ إحدى حيل غريزة التناسل".. ما رأيك في العبارة؟ ما ذا تضيفين لها؟ وما تعريفك ككاتبة ومبدعة للحبّ؟

لا تُوجد رواية تخلو من عبارة حب. الحب هو أصل الوجود. من دونه تُصبح حياتنا قاحلة لا أزهار تفوح من تربتها، ولا نسيم عليل يمرّ عليها! لا يُوجد مبدع يتنكّر لمشاعره، ويكفر بالحب؛ لأنه إذا تبرأ منه سيتسّرب الجفاف لقلبه، وسينعكس بالتالي على ما يكتب. كل رواياتي تنبض بالحب، لكن الحبّ في رأيي، ليس محصوراً بين رجلٍ وامرأةٍ فقط، فهناك حب الأهل، وحب الأصدقاء وأهمها حبّ الحياة نفسها. يوم نزهد في الحياة ونُعطيها ظهرنا، ولا نرى جوانبها المبهجة، فهذا يعني أننا لم نعد نحبها، وستُعاقبنا على تنكّرنا لها بتجريدنا من إنسانيتنا، وستُصاب حينها أقلامنا بالصقيع، وسينتقل بدون أن ندري إلى الأحرف التي تُسطّرها أقلامنا.

هل شخصياتك أقنعة اجتماعية في قصّ واقعي؟ أم هي لحظة تجلٍ رمزي وخيالي ورومانسي باذخ؟ أمْ ماذا؟

بعد كل مخاض متعسّر يخرج لي مولود جميل للدنيا، فأضمّهُ فرِحةً لصدري وأمسّد شعره وأهدهده بحنو في حجري. ليس هناك أجمل من التورّط في عملية الكتابة. وقد قلتُ في واحدة من ندواتي أن الكتابة فعل فاضح! بمعنى أنك كأديب تظلُّ طوال الوقت منشغلاً بالتلصص على مجتمعك، وعلى ملاحقة السلبيات التي تلمحها في الأزقة الخلفيّة، دون أن تنتابك لحظة من تأنيب الضمير، أو تمنعك أخلاقك من التمادي، كونك كشفت عورات الآخرين أمام الملأ.

"إيقاعات أنثوية" قصائد النثر أهي استراحة من أعباء السرد؟ أم أحلام مخملية يصعب سجنها، أم هي طوق نجاة من مفارقات واقع معيش؟ أم ماذا؟

قصيدة النثر كانت ذات يوم طوق نجاة لمشاعري التي كانت تتأرجح كخلخال شمالاً وجنوباً، ولا أملك الحيلة لإيقافها! كانت قصيدة النثر في الماضي ملاذي الآمن، ألجأ إليها حين أرغب في مداعبة قلبي الموجوع، وأقوم من خلال أشعاري النثريّة بتدليك شرايينه، بأبيات حانية أحياناً، وبأبيات ملتهبة أحياناً أخرى حتّى يعود لرشده. مع نضوج العمر، وتوالي الأيام، هجرتُ قصائد النثر، وغدت الرواية محور حياتي، ووجهتي الحقيقيّة.

حينَ قرأ ماريو برجاس يوسا "مئة عام من العزلة" لماركيز قال: "هذا العمل ما يكفي من الثراء ليكون في مأمنٍ.. وهذا هو سرّ روائع الأدب العظيمة"!
أيّ عملٍ إبداعي سرديّ قرأتيه، يمكنُ أن تضعي على غلافهِ في طبعتهِ الثانية هذه العبارة؟ ولماذا؟

استوقفتني كثيراً رواية "لعبة الحظ" لإيزابيل الليندي. هذه الرواية رغم الأحداث المثيرة التي تتخلل فصول الرواية والتي تشدّك من سطورها الأولى، إلا أن عظمة هذه الرواية تكمن من وجهة نظري، في أنّها تبعث رسالة مهمّة للمرأة والرجل على حد سواء، أن الحب الحقيقي أحياناً، نظل نبحث عنه طوال حياتنا، وقد يُصيبنا الإحباط في لحظة من اللحظات ونفقد الأمل بوجوده، وينتابنا إحساس غريب بأننا كمن يبحث عن قنينة عطر صغيرة وسط محيط شاسع، ثم نكتشف فجأة بأنه كان طوال الوقت أمام أعيينا، يُلازمنا كظلنا ويُرافقنا برحلة حياتنا.

"الرواية هذهِ الكيمياء الإلهية" – ميلان كونديرا!

"الرواية صورة الحياة" – جيمس جويس!

"الرواية هي كتابُ الحياة" – د.ه . لورانس!

أي من العبارات الثلاث الأقرب إلى رؤاك ككاتبة وروائية لها حضورها؟

أقربها إلى رأيي كروائيّة "الرواية هي كتاب الحياة". ليس كل ما نكتبه هو سيرة ذاتيّة لما نمرُّ به! كل بطلة من بطلات رواياتي فيها شيء مني.. قد يكون التمرد! قد يكون الجنون! قد تكون الخيبات التي تعرّضتُ لها على مدار عمري متبوعة بالانكسار.. في النهاية أؤكد لك أن الأديب لا يكتب سيرته؛ وإنما يكتب حياة الآخرين التي تُحرّك خياله، وتدفعه إلى تجسيدها على الورق، من خلال رؤيته الحياتيّة. هذا اللبس المُشاع لدى القرّاء جعل كثيرين يظنون بأن كل رواية تُكتب هي انعكاس لسيرة صاحبها.

في أغلب الأحيان، حيوات الآخرين هي التي تؤثّر فينا، وتستفزُّ دواخلنا، وتدفعنا إلى رسم حكايات خصبة حولهم. عندما تجلس إلى نفسك، تجدها لا شعوريّاً تُقلّب صور أشخاص وأماكن داخل ذهنك. أشخاص قد التقيتَ بهم في صغرك، أو أفراد أثّرت سيرهم فيك، أو مكان جذبك دون غيره، فتلفى نفسك تستلُّ قلمك وتكتب حولها. الرواية هي حصيلة ذكرياتنا.

ليس هناك أصعب على الأديب من أن يكون بحيرةً راكدة لا تُحرّك سطح مجتمعه. يكفيني فخراً أنني أثّرتُ في أجيال من الأديبات الشابات بمجتمعي، مشين على نهجي الأدبي، وهذا يُسعدني كثيراً. أنا مثل الشلال القوي الذي تسمع هديره طوال الوقت، وقد ساهم أدبي بلا شك في أن يكون وثيقة تاريخيّة أدبية للأجيال اللاحقة.

متى تصغين إلى قلبك، وتعطيه الكلمة في غفلةٍ من حرّاس العقل؟ حدثيني!

لم أُوقف عقلي يوماً. دوماً هناك صراع بينهما، وأعتقد بأن هذا الصراع هو الذي خلق مني شخصيّة عنيدة، صارمة. بمطلع شبابي في سن المراهقة، كنتُ مُرهفة الحس، أصغي لقلبي كثيراً، لكن مع مرور الأيام، وصقل التجارب الحياتيّة، هدأت دقّات قلبي، وتركته يخضع لسلطان عقلي؛ لأنّي أدركت أنه هو وحده القادر على حمايتي من العالم الذي أعيش فيه.

هل تعلم متى ألجم عقلي! عندما أُمسك بقلمي، لحظتها أُحرّر قلبي من لجامه، وأجعله يخفق بحريّة، لعابر سبيل، أو لطارق باب، لأنه لن يفلح في ترك جرحٍ غائر فيه، وكل ما عليَّ فعله حينما يخذلني، وأكتشف خيانته، أن أمحي ذكراه بجرّة قلمي، بوضع نهاية قاسية له، أو قتله بوحشيّة في الفصول الأخيرة لروايتي، دون أن أتكّبد أي خسائر على أرض الواقع، أو أقف أمام قاضٍ يُحاسبني على ما اقترفت يداي.

هل الإبداعُ حدس وحسب؟ أمْ هو لحظات غليان عاطفة وفكر وحُلم؟ أمْ ماذا؟

أعرف كثيراتٍ من الأديبات العربيات توارينَ خلف الظلال بعد أن قدّمن طروحات تسبق زمانهن، لكنني ما زلتُ في داخلي تلك الفتاة الصغيرة التي ترفض أن تتخلى عن عنفوان قلمها؛ لأن القلم مثل القلب عندما تضعف نبضاته يقترب من حافة الموت! عندما أستلُّ قلمي لا أفكر في عواقب ما أكتب، بل أنظر إلى ما يُمكن أن يُحدثه قلمي من تغيير نحو الأفضل، وهذا ما يُميّزني عن غيري من كاتبات جيلي. أتمنى أن يظل قلمي لنهاية عمري متّقداً، يشعُّ من أجل رفع راية الحق والتغيير للأفضل.

كانت لكِ مشاركاتك المهمة في الملتقيات والمؤتمرات الثقافية والإبداعية في العواصم العربية، وفي معارض الكتاب الدولية.. برأيك هل تزيد مثل هذه الملتقيات في الإبداع والأدب والثقافة، وتعزز المزيد من التواصل بين المبدعين؟

لقد ساعدتني الملتقيات والمنتديات الثقافيّة على التواصل مباشرة مع الطبقة الثقافيّة من مختلف البلدان العربيّة، والتحاور معهم حول همومنا العربيّة! وأعتقد بأن هذه اللقاءات تفيد في مد الجسور، وفي التعرّف عن قرب إلى الكتّاب والأدباء، وهو ما يمنح كل مثقف الفرصة لعرض آرائه الفكريّة والنقاش وجهاً لوجه. وكل أملي أن يُساهم المثقفون العرب من خلال هذه الملتقيات، في وضع نواة لمشروع ثقافي عربي كبير يخدم الأجيال القادمة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها